سياسة

عندما تفكر الدولة بعقلية قطاع الطرق

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب


بعد أن فشلت كل ألاعيب شيحة، لجباية أموال العاملين بالخارج، الآن بدأ السعي لإقرار قانون يجبر العاملين بالخارج على دفع جزء من رواتبهم للدولة بالقانون!، وعلى الرغم من اعتراف وزيرة الهجرة، بحكومة الانقلاب، بأن تحويلات المصريين بالخارج بلغت 32 مليار دولار، وأن مصر، تعد من أكبر 10 دول في حجم تحويلات أبنائها من الخارج.


لكن كل هذا، في نظر عصابة علي بابا لا يكفي ، وبدأ النظام يفكر في سن تشريع يفرض اقتطاع جزء من رواتب المصريين بالخارج، بالرغم من المعاناة التي يلاقيها هؤلاء من أجل لقمة العيش الكريم، التي لم تتح لهم في وطنهم، فضلا عن قسوة الغربة، وعدم اهتمام الدولة بهم وبمعاناتهم!، فاليوم طالب المستشار “بهاء أبو شقة”، وكيل مجلس شيوخ الانقلاب، وإحدى ترزيات القوانين، ومهندس تعديلات الدستور، بتنظيم عمل المصريين في الخارج، بحيث يكون هناك منظومة قانونية محددة لآلية عمل المصريين في الخارج، وقيمة راتبه، وتخصيص نسبة من راتبه للدولة بشكل إجباري.

تابعنا في فيسبوك


وقال أبو شقة، إن تخصيص تلك النسبة من دخل المصريين في الخارج للدولة، هو حق الدولة على هؤلاء المواطنين، الذين تربوا تحت سماء الوطن، واستفادوا من كل الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين. لكن للأسف يا “أبو شقة”، من تربو تحت سماء الوطن، تركوا لكم الوطن، وهاجروا للبحث عن لقمة عيشهم، وحياة كريمة، فركبوا البحر، فغرق منهم من غرق، ونجا من نجا، تركوا الوطن، عندما فقدوا حريتهم في وطن تحول إلى سجن كبير!
ومع ذلك لم يبخلوا على وطنهم، ولم يتوقفوا عن التحويلات، لكي تأخذ أنت وأمثالك، مكافآت شهرية وسنوية، وبدلات سفر، ومصايف ومشات، ومزايا مالية وعينية، يحرم منها أبناؤهم.


هذا التصريح الغريب من المستشار “أبو شقة”، وهو رجل قانون، وفقيه دستوري، والمفروض أنه يمثل الشعب، ولا يمثل السلطة، لكن منبت الصلة بهموم المواطن، ولا يعنيه سوى إرضاء السلطة، التي أتت به إلى هذا المجلس؟!
والطريف أنه صدر قانون مشابه لهذا القانون، زمن المخلوع مبارك، وتم الطعن عليه بعدم الدستورية، لمخالفته لنصوص الدستور!
وحكمت المحكمة الدستورية، بعدم دستورية القانون رقم 229 لسنة 1989، بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج، وألزمت الحكومة المصروفات وأتعاب المحاماة.


ونفس الأمر بالنسبة لهذا القانون، الذي سيكون مصيره الإلغاء، لاعتبارات عديدة.
أولا: لأن القانون خالف أحكام الدستور المصري، الذي شارك في صياغته المستشار، “أبو شقة”، لأنه يؤدي إلى فرض رسوم ضد فئة معينة من المجتمع، وهذا مخالف لمبدأ المساواة، التي نص عليها الدستور.
في المادة 53 التي نصت على “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. فالتمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، فيما تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.
ثانيا: هذا القانون يؤدى إلى حدوث ازدواج ضريبي، كما يخل بمبدأ إقليمية الضريبة، وهو ما يتنافى مع قانون الضريبة الموحدة.
ثالثا: إن مصر وقعت على اتفاقيات الازدواج الضريى، وبالتالي لا يحق لها مخالفتها.
وإذا أخذنا في الاعتبار، بأن هذه التصريحات ستؤدي حتما إلى تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، نكاية في “أبو شقة وأمثاله”.

اقرأ: سفينة مصرية محملة بالمساعدات ترسو في ميناء اللاذقية


وكان الأولى والأجدر بالمستشار “بهاء أبوشقة” أن يطالب باقتطاع نسبة من دخول أعضاء مجلسي الشعب الشورى، والعسكر، وضباط الشرطة، والمخابرات، والقضاة، ورجال الأعمال، ولصوص المال العام، والمشخصاتية، ولاعبي الكرة، لصالح الدولة، ويكون ذلك إجباريا، لأنهم هم وحدهم من يتحملون ما ألت إليه الأوضاع في البلاد، من أزمات ونكبات، بتطبيلهم ورقصهم، ومساندتهم للانقلاب العسكري على التجربة الديمقراطية، وتأخر البلاد عشرات العقود.


والسؤال لقطاع الطرق هؤلاء، ماذا تقدم الدولة لأبنائها المغتربين بالخارج؟، سوى أن السفارات والقنصليات، لا تعدو عن كونها مكاتب لأمن الدولة والمخابرات، للتجسس على المغتربين، هل هذه الخدمة تستحق أن تقتطع الدولة جزءا من راتب العامل بالخارج إجباريا مقابل إهانته وإذلاله، إذا ما أوقعه حظه العاثر، للذهاب لسفارة بلده لقضاء مصلحة، أو طلب خدمة؟!


وبالرغم من أن “بهاء أبو شقة” قال صراحة: “«يجب أن يكون هناك حق للدولة ممثلة في نسبة مئوية لما يحصل عليه كل مواطن يعمل بالخارج، لأن الدولة هي من قامة بتنشئته وتعليمه وتربيته»، لكنه عاد بسرعة ليلعق كلامه، الذي قاله بالمجلس، لأنه على ما يبدو كان تصريح” أبو شقة “، مجرد بالون اختبار، فسارع بنفي ما نسب إليه بشأن طلبه تخصيص جزء من راتب المصريين في الخارج لصالح الدولة، وأكد في تصريحات صحفية، أن حديثه بشأن تخصيص جزء من راتب المصريين بالخارج لصالح الدولة، تم تفسيره بشكل خاطئ، وأنه كان يقصد استنهاض الهمم من أبناء مصر الشرفاء في الخارج.
فهل يمكن يفكر هؤلاء في هموم الوطن والمواطن، أم ينهبون الوطن والمواطن باسم الوطن، مثل نواب الجباية، وترزية القوانين، من المطبلاتية، وأدعياء الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى