اقتصاد

انخفاض قيمة الجنيه المصري قد تبلغ 250 بالمائة نهاية مارس

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

يعاني الاقتصاد المصري منذ ما يقرب من 10 سنوات من أزمة كبيرة، الأمر الَّذي انعكس بالسَّلب على قيمة العملة المحليَّة، الجنيه المصري، الَّذي استُنزفت قيمته بما يقارب 240 بالمائة منذ تحرير سعر صرْفه في نوفمبر 2016م وحتَّى مطلع 2023م. وبرغم ادِّعاء مراقبين أنَّ بالتَّحرير الكامل لسعر الصَّرف، تنفيذًا لأحد أهمِّ شروط صندوق النَّقد الدُّولي لمنْح مصر قرضًا جديدًا قيمته 3 مليارات دولار، يمكن للحكومة المصريَّة تجاوُز الأزمة الاقتصاديَّة، من خلال اجتذاب استثمارات أجنبيَّة بعد توحيد سعر الصَّرف والقضاء على مضاربات السُّوق السَّوداء، فهناك توقُّعات بانخفاض جديد لسعر الصَّرف بقيمة 10 بالمائة، لتصل قيمة الدُّولار الأمريكي الواحد من حوالي 31 جنيهًا، وهو سعر الصَّرف الحالي، إلى 35 جنيهًا تقريبًا، وذلك مع نهاية الرُّبع الأوَّل من العام الجاري، في 31 مارس، وتزامنًا مع حلول شهر رمضان المبارك.

فقدْ أعلن سوسيتيه جنرال الفرنسي أنَّ الجنيه المصري لن ينتهي الرُّبع الأوَّل من عام 2023م إلَّا وقد فقدَ 10 بالمائة إضافيَّة من قيمته؛ “نظرًا لكبر حجم عجز الحساب الجاري ونقص الدُّولار”، مضيفًا أنَّ “على الرَّغم من فقدان الجنيه 50 بالمائة خلال العام الماضي بعد خفض قيمته ثلاث مرات، فإنَّ العملة لم تصل بعد إلى سعر صرْف متوازن قصير الأجل”، نقلًا عن موقع العربيَّة نت الإخباري. ويُرجع البعض ذلك الانخفاض الجديد في قيمة الجنيه إلى تعذُّر وصول دفعات جديدة من الأموال السَّاخنة الخليجيَّة، بعد حدوث جفوة في العلاقات بين النِّظامين المصري والسَّعودي في الأسابيع القليلة الماضية؛ وهو ما ينذر بمزيد من تردِّي الأوضاع داخل مصر، الَّتي يعاني شعبها من تبعات التَّضخُّم والارتفاع المتزايد في الأسعار. ومن الملفت للنَّظر أنَّ المحلِّلين يلقون باللوم غالبًا فيما يمرُّ به الاقتصاد المصري على تداعيات تفشِّي وباء كوفيد-19 والغزو الرُّوسي لأوكرانيا، برغم معاناة الاقتصاد من قبل هاتين الأزمتين بسنوات. ومع التَّوقُّع بمزيد من الانخفاض في قيمة العملة المحلِّيَّة، وما يتبع ذلك من ارتفاع مطَّرد في الأسعار، كيف سيواجه النِّظام الحاكم ذلك وما يفضي إليه من سخط شعبي؟

مزيد من استنزاف قيمة الجنيه برغم قرض صندوق النَّقد الدُّولي

بحسب ما نشَرته وكالة بلومبرغ الاقتصاديَّة الأمريكيَّة، ليس من المتوقَّع أن يسهم قرض صندوق النَّقد الدُّولي الجديد في حلِّ أزمة الاقتصاد المصري، حيث توقَّعت استمرار الضَّغط على الجنيه المصري، ومزيدًا من الانخفاض في قيمته بحلول نهاية العام الجاري. ونقلت بلومبرغ عن آرثي شاندراسيكاران، مديرة الاستثمارات في شركة شعاع كابيتال الإماراتيَّة لإدارة الأصول تصريحها القائل “لا يزال نقْص العملة الأجنبيَّة يمثل مشكلة.. الطَّلب على العملة الأجنبيَّة يتجاوز المعروض منها وهناك تأثير سلبي مستمر لنقص العملات الأجنبيَّة على النِّظام المصرفي”، مضيفةً “أعتقد أنَّنا سنشهد انخفاضًا في سعر صرْف الجنيه ومعدَّل النُّمو الاقتصادي”، حيث أنَّ الوصول إلى ذروة التَّضخُّم ليس بقريب بحسب رأيها. لا شكَّ في أنَّ خروج الأموال السَّاخنة من مصر في أعقاب اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة قبل عام كان له تأثيره في نقْص العملات الأجنبيَّة؛ الأمر الَّذي دفَع الحكومة المصريَّة إلى اتِّباع كافَّة السُّبل الممكنة لتوفير العملات الصَّعبة، سواءً الاقتراض أو طلْب الدَّعم الدُّولي أو بيع الأصول. 

هل تفلح الصُّكوك الإسلاميَّة في سداد ديون مصر؟

في سابقة هي الأولى في تاريخها، لجأت الحكومة المصريَّة في الآونة الأخيرة إلى طْرح صكوك إسلاميَّة سياديَّة بضمان من وزارة الماليَّة، بقيمة 1.5 مليار دولار، تفعيلًا لقانون صدر في أغسطس 2021م بهدف اجتذاب الاستثمارات الأجنبيَّة؛ لتسديد ديون مستحقَّة نهاية فبراير 2023م. وقد بلغت قيمة طلبات الاكتتاب 6.1 مليار دولار، أي أكثر من 4 أضعاف المبلغ المطلوب، ما اعتبره وزير الماليَّة المصري “رسالة ثقة قويَّة من أسواق المال العالميَّة، والمستثمرين في الاقتصاد المصري ومستقبله، وقدرته على التَّعامل المرن مع التَّحدِّيات الدَّاخليَّة والخارجيَّة”، بحسب ما أوردته شبكة BBC News عربي. 

في مقابل ذلك التَّصريح المتفائل، رأى محلِّلون اقتصاديون أنَّ تلك الصُّكوك تفاقِم أزمة ديون مصر، خاصَّةً مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع فوائدها الَّتي تتراوح قيمتها ما بين 10 إلى 11 بالمائة. وبحسب ما نقله موقع الحرَّة الأمريكي عن الخبير الاقتصادي، علاء عبد الحليم، فإنَّ “الحكومة المصريَّة في أزمة كبيرة بسبب التزامات سداد الدُّيون الَّتي ستتجاوز ٢٤ مليار دولار مستحقَّة في عام ٢٠٢٣، لذلك تحاول الحكومة بشتَّى السُّبل أن توفي بالتزاماتها، خاصَّةً أنَّه على مدار التَّاريخ كانت تتميَّز مصر بسمعة جيدة في عدم التَّخلُّف عن سداد الدُّيون، وإمَّا كانت تطلب تأجيلها في وقت لاحق وهذا لا يعتبر تخلُّفًا عن السَّداد”. ونتساءل: ما مآل تفاقُم الدُّيون المصري والاستنزاف المتواصل لقيمة الجنيه المصري؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى