سياسة

إسقاط روسيا لمسيَّرة أمريكيَّة ينذر بإشعال حرب عالميَّة

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تتَّخذ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، زعيمة حلف شمال الأطلسي (النّاتو)، موقفًا مؤازرًا لأوكرانيا، منذ شنِّ روسيا الحرب عليها أواخر فبراير من العام الماضي، على اعتبار أنَّ من أهمِّ أسباب العدوان الرُّوسي على أوكرانيا سعيها، وهي الَّتي كانت في السَّابق عضوًا في حلف وارسو الَّذي انهيار مع انهيار الاتِّحاد السُّوفييتي مطلع تسعينات القرن العشرين، إلى الانضمام إلى النّاتو، على عكس رغبة روسيا الَّتي هدَّدت مرارًا بالهجوم على أوكرانيا إذا ما اتَّخذت خطوات فعليَّة في ذلك الصَّدد، ما اعتبره المراقبون حينها إيذانًا باندلاع الحرب العالميَّة الثَّالثة. وبعد عام وشهر من العدوان الرُّوسي الَّذي كبَّد الجبهة الأوكرانيَّة خسائر فادحة، تجدَّد التَّهديد بإشعال حرب عالميَّة، بعد إسقاط روسيا لطائرة مسيَّرة أمريكيَّة (درون) من طراز MQ-9 كانت تحلِّق فوق البحر الأسود الثُّلاثاء 14 مارس 2023م، في خطوة استفزازيَّة اعتبرها عسكريون أمريكيون جديرة بالتَّعامل الجادِّ.

علَّقت أوكرانيا، على لسان وزير خارجيَّتها، دميترو كوليبا، على الحدث بأنَّه “لا مفرَّ منه” حتَّى تنجلي القوَّات الرُّوسيَّة عن شبه جزيرة القرم، الَّتي احتلَّتها منذ مارس 2014م، بعد أن كانت جزءً من أوكرانيا منذ عام 1954م وقتئذ كانت جزءً من الاتِّحاد السُّوفييتي، مستبعدًا التَّصعيد الدِّبلوماسي، وكذلك الانحناء أمام روسيا، حيث قال في تصريح لشبكة BBC البريطانيَّة “طالما أنَّ روسيا تسيطر على شبه جزيرة القرم، فإنَّ مثل هذه النوعيَّة من الحوادث ستكون حتميَّة ولن يكون البحر الأسود مكانًا آمنًا.. لذا فإن الطريقة الوحيدة لمنع مثل هذه الحوادث في حقيقة الأمر هي طرد روسيا من شبه جزيرة القرم”. ومن الملفت أنَّ الولايات المتَّحدة تهوِّن من الحدث وتعتبره طبيعيًّا ومتوقَّعًا خلال تلك الحرب، حيث صرَّح المتحدِّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، بأنَّ مواجهات مشابهة وقعت خلال الأسابيع الماضية، مشيرًا إلى أنَّ إسقاط الطَّائرة كان بقرار أمريكي، بعد أن فقدت الطَّائرة قدرتها على التَّحليق، بعدئذ أتلفت طائرة روسيَّة مروحتها، بعد مواجهة استغرقت ما بين 30 و40 دقيقة. في حين نفى الجانب الرُّوسي شنِّ أيِّ عدوان على المسيَّرة الأمريكيَّة، مؤكِّدًا أن سقوطها كان بعد “مناورة حادَّة”، بينما صرَّح السَّفير الرُّوسي لدى الولايات المتَّحدة، أناتولى أنتونوف، بأنَّ أيَّ هجوم على طائرة روسيَّة تحلِّق في أجواء محايدة يهدِّد بإشعال حرب مع “أكبر قوَّة نوويَّة في العالم”، فهل يفضي الصِّراع في ساحات القتال في أوكرانيا إلى حرب عالميَّة مدمِّرة؟

تابعنا في فيسبوك

أمريكا تفضِّل الخيار الدِّبلوماسي على التَّصعيد

عقَد وزير الدِّفاع الأمريكي، لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكيَّة، مارك ميلى، مؤتمرًا صحافيًّا مشتركًا للتَّعليق على واقعة إسقاط الطَّائرة المسيَّرة الأمريكيَّة في البحر الأسود بعد مواجهة مع طائرتين حربيتين روسيتين. وقد وصَف أوستن الحدث بأنَّه “متهوِّر”، مجدِّدًا تعهُّد بلاده بالدِّفاع عن أوكرانيا حتَّى لا تسقط على يد روسيا. وفي تأكيد منه على استبعاد الرِّدِّ العسكري، قال أوستين أنَّه ناقَش مع نظيره الرُّوسي في مكالمة هاتفيَّة سُبُل التَّهدئة، منتقدًا سعي روسيا إلى جرِّ أوكرانيا إلى حرب استنزاف. وقال وزير الدِّفاع الأمريكي نصًّا “أجريت اتصالًا هاتفيًّا مع نظيري الرُّوسي، سيرجو شويجو، وسنعمل على ضمان تدريب الجنود الأوكرانيين للتَّحكُّم في المعدَّات والأسلحة الَّتي نمدُّهم بها، وحلفاؤنا عازمون على مساعدة أوكرانيا في الدِّفاع عن نفسها، ونخشى من التَّصعيد ولذلك نبقي خطوط الاتِّصال مفتوحة مع روسيا”. في حين اعتبر وزير الدِّفاع الأمريكي السَّابق في إدارة دونالد ترامب، مارك أسبر، تلك الخطوة تصعيديَّة وتستلزم الرَّدَّ للسَّيطرة على الموقف، وإن أوصى بعدم المبالغة في الرِّد، بحسب ما أفادت شبكة CNN الأمريكيَّة.

روسيا تحذِّر من تكرار الاستفزاز الأمريكي

ردًّا على تصريح لويد أوستن، أصدرت وزارة الدِّفاع الرًّوسيَّة بيانًا عن الاتِّصال الهاتفي بين وزيري الدِّفاع الرُّوسي والأمريكي، شدَّدت فيه على ضرورة التزام الجانب الأمريكي بعدم استفزاز الجانب الآخر بتكرار التَّحليق في أجواء شبه جزيرة القرن، واعتبرت أنَّ تكرار الاستفزاز قد يفضي إلى مواجهة لا تفضِّلها روسيا. قال البيان الصَّادر الأربعاء 15 مارس “أجري وزير الدِّفاع الرُّوسي، سيرجي شويجو، ونظيره الأمريكي، لويد أوستن، محادثة هاتفيَّة في وقت سابق اليوم بمبادرة من الجانب الأمريكي. وخلال المحادثة، لوحظ أنَّ تحليق الطَّائرات بدون طيار الأمريكيَّة قبالة سواحل جزيرة القرم كانت استفزازيَّة وتخلق شروطًا مسبقة من أجل تصعيد الوضع في منطقة البحر الأسود”، مضيفًا “روسيا ليست مهتمَّة في تطوُّر الأحداث على هذا النَّحو، ولكنَّها سوف تستمرُّ إلى الرَّدِّ بشكل متناسب على كل الاستفزازات”. وأعاد السفير الرُّوسي في واشنطن، أناتولى أنتونوف، التَّهديد الضِّمني بردٍّ رادع على الجانب الأمريكي في حال تكرار الأمر، بأن لوَّح بإمكانيَّة إشعال حرب واسعة النِّطاق، قائلًا “الهجوم المتعمَّد على طائرة روسيَّة في مجال جوي محايد ليس مجرَّد جريمة بموجب القانون الدُّولي، ولكنَّه إعلان حرب مفتوحة ضدَّ أكبر قوَّة نوويَّة، فالنِّزاع المسلَّح بين روسيا والولايات المتَّحدة سيكون مختلفًا جذريًّا عن الحرب بالوكالة”. 

ونتساءل: هل تشتعل الحرب العالميَّة الثَّالثة فعلًا بأعمال استفزازيَّة من الجانبين الأمريكي والرُّوسي؟ وما دلالة وقوع تلك المواجهة تزامنًا مع إفلاس بنوك أمريكيَّة كبيرة في تكرار لسيناريو اندلاع الحرب العالميَّة الثَّانية عام 1939م؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى