سياسة

هل تطبِّع السَّعوديَّة مع إسرائيل بذريعة ضرْب نووي إيراني؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


طالما أكَّدت المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، على لسان كبار مسؤوليها، وعلى رأسهم وزير الخارجيَّة، الأمير فيصل بن فرحان، استعداداها لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في إطار توصيات المبادرة العربيَّة لعام 2002م، بموافقة دولة الاحتلال على تأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود 5 يونيو/حزيران 1967م. غير أنَّ المملكة النَّفطيَّة، الَّتي تضمُّ داخل حدودها الحرمين الشَّريفين، تتَّخذ في السَّنوات الأخيرة الماضية مسارًا يثير الجدل حول مدى التزامها بتوصيات المبادرة العربيَّة لعام 2002م في تكوين علاقات شاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. فبعدما أثير عن زيارة السِّياسي الأبرز والرَّئيس الحالي لحكومة دولة الاحتلال لبلاد الحرمين سرًّا، وسماح الأخيرة بوجود حاخام يهودي على أراضيها بزعم تقديم الوعظ الدِّيني للأقليَّة اليهوديَّة من المغتربين هناك، اتَّخذ التَّقارب بين البلدين منحى جديدًا بتبادل التَّهاني، واستفاضة رجال أعمال إسرائيليين في بلاد الحرمين علنًا لأوَّل مرَّة.

فقد أرسلت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى السَّعوديَّة تهنئة بمناسبة عيد تأسيسها في 22 فبراير 2023م عبر حساب خارجيَّة دولة الاحتلال على شبكة تويتر بالعربيَّة، جاء في نصِّها “نبعث بخالص التَّهاني وأطيب التَّمنيَّات للمملكة العربيَّة السعوديَّة، ملكًا وحكومة وشعبًا، في ذكرى قيامها، ونتمنى أن يكون هناك جو من السَّلام والتَّعاون وحسن الجوار يخدم شعوب المنطقة”. ومن المثير للاهتمام أنَّ مسؤولًا أمريكيًّا بارزًا، هو مارتن انديك، المبعوث الأمريكي السَّابق لعمليَّة السَّلام في الشَّرق الأوسط والسَّفير الأمريكي لدى إسرائيل سابقًا، صرَّح لمجلةَّ الشُّؤون الخارجيَّة الأمريكيَّة (Foreign Affairs) بأنَّ إقدام السَّعوديَّة على التَّطبيع مع دولة الاحتلال لا علاقة له بدفاعها عن حقوق الفلسطينيين، إنَّما هو مرهون بحصولها المملكة النَّفطيَّة على ضمانات أمنيَّة أمريكيَّة. ويتزامن ذلك التَّصريح مع تصريح لنتنياهو يقول “لو قمنا بتوسيع دائرة التَّطبيع مع السَّعوديَّة، فسننهي بالفعل الصِّراع العربي الإسرائيلي”، فهل يمهِّد التَّصريحان لتحالُف سعودي-إسرائيلي في مواجهة الخطر النَّووي الإيراني، خاصَّةً بعد ورود أنباء عن حصول دولة الاحتلال على ضوء أخضر أمريكي لضرْب المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة؟

تابعنا في فيسبوك

خطوات ملموسة في طريق التَّطبيع الإسرائيلي-السَّعودي

برغم ما تمارسه دولة الاحتلال منذ تولِّي حكومة نتنياهو الجديدة مهامها مطلع العام الجاري من انتهاكات غير مسبوقة في حقِّ الفلسطينيين، وتغاضيها عن الاقتحامات اليوميَّة للمستوطنين اليهود للمسجد الأقصى المبارك، استضاف وزير الاقتصاد والتَّخطيط السَّعودي، فيصل بن فاضل الإبراهيم، رجل الأعمال الإسرائيلي ورئيس دائرة الأعمال الإبراهيميَّة، إحدى جماعات الضغط الإسرائيليَّة، رافائيل ناجل، في مؤتمر 2023 LEAP التِّقني. وقد صرَّح ناجل عبر حسابه على شبكة فيسبوك بشأن تلك الخطوة بأن قال “خلف الأبواب المغلقة، تتسارع خطوات الحكومات المطبِّعة مع الكيان الإسرائيلي من أجل تهيئة المنطقة لبدأ عمليات الدَّمج الَّتي تحدَّث عنها الرَّئيس المصري، عبد الفتاح السِّيسي”. أمَّا الخطوة التَّالية، فهي “نقْل مقر الشَّركات الإسرائيليَّة إلى العاصمة السَّعودية الرِّياض؛ لأنَّ المنتجات الإسرائيليَّة تواجه كسادًا كبيرًا جدًّا نتيجة رفض المستهلك العربي لهذه السلع، ونتيجة رفْض المستهلك العربي سيتسبب بخسائر ماليَّة ما يؤدِّي إلى انهيار وشيك للاقتصاد الإسرائيلي خلال فترات وجيزة”.

اقرأ: الإمارات تعيد إثارة الجدل الدِّيني بافتتاح ‘‘بيت العائلة الإبراهيميَّة’’

وكما نشرت صحيفة إسرائيل اليوم الإسرائيليَّة، اعتبر بنيامين نتنياهو، خلال مشاركته في مؤتمر هارتوغ للأمن القومي، السَّعوديَّة حليفًا استراتيجيًّا غير رسمي، مشدِّدًا على دورها المحوري في مواجهة التَّهديد النَّووي الإيراني. وصرَّح نتنياهو بقوله “أقدِّر أنَّه يمكننا تحقيق انفراجة في مسار التَّطبيع إذا قررت القيادة السَّعوديَّة ذلك، صحيح أنَّها تريد أن يكون هذا رسميًّا، لكنَّهم بطريقة غير رسميَّة جزءٌ بالفعل من العمليَّة، وأعتقد أنَّ السَّعي لتحقيق السَّلام والتَّطبيع يقوم على المصالح المشتركة، واستخدام القوة العسكريَّة والاستخباراتيَّة والتكنولوجيَّة والاقتصاديَّة الإسرائيليَّة الَّتي يمكن أن تستند إليها اتفاقيَّات التَّطبيع مع جيراننا”.

هل يكون ضرْب نووي إيران ذريعة تطبيع بلاد الحرمين مع دولة الاحتلال؟

كشفت صحيفة بلومبرغ الأمريكيَّة أنَّ دولة الاحتلال الإسرائيلي كثَّفت تنسيقها مع السَّعوديَّة في الآونة الأخيرة، فيما يتعلَّق بالملفَّين العسكري والاستخباري، تزامنًا مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم المشعِّ بدرجة 84 بالمائة، وهي درجة تسمح لها بتطوير سلاح نووي.


فقد أشار عالم الفيزياء النَّوويَّة الإسرائيلي، نعمة شاريت ياري، إلى أنَّ القنبلة الذَّرِّيَّة الَّتي أسقطتها الولايات المتَّحدة في هيروشيما كانت مكوَّنة من يورانيوم مخصَّب بدرجة 80 بالمائة فقط؛ أي أنَّ إيران تجاوزت مرحلة تطوير قنبلة نوويَّة مدمِّرة، وهذا يستدعي مواجهة حاسمة لما يشكِّله ذلك من تهديد.

 وقد نشرت القناة 12 الإسرائيليَّة تقريرًا يشير إلى عقْد بنيامين نتنياهو 5 اجتماعات أمنيَّ’ في الأسابيع القليلة الماضية؛ لمناقشة آليَّة شنِّ هجوم لتقويض المساعي الإيرانيَّة لتطوير سلاح دمار شامل. وأضاف التَّقرير أنَّ نتنياهو قد أبلغ وزير الخارجيَّة الأمريكي، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، والرَّئيس الفرنسي، وعددًا من زعماء الغرب، بأنَّ دولة الاحتلال لن تقف صامتة حيال التَّهديد النَّووي الإيراني، حيث أفاد بقوله “سأفعل كلَّ ما في وسعي لمنْع إيران من الحصول على سلاح نووي. هذه القضيَّة لا تتعلَّق فقط بمصالح إسرائيل، بل بمصالح أمريكا والعالم بأسره”. ونتساءل: هل تتَّخذ بلاد الحرمين من ضرورة مواجهة الخطر النَّووي ذريعة للإفلات من تعهُّدها بعدم التَّطبيع مع دولة الاحتلال على حساب حقوق الفلسطينيين؟ وإذا كان المشروع الصَّفوي الإيراني هو الوجه الآخر للمشروع الإسرائيلي الصُّهيوني في المنطقة العربيَّة، فما الهدف الفعلي لمنْح غطاء شرعي إطلاق النُّفوذ اليهودي في بلاد الحرمين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى