مقالات

عيد الحب (Valentine’s Day) واقع مفروض أم منكر مرفوض؟!

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب


الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛ أما بعد
فهذا الاحتفال يحتاج إلى كلام لبيان حكمه، وسيكون على هذا النحو:
• أصل عيد الحب (Valentine’s Day):
ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فواجب علينا أن نعرف ما أصل هذا العيد؟ وإلى من ينسب؟ ومن فالنتين هذا؟ وبالأحرى من هم (فالنتين- Valentine)؟
تختلف الأقوال في تحديد شخصية (فالنتين- Valentine)، وأصل قصته، فبعضهم يقول: إنه (فالنتين- Valentine)، وآخرون يتحدثون عن أكثر من (فالنتين- Valentine)، والجامع المشترك بين جميع من ينسب إليهم (Valentine’s Day) ما يلي:
أ‌. أنهم ذوو أصول دينية (المسيحية الكاثوليكية).
ب‌. ارتباط القصة بالحب أو العشق بين الشباب من الجنسين (غير المتزوجين).
ت‌. تبني الكنيسة الاحتفال بـــ (Valentine’s Day).
ث‌. تقدير الكنيسة لشخصية (فالنتين- Valentine).
وأشهر القصص في ذلك حسب ما جاء في موقع (ويكبيديا) وكذلك ((CBBC، هو أنه ليس هناك حكاية حقيقية ثابتة عن هذا القديس حتى الآن، فحكايته تختلف من منطقة إلى أُخرى، لكن الحكاية الأقرب بأن فالنتين كان كاهنا مسيحيا، وكان يزوج العشاق المسيحيين فيما بينهم، وبسبب أن المسيحية كانت ممنوعة في الإمبراطورية الرومانية فقد كان يعاقب كُل من يمارس أسرار الكنيسة، وبسبب ذلك اعتقلته السلطات الرومانية وحكمت عليه بالإعدام، فاشتهر منذ ذلك الوقت بأنه شهيد الحب والعشاق لأنه ضحى بحياته لأجل سر الزواج.
وذكرت الموسوعة الكاثوليكية، أنَّ القسيس (فالنتين- Valentine) كان يعيش في أواخر القرن الثالث الميلادي، تحت حكم الإمبراطور الروماني ( كلاوديس الثاني )، وقد قام الإمبراطور بسجن القسيس؛ لأنه خالف بعض أوامره، وفي السجن تعرّف على ابنةٍ لأحد حراس السجن، ووقع في غرامها وعشقها، حتى إنها تنصَّرتْ، ومعها ستة وأربعون من أقاربها، كلهم تنصّروا، وكانت تزوره ومعها وردة حمراء لإهدائها له، فلما رأى منه الإمبراطور ما رأى أمر بإعدامه؛ فعلم بذلك القسيس فأرسل إليها بطاقة، مكتوباً عليها: (من المخلص فالنتاين) ثم أُعدِم في الرابع عشر من فبراير سنة 270م.
وذكرت الموسوعة أيضاً: أنه في إحدى القرى الأوروبية، يجتمع شباب القرية في منتصف فبراير من كل عام، ويكتبون أسماء بنات القرية في أوراق، ويجعلونها في صندوق، ثم يسحب كل شاب من هذا الصندوق ورقة، والتي يخرج اسمها على ورقته، تكون عشيقته طوال السنة، ويُرسل لها على الفور بطاقة مكتوباً عليها:(باسم الآلهة الأم، أرسل لك هذ البطاقة)، ثم تجدّد الطريقة بنهاية منتصف فبراير في العام المقبل، وهكذا. وبعد مدة من الزمن، قام القساوسة بتغيير العبارة إلى (باسم القسيس فالنتاين). (يراجع: ((ar.wikipedia.org/wiki))، (( www.bbc.co.uk/newsround )).
• حكم الاحتفال بعيد الحب:
وبعد التعرف على أصل (Valentine’s Day)؛ فإن ما يطمئن إليه القلب هو القول بحرمة الاحتفال بهذا العيد، وذلك لما يأتي:

  1. لما لهذا العيد من جذور تاريخية، إما وثنية وإما نصرانية، ومثل هذا لا يجوز الاحتفال به.
  2. لأن فيه تشبه بالغير فيما يخالف ما جاء به الشرع، روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». ولا شك أن التشبه هنا واضح بما هو مخالف للشرع.
  3. كونه عيدا لغيرنا يجعل الحرمة مصاحبة له إذ أبدلنا الله من الأعياد ما فيه غنية، وفي الحديث: ” إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ” رواه أحمد (13622) وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم).
  4. اشتماله على مخالفات شرعية، ومنها العشق أو الحب المحرم.
    • الحب في الإسلام:
    والذي أود الحديث عنه هنا هو الحب بمعناه المعروف والمشهور. المعنى الذي ضاع بين الناس، بين داع إليه ومنفر عنه! بين مبيح ومحرم! مادح ولاعن! مضيق وموسع! حتى احتار البعض في أمر الحب!!
    والحق: أن الحب الذي تعارف عليه الناس بين الجنسين من الرجال والنساء أمر لا يمنعه الشرع ما دام بضوابطه الشرعية؛ وهل تقبل حياة بغير حب؟! أم هل تستمر حياة دون عذابه إن وجد، وألمه إن غاب؟!
    وحتى لا يفهم كلامي خطأ أقول: إنه لا يقبل شرعا أن يتعلق الرجل بامرأة متزوجة أو مخطوبة، كما لا يجوز لامرأة أن تتعلق برجل أجنبي، أما مجرد الإعجاب من أحد الطرفين الذي يخالطه تمني اللقاء الشرعي (الزواج) فلا مانع منه شرعا.
    إن محاولة النفور مما تعارف عليه الناس من الحب هو هروب من فطرة الله {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وقتل للغريزة التي استودعها الله قلوب البشر، ولهذا أقر النبي هذا الحب، بل عاشه النبي صلى الله عليه وسلم بين أزواجه، وقومت أقواله صلى الله عليه وسلم اعوجاج من يعوج من الناس في هذا المجال.
    أما إعجاب الرجل بالمرأة فقد أشار الله تعالى إلى هذه الغريزة فقال سبحانه: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235]، قال ابن جبير: يقول: إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع. وقال الضحاك: يقول: احبسي علي نفسك فإن لي بك رغبة. فتقول: وأنا مثل ذلك، فتتوق نفسه لها.. تفسير الطبري (ج 2 / 531). لكن هذا في غير الطلاق الرجعي.
    ولأن الإعجاب بالجنس الآخر غريزة لم يأمن النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمه الفضل بن العباس أن يديم النظر لامرأة لا تحل له، روى مسلم عن جابر قال: وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ…
    ولهذا لم يعب أحد موقف أم سليم حين جاءها أبو طلحة معجبا راغبا، وخاطبا ناكحا، روى النسائي عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا.
    ولم يحارب النبي صلى الله عليه وسلم غريزة الحب، وإنما أخبر أن نهاية الحب لا تكون إلا زواجا، أما التلاعب بمشاعر الناس فأمر مقيت يأباه الإسلام ويرفضه، روى النسائي غن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَمْ يُرَ -نر- لِلْمُتَحَابِّينِ مِثْلُ التَّزَوُّجِ”.
    بل لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم حب مرثد بن أبي مرثد لامرأة تسمى (عناق) وكانت مشركة معروفة بالزنا، كل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم «يَا مَرْثَدُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فَلَا تَنْكِحْهَا» رواه الترمذي.
    وقد تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من حب مغيث لبريرة التي أعلنت صراحة أنها لا تحبه، روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ، أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَاجَعْتِهِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ» قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ..
    ولهذا لم يكن غريبا أن يقرن النبي صلى الله عليه وسلم بين حب النساء وقربه من ربه في حديث واحد، روى أحمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ”.
    هذا هو الحب يا سادة وليس حبّ التنهد والبكاء على الوسادة.
    إنه الحب الصادق الذي يتبعه زواج ينتج عنه أولاد يعيشون جميعا في حب وسعادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى