سياسة

بسمة قضماني ونعي حسام الحافظ لها 

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب


حسام حافظ عرفته في مؤتمر الرياض، شخصية متزنة مثقفة متمكنة في اختصاصها (القانون الدولي)، يحظى برضى واحترام جميع الحاضرين وهذه حالة نادرة لم ألحظها إلا في حسام الحافظ.

فالجربا طرد من جلسة انتخابات المستقلين وكذلك معاذ الخطيب، وإن كان الجربا ظهر رقم واحد في تلك الانتخابات التي زورها بالتعاون مع المنافق جاسم الخطيب الرقاوي، وكذلك معاذ الخطيب ظهر اسمه بالفائزين، ولم يشارك بتلك الانتخابات المزورة.. 

تابعنا في فيسبوك

يقول الدكتور حسام الحافظ في نعيه: (لا أجيد النعي ولا أحبه لا لأنه يزيد الألم ويثير الشجون فحسب، بل لأن الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي يصبحون فجأةً أكثر الناس قرباً، وأكثرهم صداقة ممن رحل، ولا أحب أن أكون من هؤلاء..

عملنا معاً في فضاءات مشتركة سياسية وتفاوضية وأكاديمية، فكانت انسانةً دؤوبةً ومخلصةً لقضيتي الديمقراطية والحرية لسنين طويلة بكفاءة عالية فأصابت وأخطأت ككل من يعمل بجد، فمثلت المرأة السورية الأكاديمية والسياسية المحترفة في محافل متعددة..

 لقد كثر رحيل السوريين في هذه الأيام الصعبة والحقيقة أن أكثرنا تشاؤماً لم يكن يتوقع أن ترحل رموز وكفاءات من أجيال مختلفة بهذه السرعة وقبل رؤية سورية الجديدة، حتى نكاد ان نصبح فعلاً في خانة الشعوب المتلاشية.

في عالم سوريٍ أجمل كان من الممكن للراحلة د بسمة أن تكون رئيسةً لسورية المحترمة أو رئيسةً لوزرائها أو وزيرةً أو رئيسةً لجامعةٍ مرموقةٍ على أقل تقدير كما هو حال الكثير من أبناء سورية المخلصين من ذوي الكفاءة والخبرة والحضور الدولي المنتشرين علماً وياسميناً وتألقاً في أصقاع الشرق والغرب… زمن الليل السوري الحالك امتد طويلاً، ولكنه لا يمكن أن يستمر،  وسيكون في الأفق القريب ملامح العبور إلى مستقبل أجمل..)..

هذا الكلام المتوازن استدعاني للتعليق والإدلاء بدلوي عندما رأيت صفحات الفيس فجأة امتلأت بصور بسمة قضماني المتوفاة تنعيها بأجل الصفات، وأجمل العبارات، وأطرى الكلمات، وتكيل المدائح، وتكثر النواح عليها..

فقلت معلقاً على كلام الحافظ:

هذا أحسن ما قيل في نعي بسمة قضماني، كلام معتدل منصف وإن كان فيه شيء من المبالغة، بسمة قضماني مثقفة سياسية بارعة، متزنة ذكية خبيرة في العمل السياسي والعلاقات الدولية لكنها لم تكن ثائرة، ولم تتكلم باسم الثورة، وإنما كانت براغماتية ليبرالية علمانية، تمثل خطاً معتدلاً يميل إلى المهادنة والوسطية والتماهي مع التوجه الغربي والأنظمة العربية، ولها سقطات كبيرة منها: أنها قالت لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها، وهي تحمل الجنسية الفرنسية وأظنها تحمل أيضاً الجواز الإسرائيلي وزوجها وأولادها يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولها علاقات ولقاءات مع الإسرائيليين، ومع كل هذا لم يقبل بها الإسرائيليون بديلاً لبشار الأسد كما كان يتمنى حسام الحافظ. وغيره ..

  أنا لا أحب النفاق السياسي ولقد سمعت كلاماً نفاقياً كثيراً وكبيراً في رثائها، قد يكون خسرها أبناء الأقليات لأنها منهم (درزية)، وقد يكون خسرها الغرب ونظام بشار والأنظمة العربية التي وقفت بالضد من الثورة العربية الكبرى والربيع العربي؛ لأنها يمكن أن تكون الشخصية المناسبة لما بعد بشار الأسد بالنسبة لهم، لكنها ليست الشخصية المرغوبة للثورة والثوار، ولا الممثلة لهم، فطموحهم أبعد منها بكثير، نعم هي أفضل السيئين، لأنها لم تظهر عليها شبهة فساد مالي، لكنها ليست الطموح، فهناك شخصيات في الثورة أفضل منها بكثير..

التقيتها بمؤتمر الرياض، وكانت مقلة في الكلام، متزنة، هادئة، على عكس كل السوريات المشاركات في المؤتمر، لها ابتسامة يبدو لك منها أنها بريئة، ولكنها تخفي الكثير.. 

تابعت على الفيس نعواتها والتعليقات عليها؛ فوجدتها من خلال تلك التعليقات والمقاطع التي ظهرت، والكتابات التي نشرت، واللقاءات التي كانت تعقدها مع الصهاينة، وجدتها صهيونية أكثر من الصهاينة، وإسرائيلية أكثر من الإسرائيليين، وغربية أكثر من الغربيين، وأبوها دبلماسي سابق أمضى حياته في خدمة النظام المجرم.. 

لا أخفي أنها اقتربت مني في فسحة من فسحات المؤتمر، ورسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة؛ وكأنها تقول لي أحب التعرف عليك أكثر؛ كوني الضيف الطارئ الغريب في المؤتمر، وكوني أعلى السوريين صوتاً وحركة فيه، وإن كنت أو المطرودين منه، والمطرودين فيما بعد من السعودية كلها بسبب تداعياته، إلا أنني تجاهلتها؛ لأنني كنت أحمل عنها صورة سيئة؛ جعلتني أنفر منها، وأبتعد عنها، ولست نادماً على ذلك، على عكس يحيى قضماني الذي احتضنني وطلب أن يقبل رأسي، وسألني مستغرباً من أين أنت؟ وكيف ظهرت؟ وأين كنت؟ فشعرت أنني الصوت الشاذ بين أصوات المعارضة التي اختارتها السعودية وقطر والإمارات وفرنسا وأمريكا وبريطانيا وروسيا والنظام، ولم يخترها الشعب السوري الثائر

وهذا ما أكده الحريري الذي قال عندما خرجت المظاهرات منددة بالائتلاف الذي كان رئيسه، نحن لم نأخذ شرعيتنا من الشعب، وإنما من الدول المانحة التي ترعى الائتلاف.. سألت يحيى القضماني لحظتها: هل تقربك بسمة قضماني؟ فأجاب بنفور: لا، وكانت هذه الـ لا تخفي الكلام الكثير، ولكني تجاوزته لأن الوقت والظرف والمكان لا يسمح بذلك..

 قيل فيها كلام نفاقي كثير وكبير، وانبرت الأقلام تكتب وتكيل المدائح والمآثر، وكأنها نجمة سورية الوحيدة، وخسارتها لا تعوض.. قد يكون ذلك من جهة أصحاب الفكر الانتهازي الوصولي الأقرب إلى النظام منه إلى الثورة والمعارضة.

ولكنها في المقابل، ومن وجهة نظر المنتقدين لا يجوز الترحم عليها، ولا تستحق الإطراء والمديح والرثاء، وإنما اللعنة والشماتة والذكر السيء بما كانت وما تركت من إرث قذر، وفعل مخز، وأثر ظل وراءها؛ يشهد لها وعليها في الدنيا والآخرة.. 

كل ما أريد قوله: إنها على الرغم من كل ما لديها من مسوغات القبول عند الصهاينة العرب، والصهاينة اليهود، والصهاينة الغربيين، لم يرضوا بها بديلا لبشار الأسد، وظلوا متمسكين به على الرغم مما ارتكب من مجازر، وما فعل من كبائر لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ومع ذلك ظلوا متمسكين به، ويعملون ليل نهار للحفاظ عليه، وإعادة إنتاجه..

فكم هي المسافة بعيدة بيننا – كثوار وثورة – وبينهم – كأعداء وثورة مضادة – وكم هو بشار الأسد وطائفته عزيز عليهم، وكبير عندهم، ونظامه فريد لا يتكرر، ولا يمكن التفريط به..

وهذا هو اللغز الذي يصعب حله، والسؤال الذي يبحث عن إجابة: إلى متى ستظل محنة السوريين مستمرة دون حل، ومعاناتهم متجددة دون نهاية..  ولم أجد إلا ما كنت أقول: نحتاج إلى تدخل رباني، ومعجزة إلهية للخلاص من بشار المجرم، ومن نظامه القذر؛ وكما خلصنا من لؤي حسين وقضماني وغيرهم.. فإن ربك قادر على تخليصنا من بشار وجنوده..  وما ذلك على الله بعزيز..  صحيح أنهم يعملون جاهدين على عودته في مؤتمر الرياض القادم الذي أعد لاستقباله.. بمباركة خليجية واضحة من دول محور الشر، إلا أن ثقتنا بالله لا تتزعزع بأن بشار زائل إلى الجحيم هو وهم.. وكل من شاق الله ورسوله.. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الحشر4.. اللهم أنزل عقابك، وعجل فرجك، وارحم أمتك، وانصرنا على أعدائك، إنك سميع مجيب دعوة المظلوم، ودعوة المضطر إذا داعاك.. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى