تقارير

سوريا: تصدعات ما بعد الزلزال

المرصد الاستراتيجي


نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) تقريراً (7 فبراير 2023) بعنوان: (Earthquake May Deepen Syria’s Divides)، تناولت فيه الكاتبة، ناتاشا هول، الصدمة العميقة التي تسببت فيها الهزات الأرضية لملايين السوريين، الذين اعتادوا شظف العيش منذ اثنا عشر عاماً، بما في ذلك انهيار المباني وسحق جثث سكانها نتيجة الضربات الجوية التي كانت توجه إليهم من قبل قوات بشار الأسد.
وفيما أشادت الباحثة بأداء “الخوذ البيضاء” في الشمال السوري المنكوب، معتبرة أنهم: “عملوا في الأيام الماضية بكفاءة تنافس أفضل فرق الدفاع المدني في العالم”؛ أكدت أن نظام الأسد لا يزال مستمراً في تبني سياسات التمييز المجحفة، على الرغم من أن الهزات الأرضية لم تميز بين مناطق سيطرته أو مناطق سيطرة المعارضة، الأمر الذي سيضاعف من وتيرة الانقسام في البلاد.
ولتعزيز تلك الحالة الانقسامية؛ بادرت حكومة النظام -المعزولة دولياً- إلى الإعلان عن قبول المساعدات المباشرة من أية دولة، رافضة في الوقت نفسه إرسال المساعدات عبر الحدود مع تركيا إلى المناطق التي لا تسيطر عليها.
ومثلت تلك الكارثة فرصة سانحة للدول التي تعمل على كسر عزلة النظام، حيث بادر زعماؤها إلى الاتصال مباشرة مع سفاح دمشق، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، ووضع الخطط لإعادة تأهيل الطرق السريعة والموانئ والمطارات المتصدعة في مناطق سيطرته، تحت ذريعة أيصال المساعدات، فيما تدفق الموظفون الأمميون إلى تلك المناطق، في ظل إهمال واضح للكارثة التي وقعت بنحو خمسة ملايين من سكان المناطق الشمالية من البلاد، والذين هُجّر أكثر من ثلثيهم قسراً على يد النظام، وأصبحوا اليوم بلا مأوى من جديد.
ورأت الكاتبة أن عملية الاستجابة للكارثة ستواجه تحديات كبيرة في الفترة المقبلة، خاصة وأن تركيا تضع الأولوية لمعالجة الأوضاع المأساوية في محافظاتها الجنوبية، الأمر الذي سيعيق جهود الإغاثة والتعافي في المناطق الشمالية المنكوبة بسوريا، حيث دُمّرت البنى التحتية وتضررت المعابر الرئيسية وخرجت معظم المستشفيات عن الخدمة، ما يجعل الاستجابة السريعة للمأساة أمراً بعيد المنال.
وفي محاولة لتبرير التقصير الدولي إزاء منكوبي الشمال السوري؛ أشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إلى وجود “قيود لوجستية وسياسية تمنع من وصول المساعدات”، ووعد بإدخال أكبر قدر ممكن من المعبر الوحيد المفتوح مع تركيا، لكن بالنسبة لملايين السوريين في الشمال الغربي، فإن الوقت قد تأخر كثيراً.
في هذه الأثناء تستغيث المنظمات غير الحكومية في الداخل السوري للحصول على المعدات الجراحية، والوقود، والمولدات الكهربائية والملابس الشتوية وغيرها من مستلزمات إيواء ملايين المشردين، وذلك ضمن مشهد جديد من الصراع يستغل فيه النظام حالة الدمار من أجل لفت الاهتمام الدولي والضغط عليه لإعادة تأهيله، فيما يصارع سكان المناطق المنكوبة خارج سيطرته للبقاء على قيد الحياة.
ونشر موقع “المونيتور” مقالاً (9 فبراير) بعنوان: (Can Syria’s Assad leverage earthquake to come in from the cold?) استعرضت فيه الكاتبة أمبرين زمان الاتصالات التي تلقاها بشار الأسد من قبل عدد من القادة العرب الذين عبروا عن: “التعاطف بعد الدمار الذي لحق بالأراضي السورية”، وسعيهم إلى استغلال تلك الكارثة المروعة لكسر عزلة الأسد الدبلوماسية، وتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على نظامه، ورأت أن الحجم الهائل للكارثة قد يكون مدخلاً لاستعادة العلاقات مع نظام الأسد وإعادته للجامعة العربية وهو الرأي الذي يؤيده الأستاذ المشارك في جامعة ليون الثانية، فابريس بالانش، قائلاً: “ستكون الأزمة الإنسانية ذريعة لتسريع التطبيع مع نظام الأسد”.
ورأت زمان أن الجائزة الحقيقية لبشار الأسد تمثلت في تخفيف العقوبات الدولية حيث شرعت وسائل إعلام النظام في التفاخر بوصول المساعدات للتدليل على أن النظام لم يعد منبوذاً، وسيَمثُلُ في الأيام المقبلة تحدٍّ كبير فيما يتعلق بكيفية معالجة الأضرار الناجمة من جهة، وجهود بشار للخروج من مأزقه الاقتصادي وإعادة إعمار وتمويل نظامه المترهل من جهة ثانية.
وتتفق تلك الرؤية مع تقرير نشرته أروى ديمون (10 فبراير) في موقع “المجلس الأطلسي”، والتي اعتبرت أن الهزات الأرضية التي شهدتها البلاد قد فعلت ما كان يريد نظام بشار الأسد والروس تحقيقه بالفعل، ففي الوقت الذي تدفقت فيه المساعدات إلى تركيا من جميع أنحاء العالم، لم يصل السوريين في مناطقهم المنكوبة إلا نسبة ضئيلة من تلك المساعدات، ولا يزال الملايين يعانون من الكارثة في ظل امتناع النظام عن إيصال المساعدات السخية التي وصلته من بعض الدول العربية.
ونظراً لانشغال تركيا بمعالجة مصابها، وتضرر معبر باب الهوى، وصعوبة الاعتماد عليه لإرسال المساعدات؛ فإن كلاً من موسكو ودمشق ستعملان على تعزيز جدليتهما المتمثلة في الإصرار على توصيل جميع المساعدات الدولية المخصصة لسوريا عبر حكومة النظام.
ورأت الكاتبة أن دعوة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، روسيا وجميع الجهات الفاعلة الدولية إلى الضغط على نظام الأسد للسماح للمساعدة بالوصول إلى الجميع في البلاد؛ هو: “أمر مثير للضحك بشكل مأساوي، لأن الأصوات الدولية التي لم تنجح في منع حكومة الأسد من قصف شعبها لن تكون فعالة في دفع النظام لتغذية المنكوبين السوريين وتوفير الدفء لهم”. ونقلت الكاتبة عن أحد أصدقائها السوريين قوله: “الزلزال فعل ما أراد نظام الأسد والروس فعله بنا طوال الوقت”.
وفي مقالة رديفة تناولت تصدعات المشهد الأوروبي وانهيار قيمها الإنسانية والأخلاقية؛ رأى الباحث البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي”، أن تعاطي دول الاتحاد الأوروبي مع كارثة الزلزال كشف أنها بلا قلب، معتبراً أن هذه التكتل الإقليمي أضاع فرصة كانت سانحة أمامه لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية أمام ملايين الناس.
واستنكر هيرست، الاستجابة البريطانية الضعيفة للكارثة التركية-السورية (6 ملايين دولار)، مقابل المساعدات الباهظة التي قدمتها لأوكرانيا (2,7 مليار دولار)، فيما: “حلت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى بريطانيا وبروكسل مكان أخبار الزلزال، ولوحظ أن زيارته لبريطانيا أولاً مفضلاً إياها على فرنسا وبروكسل كانت مصدر فخر وطني”.
وفي التعليق على ما نشرته “شارلي إبدو” بعد يوم من الكارثة، عبّر هيرست عن امتعاضه من العنصرية المقيتة للمجلة الفرنسية التي: “أُريد لها في 2015 أن تصبح مركزاً للدفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير ضد الإرهابيين”، لكنها اليوم تنشر رسماً كاريكاتيرياً يظهر مبنى مدمراً وسيارة مدمرة وكومة من الأنقاض مع التعليق: “لا داعي لإرسال دبابات”.
وأضاف: “أضاع إحجام الاتحاد الأوروبي عن أن يكون المستجيب الأول للأزمة فرصة لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية أمام ملايين الناس”، مؤكداً أن الهوة باتت تتسع في الغرب بين الشيء الصحيح الذي يجب فعله والأشياء التي نقوم بها في نهاية المطاف.
واختتم هيرست مقاله بتصريح كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي اعتبر فيه أن أوروبا حديقة وأن معظم بقية العالم عبارة عن غابة، معلقاً على ذلك التصريح المعيب بالقول: “كل عام، تصبح الكلمات التي ينطق بها القادة الأوروبيون أكثر بشاعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى