بحوث ودراسات

ملامح الفكر السياسي المستند إلى الوهابية (9 من 9)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

جزء 9
نشرت جريدة الجزيرة السَّعوديَّة في 30 ديسمبر من عام 2018م، مقالًا كتبه محمد بن عبد الملك بن عبد الله آل الشَّيخ، سليل قبيلة آل الشَّيخ، المنتسبة إلى الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب، وهو وزير دولة في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، وعضو مجلس الشُّؤون الاقتصاديَّة والتَّنمية، يتناول أسباب تعذُّر عودة الصَّحوة ‘‘المتأسلمة’’، أي المتَّخذة من الإسلام ستارًا يخفي حقيقة أهدافها.

الصَّحوة المتأسلمة هل يمكن أن تعود…؟
يتساءل كثيرون: هل يُمكن أن تعود في المملكة ظاهرة الصَّحوة مرة أخرى؟ … الجواب بمنتهى الاختصار: مستحيل؛ السَّبب أن الصَّحوة انبثقت في ظروف سياسيَّة واجتماعيَّة محددة، جاءت بهذه الظاهرة…والسَّبب الفلسفي الرَّئيس لسقوط الصَّحوة يرتكز على أنها بغباء كبار أساطينها ودعاتها ومنظريها أصروا على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واستوردوا من الماضي حلولًا لا يمكن أن تواكب الزَّمن، وما توصل إليه الإنسان من إنجازات حضاريَّة وفلسفيَّة؛ ولا يمكن أن يعود إليها، فما يصلح للأمس ليس بالضرورة أن يصلح اليوم، والَّذي يصر على هذه العودة باعتبار أنها عودة إلى مجد تليد لابد من إحيائه فهو كمن يصر على ركوب البغال والحمير والجمال ويترك ركوب السَّيَّارة والقطار والطَّائرة، أو كمن يقاتل بالسَّيف والرمح والنبال بحجة أن أسلافنا كانت هذه أسلحتهم…
وكما يشير المسؤول الرَّسمي السَّعودي في مقاله، لا يمكن في هذه الآونة التراجع عن اللحاق بركب الحداثة، والركون إلى الرَّجعيَّة باسم الدِّين. ويوضح آل الشَّيخ مصير دعاة الصَّحوة الإسلاميَّة في ظلِّ الظروف الجديدة في المملكة، مؤكِّدًا أنَّ زمن الصَّحوة ولَّى بلا عودة بفضل تغيُّر الوعي الجماعي لأبناء السَّعوديَّة:
الآن عاد المتطرفون والغلاة والمتكلسون وصناع البغضاء والكراهية إلى المقاعد الخلفيَّة، وأصبحت كثير من مطالباتهم مرفوضة لدى الكثيرين، خاصة الشباب غير المصابين بفيروس الصَّحوة وأصبحت بمثابة (الحقوق المكتسبة)، فالمرأة تقود سيارتها بنفسها وتعمل وتساهم في دخل الأسرة، كما أصبح لها شخصيَّة (شبه) مستقلة، والمؤشرات تقول إن مزيداً من الاستقلال هو في الطَّريق. وأنا أزعم أن كثيرين ممن كانوا يصنفون (محافظين) وليس لهم طموحات سلطويَّة أو سياسيَّة تراجعوا عن مواقفهم، وأصبحوا يميلون إلى الوسطيَّة…ومرة أخرى الصَّحوة انتهت ولن تعود، كما أن المملكة هي أقوى من أن تمرر تلك المخطَّطات بسبب وعي شعبها الجديد.
ونقل موقع سكاي نيوز عربيَّة، في 23 يناير 2019م، عن وكالات الأنباء السَّعوديَّة، ما جاء على لسان رئيس هيئة الترفيه في المملكة، وهو كذلك منحدر من سلالة الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب، بخصوص خطَّة تطوير الخدمات التَّرفيهيَّة، داعيًا المستثمرين إلى المشاركة في تطوير ذلك المجال؛ من أجل الدَّفع بعجلة الاقتصاد الوطني.

السَّعوديَّة تسعى لتصدُّر وجهات التَّرفيه.. وتستضيف فعاليَّات شهيرة

صورة 4.1-السَّعوديَّة تستضيف برنامج ‘‘الحصن’’ التَّرفيهي-يناير 2019م
أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتَّرفيه السَّعوديَّة، تركي آل الشَّيخ، الثلاثاء بالعاصمة الرياض، إطلاق استراتيجيَّة جديدة تهدف إلى جعل المملكة من بين أول أربع وجهات ترفيهيَّة في منطقة آسيا، وبين أول عشرة على مستوى العالم.
ونقلت وكالة الأنباء السَّعوديَّة عن تركي آل الشَّيخ، قوله في مؤتمر صحفي، إن المملكة ستستضيف برنامج “الحصن”، الأشهر عالميا في مسابقات الترفيه، وكذلك العمل على إنتاج برنامج “ذا فويس” بالنُّسخة السَّعوديَّة، وإقامة أكبر نسخة من مسابقات البلوت والتُّركس في 13 منطقة في المملكة، ومسابقة إطلاق المدفع، وركوب الثِّيران المحترفة، والدخول في مفاوضات لاستقطاب إحدى مباريات دوري السَّلَّة الأميركي “NBA”.
وذكر أنَّ “قطاع الترفيه مهم، وتوليه قيادة المملكة كل الاهتمام لتحقيق الأهداف المرجوَّة منه لتطوير مستوى الحياة في المملكة، إلى جانب مساهمته الفاعلة في دعم عجلة الاقتصاد وخلق فرص العمل”.
وتناول مقال أصدرته بوابة الشَّرق الإلكترونيَّة القطريَّة في 27 يناير 2019م، نقلًا عن شبكة عربي 21 الإعلاميَّة، عن خطوات المملكة العربيَّة السَّعوديَّة المتواصلة في طريق العلمانيَّة، بالانسلاخ عن الصبغة الدِّينيَّة المرتبطة بحاضنة الحرمين الشَّريفين، وفعل ما كانت المؤسَّسة الدِّينيَّة الرَّسمية في الدَّولة تحظره من قبل. ويرى بعض علماء الإسلام أنَّ السَّعوديَّة تحوَّل بذلك رسميًّا إلى العلمانيَّة، وصارت داعيَّة لها:

هل السَّعوديَّة في طريقها لتصبح دولة علمانيَّة؟
اعتبر تقرير نشره موقع “عربي21″، أن المملكة العربيَّة السَّعوديَّة تتجه الى أن تصبح دولة علمانيَّة، تقوم على فصْل الدِّين عن الدَّولة، مشيرًا إلى التَّوجُّه العام بالسَّماح لكل ما كان يعتبر محرَّمًا لدى الدَّولة من خلال الفتاوى الدِّينيَّة الَّتي تصدر من الجهات الرَّسمية في الدَّولة.
وأثارت الخطط والتوجهات الجديدة لهيئة التَّرفيه السَّعوديَّة، بفتح المقاهي والمطاعم أمام الحفلات الغنائيَّة، والعروض السحريَّة حول العالم فضلاً عن استقدام مصارعة الثيران الإسبانيَّة لـ “بلاد الحرمين” تساؤلات بشأن تحول البلاد إلى دولة علمانيَّة، في ظل اعتمادها الشَّريعة الإسلاميَّة أساسًا للحكم…
ومنذ صعود ولي العهد السَّعودي محمد بن سلمان للحكم “كسرت” العديد من الموروثات والمحرمات في المملكة، والَّتي كانت تصدر الفتاوى بشأنها بشكل دوري من كبار العلماء، وباسم الدَّولة السَّعوديَّة، ما يشير إلى توجهات “فصل الدِّين عن الدَّولة” السماح لكل ما كان يعد محرما في الماضي، بفتاوى رسميَّة وهو ما يظهر بشكل واضح عند مقارنة خطط هيئة التَّرفيه وفعالياتها، بما جاء في الموقع الرَّسمي للرئاسة العامة للبحوث العلميَّة والإفتاء وهي الجهة الرَّسمية المسؤولة عن الفتاوى الشَّرعيَّة بالمملكة.
جدير بالإشارة أنَّ نشطاء موقع تويتر للتدوين المصغَّر، أطلقوا في 24 يناير من عام 2019م، وسمًا باسم ‘‘الشَّعب يرفض الصَّحوة’’، حقق تداولًا ملحوظًا، وإن اختلفت طبيعة استجابة النشطاء معه.

صورة 4.2-تفاعُل نشطاء تويتر مع وسم #الشَّعبيرفضالصَّحوة

وهناك من أعلن انتهاء زمن الصَّحوة بطريقته الخاصَّة:

صورة 4.3-تفاعُل نشطاء تويتر مع وسم #الشَّعبيرفضالصَّحوة
جدير بالذِّكر أنَّ في 25 أغسطس من عام 2016م، عُقد في دولة الشِّيشان مؤتمر كان عنوانه “مَن هم أهل السُّنَّة والجماعة؟ بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقادًا وفقهًا وسلوكًا، وأثر الانحراف عنه على الواقع”. استهدف المؤتمر التَّعريف بأهل السُّنَّة في العالم الإسلامي، حضره شيخ الجامع الأزهر، الدُّكتور أحمد الطَّيِّب، والمفتون على مستوى العالم الإسلامي. شكَّلت نتائج المؤتمر صدمةً للمملكة العربيَّة السَّعوديَّة؛ لاستبعاد السَّلفيَّة والوهَّابيَّة من نطاق ما يشير إليه مفهوم ‘‘أهل السُّنَّة والجماعة’’. ومن أهم النتائج، نقلًا عن موسوعة ويكيبيديا:
أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة هم الأشاعرة والماتريديَّة، ومنهم أهل الحديث المفوضة في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة في الفقه، وأهل التَّصوُّف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيَّة على طريقة سيد الطَّائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى.
وقد نشر موقع سي إن إن مقالًا عن رد الفعل السَّعودي تجاه نتائج المؤتمر وتوصياته:

مؤتمر لتعريف السنّة بالشِّيشان يستثني السَّلفيين ويثير الغضب بالسَّعوديَّة
استمرت ردود الفعل الغاضبة ضمن الَّتيارات السَّلفيَّة لما خرج به مؤتمر استضافته العاصمة الشِّيشانيَّة، غروزني، بهدف تعريف هويَّة “أهل السُّنَّة والجماعة” إذ استثنت توصياته تلك التَّيارات من التعريف، كما لم تدرج المؤسَّسات الدِّينيَّة السَّعوديَّة ضمن المؤسَّسات التَّعليميَّة “العريقة”، علاوة على مكان انعقاد المؤتمر في الدَّولة التابعة لروسيا…
الكاتب السِّياسي السَّعودي المعروف، جمال خاشقجي، مدير عام العرب الاخباريَّة، قال معلقا في تغريدات له: “متشائم أن مؤتمر جروزني سيكون بدايَّة انقسام وجدل … كأنَّ هناك أصابع شرٍّ تلعب خلف الستار والله أعلم. كأنه ناقصنا تشطير وتصنيف وخلاف، فتنة الحنابلة والأشاعرة تطل علينا من القرن الخامس الهجري مرَّة أخرى، والسَّبب إقصاء جر إقصاء.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى