مقالات

قراءة نقدية في كتاب “مشروع تمكين الأمة الإسلامية”.. لمؤلفه: حسن أحمد الدقي (ج3)

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

كنت ذكرت في الجزء الأول أن الكتاب ضم قراءة سياسية تناولت السياسة الدولية والمواقف بين الدول الكبرى المتنافسة على الهيمنة، وتأثير ذلك على بلاد المسلمين” وأجلتُ يومها الحديث عن هذه القراءة البانورامية التي استعرض فيها الاستاذ حسن الدقي الواقع الجغرافي السياسي لساحات الأمة المسلمة، وهو المنادي دوما بضرورة وحدة مشروع  التمكين الإسلامي والتعاون عبر “الساحات” المتعددة لصراع الأمة المتواصل لتصل إلى تحطيم قيود أنظمة العهد الجبري الذي تئن تحت وطأته. فسأتناول في هذا الجزء في تلخيص غير مخل هذه القراءة الاستراتيجية التي رسمها الأستاذ حسن الدقي.

يرى الكاتب أن الأمة شهدت بوادر صحوة مهمة تؤذن بولادة فجر جديد، ويستعرض في هذا السياق أبرز الحراك السياسي والجهادي من الثورة في سوريا ضد حافظ الأسد والتي توجت بملحمة حماة 1982 المأساوية التي “ذهب ضحيتها أربعين ألفا من الموحدين في ظل صمت و تواطؤ دولي وعربي” (266).  ومع عظم هذا المشهد “الكربلائي”(هذا اللفظ مني ) إلا أن الكاتب قفز سريعا عنه، مع أن الدكتور عبدالله النفيسي قال من  قبل إن الإخوان المسلمين لو تعلموا الدرس من مأساة حماة لتفادوا ماساة  ميدان رابعة (2013) على يد السيسي كلب الصياد الأمريكي ، ولكنهم الإخوان وإصرارهم على سياسة دفن الرؤوس في الرمال، ورحم الله الضحايا في كل مرة.

تابعنا في فيسبوك

و هذا المشهد المؤلم لأحداث 1979-1982 في سوريا كان يقتضي من الكاتب، وهو الذي آل على نفسه أن يخوض في المشهد البانورامي الواسع ليخلص إلى ظهور علامات الصحوة، أن يقدم فهما نقديا لتلك المأساة، خاصة متى شهدنا مأساة رابعة التي لم تنته فصولها بعد ، فما زال الأسرى المعتقلون في زنازين أمريكا، عبر  السيسي ناطورها في مصر، يعانون الأمرين و منهم من يتوفى من الإهمال وسوء الرعاية الصحية وغير ذلك.

اقرأ: قراءة نقدية في كتاب “مشروع تمكين الأمة الإسلامية” لمؤلفه: حسن أحمد الدقي (ج1)

والمقصود هنا هو قول الكاتب، حفظه الله، إن ضحايا مجزرة حماة سقطوا في ظل تواطؤ عربي ودولي! إذن لماذا قامت قيادة حركة الإخوان بتكرار المأساة في  ميدان رابعة؟ بل لماذا أعادوا المأساة في سوريا حيث راهنوا حينا على الدعم القطري وحينا على الدعم التركي بناء على وعود الرئيس أردوغان بأن تركيا لن تسمح بحماة ثانية!! وهل اختلف التواطؤ العربي الدولي اليوم عنه بالأمس سواء في سوريا أو في مصر؟ 

أيضا أغفل الكاتب، في قراءته العجلى لثورة سوريا ال 82 عن واقع رهان الثوار على الدعم التام من نظام صدام حسين ، البعثي ولكن المناويء لرفيقه في النضال – نظام البعث السوري.

وهذا الإغفال رافق قراءة الكاتب لساحة الجهاد في أفغانستان-مقبرة-الغزاة ضد الاتحاد السوفياتي التي أحيت فريضة الجهاد و تحولت إلى ملحمة أطاحت بالاتحاد السوفياتي ( 267)، إذ لم يذكر الكاتب شيئا عن الدعم الأمريكي للجهاد الأفغاني، و نذكر هنا أن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان استقبل يومها قادة الجهاد الأفغان في البيت الأبيض بوصفهم “مقاتلون من أجل الحرية Freedom Figthers”  ، وما كان للجهاد الأفغاني أن ينتصر على ثاني أكبر قوة عالمية يومها، لولا الدعم المطلق للقطب الأول عالميا-العم سام!.

اقرأ: قراءة نقدية في كتاب “مشروع تمكين الأمة الإسلامية” لمؤلفه: حسن أحمد الدقي (ج2)

هذا القصور في الرؤية تواصل مع قراءة الاستاذ الدقي للجهاد الأفغاني :”خاض الأفغان وحدهم ملحمتين من ملاحم التاريخ و تمكنوا من إزالة عروش أقوى إمبراطوريتين في النظام العالمي وهما الاتحاد السوفياتي ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر شبيه بما أحدثه الصحابة رضوان الله عليهم عند انبعاث أمة افسلام و تمكنهم من إسقاط الإمبراطورية الفارسية والرومية في آن واحد”(270)

ولا يخفى على القارىء الحصيف أن لا وجه للمقارنة بين إنجاز الصحابة في مواجهة الفرس والروم وبين الإنجاز الأفغاني: فالصحابة لم يستعينوا بالقطب الرومي ضد القطب الفارسي ولا استعانوا بالقطب الفارسي ضد القطب الرومي، وإنما انطلقوا من قوتهم الذاتية لا غير، أما المجاهدون الأفغان ففي المعركة ضد السوفيات كان لهم الدعم التام من أمريكا، وفي  المعركة ضد أمريكا كان لهم الدعم التام من باكستان.(سبق أن كتبت مقالة فصّلت علاقة طالبان بباكستان).

هذا الاختزال في قراءة المشهد السياسي هو اختزال مخل، ويفضي إلى تكرار الكوارث، وقد سمعنا كثيرين في سوريا يرددون مقولة “تقاطع المصالح” التي احتج بها القادة الأفغان في استمدادهم العون من أمريكا في مواجهة السوفيات، ثم في استمداد العون من باكستان ضد أمريكا، فهذا كله يتم وفق مقولة “تقاطع المصالح” التي تذرعت بها حماس للتماء في حضن النظام الإيراني بل والسوري.

ومن الغريب قول الكاتب (273) إن الحرب الأفغانية أثبتت تفوق الأفغان على العقول العسكرية الأمريكية وعلى الآلة العسكرية الأمريكية! و لا أفهم إغفال الكاتب التام للدور الحاسم لباكستان في دعم الأفغان. ولو صحت مقولته بأن السواعد المتوضئة صاحبة الإيمان العقدي الراسخ تستطيع التغلب على أقوى دولة في العالم، بل ومعها حلف الناتو، إذن لتمكن الثوار المجاهدون في سوريا من القضاء على الكراكوز بشار الكيماوي، فليس هو بأقوى من أمريكا، وما قدمه الشعب السوري من تضحيات لا يقارن بحال مع ما قدمه الأفغان!!

ويرى الأستاذ الدقي، حفظه الله، أن التحولات الحضارية التي تشهدها تركيا بقيادة أرودغان وعصبته المباركة تشكل فرصة هامة لصالح المشروع الإسلامي (383) كما يرى بأن النهضة التركية المباركة تشكل رافعة مهمة لصالح المشروع الإسلامي (266) ولكنه لم يشرح ولا في سطرين مضمون المشروع الإسلامي في تركيا عند حزب العدالة والتنمية! وتمسك الرئيس اردوغان بالنظام العلماني الأتاتوركي غني عن الذكر، وقد سبق له أن نصح قادة الإخوان المسلمين في زيارته لمصر 2012 بأن يتبنوا النموذج العلماني، وصرح مرارا بوفائه لإرث أتاتورك وتعهده بالحفاظ عليه، فما هي ملامح النهضة التركية المباركة؟؟ هل مجرد وجود صناعات حديثة هي معالم النهضة؟ وإذن فسويسرا بلد ناهض وكذلك اليابان وغيرها، فما موضع الشريعة الإسلامية في هذه الرؤية؟ 

وبعد فهذه ملاحظات سريعة على أهم ما جاء في قراءة الواقع السياسي و ما رافقه من آلام وآمال، و إن عظم التضحيات الجسام التي قدمتها الأمة في ساحاتها المتعددة تفرض على كل ناصح أمين الغوص في عوامل النجاح وعوامل الفشل، فالنصيحة تقتضي الصراحة والصدق وليس المجاملات و المغمغة وراء العواطف والأمنيات.

و لا شك أن صراع الأمة مستمر ضد قوى الطغيان وعلى رأسها ضباع الاستعمار الغربي و أدواته من أنظمة العهد الجبري، وحسن خوض الصراع يفرض استخلاص الدروس والعبر من الوقائع ومن مسيرة الجهد البشري الذي يعتوره الخطأ والقصور كما يسطر بتضحيات العاملين أروع السطور في كفاح الأمة المستمر دوما والذي سيتوج ولا بد بنصر الله ولو بعد حين.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى