حقوق وحريات

المساعدات الإنسانية من وجهة نظر قانونية

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب


1 – تعريف المساعدات الإنسانية
ارتبطت عملية تقديم المساعدات الإنسانية من الإنسان إلى أخيه الإنسان ارتباطًا وثيقًا بمبادئ الدين والأخلاق؛ وهي ممارسة قديمة تهدف لحماية النفس البشرية من الهلاك، وتطورت هذه الممارسة إلى أن أصبح تقديم المساعدة الإنسانية عملاً شائعًا في المجتمع الدولي المعاصر، يتم بناءً على قواعد تم تضمينها في إطار القانون الدولي الإنساني، تم النص على قواعد وآليات لإغاثة المتضررين من الكوارث والأزمات، حيث عقدت العديد من المؤتمرات التي أفرزت الكثير من الوثائق المعنية بتنظيم عملية تقديم المساعدة الإنسانية.
يوجد تعريف متداول في أوساط الأمم المتحدة، يعِّرف المساعدات الإنسانية بأنها (معونة تقدم لسكان متضررين، يقصد بها في المقام الأول السعي لإنقاذ الأرواح، والتخفيف من معاناة السكان المتضررين بالأزمة، ويتعين أن يكون تقديم المساعدات الإنسانية وفقا للمبادئ الإنسانية ومبدأي الحياد والنزاهة).

وجدت تعريفات عدة لمفهوم المساعدات الإنسانية، وتتوزع تلك التعريفات بين تعريفات فقهية، وتعريفات وضعتها الاتفاقيات الدولية .
تناول معهد القانون الدولي عام 2003 المساعدات الإنسانية،ويعرف البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 في فقرته الثانية من المادة( (18) المساعدات الإنسانية المساعدات الإنسانية في الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا لعام 1986.
وقد يختلط الأمر بحيث نكون أمام ما يُطلق عليها اسم (الطوارئ المعقدة) التي تحدث عندما تُقدم فيها المساعدات الإنسانية لمواجهة كوارث متعددة، مثل تزامن الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة.
الفرق بين المساعدات الانسانية وغيرها من المساعدات
أولا: المساعدات الإنسانية والمساعدات الإنمائية:
يقصد بالمساعدات الإنمائية مجموع قيمة المنح، والهبات المالية، والفنية، وعنصر المنحة الذي لا يقل عن %25 والتي تتضمنها القروض الميسرة كافة، المقدمة من قبل المصادر الرسمية (الدول، والمنظمات الدولية) للدول النامية.
والمساعدات الإنمائية قد تُقدم في شكل ثنائي، وتتمثل بالمساعدات التي تقدمها دولة لدولة أخرى، في شكل قروض ميسرة، ومنح ومساعدات مالية وفنية بمستويات ونسب متفاوتة، بموجب اتفاقيات ثنائية، و تُقدم عادة من الدول الغنية للدول الفقيرة، و ترتبط هذه المساعدات ارتباطاً وثيقاً بالاعتبارات السياسية والأمنية والعسكرية بين الدولتين. وقد تكون تلك المساعدات في شكل مساعدات متعددة الأطراف، حيث تقوم مؤسسات متعددة الأطراف إقليمية وعالمية، بتقديم مساعدات وقروض ميسرة وتجارية للدول النامية،
تختلف المساعدات الإنسانية عن المساعدات الإنمائية، حيث تُقدم المساعدات الإنسانية في وقت الأزمات والطوارئ والكوارث الطبيعية، والحروب، ويكون باعثها الوحيد الواجب الإنساني الأخلاقي، بينما تُقدم المساعدات الإنمائية في الظروف العادية وأساسها هو الاعتبارات السياسية، ومصالح الدول المقدمة للمساعدة، وذلك بتطوير هذه الدول من الناحيتين الصناعية والزراعية.
تُقدم المساعدات الإنسانية في شكل أغذية وأدوية وألبسة ومواد أساسية لا غنى عنها، لبقاء السكان على قيد الحياة، أما المساعدات الإنمائية فتتخذ صورًا متنوعة، منها: المساعدات الفنية عن طريق تكوين الكوادر الفنية، أو المساعدة العينية بخاصة المواد الغذائية والزراعية، والمساعدات المالية في صورة منح لا تُرد، أو قروض بشروط ميسرة، أو منح مزايا تجارية.
ثانيا: المساعدات الإنسانية والتدخل الإنساني:
يتم الخلط بينهما عادة، لاسيما وأنه يتم تبرير التدخل العسكري الإنساني بأسباب إنسانية، وهي الأسباب نفسها التي تستند إليها المساعدات الإنسانية. والتدخل الإنساني لا يعتبر من المفاهيم المستحدثة على العلاقات الدولية المعاصرة،
الفرق الأساسي بين التدخل الدولي الإنساني والمساعدات الإنسانية، هو أن هذه الأخيرة عمل ذو طابع رضائي، بمعنى أنه يتحتم أولاً الحصول على موافقة الدولة المعنية بالمساعدة قبل البدء في تنفيذها، وهذا الطابع الرضائي للمساعدات الإنسانية، أكد عليه القانون الدولي الإنساني، وهو الأمر الذي لا ينطبق على التدخل الدولي الإنساني الذي لا يشترط فيه الحصول على موافقة الدول التي يُتدخل فيها.
تتم المساعدات الإنسانية عادة دون استخدام القوة العسكرية، فهي عملية تستهدف أساسًا مساعدة الضحايا، وفقا للضوابط من أهمها؛ موافقة الدولة المتلقية للمساعدات، وفي المقابل ارتبط التدخل الدولي الإنساني بالعمل العسكري، ودون موافقة الدولة المتدخل فيها، لأن التدخل يتم أساسًا بدعوى حماية حقوق الإنسان في ظل عجز حكومة الأقليم المتدخل فيه، أو لأن تلك الحكومة هي المتسببة في خرق تلك الحقوق بدرجة جسيمة.
هناك حالات استخدمت فيها القوة العسكرية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، إلا أن ذلك تم على سبيل الاستثناء حيث تم استخدامها لإيصال المساعدات الإنسانية، ولمرافقة قوافل الإغاثة، وذلك في حالة ما إذا تعرض إقليم محتل أو أدى نزاع داخلي إلى تهديد حياة السكان المدنيين بدرجة خطيرة، عن طريق منع أعمال الإغاثة، أو عرقلة وصولها بصورة متعمدة، وهو ما فعله مجلس الأمن في بعض الحالات، كما حدث مثلاً في الصومال في تسعينات القرن الماضي.
وتكرر ذلك في أزمة البوسنة والهرسك، حيث طلب مجلس الأمن بموجب قراره رقم 770 لسنة 1992 م من جميع الدول أن” تتخذ فرادى أو من خلال الوكالات والترتيبات الإقليمية جميع التدابير التي تكفل بالتنسيق مع الأمم المتحدة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وهو القرار الذي استند إليه فيما بعد حلف الأطلسي في استخدامه للقوة العسكرية سنة 1995 في البوسنة والهرسك .
تعد المساعدات الإنسانية عمل مشروع من الناحية القانونية، يجد له سندًا في نصوص القانون الدولي، وعدد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بل وأحكام القضاء الدولي، أما التدخل الإنساني فيتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي الخاصة بتحريم استخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات الدولية فالتدخل الدولي الإنساني لا يكون مشروعاً إلا بعد أن يتم السماح به بقرار من مجلس الأمن.
خصائص المساعدات الإنسانية – الخصائص الذاتية:
أولاً: خاصية الاستعجال:
يشكل الطابع الاستعجالي الخاصية الأولى للمساعدات الإنسانية، وعليه يتوقف نجاحها في تخفيف معاناة المحتاجين لتلك المساعدات، ولما كانت المساعدات الإنسانية عبارة عن تقديم مؤن غذائية، ومعدات طبية، للضحايا لمواجهة أوضاع طارئة. فعنصر الاستعجال ضرورة ملحة لحماية حقوق الإنسان، وممارسة العمل الإنساني، لذلك يجب أن يكون تقديم المساعدات الإنسانية الدولية فورياً للحيلولة دون تفاقم الحالة الصحية للضحايا، أو تأزم الأوضاع بشكل يصعب إصلاحه لاحقًا، بحيث تتوقف أهمية المساعدة الإنسانية على قدرتها للاستجابة الفورية للحاجة الإنسانية.

ثانيًا: خاصية الاحتياط:
تقع المسئولية الأولى لحماية السكان على الدولة التي تمارس السيادة على الإقليم، ولكن في حال فشل أي دولة بشكل واضح في القيام بمسؤولياتها في حماية شعبها، يقوم المجتمع الدولي باتخاذ إجراء جماعي وحاسم وهو ما يعرف بـ (مسؤولية الحماية)
وقد أكدت الجمعية العامة بموجب قرارها رقم 131 / 43 الصادر بتاريخ 8 / 12 / 1988 م حيث نص القرار في ديباجته على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية، ولكنه نص في فقرته الثانية على”سيادة الدولة المتضررة ودورها الأساسي في بدء وتنسيق وتنظيم وتنفيذ خطط المساعدة الإنسانية على أراضيها”، وهو ما يؤكد الطابع الاحتياطي للمساعدات الإنسانية،
واعتبار أن الدولة هي المسؤولية الأولى التي تقع على عاتق الدولة صاحبة الإقليم، وهو ما أكدته أيضا ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 100 / 45 الصادر بتاريخ 14 / 12 / 261990 ..
الخصائص القانونية أولا: خاصية الرضا:
ثانيا: خاصية المشروعية:
وهو ما أكده الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية بين نيكاراغوا والولايات المتحدة الأمريكية لعام 1986 في فقرته رقم 216 و 220 السابق الإشارة إليه.
المبادئ المستمدة ذات المصدر الأخلاقي
مبدأ الإنسانية
وهو ما أكدته ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (131 / 43) ،ويعكس التمسك بهذا المبدأ شعور التضامن الإنساني بين البشر، بالتحلي بروح إنسانية أثناء تقديم المساعدة، من منطلق أخلاقي يزيح كل الحواجز والحدود السياسية بين الشعوب.
كما أشارت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا لتعريف الإنسانية بأنها(تخفيف المعاناة على الأفراد وحماية حياتهم وحفظ صحتهم، واحترام شخص الإنسان)
مبدأ الحياد
المبادئ ذات المصدر الاتفاقي القانونى
مبدأ احترام سيادة الدولة المستقبلة للمساعدات الإنسانية.
تؤكد المادة 10 والمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة؛تجد المساعدات الإنسانية أساسها ومبررها في القانون الدولي العام،وبشكل خاص في ميثاق الأمم المتحدة، حيث أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 131 / 43 عن وجوب احترام سيادة الدولة المتضررة،وأكد أيضا عن دورها الأساسي في القيام بتنظيم وتنسيق وتنفيذ خطط تقديم المساعدات الإنسانية على أراضيها.
مبدأ عدم التمييز
إن مبدأ عدم التمييز يشكل أساسًا ومرشدًا للعمل الإنساني بشكل عام، بما في ذلك الأنشطة التي تهدف إلى تقديم المساعدة للأشخاص الذين هم في حاجة إليها،
وبموجب المادة 70 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م لاتفاقيات جنيف لعام 1949م يُعَد عدم التمييز شرطًا أساسيًا لأعمال الإغاثة التي تتم في حالة النزاع المسلح الدولي، وينص البروتوكول على أن أعمال الإغاثة تقدم عندما لا تتوفر لدى السكان المؤن الكافية،
بموجب المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة، فالمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف تؤكد على أنه يجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع، إن مثل هذا العرض لا يمكن رفضه بشكل تعسفي عندما يكون مقدمًا من هيئة غير متحيزة وبناء على ذلك ينبغي ألا تنطوي أعمال تقديم المساعدة الإنسانية على أي تمييز،أي أنه يجب ألا يستبعد أحد من الاستفادة من هذه الأعمال.
ويؤكد قرار الجمعية العامة رقم (43 / 131) السابق الإشارة إليه على احترام هذا المبدأ إذ ينص على أنه( في حالات الكوارث الطبيعية والحالات المستعجلة المماثلة يجب أن تكون مبادئ….. وعدم التمييز فوق كل اعتبار من قبل من يستطيعون تقديم المساعدة الإنسانية)
أرست مبدأ عدم التمييز عند تقديم المساعدة الإنسانية محكمة العدل الدولية،في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا عام 1986، حيث قررت ما خلاصته أن المساعدة حتى لا تأخذ طابع التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما، لا يجب فقط أن تكون المساعدة مطابقة لما كرسته ممارسات الصليب الأحمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى