دين ودنيا

القـــــواعـــد الفـقـهـــية
(36)
القاعدة الثالثة والثلاثون
تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب
  • تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.
  • منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم.
  • التصرف على الرعية منوط بالمصلحة
    ونص على هذه القاعدة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال: “منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم “(الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
    معنى القاعدة:
    والمراد من الراعي: كل من ولي أمراً من أمور العامة، عاماً كان كالسلطان الأعظم، أو خاصاً كمن دونه من العمال، فإن نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مترتب على وجود المنفعة في ضمنها، لأنه مأمور من قبل الشارع – – صلى الله عليه وسلم – أن يحوطهم بالنصح، ومتوعد من قبله على ترك ذلك بأعظم وعيد.
    المراد بالرعية هنا: عموم الناس الذين تحت ولاية الوالي أو الإِمام.
    منوط: اسم مفعول من الفعل نيط به مبنيًّا للمفعول. ومعنى نيط به: أي عُلِّق عليه ورُبط به.
    والمعنى الإجمالي: أن تصرف الإِمام وكل مَن ولي شيئاً من أمور المسلمين يجب أن يكون مقصوداً به المصلحة العامة، أي بما فيه نفع لعموم من تحت أيديهم، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحاً ولا نافذاً شرعاً.
    وبتعبير آخر: إن نفاذ تصرف الراعي على الرعية، ولزومه عليهم شاؤوا أو أبوا معلقٌ ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية، فإن تضمن منفعةٍ ما وجب عليهم تنفيذه، وإلا ردّ، لأن الراعي ناظر، وتصرفه حينئذٍ متردد بين الضرر والعبث وكلاهما ليس من النظر في شيء.
    وهذه القاعدة ترسم حدود الإدارات العامة والسياسة الشرعية في سلطان الولاة وتصرفاتهم على الرعية، فتفيد أن أعمال الولاة النافذة على الرعية يجب أن تبنى على المصلحة للجماعة وخيرها، لأن الولاة من الخليفة فمن دونه ليسوا عمالاً لأنفسهم، وإنما هم وكلاء عن الأمة في القيام بأصلح التدابير لإقامة العدل، ودفع الظلم، وصيانة الحقوق والأخلاق، وضبط الأمن، ونشر العلم، وتطهير المجتمع من الفساد، وتحقيق كل خير للأمة بأفضل الوسائل، مما يعبر عنه بالمصلحة العامة، فكل عمل أو تصرف من الولاة على خلاف هذه المصلحة مما يقصد به استثمار أو استبداد، أو يؤدي إلى ضرر أو فساد، هو غير جائز. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها 1/ 494)
    دليل القاعدة:
    أصل هذه القاعدة ودليلها ما يلي:
    1- قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية، يموت وهو غاش رعيته، إلا حرم الله تعالى عليه الجنة”
    رواه البخاري ومسلم.
    2- قوله عليه الصلاة والسلام: “ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلا لم يدخل معهم الجنة”. رواه مسلم
    3- وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “من استعمل رجلاً من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين “
    (رواه الحاكم وقال: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وحذفه الذهبي من التلخيص المستدرك4/104)
    4- مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ (سنن سعيد بن منصور 4/ 1538، الحديث رقم 788) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ” إنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إنْ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ فَإِنْ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص105) وقد نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَالَ ” مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ مِنْ الرَّعِيَّةِ مَنْزِلَة الْوَلِيِّ مِنْ الْيَتِيمِ “.

فروع وأمثلة وتطبيقات:
1- إذَا قَسَّمَ الإِمام المال على المستحقين يُحَرَّمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ بينهم ، مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ. لأن عليه التعميم والتسوية بخلاف المالك. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
2- وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ إسْقَاطَ بَعْضِ الْجُنْدِ مِنْ الدِّيوَان بِسَبَبٍ: جَازَ، وَبِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَجُوزُ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
3- لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يُنَصِّبَ إمَامًا لِلصَّلَاةِ فَاسِقًا، وَإِنْ صَحَّحْنَا الصَّلَاةَ خَلْفَهُ ; لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. وَوَلِيُّ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي حَمْلِ النَّاس عَلَى فِعْل الْمَكْرُوهِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ(الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
4- وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا تُخَيِّرَ فِي الْأَسْرَى بَيْن الْقَتْل، وَالرِّقِّ، وَالْمَنّ وَالْفِدَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْمَصْلَحَةِ. حَتَّى إذَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ يَحْبِسُهُمْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
5- وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ ولَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ قَاتِلِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، في الْقِصَاصِ مَجَّانًا ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَصْلَحَةِ، بَلْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الْقِصَاصِ اقْتَصَّ، أَوْ فِي الدِّيَة أَخَذَهَا. وَعَلَّلَوهُ بِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ (الأشباه للسيوطي ص121، الأشباه لابن نجيم ص105)
6- ليس لولي الأمر أن يعفو عن عقوبات الحدود مطلقاً، ولا عن غيرها من الجرائم أو العقوبات إذا كان في ذلك تشجيع على الإجرام واستخفاف بنتائجه، ولا أن يهدر الحقوق الشخصية للمجني عليهم بحال من الأحوال، ولا أن يبطل أقضية القضاة.
7- وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً بالغة بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَإِنْ رَضِيَتْ ; لِأَنَّ حَقَّ الْكَفَاءَة لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ، كذلك إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
8- وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُجِيزُ وَصِيَّةَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
9- وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَ الْأَحْوَجِ عَلَى الْأَحْوَجِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص121)
10- إذَا تَرَكَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ فَقِيرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ (الأشباه لابن نجيم ص106)
11- وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفْضِيلٍ، وَتَسْوِيَةٍ عطايا العمال مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا يَكْفِيهِمْ، وَيَكْفِي أَعْوَانَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَعْدَ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا قَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص105)
12- إذَا قَرَّرَ الْقَاضِيَ فَرَّاشًا لِلْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلْفَرَّاشِ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ. والقاضي إذا قضى بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فقَضَاءؤه بَاطِلِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَة شرط الواقف كَمُخَالَفَةِ النَّصِّ (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص107، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص108)
13- لا يجوز للوالي أو القاضي أو الناظر أو الوصي أن يهب أموال الوقف أو أموال الصغير؛ لأن تصرفه فيها يجب أن يكون مقيداً بالمصلحة.
14 – لو صالح الولي أو الوصي عن الصغير صلحاً مضراً به لا يصح، كما لو صالح الخصم قبل أن ينوي رد دعواه بالبينة، أو قَبِل الحوالة بدين الصغير على من ليس بأملأ – أي أغنى – من المحيل لا يصح. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 495)
15- لو آجر المتولي عقار الوقف بغبنٍ فاحش لا يصح.
16 – ليس لإمامٍ أو أميرٍ أو قاضٍ أن يمنع محاسبة من تحت أيديهم أموال العامة أو القاصرين كالأوصياء والمتولين، ولا أن يسمح بشيء من المفاسد المحرمة شرعاً، كالفسق والخمر والقمار، ولو بحجة جباية الأموال والضرائب منها، ولا أن يولي غير أمين أو غير كفء عملاً من الأعمال العامة. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 496)
17 – لو أبرأ عن حق من حقوق العامة، أو أجل الدين على الغريم بدون رضا الدائن لم يجز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى