مقالات

الزلزال الذي لم يحرك طاقة السلبيين!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب


في كل نكبة تحل بنا كمسلمين أو بلاء يتنزل علينا، تنكشف مجتمعاتنا فكريا ونفسيا وأخلاقيا بصورة مخيفة، وتُظهر الأحداث كم أننا معاقون فكريا ويعاني عامتنا من عاهات نفسية وندوب أخلاقية عديدة!
وقد شاهدت صباح اليوم نقل قناة الجزيرة المباشر لتفاصيل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، وكانت تصور حجم الدمار الكبير الذي حل بأرجاء واسعة من هذه المنطقة العزيزة من بلاد المسلمين، فشاهدت أطنانا من مخلفات العمارات التي وقعت على رؤوس ساكنيها في شمال سوريا، فكتمت أنفاسهم وخنقت آمالهم التي كانوا ينسجونها قبل سويعات، وكنت مشدوهاً من حجم الدمار المادي الواضح في المباني ومن حجم الدمار المعنوي الخفي في المعاني!

وبقدر ما شعرت بالفخر وأنا أرى العشرات من المتطوعين وقد مدوا أيديهم بدأب وإخلاص، وهم يسابقون الزمن لعمل ما يمكن عمله بهذا الصدد وإنقاذ من يمكن إنقاذه من هذا المصير المرعب، فقد اعتراني شعور بالحزن والأسى وأنا أرى الكاميرا تُظهر في الخلف مئات من الشباب الذين قعدوا ينظرون للعشرات الذين يعملون، وكأنهم قد جعلوا أيديهم مغلولة إلى أعناقهم، واكتفوا بانتظار ما ستسفر عنه جهود الإغاثة التي تقوم بها الأقلية الإيجابية، مع معرفتهم اليقينية بأن هناك بشر، وربما كانوا من أقاربهم، تحت الأنقاض ينازعون موتا بطيئا، ويمكن إنقاذهم إن تم الوصول إليهم بسرعة قبل حلول الانطفاء!

إنها صورة مجسمة لعقدة الانتظار التي يعتنقها مسلمون كثيرون، في انتظار ما ستسفر عنه جهود الأقلية العاملة وما ستفرزه الأقدار الغيبية، مكتفين بالدعاء والأماني، وكأنهم ريش في مهب الريح أو غثاء في مقدمة السيل!

ويا لهذا الزلزال الذي نجح في تحويل مباني من الإسمنت والحديد إلى ركام، ولم ينجح في هزّ عقدة السلبية التي تعاقرها مجاميع عريضة من المسلمين في الواقع الذي يحتاج إلى جهود الجميع!
لم ينجح في تحريك الأكثرية السلبية التي تراقب الأقلية العاملة، موجهةً لها سهام النقد الجارح والذي يصل إلى حد الجلد بألسنة حداد وربما النشر بالمناشير، وفي أحسن الأحوال فإنها تتأبط أمانيها وهي تلهج بالدعاء الفارغ من أي شرط وعلى رأسها بذل الجهد واستفراغ الوسع!

في كل أزمة تحل بنا تظهر أزمتنا الفكرية والنفسية بصورة سافرة، مؤكدةً أننا بحاجة ماسة لثورة فكرية وأخلاقية تقتلع أشواك السلبية من الجذور وتعيد الاعتبار لقيم الإيجابية التي يزخر بها الإسلام !
فهناك مئات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على ركوب سفن الإيجابية، ولو وعى هؤلاء حديثا واحدا لما بقوا متفرجين بتلك الطريقة السلبية والناس يموتون، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن واحدة من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة لأنها أنقذت كلبا من الموت عطشا، وحث صلى الله عليه وسلم على العمل الإيجابي مهما كانت الظروف صعبة والنتائج تبدو بعيدة المنال، فقال: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. في رواية أنه قد حصلت رجفة ، أي زلزال ، في المدينة المنورة زمن سيَدنا عمر بن الخطاب فقال رضي الله عنه (ما رجفت إلا لحدثٍ أحدثتموه ، إن عادت لا أساكنكم فيها) أي أن الخليفة كان سيترك السكن في المدينة مع أنها عاصمة الدولة في ذلك الوقت لاحتمال وجود معصية لله تعالى سوف تتأكد لو عادت الرجفة .
    الزلزالُ بلاءٌ ، و البلاءُ لا ينزِلُ على منطقةٍ فيها مسلمون إلا بذنبٍ أو بذنوبٍ و لا يرتفِعُ إلا بِتوبةٍ جماعيةٍ صادقةٍ من أهل تلك المنطقة ، فإن تكرَرت الزلازلُ في بلادٍ معيَنةٍ دلَ ذلك على استفحال الشرَ العلني و/ أو الخفي . ينبغي أن لا ننسى أن لله سبحانه و تعالى قوانين سارية على الجميع – لا تجامل أحداً و لا تحابي – و من ضمن ذلك العقوبة العاجلة أو الإنذار المبكَر كما قال عزَ و جلَ (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
    على أصحابِ الشأنِ في جميع بلدات تلك المنطقة المنكوبة – في سوريا و تركيا – تعليم و تفسير هذا الحديث النبوي الشريف المروي في صحيحي البخاري و مسلم : (عن عبد اللهِ بن عمر – رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ).
    الذي لاحظته يا أستاذ دكتور فؤاد “عن شبابٍ قاعدين ينظرون أو يتفرجون على غيرهم من دون تقديم أي جهد في المساعدة “هي ظاهرة عامة في كثير من بلدان العرب ، و لا يغيب عن بالنا تعبيرٌ مشهورٌ من إخوتنا في مصر عن أصحاب الطاقة السلبيين (( حزب الكنبة)) الذين بلغ العجزُ الذاتيُ الموهومُ منهم مبلغه فاكتفوا بانتظار الفرج القادم على يد الفارس الأسمر الممتطي للحصان الأبيض غير مُقدَمين أيَ إسهامٍ و لو كان بسيطاً في التغيير . لن يأتي هذا الفارس لأقوام لا يستحقون التغيير الايجابي للأفضل لمناقضته السنن الكونية التي أوجدها ربَ العالمين و المتمثلة بالسعي نحو الأهداف المرجوة بالأقوال و بالأفعال. أتمنى لو يتعلم جيل الشباب عندنا تفسير آيتين كريمتين من سورة الشرح (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) ليعرفوا أن المسار الصحيح لحياة المسلمين هو : جهود مستمرة متصلة لا تكلَ و لا تملَ فلا يقال لهم بعد ذلك (اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى