مقالات

عن “الثورة السورية” وتآمر العالم

العميد د. م. عبد الناصر فرزات

عرض مقالات الكاتب

يدعونا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم إلى فهم وتحليل ما يجري حولنا، ومعرفة لماذا وصلنا إلى ما نحن فيه، ودراسة آلية الخروج من هذا الواقع.

إن دراسة وتحليل الواقع يدل على أن هناك تكاملاً وظيفياً عالمياً بين الدولة المركزية أمريكا، وقيادات تم إيجادها بدعم أمريكي غربي، تتموضع اليوم في أماكن مختلفة من العالم، في أوربا وأوكراينا ومنطقة المحيط الهادي وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وتايوان والمنطقة العربية، التي تحتل المركز الرئيس كمنفذ وظيفي تابع للقيادة المركزية.

إن المتتبع للأحداث في منطقة ما يُسمى الشرق الأوسط يلاحظ التكامل الواضح بين إيران والأنظمة العربية لتنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني ضد شعوب المنطقة وسحق إرادة هذه الشعوب وإبقائها تحت سلطة الظلم والاستبداد، وفقاً لشعارات وهمية قومية كاذبة أو عروبية أو وحدوية فاشلة.

تابعنا في فيسبوك

إن هذا الواقع العالمي لم يأت صدفةً، بل تم العمل عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من قبل أجهزة المخابرات العالمية والأمريكية ومعاهد وجامعات خاصة، أن تنفيذ هذا الدور الوظيفي بالشكل المطلوب يتطلب الدعم اللا محدود لقيادات إيران ونمو دورها في المنطقة على حساب القيادات العربية وشعوبها وإبقاء هذه الشعوب في حالة جهل بعيداً عن الحرية والديموقراطية، وهنا نلاحظ أن الهدف واحد للعدو الإيراني والقيادات العربية، التي تتوافق فيما بينها ضد حرية المواطن ووضع الإنسان في مكانه المناسب وهذا يُعتبر سبب رئيس للتخلف والجهل والتبعية للخارج. 

وسط هذا النظام العالمي الفاسد المستبد والمسيطر على حرية الشعوب، ظهرت الثورة السورية كرد فعلي ثوري لقلب الواقع العربي المرير، والتخلص من طواغيت القيادات المستبدة وإنقاذ الشعوب، فهذه الثورة لم ترق للغرب أو الشرق، لإن نجاح هذه الثورة ونجاح دورها في المنطقة يؤدي إلى شلل الخطة الأمريكية والغربية الإسرائيلية للسيطرة على المنطقة وثرواتها، والتخلص من القيادات العميلة التي تعمل بالتنسيق مع النظام الإيراني لتنفيذ الدور الوظيفي لإخضاع الشعوب، ولهذا السبب لاقت الثورة السورية ما لاقت من أعداء ومعارضين ورجعيين وعملاء في الداخل والخارج ودعم دولي واضح للأنظمة العربية، وخاصة النظام الطائفي الإجرامي في سورية والنظام الإيراني الداعم له.  

الحقيقة إن النظام العالمي في الوقت الحالي يعتمد على أربع ركائز أساسية في المنطقة وهي إسرائيل، النظام الإيراني، النظام السوري وبعض الأنظمة العربية العميلة. ومن الواضح أن لنظام الحكم في سورية وقيادته الاستبدادية موقعاً وظيفياً خاصاً في التعامل مع النظام الدولي، لذلك فإن النظام الدولي بزعامة أمريكا لم ولن يتوانَ عن دعم نظام الإجرام في سورية منذ بداية الثورة، ويبحث عن مختلف الطرائق والوسائل لإبقاء هذا النظام وعدم سقوطه وتشجيعه وتأييده على قمع الثورة في الوقت المناسب مُستغلاً الظروف الدولية والعربية بحجة دعم إنساني أخلاقي للشعب السوري عن طريق المنظمات الإنسانية أو قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة (والسؤال هل مجلس الأمن وأمريكا عاجزة عن قمع هذا النظام وإيصال المواد الإنسانية للشعب السوري دون الحصول عل موافقة هذا النظام الذي لا يملك من الأمر شئياً؟

اقرأ: الثورة والزلزلة (ما الذي بقي ..؟)

لقد سارعت معظم الدول العربية والغربية الداعمة للإجرام في سورية إلى الدعم العلني لنظام بشار بعد حدوث الزلزال، الذي حدث في تركيا والشمال السوري مستخدمةً ذريعة التدمير والمآسي الحاصل للسوريين في الشمال السوري بعد الزلزال. كما وجدت بعض القيادات العربية الآلية المناسبة للتقارب من بشار ونظامه. وتُوج ذلك بقرارات البرلمان العربي وزيارة بعض أعضائه لنظام القتل الفاسد لتؤكد دعمها لهذا النظام في قتل وتهجير الشعب، ومصادرة حرية الشعب السوري في تقرير مصيره وبناء دولته على أسس العدالة والمساواة.

إن زيارة بعض الشخصيات القيادية العربية لسورية وزيارة بعض أعضاء البرلمان العربي لهو الدليل القاطع على تأمر هذه القيادات على ثورة الشعب السوري، وتبعية هذه الأنظمة لتنفيذ دورها الوظيفي في المنطقة بعيداً عن الإنسانية والأخلاق والعروبة، وهي تأكيد على أن عملها كان مُغطى بعباءة الكذب والنفاق.

أين الحل في ظل الانقسام العالمي والحروب اللاإنسانية؟

لقد أثبتت الثورة السورية أنها ماضية لتحقيق أهدافها وأفشلت جميع المؤامرات ودور القيادات العميلة والدعم الإيراني والروسي لنظام بشار الهادف إلى تحجيم الثورة أو حرفها عن مسارها.

ويجب أن نعلم أن النصر على الأعداء يكون بالعمل الجاد والتخطيط الناجح، ولا يتحقق بالكسل والتواكل على الغير، ويجب أن نكون جاهزين في كل لحظة لاقتناص الفرص وتحقيق النصر والتحرير سورية من العصابة الحاكمة ومن والاها وبناء مجتمعنا ودولتنا، ومن أجل ذلك لا بد من إصلاح نفوسنا أولاً، والتخلص من أنانية القيادة والمركزية والبدء بتوحيد الجهود والوصول إلى قيادة موحدة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. من الخِدَعِ الكُبْرى في السِياسةِ الدُّوَلِيَّة ، أن أمريكا خدعت أوروبا في القرن التاسع عشر بادعاء الالتزام بسياسة العزلة عن ((جميع)) العالم و أنها اضطرت للوقوف ضد استعمار و تدخل الأوروبيين في نصف الكرة الأرضية الغربي حين أعلنت مبدأ مونرو سنة 1832 لكنها عادت بعد ذلك لعزلتها البريئة (!!) ، و ما أخرجها بعد ذلك سوى الفزعة لأوروبا في الحرب العالمية الأولى و قامت بدور “البطل المنقذ” ثم إنها عادت لعزلتها البريئة مرة أخرى (!!) و استمر ذلك حتى تأججت الحرب العالمية الثانية فاضطرت للقيام بفزعة أخرى لأوروبا و قامت بدور “البطل المنقذ” للمرة الثانية… ثم إنها امتنعت عن العودة إلى سياسة العزلة عن العالم رغم رجاء و تمنَي بريطانيا و فرنسا عليها أن ترجع إلى “القوقعة”.
    كانت أمريكا تخادع الأوروبيين و قامت بأعمال استطلاعية و تأسيسية ستلزم فيما بعد لخلع سيطرة الاستعمار القديم من جذوره ثم الحلول مكانه . من الأمثلة على هذه الأعمال في سوريا:
    أولاً – في سنة 1866 ، قامت أمريكا بتأسيس الكلية البروتستانتية السورية في غرب سوريا أو في بيروت على يد المبشر الأمريكي “الدكتور دانيال بليس ” و هو الذي كان رئيساً لها و تحولت هذه الكلية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1920 أي في نفس العام الذي سلخت فيه فرنسا لبنان عن سوريا . و لقد كان الجامعة حاضنة للأفكار القومية و من ضمنها أفكار حزب البعث .
    ثانياً – خلال عشرينيات القرن العشرين ، قامت أمريكا بعمل ظاهره اجتماعي و باطنه سياسي بامتياز و هو تأسيس المحفل الماسوني الأول في دمشق الذي عُرِف فيما بعد باسم محفل الشرق و الذي كان من أعضاءه حافظ الأسد.
    كان تحرَكُ أمريكا لوراثة الاستعمار القديم عقب الحرب العالمية الثانية عن طريق الانقلابات العسكرية و كان تحركها الأول نحو سوريا من خلال انقلاب حسني الزعيم سنة 1949 ” أي أنه كان قبل تدبيرها للانقلابات في مصر 1952 و إيران 1953 و العراق 1958 و تركيا 1960 و اليمن 1962 و السودان و ليبيا 1969″ .
    معلوم أن انقلاب الزعيم قد فشل على يد الحناوي فأعادت أمريكا الكرَة على يد الشيشكلي ثم صارت سلسلة من الانقلابات المتتالية حسمتها أمريكا بالسيطرة على حزب البعث ، و كان على هذا الحزب نشر و ترسيخ فكرة “الدين لله و الوطن للجميع” –التي كنت أتعجب منها في صباي- فتبين أن هدف الأمريكان من هذه الفكرة كان تسهيل تسلل الأقلية النصيرية ” العلوية” بالذات للحزب و للجيش و للمخابرات لكي تستولي عليها فتأخذ البلد ، و هذا ما حصل بالفعل و اكتمل معظم عمل أمريكا في بداية الستينات و تحديداً بتاريخ 8 آذار /مارس 1963 ثم أحكمت أمريكا سيطرتها على سوريا في نهاية 1970 من خلال حركة تخريبية مدعومة و محمية من أقوى دولة استعمارية في العالم ، و لم نلاحظ خلال 53 عاماً أنه قد نازعها من الأوروبيين منازع.
    إقحام مليشيات إيران في سوريا أولاً عام 2012 للقضاء على الثورة كان بأمر أمريكي لنظام الكهنوت العميل ، لكنها باءت بالفشل . كان لا بدَ لأمريكا من إقحام روسيا عام 2015 و بالفعل رضي بوتين أن يكون وكيلاً لأمريكا يقوم جيشه بالعمل القذر نيابة عنها باتفاق مكتوب كما ذكر لافروف و قام بالتهديد بفضحه في لحظة غضب منه على سيَدته أمريكا !
    حقيقة الأمر ، تحولت بلاد الشام إلى مستنقع : 1) لقوات إيران التي تتمتع بالمستنقع ، و 2) طلب الأهبل (؟!) من الوكيل زيادة قواعده في المستنقع مؤخراً ، و 3) العربان جاهزون للدخول في المستنقع. لسوف تتفرج عليهم أمريكا و هم في خيبة و خسارة و من دون خسارة دولار واحد و يضحك ساستها عليهم تلك الضحكة التي يتمدد فيها الفم من الأذن إلى الأذن ، ثم تبتلع القفص بما فيه من طيور مهدودة الحيل !!

اترك رداً على أبو العبد الحلبي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى