بحوث ودراسات

خطَّة طوارئ أمريكيَّة وحشْد إسرائيلي لضرْب نووي إيران.. فما المآل؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


بعيدًا عن نظريَّة المؤامرة الَّتي تؤكِّد التَّواطؤ الصَّفوي-الصُّهيوني ضدَّ العالم الإسلامي، واشتراك المشروعين الإيراني والإسرائيلي في المنطقة العربيَّة في الأهداف، تكثِّف دولة الاحتلال الإسرائيلي جهودها في الآونة الأخيرة لاستنهاض رأي العالم العالمي لحشْد الدَّعم في مواجهة البرنامج النَّووي الإيراني. يأتي ذلك بعد تصريح رسمي من وزارة الدِّفاع الأمريكيَّة، البنتاغون، بأنَّ تطوير نظام ملالي الرَّافضة في إيران أوَّل قنبلة نوويَّة بات قاب قوسين أو أدني ولن يستغرق سوى أيَّام معدودات. وبرغم التَّنسيق الأمني عالي المستوى بين كلٍّ من الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ودولة الاحتلال بشأن مواجهة مشروع إيران النَّووي، تحرص إدارة جو بايدن على التَّأكيد على الالتزام بالمسار الدِّبلوماسي في ذلك الصَّدد، ممَّا يثير الشُّكوك حول نيَّة الإدارة الأمريكيَّة معاونة جيش الدِّفاع الإسرائيلي في ضرْب المفاعلات النَّوويَّة الإيرانيَّة، وهي معاونة لا غنى عنها من أجل أهداف كبيرة في إيران وتحييد نشاطها النَّووي بالكامل.

تابعنا في فيسبوك


من الصَّعب على القوَّات الجويَّة الإسرائيليَّة إصابة المفاعلات الإيرانيَّة المنشأة في مناطق جبليَّة، وتنفيذ هجوم موسَّع على مدار فترة لا تقلُّ عن 3 أيَّام دون دعْم أمريكي. وممَّا يشير إلى صعوبة اتِّخاذ الإدارة الأمريكيَّة قرارًا بضرْب أهداف نوويَّة في إيران تراجُع الرَّئيس جو بايدن عن تنفيذ ‘‘خطَّة طوارئ’’ أمَر سابقه، دونالد ترامب، بإعدادها وتمويلها على مدار عاميِّ 2018م و2019م، بعد انسحابه من الاتِّفاق النَّووي مع إيران في مايو 2018م، كما كشفت إحدى الصُّحف الأمريكيَّة. ومع ذلك، فهناك زيارات مكُّوكيَّة متبادَلة بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي للتَّنسيق بشأن سُبل مواجهة التَّهديد النَّووي الإيراني، من أحدثها زيارة وزير الدِّفاع الأمريكي، لويد أوستن، المنطقة العربيَّة في جولة تشمل الأردن ومصر وتنتهي بدولة الاحتلال نهاية الأسبوع الجاري.
ويذكِّر الموقف الأمريكي المتردِّد بشأن اتِّخاذ خطوة فعليَّة ضدَّ مشروع إيران النَّووي بما تناوَله المبشِّر الأصولي الأمريكي-الإسرائيلي، جويل روزنبرغ، في ثلاثيَّة ‘‘الإمام الثَّاني عشر’’ (2010-2013م)، حيث يتنبَّأ بإقدام دولة الاحتلال بشنِّ ضربة استباقيَّة مباغتة لتقويض النَّشاط النَّووي الإيراني دون رغبة الإدارة الأمريكيَّة، فيما أطلق عليه ‘‘مبادرة طهران’’. غير أنَّ نجاح الهجوم الإسرائيلي في تنفيذ أهدافه يكون بعد تطوير نظام ملالي الرَّافضة عدد كبير من الرُّؤوس النَّوويَّة تُستخدم، لا في إصابة دولة الاحتلال، إنَّما في تدمير عدد من دولة المنطقة العربيَّة، وفي مقدِّمتها دمشق السُّوريَّة. فهل سيناريو الهجوم الإسرائيلي الفردي على المفاعلات الإيرانيَّة والرِّدِّ الإيراني بإصابة أهداف حيويَّة في دول المنطقة هو الأقرب للتَّنفيذ؟
الكشف عن ‘‘خطَّة طوارئ’’ أمريكيَّة للهجوم على نووي إيران
نشَرت صحيفة The Intercept الأمريكيَّة مطلع مارس الجاري مقالًا تحت عنوان Pentagon Developed Contingency Plan for War With Iran، أو البنتاغون أعدَّ خطَّة طوارئ للحرب مع إيران، كشفت فيه عن إصدار الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، أمرًا بإعداد خطَّة هجوم موسَّع لضرْب العديد من الأهداف النَّوويَّة في إيران، بما يضمن تحييد مشروعها النَّووي بالكامل. حملت الخطَّة اسم Support Sentry، أو دعْم الحارس، وقد أُدرجت في الميزانيَّة السَّنويَّة باسم ‘‘خطَّة العمل المشتركة للإدارة الأمريكيَّة من أجل مكافحة الإرهاب بالتَّنسيق مع مختلف الوكالات المحلِّيَّة’’، وظلَّت غدارة ترامب تموِّل الخطَّة على مدار عاميِّ 2018م و2019م، لكنَّ إدارة بايدن امتنعت حتَّى اليوم عن تنفيذها.
وتنقل الصَّحيفة الأمريكيَّة عن الرَّائد جون مور، المتحدِّث باسم القيادة المركزيَّة الأمريكيَّة، رأيه بشأن تلك الخطَّة، الَّتي رفَض التَّعليق عليها، مكتفيًا بقول “من باب الانضباط، نحن لا نعلِّق على الخطط السِّرِّيَّة، مضيفًا “تظلُّ إيران المصدر الرَّئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة وتشكِّل تهديدًا للولايات المتَّحدة وشركائنا.. نحن نراقب باستمرار حملات التَّهديد بالتَّنسيق مع شركائنا الإقليميين ولن نتردَّد في الدِّفاع عن المصالح الوطنيَّة للولايات المتَّحدة في المنطقة”. ويتزامن الكشف عن تلك الخطَّة مع مواصلة إجراء تدريبات مشتركة بين القوَّات الأمريكيَّة والإسرائيليَّة لمحاكاة الهجوم على إيران، من أحدثها مناورات بريَّة مشتركة للقوَّات الإسرائيليَّة مع قوات من المارينز الأمريكيَّة تابعة للقيادة الوسطى، تزامنًا مع زيارة الجنرال مارك ميلي، هيئة الأركان الأمريكي، لدولة الاحتلال، تأكيدًا على “استمرار العمل لمنع إيران من امتلاك أسلحة نوويَّة”، كما صرَّح يوآف غالانت، وزير الدِّفاع الإسرائيلي، نقلًا شبكة الجزيرة نت.
واستغلَّ غالانت اجتماعه بالجنرال ميلي في مطالَبة إدارة بايدن بـ “ضرورة التعاون الدُّولي لمنْع إيران من امتلاك سلاح نووي”. في حين قالت جيلا غامليل، وزيرة الاستخبارات الإسرائيليَّة، إنَّ “الطريقة الوحيدة لمنْع قتل المتظاهرين وإيقاف تطوير برنامج إيران النَّووي هي فرض عقوبات مشدَّدة على النِّظام الإيراني”، مع التَّشديد على أنَّ “برنامج إيران النَّووي، أكبر تهديد لإسرائيل والمنطقة”، ومطالبةٍ “الولايات المتحدة والدُّول الأوروبيَّة بفرض عقوبات واسعة النِّطاق على إيران”.
تحذير أممي لدولة الاحتلال من استهداف نووي إيراني
في مقابل السَّعي الدُّؤوب لساسة دولة الاحتلال الإسرائيلي لحشْد الدَّعم الدُّولي في شنِّ هجوم لتقويض النِّشاط النَّووي الإيراني، أطلق رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّرِّيَّة، تحذيرًا من قبل العاصمة الإيرانيَّة، طهران، لدولة الاحتلال من مغبَّة التَّهوُّر بشنِّ الهجوم المرتقب، بعد التِّشديد على استعداد الوكالة للتَّعاون من جديد من إيران بشأن برنامجها النَّووي المثيل للجدل. وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانيَّة الرَّسميَّة، إرنا، صرَّح غروسي بقوله ” “يجب إضفاء الشَّفافيَّة على بعض القضايا لجهة ما يتعلَّق بالضَّمانات المتَّصلة ببرنامج طهران النَّووي”، مضيفًا أنَّ “هناك قضيَّتان تحظيان بأهميَّة بالغة، وهما العمل المشترك مع إيران فيما يتعلَّق بإضفاء الشَّفافيَّة واتِّفاق الضَّمانات تجاه برنامج إيران النَّووي، والتَّعاون الفني والعلمي بين الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذِّرِّيَّة وإيران”.
في حين ندَّد غروسي بتهديدات دولة الاحتلال باستهداف المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة، حيث قال “توجيه تهديدات ضدَّ المنشآت النَّوويَّة باتت قضيَّة رائجة.. أيُّ عمل عسكري ضدَّ المنشآت النَّوويَّة، يعتبر عملًا غير شرعي ويندرج خارج إطار عملنا”. من جانبه، طالَب إبراهيم رئيس، الرَّئيس الإيراني، غروسي بالتَّعامل بحياديَّة مع الملفِّ النَّووي لبلاده، معلِّقًا على التَّهديد الإسرائيلي بقوله “على الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّرِّيَّة التَّعامل بمهنيَّة وعدم التَّأثُّر بقوى سياسيَّة تسعى لأهداف خاصة كأمريكا والكيان الصُّهيوني اللذين يستغلَّان ملفَّنا النَّووي كذريعة لممارسة الضُّغوط على شعبنا وبلادنا”. ونتساءل: ما تفسير تصريح البنتاغون بوجود خطَّة لاستهداف النَّشاط النَّووي الإيراني في هذا التَّوقيت؟ وهل امتناع إدارة بايدن عن تنفيذها يؤكِّد أنَّ سيناريو ‘‘مبادرة طهران’’ هو الأقرب إلى التَّنفيذ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى