منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة (155)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة
(155)
الجزء الرابع: الدولة العثمانية
34- تابع السُّلْطَان عبد الحميد خَان الثَّانِي
توَلى الخلافة 18 شعْبَان 1293هـ = 7 سبتمبر 1876م
خلع سنة 1327هـ = 1909م
وكانت مدة خلافته أكثر من 33 سنة.
وتسلم الحكم بعده أخوه محمد رشاد، لكن مجرد صورة دون فعل.
توفي عام 1336هـ .
وَاقعَة بلفنه
وَبعد تقهقر الروس أمام بلفنه ووصول المدد من جَمِيع الْجِهَات أمكن العثمانيين الهجوم بعد الِاقْتِصَار على الدفاع، وانقسم الْجَيْش إِلَى ثَلَاث فرق الأولى انضمت إِلَى عُثْمَان باشا فِي بلفنه للدفاع عَنْهَا وَالثَّانيِة تَحت إمرة مُحَمَّد عَليّ باشا السردار الاكرم جعلت وجهتها محاربة الْجَيْش الْقَائِد لَهُ الْبُرْنُس اسكندر ولي عهد القيصر، وَالثَّالِثَة تَحت إمرة سُلَيْمَان باشا الَّذِي اشْتهر أولا فِي محاربة ثائري البوسنه والهرسك، وَوجه اهتمامه لاسترداد مضايق شيبكا من أيدي الروس وكادت الفرقتان الأخيرتان تتمّ ماموريتهما فتتحد الجيوش العثمانية وتسير مَعًا لإرجاع الروس وقهرهم على اجتياز نهر الطونه خائبين، لَوْلَا خِيَانَة أمير رومانيا، ومجيئه إِلَى ميدان الْقِتَال بِنَحْوِ مائَة ألف مقَاتل ملئت قلوبها غلاً للدولة الْعلية صَاحِبَة السِّيَادَة، ومجيء قَيْصر الروس بِنَفسِهِ لتشجيع العساكر على الْحَرْب وَبث روح الثَّبَات والاقدام فيهم فَانْقَلَبت الْحَال وَلم تَجِد العثمانيون انتصاراتهم المتعددة على الروس حوالي بلفنه وأمام مضيق شيبكا لتوارد المدد يومياً من الروسيا، ثمَّ صمم الروس على محاصرة بلفنه، لتيقنهم من اسْتِحَالَة اخذها هجوماً نظرا لمناعة المعاقل والحصون الَّتِي أقامها عُثْمَان باشا حولهَا، وَاسْتمرّ الْقِتَال حولهَا وَلَا شَيْء يثنى عُثْمَان باشا وجيوشه عَن الدفاع حَتَّى نفذ مَا كَانَ عِنْده من الذَّخَائِر والمؤن، فعزم على الْخُرُوج بجيوشه والمرور من وسط الأعداء فيسلموا وَيسلم مَعَهم أوْ يموتوا شُهَدَاء الدفاع عَن بَيْضَة الإسلام، وَلما كَانَ يَوْم 10 دسمبر سنة 1877 وَخَرجُوا جَمِيعًا من جِهَة وَاحِدَة مهللين ومكبرين، فقابلهم الْعَدو بمقذوفاته الجهنمية، أما اليوث العثمانية فلم تعبأ بهم بل استمرت فِي سَيرهَا عدواً نَحْو الاستحكامات الَّتِي كَانَ أقامها الروس حول الْمَدِينَة على ثَلَاثَة خطوط متعاقبة، ونفذوا كالسيل المنهمر على مدافع الْخط الأول وَالثَّانِي، وكادت تستولي على الْخط الثَّالِث وتتخلص من هَذَا الْحصار وتفوز بالنصر الْمُبين، لَوْلَا أن أصيب قائدهم عُثْمَان باشا الْغَازِي برصاصة نفذت من سَاقه الايسر وَقتلت حصانه فَسقط هَذَا الشجاع على الأرض وظنت عساكره أنه اسْتشْهد وبمجرد مَا شاع خبر مَوته الْغَيْر حَقِيقِيّ، استولى الفشل على جَمِيع الْجنُود واستسلموا، واضطر القائد العثماني عثمان باشا إلى الاستسلام وهو جريح وتوقف القتال في الجبهة الأوربية (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 632، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179، بترقيم الشاملة آليا)

اقرأ: المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة (151)


وعندما دخل عُثْمَان باشا على الامبراطور قَامَ إجلالا لَهُ، وَسلم عَلَيْهِ، وأظهر لَهُ إعجابه من دفاعه، ومحاولته الْخُرُوج من بَين صُفُوف المدافع المحيطة بِهِ، ثمَّ قَالَ لَهُ: إني أرد إليك سَيْفك عَلامَة على احترامي لَك وإكباري لشجاعتك وأجيز لَك أن تحمله فِي بلادي، وَعند انْصِرَافه سلم اليه الجنرال ماجور استين سَيْفه ثمَّ عَاد إِلَى منزله وَفِي 16 دسمبر انْزِلْ فِي قطار مَخْصُوص إِلَى مَدِينَة كركوف حَيْثُ امْر بالاقامة إِلَى انْتِهَاء الْحَرْب، ومع العلم أن جيوش عُثْمَان باشا لَا تزِيد عَن خمسين الْفَاً وَلم يكن مَعَهم من المدافع سوى 77 مدفعاً مَعَ أن الْجَيْش الروسي الَّذِي خصص لحصار بلفنه بلغ 150 ألف جندي و 600 مدفعاً. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 633)

  • أما في شرقي الأناضول فقد حاصر الروس عدة مدن وقلاع ومنها قارص وباطوم إلا أنهم اضطروا لفك الحصار عنها والتراجع بجهود أحمد مختار باشا وإسماعيل حقي باشا، وانتصر العثمانيون على الروس في ستة وقائع، حَتَّى ردوا غَارة الروس عَن بِلَادهمْ وتبعوهم إِلَى دَاخل بِلَاد الروسيا. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 634، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    فِي 17 مايوأخذ الروس أردهان عنْوَة، واحتلوا مَدِينَة بايزيد فِي 20 مايو وانتصروا على العثمانيين فِي 10 يونيه وَفِي 21 مِنْهُ (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 635)
    وَفِي اثناء ذَلِك تمكن احْمَد مُخْتَار باشا من تَرْتِيب الجيوش الَّتِي أتت إليه من كل فج وأعلبها غير مُنْتَظم، واحتل مرتفعات زوين بِقُوَّة عَظِيمَة، وأرسل إسماعيل حَقي باشا من جَيش الأكراد لمهاجمتهم، فانتصر عَلَيْهِ مُخْتَار باشا انتصاراً عَظِيما فِي 25 اغسطس سنة 1877 لم يسع الروس بعده الا التقهقر بغاية الفشل وَرفع الْحصار عَن مَدِينَة قارص قَاصِدين مَدِينَة الكسندروبول الروسية وتقهقر كَذَلِك الجنرال درهو جاسوف إِلَى تخوم الروسيا يتبعهُ اسماعيل حَقي باشا بِقُوَّة عَظِيمَة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 635)
  • وَبعد ذَلِك انتصر العثمانيون على الروس فِي سِتَّة وقائع مَشْهُورَة مِنْهَا وَاقعَة كدكلر الَّتِي لما بلغ السُّلْطَان خَبَرهَا أرسل إِلَى أحْمَد مُخْتَار باشا فرمانا بإظهار ممنونيته تَارِيخه 18 شعْبَان سنة 1294هـ = 28 اوغست 1877 (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 635، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 175، بترقيم الشاملة آليا)
  • في رمضان 1294هـ = 1877م انتصر الجيش العثماني بقيادة القائد أحمد مختار باشا على الجيش الروسي، واستطاع إحراز هذا الانتصار بجيش قوامه 34 ألف جندي على الجيش الروسي المكوَّن من 740 ألف جندي، وخسر الروس في هذه المعركة 10 آلاف قتيل. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 635، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 176، بترقيم الشاملة آليا)
  • في شوال 1294هـ = 1877م تغلب الجيش الروسي على الجيش العثماني الذي يقوده أحمد مختار باشا في معركة “آلاجاداغ”، بعد عدة انتصارات لمختار باشا على الروس في جبهة الأناضول. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 177، بترقيم الشاملة آليا)
    وقد طلب الروس إمدادات فجاءتهم جيوش جرارة ولم يتمكن العثمانيون من إرسال الإمدادات إلى الجبهة وجاء الهجوم الروسي الثاني فتراجعت الجيوش العثمانية حيث انسحب أحمد مختار باشا وبسقوط قارص في جبهة الأناضول فِي 18 نوفمبر سنة 1877 بعد حصارها، وبعد أن حاول مُخْتَار باشا ومن معه بهَا الْخُرُوج من وسط المدافع الروسية. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص637، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    وسقوط بلافنا بعدها بشهر فِي 10 دسمبر على الجبهة الأوربية استأسد الصرب فأعلنوا الحرب على الدولة العثمانية بعد لقاء بين إمبراطور روسيا وأمير الصرب، وسارت عساكرهم على الْفَوْر للإنضمام إِلَى جيوش الروسيا، وَاتفقَ مَعَه على مَا يُعْطي لَهُ بعد الْحَرْب جَزَاء خيانته، وقد أصدر الباب العالي منشوراً يعلن عزل أمير الصرب عن إمارته ويوضح للسكان هذه الخيانة لم يجد ذلك نفعاً، (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص637، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    وَمن جِهَة أخرى فإن إمارة الْجَبَل الأسود لم تتفق مَعَ الْبَاب العالي على الصُّلْح قبل إعلان الروسيا الْحَرْب، وَلذَلِك اشْترك جيشها فِي الْقِتَال بكيفية كَانَت نتيجتها تَعْطِيل جُزْء لَيْسَ بِقَلِيل من عَسَاكِر الدولة فِي محاربته، وَعدم إمكان هَذَا الْجُزْء محاربة الروسيا فِي جِهَات البلقان. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 638، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    وَلما توالت الْحَوَادِث الْمَذْكُورَة طلب الْبَاب العالي من الدول التَّوَسُّط بَينه وَبَين الروسيا لإبرام الصُّلْح وحقن دِمَاء الْعباد وأرسل بذلك منشوراً إِلَى الدول السِّت الْعِظَام فَلم يرد لَهُ جَوَاب شاف بل كَانَت كل مِنْهَا تود انكسار الدولة تَمامًا قبل التدخل فِي الصُّلْح حَتَّى يُمكنهَا التهام قِطْعَة من أملاكها نَظِير توسطها. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 638)
    وجهت روسيا جَمِيع جيوشها إِلَى مَا وَرَاء جبال البلقان للإغارة على بِلَاد البلغار، والرومللي الشرقية، واحتلال مدائنها بمساعدة الْجَيْش الصربي، فاحتلوا صوفيا عَاصِمَة البلقان فِي 4 يناير 1878م، ثمَّ احتلوا مَدِينَة فليبه، وأخيراً دخلوا مَدِينَة أدرنة، وَمِنْهَا سَار الروس نَحْو الاستانة وتقدموا بِدُونِ أن يَجدوا مُعَارضَة تذكر، إِلَى مَسَافَة خمسين ميلاً من استانبول. (تاريخ الدولة العثمانية ص 639، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    وَلذَلِك لم تَرَ الدولة الْعلية بداً من طلب الصُّلْح، وَقبُول مَا يَطْلُبهُ الْعَدو، لعدم قدرتها على اسْتِمْرَار الْقِتَال، وتبديد جيوشها ووصول الْعَدو إِلَى ضواحي الاستانة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 639، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    وعندما اقتربت الجيوش الروسية من أراضي البلغار انقض النصارى على المسلمين، يفتكون بهم ذبحاً وقتلاً، وفرت أعداد كبيرة من المسلمين متجهة نحو استنبول، وأرسل الباب العالي وفداً عسكرياً لوقف القتال، فقابل الوفد الروسي وتوقف القتال، وأعلن الباب العالي عن رفع الحصار عن سواحل البحر الأسود، ولما علمت إنكلترا أن قوات روسيا أصبحت على مقربة من استنبول أمرت قطعاتها البحرية بدخول مضيق البوسفور ولو بالقوة وقد تم ذلك، وأرادت روسيا مقابل ذلك أن ترسل قوات إلى استنبول بحجة حماية النصارى ثم اتفقت الدولتان وهدأت الأوضاع. (تاريخ الدولة العثمانية ص 639، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 179)
    المخابرات الابتدائية والهدنة
    صَار التوقيع على اتفاقين أحدهما بَين العراندوق نيقولا وسرور باشا ونامق باشا مفاده منح الِاسْتِقْلَال الإداري للبلغار، والاستقلال السياسي للمملكتين رومانيا والجبل الأسود مَعَ تَعْدِيل فِي حدودهم وإعطائهم بعض أراض من أملاك الدولة، وَالْآخر بَين نجيب باشا وَعُثْمَان باشا ومندوبين عسكريين من قبل الغراندوق يخْتَص بِبَيَان شُرُوط المهادنة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 640)
    وأوقفت الحركات العدوانية من السَّاعَة السَّابِعَة من يَوْم 31 يناير سنة 1878م، ثمَّ أعلن الْبَاب العالى فِي 5 فبراير رَفْع الْحصار عَن سواحل روسيا الْوَاقِعَة على الْبَحْر الْأسود، وَلما علمت الدول بالهدنة والأتفاق على مبايء الصُّلْح طلبت النمسا من إنكلترا عقد مؤتمر من مندوبي الدول الموقعة على معاهدة باريس، المبرمة فِي سنة 1856 ينظر فِي شُرُوط الصُّلْح خوفًا من أن يكون لَهَا مَا يجحف بِحُقُوق الدول الأخرى، فَقبلت إنكلترا، ثمَّ توقفت هَذِه المخابرات بِسَبَب محاولة الروسيا ورغبتها فِي إنهاء الصُّلْح بِدُونِ توَسط بَاقِي الدول، فإنها لم تبلغ صُورَة هَذِه الاتفاقيات إِلَى الدولة الْعلية، وَلَا بَاقِي الدول إلا بعد إمضائها بِثمَانِيَة أيام، وَلم تنشر فِي الجريدة الرسمية إلا فِي 15فبراير 1878م. (تاريخ الدولة العثمانية ص 641)
    وَفِي هَذِه الفترة اضْطَرَبَتْ الأفكار فِي أوروبا وأشيع أن العساكر الروسية قد احتلت الاستانة، وَمَعَ تَكْذِيب هَذِه الاشاعة رسمياً، فقد أمرت إنكلترا سفنها الراسية فِي خليج بزيكا بالتوجه إِلَى الاستانة لحماية رعاياها، وَفِي الْحَقِيقَة لمراقبة حركات الروسيا، ومنعها بِالْقُوَّةِ لَو ارادت احتلال الاستانة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 641) وَدخلت المراكب الانكليزية أمام الأستانة فِي مياه البوسفور خوفًا من احتلال الروس لَهَا. (تاريخ الدولة العثمانية ص 642)
    طلب الْقَائِد الروسي من الدولة إدخال بعض أُورَط من المشاة بالاستانة، فاعترضت إنكلترا، وَبعد مخابرات طَوِيلَة قَالَت روسيا إنها لَا يدْخل عساكرها إِلَى الأستانة إلا لَو أنزلت إنكلترا بعض عساكرها إِلَى الْبر، وَمَا دَامَت إنكلترا لَا ترغب ذَلِك، فَلَا خوف على الأستانة من احتلال الروس، وَبِذَلِك انْتهى هَذَا الاشكال وَبقيت الْجنُود الروسية معسكرة خَارج الْمَدِينَة لَا تتعدى الْحُدُود الَّتِي رسمت لَهَا بِمُقْتَضى اتفاقية 31 يناير الْمَاضِي. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 649)
    وَفِي أثناء ذَلِك ابتدأت المخابرات بَين الْبَاب العالي والغراندوك نيقولا بِمَدِينَة أدرنه للوصول إِلَى الصُّلْح النهائي، وتوجه إلى أدرنة نامق باشا، وقبل عدم احتلال الاستانة بِشَرْط ان تحتل مُقَدّمَة الْجَيْش الروسي خطّ بيوك جكمجه وكوجك جكمجه من ضواحي الاستانة، وأن تنسحب العساكر العثمانية إِلَى مَا وَرَاء هَذَا الْخط، وأن ينْقل مَرْكَز المخابرات من مَدِينَة أدرنه إِلَى قَرْيَة سان اسطفانوس الْوَاقِعَة على بَحر مرمره، فَقبلت الدولة هذَيْن الشَّرْطَيْنِ منعاً لاحتلال الاستانة، وَفِي 24 فبراير سَافر الغراندوك إِلَى هَذِه الْقرْيَة، وَصَحبه إليها نَحْو الف جندي بِصفة حرس وَلم يلبث هَذَا الْقدر أن أخذ فِي الإزدياد حَتَّى بلغ من بهَا نَحْو عشْرين الف مقَاتل بِدُونِ أن يكون للدولة سَبِيل لمنعهم (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 650)
    ثمَّ إن مندوبين عن العثمانيين أتيا إِلَى سان اسطفانوس وابتدأت المداولات بَينهم وَبَين الجنرال اغناتيف الَّذِي انتدبته الروسيا لهَذِهِ الْغَايَة، وَبعد عدَّة اجتماعات أخبرهما الْمَنْدُوب الروسي بِوُجُوب التَّصْدِيق على الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة مِنْهُ قبل يَوْم 3 مارس سنة 1878 الْمُوَافق عيد القيصر، وإلا فَتبْطل الْهُدْنَة، وتتقدم العساكر الروسية إِلَى الاستانة، وَلذَلِك لم يَتَيَسَّر للمندوبين العثمانيين أن يفحصا الشُّرُوط فحصاً مدققاً، لضيق الْوَقْت ولتهديد الجنرال اغناتيف لَهُم وَقطع العلاقات وسوق العساكر عِنْد ادنى مُعَارضَة تبدو مِنْهُمَا. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 650)
    وَفِي يَوْم 3 مارس جمع الغراندوك عساكره الْمَوْجُودَة بسان اسطفانوس وتوجه إِلَى قاعة اجْتِمَاع المندوبين وَطلب مِنْهُم التَّصْدِيق عَلَيْهَا فِي هَذَا الْيَوْم والا فتسير العساكر المنتظمة للاستعراض نَحْو الاستانة فِي مسَاء الْيَوْم الْمَذْكُور، فاضطر المندوبان العثمانيان إِلَى التوقيع عَلَيْهَا بِدُونِ حُصُول مداولة فِي كثير من بنودها، ثم خرج الجنرال اغناتيف وَمَعَهُ صُورَة المعاهدة ممضاة من مندوبي الدولة إِلَى الغراندوك. وحررت هَذِه المعاهدة فِي اياستفانوس فِي 19 شباط الرُّومِي و 3 اذار مارس الافرنجي سنة 1878م. (تاريخ الدولة العثمانية ص 651)
    معاهدة سان استيفانوس وانسحاب تركيا من أوروبا.
    في صفر 1295هـ =19 شباط و 3 اذار سنة 1878م
    بعد الحرب مع روسيا التقى مندوبو الدولة العثمانية ومندوبو روسيا في بلدة قرب إستنبول على بحر مرمرة تسمى سان استيفانوس وذلك بعد محادثات تقدم فيها الروس قليلا عن خط وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه ونقل أيضاً مركز المحادثات من أدرنة على هذه القرية، وقدم المندوب الروسي شروطاً مسبقة وطلب التوقيع عليها مباشرة وإلا تتقدم الجيوش الروسية وتحتل إستنبول، ولم يكن للعثمانيين من خيار سوى التوقيع وتنص المعاهدة على: تعيين حدود جديدة للجبل الأسود لإنهاء النزاع، وتحصل هذه على الاستقلال، وإذا حدثت خلافات جديدة تحلها روسيا والنمسا، تستقل إمارة الصرب وتضاف لها أراضٍ جديدة، وتحدد الحدود حسب الخريطة المرفقة، وبمساعدة الروس، تأخذ بلغاريا استقلالاً إدارياً وتدفع مبلغاً محدداً إلى الدولة العثمانية ويكون موظفو الدولة والجند من النصارى فقط، وتعين الحدود بمعرفة العثمانيين والروس، وينتخب الأمير من قبل السكان ويخلي العثمانيون جنودهم نهائياً من بلغاريا، ويحق للعثمانيين نقل جنودهم إلى ولايات أخرى ضمن الأراضي البلغارية، تحصل دولة رومانيا على استقلالها التام، يتعهد الباب العالي بحماية الأرمن النصارى من الأكراد والشركس، يقوم الباب العالي بإصلاح أوضاع النصارى في جزيرة كريت، تدفع الدولة العثمانية غرامة مالية حربية قدرها أكثر من 245 مليون ليرة ذهبية، ويمكن لروسيا أن تتسلم أراضي مقابل المبلغ، تبقى المضائق البوسفور والدردنيل مفتوحة للسفن الروسية في زمن السلم وزمن الحرب، يمكن للمسلمين الذين يعيشون في الأراضي التي اقتطعت من الدولة العثمانية أن يبيعوا أملاكهم ويهاجروا إلى حيث يريدون من أجزاء الدولة العثمانية. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 652، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 9/ 182، بترقيم الشاملة آليا)
    وَمن تَأمل إِلَى خريطة الدولة الْعلية يَتَّضِح لَهُ أن الروسية قد محت تركية من أوروبا بأجمعها تَقْرِيبًا من الْعَالم السياسي (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 664)
    واعترف الْبَاب العالي ضمن هَذِه المعاهدة باستقلال كل من الصرب والجبل الاسود ورومانيا اسْتِقْلَالا سياسيا تَاما وبالتنازل لمملكة رومانيا عَن اقليم الدبروجه مُقَابل سلخ اقليم بساربيا من رومانيا وَضمّهَا إِلَى الروسيا، وأضافوا إِلَى إمارة البلغار بلادا كَثِيرَة أغلب سكانها من الأروام والصرب، وَإِلَى الصرب والجبل الاسود بلاداً بهَا كثير من الارنؤود المسيحيين وَالْمُسْلِمين وَلذَلِك كَانَ كل من هَذِه الامم غير رَاضٍ عَن هَذِه المعاهدة الَّتِي لم يراع فِيهَا الا صَالح سياسة الروسيا، وحرروا عدَّة مكاتبات موقع عَلَيْهَا من كثير من أعيانهم وأرسلوها إِلَى سفراء الدول طَالِبين النّظر فِي هَذِه المعاهدة، وصون حُقُوقهم، وَكَذَلِكَ كَانَ الرَّأْي الْعَام الاوروبي ناقماً على الروسيا لوُجُود إمارة البلغار المُرَاد إنشاؤها مُحِيطَة بالاستانة من كل جِهَة، مَعَ أنها عبارَة عَن ولَايَة روسية، خُصُوصاً وأن جيوشها ستحتلها مُدَّة سنتَيْن وهيهات إن أخلتها بعد هَذَا الميعاد. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 665)
    أما إنكلترا فَكَانَت أكثر الدول تخوّفاً من نتائج هَذِه المعاهدة لوُجُود عَسَاكِر الروسيا على مقربة من بوغاز البوسفور، وخوفا من ازدياد نُفُوذ الروسيا فِي الْهِنْد بعد ظُهُورهَا على الدولة الْعلية، وَلذَا كَانَت اشد مُعَارضَة من غَيرهَا فِي معاهدة سان اسطفانوس، وتود تعديلها رغماً عَن الروسيا، ومعارضة النمسا سَببهَا رغبتها فِي مُشَاركَة الروسيا فِي بقايا دولة الإسلام بأوروبا باحتلالها إقليمي البوسنه والهرسك، ليَكُون لَهَا بذلك سَبِيل فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى الِاسْتِيلَاء على مينا سلانيك الضرورية لعدم وجود موانئ بحريّة لمملكتها سوى مَدِينَة تريسته الَّتِي تَدعِي ايطاليا أحقيتها فِيهَا، وتطمح أنظارها إِلَى احتلالها يَوْمًا مَا، أما المانيا فَكَانَت مساعدة أدبياً للروسيا، وَيُقَال أنها عرضت على النمسا احتلال البوسنه والهرسك بِرِضا الروسيا، لَكِنَّهَا رفضت هَذَا الاحتلال مَا لم يكن بِقبُول جَمِيع الدول، إذ أنها كَانَت ترى احتلالها لهما بِدُونِ رضَا الْبَاب العالي وَبَاقِي الدول يسبب لَهَا عراقيل كَثِيرَة فِي الْمُسْتَقْبل، وَكَانَت فرنسا على الحياد الْمُطلق لقرب انخذالها فِي حَرْب البروسيا وميلها إِلَى السّكُون لتعويض مَا فقدته من المَال وَالرِّجَال فِي هَذِه الْحَرْب المشؤمة، وَكَذَلِكَ إيطاليا لم يكن لَهَا صَالح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَا تود الاشتباك فِي حَرْب أوروبية لقرب عهد تَمام استقلالها، وسعيها فِي تَقْوِيَة وحدتها السياسية، فيتضح من ذَلِك ان الْمُعَارضَة كَانَت منحصرة أولاً فِي انكلترا لَا حباً فِي الدولة الاسلامية، بل خوفًاً على نفوذها فِي الْهِنْد، وَثَانِيا فِي النمسا لعدم اشتراكها فِي مَنَافِع هَذِه المعاهدة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 666)
    ولهذه الأسباب كَانَت إنكلترا أول مُنَبّه للروسيا على أن كل شَرط يتَّفق عَلَيْهِ بَينهَا وَبَين الدولة وَيكون مُخَالفاً لنصوص معاهدة سنة 1856 المبرمة فِي باريس اأوْ يخْتَص بِمَنْفَعَة عمومية أوروبية لَا يعْمل بِهِ إلا بعد تَصْدِيق الدول الضامنة لمعاهدة باريس الْمَذْكُورَة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 666)
    ثمَّ فِي 7 مارس دعت النمسا جَمِيع الدول ثَانِيَة لعقد مؤتمر فِي مَدِينَة برلين للغاية نَفسهَا واختارت برلين ليَكُون المؤتمر تَحت رئاسة الْبُرْنُس بسمارك المعضد لَهَا على احتلال البوسنة والهرسك فَقبلت الدول هَذِه الدعْوَة إلا انكلترا فانها علقت قبُولهَا على أن يكون من اخْتِصَاص المؤتمر المزمع انْعِقَاده النّظر فِي جَمِيع بنود معاهدة سان اسطفانوس سَوَاء كَانَت مُخْتَصَّة بِمَنْفَعَة عمومية أوروبية أو لا، وعارضت الروسيا فِي هَذَا الِإشْتِرَاط، ودارت المخابرات بَينهمَا والنمسا للتوفيق بَين الطَّرفَيْنِ، واشتدت العلاقات بَين الروسيا وانكلترا، وأخذت هَذِه تستعد للحرب، وَجمعت أغلب سفنها الحربية فِي جَزِيرَة مالطه لتَكون على مقربة من الاستانة، وَكَذَلِكَ أمرت بإحضار عدد لَيْسَ بِقَلِيل من جيوشها الْهِنْدِيَّة إِلَى هَذِه الجزيرة للغاية نَفسهَا، وعين اللورد سالسبوري وزيراً للخارجية وَكَانَ اشد النَّاس ميلًا لإكراه الروسيا على تَعْدِيل معاهدة سان اسطفانوس وَلَو بِالْقُوَّةِ، لإضرارها بالمصالح الإنكليزية وَفِي الْيَوْم الاول من شهر ابريل سنة 1878 ارسل إِلَى جَمِيع سفراء انكلترا لَدَى الدول الْعِظَام منشوراً بَين فِيهِ مضار المعاهدة المذكروة، وأوجه خللها، وضرورة نظرها برمتها فِي مؤتمر دولي . (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 667)
    وَحاولت روسيا الِاتِّفَاق مَعَ النمسا على عدم اشتراكها مَعَ انكلترا لَو انتشبت الْحَرْب بَينهَا وَبَين إتجلترا، بِسَبَب معاهدة سان اسطفانوس وَتتعهد الروسيا لَهَا باعطائها إقليمي البوسنه والهرسك، فَلَمَّا رَأَتْ النمسا من إنكلترا هَذَا الثَّبَات، والاستعداد للحرب براً وبحراً، لم تجب مَنْدُوب الروسيا بِجَوَاب شافٍ حَتَّى ترى مَا تقضي السياسة الانكليزية بعرضه عَلَيْهَا، فتنحاز إِلَى الْفَرِيق الَّذِي تكون سياسته أكثر ملاءمة لصالحها الخصوصي. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 668)
    وأحضرت إنكلترا إِلَى مالطه عدَّة الايات من الْجنُود وَكَانُوا لم يسْبق لَهُم الْحُضُور لأوروبا قبل هَذِه الدفعة واشتغلت الروسيا باخماد هيجان مُسْلِمِي البلغار، الَّذين أخذوا يُؤْذونَ كل من يعثروا بِهِ من جنود الروسيا، ويدافعون عَن أنفسهم ضد تعديات مسيحي البلغار، ويقابلونه بِمثل مَا يرتكبه البلغاريون مَعَهم من أنواع التَّعَدِّي وَالظُّلم، اعْتِمَادًاً على مساعدة الروس لَهُم، وامتدت هَذِه الحركات الثوروية إِلَى جَمِيع جِهَات البلغار، وضواحي صوفيا إِلَى حُدُود الصرب، وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا المنوال إِلَى أواخر شهر مايو والجنود الروسية محتلة جَمِيع ضواحي الأستانة والمراكب الإنكليزية أمامها من جِهَة الْبَحْر. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 668)
    وَلما أقبل فصل الصَّيف فَشَتْ الأمراض بَين عَسَاكِر الْروس،، وَمَات مِنْهُم عدد كثير، فلهذه الأسباب ولنضوب خزينة الروسيا، وَعدم إمكانها احْتِمَال هَذِه الْحَالة، الَّتِي وإن لم تكن حَالَة حَرْب بالمرة فَلم تكن أيضا حَالَة سلمية، وطلب من إمبراطور ألمانيا التَّوَسُّط بَينه وَبَين إنكلترا للوصول إِلَى وضع حد لهَذِهِ الْحَالة ، الَّتِي لَو استمرت لجعلت الروسيا على شفا الإفلاس، وأوعز إِلَى إنكلترا مبدئياً فِي نظر جَمِيع بنود معاهدة سان اسطفانوس إلا أنه يود أن يعلم قبلاً مَا تُرِيدُ إنكلترا إدخاله عَلَيْهَا من التعديلات حَتَّى تكون على بَيِّنَة من الأمر قبل إرسال مندوبها إِلَى المؤتمر(تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 669)
    وَفِي 30 مايو سنة 1878 تمّ الِاتِّفَاق على مَا تُرِيدُ إنجلترا إدخاله على معاهدة سان اسطفانوس من التعديلات، وحررت بذلك لائحة، وقَّع عَلَيْهَا الْفَرِيقَانِ، وأضيف عَلَيْهَا ذيل بِنَاء على طلب النمسا، الَّتِي سبق عرض هَذَا الِإتِّفَاق عَلَيْهَا قبل التوقيع عَلَيْهِ، وصادقت إنكلترا على أهم شُرُوط معاهدة سان اسطفانوس وَقبلت تشكيل إمارة البلغار الجديدة بعد تقليل مساحتها وتشكيل الْجُزْء الجنوبي مِنْهَا بهيئة ولَايَة مُسْتَقلَّة تَقْرِيبًا لَا تلبث ان تنضم إِلَى إمارة البلغار، وأبقت سواحل بَحر الرّوم تَابِعَة للدولة الْعلية، بِمَا فِيهَا مَدِينَة قَوْله خوفًا من ان تتخذها الروسيا مَعَ الزَّمن مرسى لمراكبها وَهُوَ الأمر الَّذِي تسْعَى إنكلترا جهدها فِي مَنعه حفظا لسيادتها على الْبحار(تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 670)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى