دين ودنيا

(الحديث الصحيح والحديث الضعيف) ملحوظة علمية لطلاب العلم خاصة

د. محمد عياش الكبيسي

أكاديمي عراقي
عرض مقالات الكاتب


.
يظن بعض الإخوة أن الحديث الضعيف لم يقله رسول الله عليه الصلاة والسلام قطعا لا بلفظه ولا بمعناه.
وأن الحديث الصحيح قد قاله رسول الله قطعا بلفظه ومعناه.
ثم بنوا على ذلك تضليل كل من لم يعمل بحديث صحيح. وتبديع كل من يعمل بحديث ضعيف.
.
وهذه مجازفة خطيرة، لا يقدم عليها إلا قليل الورع وقليل العلم.
.
فالحديث الصحيح لا يعني أبدا أن كل كلمة فيه من رسول الله، وإلا لماذا تختلف ألفاظ الروايات الصحيحة في الحادثة الواحدة؟ بل ربما يأتي الاختلاف في الرواية الواحدة نفسها كما في حديث مسلم (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة).
.
والحديث الضعيف لا يعني أبدا أن كل كلمة فيه لم يقلها رسول الله، لأن المحدثين قد يحكمون على حديث بالضعف إذا عرف أحد رواته بالنسيان مثلا، أو أنه اختلط في كبره فلم ندر أروى هذا الحديث قبل ذلك أو بعده، كما في الراوي عبد الله بن لهيعة، فالتضعيف إنما جاء على سبيل الاحتياط، وذلك بخلاف رواية المبتدع القاصد لنشر بدعته.
.
ولذلك فالفقهاء لهم مسالك أخرى في الترجيح والاجتهاد بالإضافة إلى (التصحيح والتضعيف) منها مثلا:
١-مدى قرب الحديث أو بعده عن الأصول المحكمات في الكتاب والسنة القطعية.
٢-مدى قرب الحديث أو بعده عن مقاصد الشرع ومصالح العباد.
٣-مدى انسجام الحديث مع عمل أهل المدينة من التابعين وتابعيهم لأنه يستبعد أن يسارع هؤلاء بعامتهم إلى مخالفة سنة رسول الله، بل اتفاقهم على عمل ما أشبه بالرواية العملية عن رسول الله (مذهب الإمام مالك).
.
٤- مدى تلقي الأمة بعلمائها وصلحائها لهذا الحديث كما في حديث معاذ لما أرسله رسول الله إلى اليمن، فالحديث ضعيف سندا، لكن غالب الفقهاء والأصوليين وغيرهم قد تلقوه بالقبول لانسجامه مع قواعد الشرع ومقاصده.
.
٥-مدى دخول الحديث تحت فضيلة مطلوبة بأصلها بأدلة صحيحة كقراءة القرآن والصلاة والسلام على رسول الله وقيام الليل وأنواع البر والصدقة، فهذا بلا شك ليس مثل أحاديث القضاء والدماء والأموال والعقوبات ونحو ذلك.
.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المسالك ونحوها التي قال بها أهل الرأي وأهل الأثر، تستند فيما تستند إليه على أصل آخر وهو أن تقسيم الحديث إلى (صحيح وضعيف) إنما هو اجتهاد بشري قائم على معرفة المحدثين بالرواة وأحوالهم واتصال سندهم أو انقطاعه ونحو ذلك، ولم يكن هذا التقسيم وحيا من الله، ولذلك فالخلاف وارد في كثير من الأحاديث تبعا لاختلافهم في الحكم على رواتها.
وإذا كان المحدث قد اعتمد مثلا على مسلك (الجرح والتعديل) وهو مسلك اجتهادي بلا شك، فالفقيه له أن يستند إلى مسالك اجتهادية أخرى في قبول الرواية والعمل بها أو لا.
.
هذه لمعة مختصرة جدا أعلم أنها لا تفي بتوضيح كامل المسألة، لكنها تكفي اللبيب أن يتورع ولا يستعجل في تضليل الناس وتبديعهم خاصة أكابر العلماء والصلحاء، مع تأكيد أنني أتكلم عن مساحة محدودة بضوابط محدودة، ولا ينبغي أن يكون ذلك مسوغا لانتشار الخرافات والبدع الواضحات، والله أعلم وأرحم وأحكم .
وصل اللهم على حبيبنا المصطفى وآله وأصحابه أجمعين واغفر لنا في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان نحن وجميع المسلمين.
.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى