أخبار عاجلة

“البوطي.. شخصيَّته ومواقفه” في كتاب

باسل المحمد

مدير الأخبار – رسالة بوست
عرض مقالات الكاتب

يُعد البوطي من أكثر الشخصيات جدلاً في تاريخ سوريا الحديث؛ خاصة بعد اندلاع الثورة السورية، لاتخاذه مواقف صادمة للشارع السوري بشكل عام والمتدين منه بشكل خاص، وإن كان هذا الموقف المؤيد للنظام يبدو طبيعياً في سياق العلاقة المتجذرة بين البوطي ونظام الأسد، والتي امتدت لما يقارب الـ40 عاماً.
هذا الكتاب (البوطي شخصيته ومواقفه) يحاول تفسير وتفكيك خيوط علاقة البوطي مع نظام الأسدين، من خلال تحليل شخصية البوطي، والبحث في سماته السلوكية والنفسية، من جانب، وأثر هذه السمات على مواقف البوطي المؤيدة لنظام الأسديين؛ بدءاً من مجزرة حماة وانتهاءً بمواقفه المؤيدة لآلة القمع والإجرام الأسدي في مواجهة الثورة السورية.
ومما يضفي مصداقية على هذا الكتاب أن كاتبه “محمد خير موسى” كان من المقربين جداً من البوطي وعائلته، وهو الذي كان يقول له: لا أسجد سجدة من فرض أو نافلة إلا دعوت الله لك فيها”.

اقرأ: مواجهات مع الشيخ البوطي رحمه الله !


من سماته الشخصية
من أبرز هذه السمات التي يسلط الكاتب الضوء عليها هي تأثير النشأة الأبوية على شخصية البوطي، إذ كان شديد الالتزام بأوامر والده الشيخ ملا سعيد، حتى أن بعض المواقف التي اتخذها البوطي جاءت بإيعاز من والده، مثل موقف البوطي من أحداث مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، وموافقة البوطي على التوظيف في الدولة بعد أن كان شديد الرفض لهذه الفكرة، على غير ذلك من المواقف الهامة في حياة البوطي والتي كان دافعها هو تنفيذ أوامر والده.
ويستفيض الكاتب بعد ذلك بالحديث عن السمات الشخصية للبوطي، منها اعتداده الشديد بعلمه ومعرفته، ورفض كل فكر مخالف له، وإن كان هذا المخالف يملك الحجج والبراهين. ويضاف إلى ذلك جمعه للتحصيل الشرعي وسعة اطلاعه على باقي العلوم المعرفية والفلسفية، واهتمامه بمشكلات الحضارة والاستشراق، هذه الصفات وغيرها -على رأي الكاتب- دفعت حافظ الأسد للاهتمام به واحتواءه، بعد أول لقاء جمعهما على مدرج جامعة دمشق عام 1980.

البوطي وحافظ الأسد
بعد هذا الموقف تتطور العلاقة بين الأسد والبوطي وتتعمق أكثر في وفاة باسل الأسد، إذ وجد الأسد به مؤنساً في هذه الفاجعة، خاصة بعد وصفه لباسل بالشهيد والمبالغة بإضفاء الصفات الإيمانية والأخلاقية عليه.
إلا أنه من خلال وقوفنا على هذه العلاقة المتبنة بين الطرفين، ومحاولة الأسد الظهور بمظهر الملتزم بالإسلام كأن يستأذن البوطي أثناء استقباله بأن يصلي الضحى، أو أن يذكر أبناءه بمواقيت الصلاة، يتبادر على ذهننا السؤال التالي: هل كان البوطي مغفلاً إلى هذا الحد، أم أن الأسد وبعض قادة الأفرع الأمنية الذين كان يقفون على مسافة قربية جداً من هذه العلاقة قد نجحوا في تدجين البوطي والتحكم بعقله.
بعد ذلك ينتقل الكاتب من خلال قربه من البوطي وعائلته وطلاعه على كثير من الخفايا والأسرار للحديث عن أبرز المواقف التي مرَّ بها البوطي وكان له تأثير على الشارع السوري بشكل عام والمتدين بشكل خاص.
من أبرز هذه المواقف علاقته مع جماعة الإخوان، إذ أن الكاتب يكشف أن البوطي كان منتمياً للجماعة بالخفية، إلا أنه كان يكرر بالعلن أنه لاينتمي إليهم تنفيذاً لوصية والده الذي كان شديد التحذير لابنائه بالانخراط لاي جماعة او حزب، إلا أن انتماء البوطي للأخوان انتهى -بحسب الكاتب- مع أحداث مدرسة المدفعية عام 1979، بل واتخذ موقفاً معادياً لهم ومؤيداً للسلطة بعد أحداث حماة، إذ رأى أن يُطبق عليهم حد “الحرابة”, وأنهم حكمهم أشد من البغاة.
لايتسع المجال هنا لسرد كل الوقائع والمواقف التي رسمت ورسخت العلاقة بين البوطي وحافظ الأسد، إلا أن من أبرزها كان مسايرة البوطي له بموقفه من الفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو، إذ يذكر المؤلف كيف أن البوطي قال في إحدى حلقاته برنامجه (دراسات قرانية): إن الفلسطينيين أَخرجوا من ديارهم بسبب ذنوبهم ومعاصيم”، ويستفيض الكاتب بما جرَّ ذلك من جدالات ونقاشات ومواقف حادة من عدد من القيادات الفلسطينية ضد البوطي، انتهت بعد ذلك بطلب حافظ الأسد منه أن يقف هذه المعارك الإعلامية.
حديث الكاتب عن العلاقة بين حافظ الأسد والبوطي لا يخلو من نقد لكثير من تلك المواقف، فمثلاً يتساءل الكاتب كيف يكون البوطي رقيق القلب ويذرف الدموع في جنازة حافظ، بل يكابر على نفسه ولا يبكي بجنازة والده الملا سعيد، والكاتب على الرغم من قربه من أستاذه وشيخه يكشف لنا كيف انتقل البوطي من تلميع صورة حافظ الأسد إلى إضفاء الصفات الإيمانية عليه، فهو بنظره الرئيس المؤمن الصادق …
إلى جانب ذلك يبرز الكاتب موقفاً مغايراً سار به البوطي ضد إرادة النظام، ألا وهو موقفه من التشييع الذي كان يعمل النظام بدفع من إيران على نشره في سوريا، ويبرهن الكاتب على هذا الموقف بأن البوطي كان من الموقعين على وثيقة دمشق التي تحذر النظام من التضييق على الثانويات الشرعية لصالح الحسينيات، وهنا يشير الكاتب إلى أم الحالة الدينية في سوريا مركبة وبحاجة إلى تفكيك هادئ.

تابعنا في فيسبوك


مرحلة بشار الأسد
في هذه المرحلة يوضح الكاتب أن البوطي لم يحظى بدرجة التقريب والاهتمام لدى بشار الأسد، على خلاف ماكان عليه الحال أيام حافظ، حتى أن بشار لم يلتقي به إلا بعد ما يقارب خمس سنوات من توليه الحكم.
ويؤكد الكاتب أن هذه المرحلة في سوريا شهدت انتكاساً واضحاً، والدليل على ذلك مثلاً عرض مسلسل “ما ملكت أيمانكم” رغم تحذير البوطي من عرض، وهنا يكشف الكاتب سراً هو أن هذا المسلسل كان يستهدف البوطي شخصياً ومن خلفه المؤسسة الدينية بشكلاً عام.


البوطي والثورة السورية
في هذا القسم الأخير من الكتاب، وبعد أن استعرض الكاتب لكل المواقف المؤيدة للبوطي تجاه نظام الأسدين، لن يتفاجئ القارئ من مهاجمة البوطي للثوار، ووقوفه في صف النظام، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما شبه المتظاهرين بالـ”غوغاء”، وأصدر فتوى بتحريم التظاهرات.
والكاتب في حديثه عن هذه المرحلة يبدو موضوعياً واضحاً، وخاصة في كلامه عن حادثة الجامع الأموي، الذي شهد أول مظاهرة إحدى الجُمع بداية الثورة، عندما وصف الثوار ” أن جباههم لاتعرف السجود” فالكاتب يؤكد أن البوطي تعمّد إخفاء الحقائق، وتغيير الوقائع)، حتى أن فتاويه في ذلك من قضية السجود على صورة بشار، أو فتواه من قتل الأبرياء اتصف بـ”المراوغة وعدم الوضوح”.
إلى جانب ذلك كان البوطي يتماهى من خطاب النظام ويهاجم فصائل الجيش الحر، ويصفها بأنها تمزق البلد خدمة لإسرائيل، بينما بالمقابل يشبه جيش النظام بالصحابة.

من اغتال البوطي؟
ينفي الكاتب أن يكون النظام هو من اغتال البوطي، ويتهم جبهة النصرة باغتياله، وخاصة الأمراء العراقيين الذين كانوا يسيطرون على فرع النصرة في دمشق وريفها.
ويسرد الكاتب هنا كيف تمت العملية، والنقاشات التي جرت حولها مثل فتوى “التترس” مثلاً بسبب وجود مدنيين في المكان الذي سوف يُغتال فيه البوطي، إلى غير ذلك من الأمور التي أفضت أخيراً بمقتل مع حفيده وعدد من المدنيين اثناء إلقاء أحد الدروس في جامع الإيمان بمدينة دمشق عام 2013، وهو الحدث أدانته المعارضة والنظام، الذي يؤكد الكاتب أنه -أي النظام- هو الخاسر الأكبر من اغتياله؛ لأنه إلى الآن لم يجد من يسد جزءاً من الفراغ الذي تركه.

الكاتب: محمد خير موسى
  • ومحمد خير موسى هو كاتب وباحث فلسطيني، عاش ودرس في سوريا، متخصص في قضايا الجماعات والتيارات والمدارس الإسلامية، له مؤلفات عدة منها؛ إلحاد الثورات المضادة، والقبيسيات.
    -الكتاب من إصدار مكتبة الأسرة العربية في إستانبول، وعدد صفحاته 255 صفحة من القطع الوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

التفكير والسلوك والتأويل اللغوي لأحداث التاريخ

إبراهيم أبو عواد كاتب من الأردن 1التَّحَوُّلاتُ في التفكيرِ والسُّلوكِ مُرتبطةٌ بطريقةِ التأويل …