مقالات

قراءة نقدية في كتاب “مشروع تمكين الأمة الإسلامية” لمؤلفه: حسن أحمد الدقي (ج2)

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

ينقض الدكتور الدقي الطروحات التي تحاول إمساك العصا من المنتصف باقتراح مشروعا هجينا يخلط بين بعض ملامح المشروع الإسلامي وبين المشروع الديمقراطي الغربي، ويعترض على “من يقدم للأمة والبشرية النموذج الإسلامي وقد سلخ منه منظومة الحكم والخلافة و الإمامة والسياسة الشرعية، ثم استبدل بها نظم وفلسفات الغرب الصليبي واليهودي والإلحادي” مبررين ذلك بزعم التفرقة بين فلسفة الديمقراطية ومبادئها التي تعطي البشر حق التشريع من دون الله تعالى وبين آليات الديمقراطية كعذر للخضوع إلى اتباع أنظمة الغرب الصليبي في الحكم”( 469).

تابعنا في فيسبوك

كما تصدى بالتفصيل للمواقف المشبوهة للدكتور أحمد الريسوني الذي سار على نهج سلفه علي عبدالرازق صاحب “الإسلام وأصول الحكم”، ومن ذلك ما قاله الريسوني في مقابلة له على قناة الجزيرة:” لو اختفى لفظ الخلافة والخليفة من حياة المسلمين إلى الأبد، ما نقص ذلك من دينهم مثقال ذرة ولا أصغر منها…ليس عندنا نص واحد يقول أقيموا خليفة وسموه خليفة وأقيموا دولة وسموها دولة الخلافة”(437)، ورأى الدكتور الدقي بأن هذا الطرح وما دعا إليه الريسوني بأن الدولة الوطنية تقوم مقام الخلافة هو غش للأمة المسلمة، و انحراف خطير يناقض المفاهيم الشرعية القطعية،  كما أنه  يتماهى مع ما قامت به أمريكا بقيادة مؤسسة راند في اختراق الساحة العقدية والفكرية للأمة المسلمة (436). ويقول الدقي بأن أحدا لم يخوّل الريسوني إلغاء أحكاما شرعية كاملة في الإمامة و إدارة شؤون الدولة، “وهو يعلم بأن الله عزوجل قد أتم أعظم شرائعه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يدع شأنا من شؤون الحياة إلا عمّه بحكمه وشرعِه نصا وتطبيقا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر أمته وأوصاها بأن تستقيم على تطبيق أحكام الإسلام وفي الشأن السياسي خاصة”( 438).

اقرأ: قراءة نقدية في كتاب “مشروع تمكين الأمة الإسلامية” لمؤلفه: حسن أحمد الدقي (ج1)

وكذلك نقض مقولات “المقاصديين الجدد الذين سلكوا مسلك التدليس واستخدام العلم الشرعي وبذله ضد مصالح الأمة المسلمة بل لصالح هيمنة أعداء الأمة عليها” ومنهم الشيخ عبدالله بن بيه النائب السابق لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (434)، ومنهم مشروع الدكتور جاسم سلطان “مشروع النهضة” إذ رأى د. الدقي أن “ملخص أطروحات جاسم سلطان في مشروعه أنه يُنصِّب عقله ورأيه حاكما على الكتاب والسنة فيُلغي منهما ما يشاء ويُبقي ما يشاء، وخلاصة ما سوف يبقيه هو ما يرضي الغرب النصراني والمشروع الصهيوني…وجاسم سلطان يؤمّل في تحقيق أوهامه على ضمانة الدولة الوطنية القطرية المضمونة بدورها من قبل النظام العالمي” (445).

وكرر الاستاذ الدقي في كتابه دعوة مكونات الأمة من علماء ومستشارين و كتل سياسية واجتماعية إلى المسارعة في تكوين وإيجاد بدائل أدوات النظام العالمي (703) وإلى اعتماد مباديء النظام السياسي الراشدي و الدستور (702 ، 484، 487). ومن ذلك ما ذكره (624،625) أن السيادة والمرجعية النهائية في النظام السياسي الراشدي هو للشريعة الإسلامية لا ينافسها في ذلك أي مرجع آخر، و السلطان حق للأمة فتولي وتختار من تعتقد بقدرته على القيام بأمانات الإمارة و تطبيق النظام السياسي الراشدي، ولا يفتئت أحد على الأمة في حقها هذا، و أن الأصل في النظام السياسي الراشدي القيام بأمر الدين و الأمة بتطبيق شرع الله عزوجل وخدمة الأمة والقيام على مصالحها العليا..

و طرح عدداً من أصول الحكم السياسي في الإسلام، كما أكد أكثر من مرة على أن “أكثر ما تحتاجه الأمة وشعوبها في هذه المرحلة الانتقالية من هدم الملك الجبري والانتقال إلى النظام السياسي الراشدي هو تعريف الأمة بطبيعة وأسس النظام الراشدي” (701).مشددا على أن تتجسد وحدة الأمة العقدية في دولة الإسلام ، “فأمة الإسلام ترتبط بولائين في ولاء واحد، ولاء لله ولرسوله بالخضوع والتسليم والسمع والطاعة لهذا الدين وولاء للمؤمنين فيما بينهم من خلال الأخوّة و الاجتماع والنصرة والجهاد وهذا لا يتم  ولا يكتمل إلا في دولة الإسلام وتحت راية الأمة السياسية” (651).

 وقد شدد الكاتب بشكل لا لبس فيه( 705) على أن وجود الأمة الإسلامية هو رهن إقامة نظام الخلافة الإسلامية، وأغلظ الاستنكار على مقولة علي عبد الرازق(و أشباهه) إنه لا يوجد نظام سياسي في الإسلام (704)، مؤكدا على تمام الدين و شموله للنظام السياسي، وأن الشريعة الإسلامية  نظمت جميع جوانب الحياة البشرية على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.

و  يدعو الكاتب إلى وجوب “نزع وتفكيك أنظمة الملك الجبري التي وصفها النبي بالدعاة على أبواب جهنم..واعتماد الأساليب التي شرعها الله عز وجل في هذا المشروع من جهاد وثورة ..وهو واجب يقع على كاهل شعوب الأمة وكتلها الكبرى ، ويقوده العلماء وقيادات الساحات الجهادية والثورية والجماعات والتيارات والحكومات المنحازة لمشروع الأمة..”(487)

 ويتضح مرارا في ثنايا الكتاب أنه ينزع الشرعية عن الأنظمة الجبرية التي أوجدها الغرب تحت هيمنته وسطوته على بلاد المسلمين. كما تضمن الكتاب دعوات متكررة في أكثر من موضع للعلماء و الحركات الإسلامية ورجال الأعمال بل وزعماء العشائر والقبائل للعمل في بلورة المشروع الإسلامي الجامع عبرساحات الأمة والذي يصب في مشروع التمكين والوصول إلى التطبيق التام للشريعة الإسلامية، وما قدمه الدكتور الدقي هو مجرد “مشروع مقترح” يستهدف استثارة همم الآخرين المعنيين للمساهمة في المشروع الأساس: تمكين الأمة المسلمة لطي صفحة النظمة الجبرية التي عاثت في الأرض الفساد، ولإقامة صرح دولة الخلافة على الوجه الذي يرضي رب العالمين ، ويحقق للأمة عزتها وكرامتها بتبوئها دفة قيادة البشرية التي تعاني من سقوط الحضارة الوضعية لإفلاسها من القيم الروحية.

كما قدم قراءة نقدية لمسيرة العمل الإسلامي مركزا على حصيلة الجهاد الأفغاني وعلى حصاد الربيع العربي ..ومما ذكره أن بعض النخب العربية أصبح جزءا من المشكلة، مستشهدا بالحقبة الأولى للجهاد الأفغاني (ضد السوفيات)، فبرغم “نجاح قادة الجهاد الأفغاني المذهل في طرد المحتل الشيوعي من أفغانستان، إلا أنهم فشلوا في إدارة مرحلة ما بعد الصراع العسكري، فتحولت البنادق الى الصدور” (365). أما عن الربيع العربي فيرى الدقي أن النخب بفشلها الذريع في إدارة ثورات الربيع العربي و مواجهة التحديات ومواكبة تطلع الأمة إلى العزة والكرامة، أصبحت تشكل تهديدا لصحوة الأمة. وأغلظ الدكتور الدقي الإنكار على أولئك الذين حاولوا تلمّس حلولا وسط بين المشروع الإسلامي الذي يفرض الربط المحكم بين عقيدة التوحيد ووحدة الأمة التي تتجسد بإقامة دولة الخلافة (366)، وبين الرهان على “التفاهم مع النظام الدولي”. كما أنكر صنيع الإخوان المسلمين في العراق حين قبلوا بالعمل تحت سقف المحتل الأمريكي “دون أن يصدر من بقية فروع الإخوان أي نهي نهي عن هذا المنكر العظيم، وبقيت نخب تونس (حركة النهضة) تسمع الهالك الباجي قائد السبسي وهو ينطق بكلمة الكفر عندما قال على الملأ بأن دولته لا علاقة لها “بحكاية القرآن”! (371).

ولكن الكاتب أخطأ خطأ مهما حين بالغ في الثناء على النصر الاستراتيجي الذي أثبت تفوق الأفغان على العقل العسكري الأمريكية وعلى الآلة العسكرية الأمريكية، ( 273) معتبرا أن انتصار جحافل المجاهدين الأفغان بقيادة طالبان المباركة وما مكنها الله عز وجل من تركيع وترويض الوحش الأمريكي هو فرصة مهمة لصالح المشروع الإسلامي (384)،دون أن يلتفت لا بسطر ولا بكلمة إلى حقيقة الدعم الباكستاني لحركة طالبان، بل قفز عن ذلك بالكلية؛ كما أنه كال المديح للنموذج التركي (269) بقيادة  الرئيس أردوغان وعصبته المباركة (383) معتبرا ان النموذج التركي يعد رافعة مهمة للمشروع الإسلامي، مع أن الرئيس التركي لا يفتر عن التأكيد مرات ومرات عن حرصه على الحفاظ على إرث أتاتورك العلماني، ولم يتردد في زيارته لمصر ولقائه بقادة الاخوان المسلمين (2012) من  دعوتهم علانية الى تبني النموذج العلماني التركي! كما أن الكاتب، غفر الله لنا وله، قفز عن مراجعة الدور السلبي الذي قامت به تركيا في إجهاض ثورة سوريا!

ولعل هذه أهم مسألة تحتاج إلى مراجعة جذرية من قبل الكاتب: حسن قراءة الواقع السياسي كما هو وليس كما نتمنى أو نرغب، وإلا فالقراءة الخاطئة للواقع تؤدي حتما وحكما إلى اتخاذ مواقف خاطئة بل كارثية، وتصيب العمل في مقتل، ولنا في مجريات الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن خير شاهد.

 مشروعية الحزب السياسي وضرورته

في المشروع التطبيقي الثالث: مشروع الحزب السياسي (657) يناقش د الدقي الطروحات القائلة ب: 1-حرمة العمل الحزبي بإطلاق و 2- مشروعيته بإطلاق و 3 – مشروعيته في إطار الالتزام بسيادة الشريعة، ويخلص إلى القول بأن الأدلة الشرعية على القواعد الشرعية ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الحسبة و النصيحة و حفظ الحرمات و التقاضي، المستندة إلى وقائع السيرة وأفعال الخلفاء الراشدين فكلها تشير إلى جواز العمل الحزبي، و جواز تعدد الأحزاب الإسلامية طالما التزمت بسيادة الشريعة والضوابط الشرعية.

ثم يقدم نموذجا مقترحا لما أسماه حزب التمكين المصري، يتضمن أهداف الحزب وغاياته وآلياته العملية. ولا يسعني إلا التوقف عند إضافة وصف “المصري” للحزب، مع أن الكاتب، حفظه الله، شدد مرارا وتكرارا على وحدة المسلمين، بل وعنوان الكتاب ب “مشروع تمكين الأمة المسلمة” وكرر رفضه لطروحات الدولة الوطنية القطرية و ان ما بُني على منظومة سايكس بيكو هو باطل، فلم أفهم التزامة بشريعة سايكس بيكو في حزب التمكين المصري المقترح!! وكان الأولى به الاعتصام بالتصور الشرعي السليم الذي حشده وكرره في ثانيا الكتاب في عشرات المرات.

من جانب آخر فإن الأساليب في تحقيق التغيير الجذري المطلوب التي أوردها جمعت بين الدعوة إلى الجهاد وبين الدعوة إلى الثورة دون ضبط مصطلح الثورة ؛ وقد عرّف الفقهاء الجهاد بأنه قتال الكفار في سبيل إعلاء كلمة الله فينطبق الجهاد على البلاد المحتلة من قبل الكفار، ولا يصح استخدامه تحت مسمى الثورة في الصراع الداخلي لإسقاط أنظمة العهد الجبري القائمة في بلاد المسلمين!  ولا ينبغي الخلط بين أعمال الثورة التي تستهدف إسقاط النظم الطاغوتية وبين مفهوم الجهاد ضد الكفار، وقد ظهر لنا نتائج العمل المسلح ضد الانظمة في مصر والجزائر.

 وبعد فهذه قراءة سريعة لما وجدته صلب موضوع الكتاب: مشروع تمكين الأمة الإسلامية، وهذه الملاحظات التي أوردتها لا تغض من قيمة الكتاب بل تُعلي من شأنه وتدفع في سبيل إثراء النقاش ابتغاء بذل النصح للكاتب وللأمة، وهذا أضعف الإيمان في هذه القضية المصيرية، ويُحسب للكاتب أنه تصدى لهذا الأمر العظيم باذلا جهده وعصارة عقله و خلاصة تجربته الدعوية المديدة ، بارك الله فيه وفي همته وفي كل من حمل همّ الدين والأمة وساهم بقسطه في إعلاء كلمة الله بإقامة دولة الخلافة الراشدة المعتصمة بحبل الله المتين وليس بحبل المنظومة الاستعمارية وهو أوهن من خيوط العنكبوت.

ولله الأمر من قبل  ومن بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى