دين ودنيا

الصيام ومعانيه

طريف مشوح

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

   
من المعاني الجليلة في الصيام أن فيه تربية على العبودية والاستسلام لله جل وعلا ،فالصائم لا يأكل ولا يشرب إلا إذا غربت الشمس، ويمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات إذا طلع الفجر وذلك امتثالا لأمر الله ، فهو يتعبد الله عز وجل في صيامه وفطره ،ويمثل ذلك الطاعة والاستسلام والانقياد لأمر الله تعالى .
كما أن الصوم يربي في النفس مراقبة الله عز وجل، وإخلاص العمل له، والبعد عن الرياء والسمعة ،فهو عبادة بين العبد وربه ،ولهذا جاء أن الصوم عبادة السر،،لأن بإمكان الإنسان ألا يصوم، وأن يتناول المفطرات دون أن يشعر به أحد ،والتزام الإنسان بالصيام دليل على قناعته أن الله تعالى مطلع على السرائر والخفايا ولهذا المعنى اختص الله جل وعلا الصوم من بين العبادات ،ولم يجعل له جزاءً محددًا

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابو هريرة : ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ،قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه اطيب عند الله من ريح المسك) .(صحيح مسلم).
والصوم يربي المسلم على التطلع إلى جزاء الدار الآخرة, وانتظار ما عند الله عز وجل ،حيث يتخلى الصائم عن شهوات النفس وملاذها , تطلعا لما عند الله من الأجر والثواب , وفي ذلك تأكيد على الإيمان بالآخرة , والتعلق بها , والترفع عن عاجل الملاذ الدنيوية .
وهو يربي النفس على الصبر,،وقوة الإرادة والعزيمة، ولا يتجلى الصبر في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم ،وبما أن المقصود من الصوم هو حبس النفس عن الشهوات و المألوفات ،لهذا كان الصوم نصف الصبر، والله تعالى يقول : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
 وهو تربية للمجتمع ، وتنمية للشعور بالوحدة والتكافل بين المسلمين ،فعندما يرى الصائم الناس من حوله صياما كلهم فإنه يشعر بالترابط والتلاحم مع هذا المجتمع فالكل صائم ،والكل يجوع في سبيل الله عز وجل. والكل يمسك ويفطر دون تفريق أو تمييز، إن أكرمهم عند الله أتقاهم ،وأفضلهم أزكاهم .
كما إن الصوم يضيّق مجاري الدم , ويخمد الشهوات، ويقلل فرص إغواء الشيطان لابن آدم ،ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الصوم جنة) ، أي وقاية يتقي به العبد الشهوات والمعاصي ،ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم من اشتدت عليه الشهوة مع عدم قدرته على الزواج بالصيام ،وجعله وجاء ووقاية لهذه الشهوة فقال في الحديث الذي رواه ابن مسعود: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء) رواه البخاري ومسلم.
والباءة: تكاليف الزواج ومؤنته.
المقصود بالوجاء : قطع الشهوة وابعادها.
و بصوم الصائم فانه  يتذكر الجائعين والمحتاجين , فيتألم لآلامهم ،ويشعر بمعاناتهم ،فالذي لا يحس بالجوع والعطش قد لا يشعر بمعاناة غيره من أهل الفقر والحاجة .
ومحصلة تلك المعاني السابقة هي تحقيق تقوى الله عز وجل وهي ثمرة الصوم ونتيجته . قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة ١٨٣.
فإذا صام الإنسان توجب أن ينعكس ذلك على حياته وسلوكه لذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) اخرحه للبخاري وابو داود والترمذي.
وقال في الحديث الذي رواه ابو هريرة 🙁 رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ) اخرجه النسائي وابن ماجة. وقال جابر رضي الله عنه ” إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الجار ،وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ،ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء “.
اللهم اجعل صيامنا خالصًا لوجهك متقبلًا بكرمك واجعله يارب وفقًا لتوجيه وارشاد نبيك.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى