سياسة

ما وراء الزلزال أعظم!

الأغيد السيد علي

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

لقد كانت كارثة الزلزال العظيمة التي ضربت جنوب تركية وشمال غرب سورية بتاريخ 06/02/2023 كاشفة للكثير من الحقائق -الموهومة لدى البعض-، كما أسقطت عدّة أقنعة عن الدول العربية والغربية، حين كان كل شيءٍ ضمن لوبيات تحت الطاولة لتظهر فجأة على العلن وفوق الطاولة.

ما هي هذه الأقنعة؟ وما هي تلك الحقائق التي ظهرت من تحت أنقاض الزلزال المدمر؟

في صباح يوم الإثنين من شهر شباط، وفي تمام الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة فجرًا؛ صحت عوام الناس على هزّة أرضية ضربت جنوب تركية وشمال غرب سورية، فسارعت الدول العربية والأوروبية لمد يد العون لسورية وتركية، حيث كان النصيب الأكبر لتركية، فقد أعلنت أكثر من 25 دولة أوروبية وعربية إرسال فرق تطوعية واختصاصيين لمساندة تركية إثر الزلزال، وبعدها سورية -مناطق سيطرة عصابات أسد-؛ ليليها مناطق الشمال السوري -مناطق سيطرة المعارضة السورية-، وبحسب شهود عيان؛ كانت المساعدات التي وصلت خامس يوم الزلزال “مخجلة” كما وصفها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذه الأثناء استغل النظام السوري كارثة الزلزال هذه لرفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق، ولجني بعض المساعدات الإنسانية والانخراط في المجتمع العربي والدولي بطريقةٍ ما، حيث استخدم جُل الصور والفيديوهات المصوّرة في مناطق سيطرة المعارضة؛ على أنّها في مناطق سيطرته، وباتت المساعدات العربية والدولية تأتي تِباعًا إلى مطارات حلب واللاذقية ودمشق، وكانت أولى الدول المساعدة هي (مصر، الإمارات، السعودية، الأردن، العراق، ليبيا، تونس، إيران، إيطاليا وألمانيا)، والجدير بالذكر أنّ الإمارات المتحدة قدّمت أكبر هذه المساعدات إلى النظام السوري، حيث قدّرت حوالي 50 مليون دولار وأكثر من 10 أطنان من المساعدات العينية، كما دعت منظمة “الصحة العالمية” دول العالم لتقديم يد العون للنظام السوري، وبحسب (كلنا شركاء) قرّرت واشنطن تجميد “العقوبات المالية” على النظام السوري والمتعلقة بالحوالات المصرفية لمدة 6 أشهر للمساعدة بقضايا الإغاثة بعد الزلزال.

نعم، تسارعت أغلب الدول العربية والأوروبية مستغلين كارثة الزلزال؛ لمساعدة النظام السوري ورفع العقوبات عنه وإعادة تعويمه عربيًا ودوليًا، وكان سبب شحّ المساعدات وتأخيرها عن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري؛ هو مثلما أوضح المسؤول عن العمليات في سورية نيابةً عن منظمة “أطباء بلا حدود” السيد “مارك شكال”: 

《لا تزال سورية منطقة رمادية من الناحية القانونية والدبلوماسية》في حين قد نجح النظام السوري في استعطاف المجتمع الدولي والعربي لمد يد العون للمناطق التي تضرّرت بفعل الزلزال، وأكّد ممثل الاتحاد الأوروبي إلى سورية السيد “دان ستونيسكو” بأنّ: المساعدات الأوروبية تتدفق لمناطق سيطرة النظام السوري.

تابعنا في فيسبوك

عبّر الشعب السوري في مناطق سيطرة المعارضة السورية عن استياءه من موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وذلك بوضع أعلام الأمم المتحدة بشكل مقلوب على المنازل المدمرة، استنكارًا لخذلانهم تجاه الكارثة التي حلّت بمناطق سيطرتهم، وغرّ الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” قائلًا:

《إنَّ زلزال تركية وسورية؛ كشف عن الوجه الحقيقي لأوروبا والغرب عمومًا، وأثبت للعالم أنَّ الغرب مهتم بالتدمير والحرب أكثر من اهتمامه بالتعمير》، لتعرب بعدها الأمم المتحدة عن حزنها وخذلانها للشعب السوري في شمال غرب سورية جرّاء الزلزال، وأردفت قائلة:《يجب مساعدة كل سوري أينما كان، ونحن خذلنا السوريين مجددًا》.

المبادرة العربية لإعادة تعويم النظام السوري:

ليس فقط النظام السوري من استغل كارثة الزلزال، أجمعت بعض الدول العربية عن إطلاق مبادرة عربية جديدة لتعويم النظام السوري وعودته للجامعة العربية وأحضان المجتمع الدولي، فبدأت من النظام التونسي برئاسة “قيس سعيد” حيث قرر رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام في خطوة تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الأسد، وكما نقلت وكالة “رويترز” بأنَّ وزير خارجية الإمارات؛ طلب من الرئيس السوري عند زيارته بتاريخ 12 شباط؛ أن يقدم بادرة حسن نية تجاه المجتمع الدولي، وقال له: 《هذه فرصتك، الكل الآن يتطلع إلى فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وهذه ستكون نقطة مِفصلية》ليعلن بعدها الرئيس السوري عن زيارة رسمية علنية إلى سلطنة عمان، ومن خلالها التقى مع “هيثم بن سلطان” في جولة قد تشمل أكثر من دولة عربية، مع العلم أنّ عُمان؛ من الدول العربية التي لم تقطع علاقاتها قط مع النظام السوري، كما استمرت بدعمه منذ بدء الاحتجاجات السورية آذار 2011م.

كشف موقع “إنتلجنس أون لاين” الفرنسي المختص بالشأن الاستخباراتي عن عملية التطبيع السرية بين ‌ السعودية⁩ والنظام السوري، وذلك من خلال عمليات تسليم السعودية الأخيرة للمساعدات الإنسانية التي قدمتها لدمشق، وهي مبادرة تمهد الطريق لمزيد من الاتصالات الدبلوماسية المباشرة، كما دعا رئيس البرلمان العراقي “محمد الحلبوسي” الدول العربية إلى تبنّي قرار نهائي بعودة “النظام السوري” إلى المحيط العربي، وذلك لإنهاء تداعيات الأزمة السورية ونبذ الخلافات لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، في حين قد نشرت جريدة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بأنَّ: “علاقات النظام السوري مع الدول العربية تنمو بسرعة بعد كارثة الزلزال، وزيارة “بشار الأسد” إلى سلطنة عمان؛ توضّح مدى نجاح النظام في تحقيق تقدّم لإعادة تأهيله”.

نعم .. لقد كانت كارثة الزلزال كاشفة للكثير من الحقائق -الموهومة لدى البعض-، كما أسقطت عدّة أقنعة عن الدول العربية والغربية، ولكن السؤال المهم رغم كل هذه المؤشرات السياسية التي كُشفت، لماذا يسعى الجميع لتعويم “النظام السوري” في ظل إنهيار اقتصادي للبلد، والتثبّت من عدم كفاءته لإدارة الأزمة في مناطق سيطرته!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى