معنى القاعدة:
وَالشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وقَسَّمُوهَا إلَى:
شُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ أوالفاعل: وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ، وتَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ، وَالْحُرْمَةُ فَظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ، وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَة ظَنَّهَا حَلِيلَتَهُ.
شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ: كَظَنِّهِ حِلَّ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ، وَالْمُخْتَلِعَةِ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص110)
شبهة في الطَّرِيقِ: بِأَنْ يَكُونَ حَلَالًا عِنْدَ قَوْمٍ، حَرَامًا عِنْدَ آخَرِينَ، كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِلَا شُهُودٍ، وَكُلّ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي. وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ. الشُّبْهَة تُسْقِطُ الْحَدّ فِي كل ذلك. (الأشباه للسيوطي ص123،الأشباه لابن نجيم ص108)
وشَرْطُ الشافعية: أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةِ قَوِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لَهَا. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
قال ابن نجيم: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا فِي الشُّبْهَةِ أَنْ تَكُونَ قَوِيَّةً، قَالُوا: فَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ يُحَدُّ، وَلَا يُرَاعَى خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (انْتَهَى) . (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص110)
اقرأ: القواعد الفقهية (34) القاعدة الحادية والثلاثون “إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام”
دليل القاعدة:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث مسند الفردوس: اشتهر على الألسنة والمعروف في كتب الحديث أنه من قول عمر بن الخطاب بغير لفظه، انتهى. (كشف الخفاء ت هنداوي 1/ 82)
2- وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ والدار قطني وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مرفوعاً: ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَوْقُوفًا. سنن الترمذي ت بشار (3/ 85)، سنن الدارقطني (4/ 63)، السنن الكبرى للبيهقي (8/ 413)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 426) وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ الْمَوْقُوف أقرب إِلَى الصَّوَاب
2- وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وأبو يعلى الموصلي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وإسناده ضعيف
3- روي هذا الحديث عن جمع من الصحابة بألفاظ مختلفة ، وهو صحيح موقوف.
4- وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص108)
1- تطبقات وفروع:
1- لا قطع في َسَرِقَةِ مَا ظَنَّهُ مِلْكَهُ، أَوْ مِلْكَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، لشبهة الاستحقاق، وَفِي سَرِقَةِ مُبَاحِ الْأَصْلِ، كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ؛ وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ بِدَعْوَاهُ كَوْنِ الْمَسْرُوقِ مِلْكَهُ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ ، وَهُوَ اللِّصُّ الظَّرِيفُ (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص109، الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
2- أَنْ يَزْنِيَ بِمَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ. فَيَدَّعِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَلَا يُحَدَّ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
3- وَلَا يُقْتَلُ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَكَذَا مَنْ مَسَّ أَوْ لَمَسَ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا وَهُوَ شَافِعِيٌّ، أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ. ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
4- وَلَوْ قُتِلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ مَنْ لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؟ وَحُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؟ فَلَا قِصَاصَ لِلشُّبْهَةِ نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، عَنْ الْبَحْرِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
5- يَسْقُطُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا، وَأَرْبَعٌ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، لِاحْتِمَالِ صِدْقِ بَيِّنَةِ الزِّنَا، وَأَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا. وَسَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الشَّهَادَة بِالْبَكَارَةِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
6- وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا ، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، لِشُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص109، الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
7- وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ (الأشباه لابن نجيم ص109)
8- وَمِمَّا بُنِيَ عَلَى أَنَّهَا تُدْرَأُ بِهَا أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص109)
9- لا يحد من شربُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ تَحْرِيمُهُ(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص109)
10- وَمِنْهَا لَوْ جُنَّ الْقَاتِلُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ دِيَةً.
(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص110)
11- من وطئ امرأة ظنها حليلته؛ لا يُحَدّ.
12- من وطئ امرأة حلالاً عند قومٍ حراماً عند آخرين كالنكاح بلا ولي، وكل نكاح مختلف فيه.
استثناءات القاعدة:
1- لَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الذِّمِّيِّ: قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص124)
واعترض عليه ابن نجيم كما ذكرنا(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص111)
2- مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ يُحَدُّ، وَلَا يُرَاعَى خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص124) واعترض عليه ابن نجيم(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص111)
3- يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةٍ أَبَاحَهَا السَّيِّدُ، وَلَا يُرَاعَى خِلَافُ عَطَاءٍ فِي إبَاحَةِ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ لضعف الشبهة. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص124)
تَنْـــبِيـهـات:
1- الشُّبْهَةُ تسقط الحد وَتُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ لكنها لَا تُسْقِطُ التَّعْزِيرَ.
فَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فِي الصَّوْم أَوْ الْحَجّ، فَلَا كَفَّارَة لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ، أَوْ أَنَّ اللَّيْل بَاقٍ، وَبَانَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَلَا كَفَّارَةَ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123) (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص111)
2- الْفِدْيَة لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ: لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ غَرَامَةً بِخِلَافِ الْكَفَّارَة فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ عُقُوبَةً، فَالْتَحَقَتْ فِي الْإِسْقَاطِ بِالْحَدِّ، وَتُسْقِطُ الْإِثْمَ وَالتَّحْرِيمَ، إنْ كَانَتْ فِي الْفَاعِلِ دُونَ الْمَحَلّ قَالَه الْقَفَّالُ (الأشباه والنظائر للسيوطي ص123)
3- التَّعْزِيرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ: وَلِذَا قَالُوا في التعزيريَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ، وَيَجْرِي فِيهِ الْحَلِفُ، وَيُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ، وَالْكَفَّارَاتُ تَثْبُتُ مَعَهَا أَيْضًا إلَّا كَفَّارَةَ الْفِطْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهَا تُسْقِطُهَا، وَلِذَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ، وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا الْفِدْيَةُ فَهَلْ تُسْقِطُهَا؟ لَمْ أَرَهَا الْآنَ
4- الْقِصَاصُ كَالْحُدُودِ فِي الدَّفْعِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ،
5- يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ فِي الْحُدُودِ كَغَيْرِهَا؛(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص109)
فائدة:
الْقِصَاصَ كَالْحُدُودِ إلَّا فِي سَبْعِ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
الثَّانِيَةُ: الْحُدُودُ لَا تُوَرَّثُ وَالْقِصَاصُ يُوَرَّثُ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي الْحُدُودِ، وَلَوْ كَانَ حَدَّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.
الرَّابِعَةُ التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ.
الْخَامِسَةُ: يَثْبُتُ بِالْإِشَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى.
السَّادِسَةُ: لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ، وَتَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ.
السَّابِعَةُ: الْحُدُودُ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ، لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص110)