دين ودنيا

القواعد الفقهية
(42)
الْقَاعِدَةُ الثامنةُ وَالثَّلَاثُونَ
إِذا بَطل الأَصْل يُصَار إِلَى الْبَدَل

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

القواعد الفقهية
(42)
الْقَاعِدَةُ الثامنةُ وَالثَّلَاثُونَ
إِذا بَطل الأَصْل يُصَار إِلَى الْبَدَل
وردت هذه القاعدة بألفاظ أخرى مثل:

  • يقوم البدل مقام المبدل منه إذا تعذر المبدل منه.
  • بدل الشيء يقوم مقامه.
  • إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل.
  • البدل يسد مسد الأصل ويحل محله.
  • لا يجتمع البدل والمبدل منه.
  • الأصل لا يجتمع مع البدل. أو: الأصل والبدل لايجتمعان
  • لا يقوم البدل حتى يتعذر المبدل منه
    معنى القاعدة:
    بَدَلُ الشيء: غيره، والخَلَفُ منه، يقال: بَدَل، وبِدْل لغتان. (انظر مادة بدل في الصحاح ، والقاموس المحيط ).
    والمُبدل منه هو: الشيء الأصلي الذي يقوم البدل مقامه.
    والمعنى الإجمالي: إِذا بَطل الأَصْل بِأَن صَار متعذراً، فإنه يُصَار إِلَى الْبَدَل. وَلَا يُصَار إِلَى الْبَدَل مَا دَامَ الأَصْل مُمكنا ، فيجب رد عين الْمَغْصُوب إِذا كَانَ قَائِما فِي يَد الْغَاصِب، لِأَنَّهُ تَسْلِيم عين الْوَاجِب، وَهُوَ الأَصْل على الرَّاجِح، لِأَنَّهُ ردّ صُورَة وَمعنى؛ وَتَسْلِيم الْبَدَل رد معنى فَقَط، وَهُوَ خلف عَن الْوَاجِب، وَالْخلف لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد الْعَجز عَن الأَصْل.
    أما إِذا تعذر رد الأَصْل، وَهُوَ رد عين الْمَغْصُوب بِأَن كَانَ هَالكا أَو مُسْتَهْلكا، فَيجب حِينَئِذٍ رد بدله من مثلٍ، أَو قيمَة. (شرح القواعد الفقهية ص287)
    وبعبارة أخرى: الأصل: هو ما يجب أولاً كالماء للطهارة.
    البدل: ما يقوم مقام الأصل عند عدمه كالتيمم بالتراب، فتدل هذه القواعد على أن البدل لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأصل.
    وهذه القاعدة مسوقة لبيان الحكم فيما شرعه الله عز وجل من التكاليف وشرع له بدلاً يصار إليه عند تعذر الأصل بسبب عدمه أو لحوق المشقة به وهو أن هذا البدل يقوم مقام أصله الذي أبدل منه، وتبرأ الذمة بالإتيان بالبدل وهذا المعنى ظاهر فيما يكون سبب الانتقال فيه إلى البدل هو عدم القدرة على الإتيان بالأصل لسبب متعلق بالمكلف من عجز ونحوه، وهو التعذر حقيقة وهو أكثر ما يراد بالقاعدة. إلا أن البعض قد استدل لهذه القاعدة بما يدل على أنه قد يدخل في عمومها ما يمكن أن يطلق عليه التعذر مجازا وهو ما يكون مشروعا على سبيل التخيير أصلا، فقد استدل بعضهم بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإن هذه الآية تدل على المعنى الأول في حق المريض، أما المسافر فهو مخير بين صيام رمضان وصيام أيام أخر، والقاعدة يمكن إدراجها تحت قاعدة: (إذا ضاق الأمر اتسع) أو نحوهما.
    إلا أن لهذه القاعدة نوعا من الخصوص وهو البدل، أما في قاعدة: (إذا ضاق الأمر اتسع) فلا يلزم وجود البدل، والله أعلم. (القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 2/ 631)
    وجه التيسير:
    وجه التيسير في هذه القاعدة أن الله تعالى شرع في كثير من التكاليف ما يقوم مقامها ويكون بدلا عنها عند العجز عن الامتثال أو عمد حصول المشقة مع المقدرة فتبرأ ذمة المكلف، ويحصل له ثواب الامتثال من غير مشقة أو عنت، وقد يَكِلُ الله تعالى ذلك إلى اختيار المكلف دون تقييد بعدم القدرة على الإتيان بالأصل وهنا يكون التيسير أظهر.
    دليل القاعدة:
    يدل لهذه القاعدة عدد من الآيات والأحاديث التي فيها النص على أحكام شُرعت وشرع بدل عنها عند تعذره، وهي كثيرة جدا أذكر نماذج منها:
    فمن القرآن الكريم:
    1- قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (البقرة 184) فالتيمم بدل عن الطهارة بالماء يقوم مقامها إذا تعذر الإتيان بها.
    2- قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة 185) ، وقد تقدم بيان وجه الاستدلال.
    ومن الأحاديث:
    3- قوله صلى الله عليه وسلم لمن جامع امرأته في نهار رمضان: “هل تجد رقبة تعتقها؟ ” قال لا. قال: “فهل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ “. قال: لا. قال: “فهل تجد إطعام ستين مسكينا “… ” الحديث.
    4- قوله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” أخرجه الإمام مسلم (مسلم بشرح النووي كتاب الإيمان/ باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
    وكل دليل دل على رخصة شرعية إلى بدل فهو دليل لهذه القاعدة، وكل ما دل على وجوب كفارة أو نحوها على سبيل الترتيب فهو كذلك
    الإجماع:
    لا خلاف بين العلماء في هذه القاعدة من حيث الجملة، فإنهم قد أجمعوا على مشروعية التيمم، وهو بدل عن الطهارة بالماء عند تعذرها، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وهو بدل عن غسل الرجلين عند اختيار المكلف له، وهكذا في أمور كثيرة فدل ذلك على الاتفاق على هذه القاعدة وإن لم ينص بعضهم عليها لظهورها، أو لاندراجها تحت قواعد أخرى، والله أعلم.
    تطبيقات وفروع وأمثلة:
  • اقرأ: القواعد الفقهية (38) القاعدة الرابعة والثلاثون لاعبرة بالظن البيّن خطؤه
    يتفرع على القاعدة مسائل عديدة منها:
    1- لَو عقد الْإِجَارَة على شهر، فَإِن وَقع العقد فِي ابْتِدَاء الشَّهْر اعْتبر الْهلَال، إِذْ هُوَ الأَصْل، وَإِن فِي أَثْنَائِهِ تعذر اعْتِبَار الأَصْل وَهُوَ الْهلَال، فيصار إِلَى الْبَدَل وَهُوَ الْأَيَّام.
    2- لَو بَاعَ بِالْوكَالَةِ عَن الْمَالِك، وَكَانَ للْمُشْتَرِي دين على الْمُوكل وَدين على الْوَكِيل، تقع الْمُقَاصَّة بدين الْمُوكل دون دين الْوَكِيل. فَإِذا لم يكن لَهُ دين على الْمُوكل بل كَانَ دينه على الْوَكِيل فَقَط وَقعت الْمُقَاصَّة بِهِ، وَيضمن الْوَكِيل للْمُوكل، لِأَنَّهُ قضى دينه بِمَالِه (رد الْمُحْتَار، من الْوكَالَة، قبيل بَاب الْوكَالَة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء، نقلا عَن الْعَيْنِيّ) .
    3 – من غصب شيئاً فيجب رد عين المغصوب على الوجه الذي ورد عليه دون نقص أو تغيير، ما دامت العين قائمة، فإذا هلك المغصوب، أو تعذر رد الأصل بان كان هالكاً أو مستهلكاً فيجب حينئذ رد بدله من مثلٍ أو قيمة
    4 – وكذا كل ما هلك من الوديعة والعارية، وما شاكل ذلك، بالتعدي أو التقصير، فإنه يرد بدله من مثل أو قيمة، لأنه لما تعذر الأصل صير إلى البدل.
    5 – إِذا أعْطى الْغَاصِب للْمَغْصُوب مِنْهُ رهنا بِعَين الْمَغْصُوب، ثمَّ تلفت الْعين الْمَغْصُوبَة فِي يَد الْغَاصِب، فَإِن الرَّهْن يكون حِينَئِذٍ رهنا ببدلها من مثلٍ أَو قيمَة.
    6- لَو أعْطى الْمُسلم إِلَيْهِ لرب السّلم رهناً بِعَين الْمُسلم فِيهِ، ثمَّ انْفَسَخ عقد السّلم بِوَجْه مَا، فَإِن الرَّهْن يصير رهناً بِرَأْس مَال السّلم الَّذِي قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ.
    7- لَو كَانَ رَأس مَال السّلم قيمياً كالحيوان، فَقَبضهُ الْمُسلم إِلَيْهِ فَهَلَك فِي يَده ثمَّ تَقَايلا، أَو تَقَايلا ثمَّ هلك، صحت الْإِقَالَة، وَعَلِيهِ قِيمَته لرب السّلم، (كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَر، من أَوَاخِر السّلم) . (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 520)
    8 – يجب تَسْلِيم عين بدل الْإِجَارَة إِذا كَانَ عرضاً، فَإِذا هلك الْعَرَضُ قبل تَسْلِيمه يجب أجر الْمثل بَالغاً مَا بلغ
    9 – لَو ادّعى دَارا فَقَالَ ذُو الْيَد: إِنَّه وقف على الْفُقَرَاء وَأَنا متولٍ عَلَيْهِ، صَحَّ إِقْرَاره وَيكون وَقفا. فَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفه ليَأْخُذ الدَّار لَو نكل لَا يحلف اتِّفَاقًا، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه ليَأْخُذ الْقيمَة فعلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يحلفهُ وَإِن نكل يَأْخُذ مِنْهُ الْقيمَة، ويفتى بقول مُحَمَّد.
    10 – وَكَذَلِكَ لَو ادّعى على الْوَرَثَة عينا كَانَ وَقفهَا مُورثهم فِي صِحَّته فأقروا لَهُ ضمنُوا قيمَة الْعين من التَّرِكَة، وَلَا يبطل الْوَقْف بإقرارهم. وَلَو أَنْكَرُوا فَلهُ تحليفهم لأخذ الْقيمَة، أما لَو أَرَادَ تحليفهم لأخذ الْوَقْف، فَلَا يَمِين لَهُ عَلَيْهِم. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 520)
    11- ومنها:البدل عن الهدي أو الأضحية إذا تلفت.
    12- البدل عن الوقف إذا تعطلت منافعه.
    13- التيمم، والمسح على الخفين كما تقدم فَإِن هَذِه الْمسَائِل صير فِيهَا إِلَى الْبَدَل عِنْد عدم إِمْكَان الأَصْل.
    14- المتمتع إذا عجز عن الهدي ينتقل إلى الصوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى