مختارات

حكم البابا من زاوية مختلفة ..

فواز تللو

كاتب وسياسي سوري
عرض مقالات الكاتب


يظن البعض أن إنجازه رحمه الله في الثورة يتلخص في آراءه الصريحة الجريئة التي كان يكتبها متمثلا فيها عن قناعة رأي الضحايا أصحاب الثورة في الفيس بوك، لكن ذلك غير صحيح فللراحل إنجازات مهمة جدا لكنه لم يكن ممن يحبون التفاخر، لذلك سأكتب بعضا من إسهاماته المهمة جدا في الثورة والتي لم يذكرها أحد تقريبا والتي كنت بتواصل مباشر معه في بعضها منذ بداية الثورة حتى عشر سنوات خلت عندما بدأت القطيعة بيننا بمبادرة منه واستمرت حتى وفاته، ولو علمت بمدى خطورة وضعه الصحي لبادرت أنا للتواصل معه مع أن ذلك كان مفترضا به، والمجال هنا ليس للدخول في هذه التفاصيل الخاصة التي باتت بيني وبينه وقد سامحته فيها راجيا أن يجمعنا الله معا في جنته.
في الأشهر الأولى للثورة كان الراحل الذي يعيش في بلاد الخليج العربي يسألني باستمرار (حيث كنت في دمشق) وبقلق كبير “هل ستستمر المظاهرات أم أن الناس ستخضع نتيجة القمع الوحشي؟” وهو ابن مدينة حماه الذي شهد مجزرتها ونجى بالكاد منها، وهو الأدرى بنظام الطائفة المتوحش .. كنت وعن قناعة أطمئنه دائما، فتراه يكاد يطير فرحا ويعاود من جديد مندفعا في فعل ما استطاع من خلال موقعه الوظيفي وعلاقاته التي كان يسخرها لخدمة الجميع دون استثناء فقد كان يؤمن يومها بإخلاص الجميع، ليبدأ لاحقا رحلة خيبة أمل طالت تقريبا الجميع بنظره، أي الصالح منهم والطالح، وهو طبعه الذي لم يتبدل حتى وفاته.
ساعد البعض من هؤلاء في الحصول على عمل أو إقامة في قطر أو الإمارات فتعيشوا على الثورة كما كان وراء دعوة آخرين لمؤتمرات وندوات نشاطات بنوا من خلالها مكانة ومالا أحيانا (وأعرف بعض الحالات شخصيا من كل هؤلاء).
منذ تسلمه لمكتب سوريا في تلفزيون العربية بعيد انطلاق الثورة السورية عمل الراحل على تفعيل شبكة من الناشطين على الأرض والتنسيقيات داخل سوريا (وقد ساعدته في بعض مهم منها) مما جعل تغطية القناة للثورة تصل أقصى ما قدمته أي قناة يومها مما أزعج النظام بشكل كبير وأعطى دفعات قوية لكل الثائرين في مختلف المجالات، ولا اختلاف أن الإعلام كان سلاحا لا يقل فاعلية بل ربما أكثر أحيانا من البندقية.
أيضا نفذ العديد من برامج الحوار السياسي والتقارير عن الثورة في القناة (وقد ساعدته في بعض منها).
ايضا قدم كثير من أسماء المعارضين السياسيين ليكونوا معلقين ومحللين على الحدث السوري الذي كان يحتل قسما كبيرا من المساحة الإخبارية للقناة، وهو ما ساعد هؤلاء لاحقا في تحقيق حضور سياسي في محافل تشكيلات المعارضة .. نعم كان للبعض منهم نشاط معارض مميز قبل الثورة لكن ظهورهم الإعلامي ساعدهم كثيرا (وانا منهم وهو فضل لا أنساه له)، لكن كان الآخرون ممن كانوا يعيشون في الخارج مستجدين كمعارضين (وما أكثرهم) ممن تحمسوا بعد الثورة وقفزوا للواجهة.
اتصل بي في الشهر السابع سنة 2011 واستشارني وحتما استشار غيري) في أمر تلخص في أن عبد الرحمن الراشد مدير القناة في ذلك الوقت تداول مع حكم في تقييم الشخصيات المعارضة المعروفة يومها لتركز عليه القناة إعلاميا بما يساعد على دفعه إلى واجهة قيادة الثورة والمعارضة السياسية .. تداولنا يومها ثلاثة أسماء واستقر الرأي على د. برهان غليون، وهو ما وضعه في الواجهة الإعلامية والسياسية للخبر بقرار من عبد الرحمن الراشد بتوصية من حكم البابا، توصية لم تكن ربما كافية لوحدها لاتخاذ قرار مهم كهذا (فهناك أبعاد أخرى رئيسية هامة في السياسة السعودية) لكنها توصية كانت بذات الأهمية وساعدت بشكل فعال ورئيسي في هذا القرار، وهكذا كان لتركيز قناة العربية على د. برهان غليون أثر كبير ساعده لاحقا لتسلم هذا المنصب بعد اعتماده من قبل قطر وبشكل أدق من قبل عزمي بشارة لتسلم منصب رئيس “المجلس الوطني السوري” بالرغم من خلو تاريخه قبل الثورة من أي نشاط معارض ذي أهمية تذكر حتى لو كان تصريحا.
للراحل حكم البابا فضل علي أشرت له في سياق ما كتبت، لكنني أتساءل اليوم؛ أليس من حق حكم البابا رحمه لله على هؤلاء الذين أشرت لهم (سواء سميتهم أم لم أسمهم)؛ أليس من حقه عليهم ومن واجب اعترافهم بفضله أن ينعوه ليس فقط بكلمات عامة وأكثر هؤلاء حتى لم يفعلها) بل أيضا ذاكرين ما فعله من أجلهم، لكن لم أسمع أحدا منهم يذكر فضله عليه، فالمصالح عندهم أهم من الاعتراف بالعلاقة الشخصية وفضل شخص كحكم يثير بمواقفه بعض الجهات ولا يخدم المصالح الشخصية في الاسترزاق السياسي والمالي والبحث عن الشعبية لهؤلاء.
رحم الله حكم البابا الإنسان والصحفي والكاتب، النبيل صاحب النية الصافية والهدف الواضح والقول الصريح بعيدا عن النفاق والتكاذب الرخيص الذي يسم من أطلقوا اتهاماتهم الحاقدة وشماتتهم المريضة، وغفر له الله البعض القليل الذي ظلم به البعض القليل، وأثابه الله عن كل فعل وقول حق نطقه وما أكثرها.

صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى