أخبار عاجلة

القـــــواعـــد الفـقـهـــية (29) القاعدة السادسة والعشرون.. من اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ -مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


وردت هذه القاعدة بهذا اللفظ (أشباه السيوطي ص 152، أشباه ابن نجيم ص 132القاعدة 15، ابن رجب قاعدة 102)
كما ذكر العلماء هذه القاعدة بألفاظ أخرى كثيرة نذكر بعضها:
1- من استعجل أمراً أخّره الشّرع يعاقب بالحرمان.
2- من تعجّل الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه
3- من استعجل ما أخّره الشّرع يجازى بردّه .
4- من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.
5- من استعجل شيئاً قبل أوانه ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه.
6- المعاملة بنقيض المقصود الفاسد. (قواعد الونشريسي القاعدة الثانية والثمانون)
7- الأصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد.
8- من تعجل حقه، أو ما أبيح له، قبل وقته، على وجه محرم، عوقب بحرمانه.
9- من أتى بسبب يفيد الملك أو الحلّ أو يسقط الواجبات على وجه محرّم – وكان ممّا تدعو النّفوس إليه – ألغي ذلك السّبب، وصار وجوده كالعدم، ولم تترتّب عليه أحكامه
وهذه القاعدة كثيرة التطبيق في المذهب الحنفي والمالكي والحنبلي، نادرة التطبيق عند الشافعية. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 33)
معنى القواعد ومدلولها:
وهذه القاعدة وإن اختلفت ألفاظها فهي تفيدنا معنىً متحداً – دليلاً على الاتفاق عليها بين الجميع -: إنّ من يتوسّل بالوسائل غير المشروعة تعجّلاً منه للحصول على مقصوده المستحقّ له – سواء أكان مقصوده يفيد ملكاً أو حِلاًّ أو يسقط واجباً – فإنّ الشّرع عامله بضدّ ونقيض مقصوده، فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله.
وهذه القاعدة كثيرة الفروع والمسائل في المذهب الحنفي والمالكي والحنبلي، وقليلة الفروع عند الشافعية حتى قالوا: إن الصورَ الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها، بل في الحقيقة لم يدخل فيها غير حرمان القاتل من الميراث، ولذلك زاد بعض الشافعية في القاعدة لفظاً لا يحتاج معه إلى الاستثناء، فقالوا: ” من استعجل شيئاً قبل أوانه، ولم تكن المصلحة في ثبوته، عوقب بحرمانه”. وقال الحنابلة بمضمون القاعدة قي أمثلة محصورة.
وهذه القاعدة من باب السياسة الشرعية في القمع وسد الذرائع وتحريم الحيل. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 415)
أصل القاعدة ودليلها
1- والأصل في هذه القاعدة أن الله تعالى لما حرَّم على اليهود الصيد يوم السبت. وضعوا الشباك وأخذوا الصيد يوم الأحد، فسمَّى الله هذا العمل اعتداءً وجازاهم بنقيض قصدهم، بأن عاقبهم، قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف 163) .
2- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شحوم الميتة فقال النبي – -:
«قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» (صحيح البخاري باب بيع الميتة والأصنام، ومسلم باب تحريم بيع الخمر والميتة)

3- قَولَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».رواه أبو داود وغيره، وقال الألباني: صحيح (أبي داود2/ 227، السنن للبيهقي7/ 339)
وما ذاك إلا أنه نوى بقصد النكاح التحليل، فاحتال على تحليل الحرام، ولذلك استحق اللعنة من الله، ومثله المحلل له.
وقرَّر أهل العلم تحريم الحيل وعدُّوها تجرؤاً على الله، وإبطالاً لأحكام القرآن والسنة، فالمحتال بالباطل يعامل بنقيض قصده شرعاً وقدراً، وأن من احتال على الشرع فأبطل الحقوق، وأحل الحرام، وحرم الحلال، فإنه يعامل بنقيض نيته وقصده جزاءً وفاقاً. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 416)
أمثلة وتطبيقات:
1- مَن تزوّجت عبدها فإنه يحرم عليها على التأبيد، كما روي عن عمر رضي الله عنه، نص عليه أحمد في رواية عبد الله ويفرِّق بينهما ولو تحرّر بعد ذلك فلا يحلّ لها الزّواج منه.
2- من تزوّج بشرط التّحليل جاز النّكاح ولكن لا تحلّ الزّوجة به للزّوج الأوّل عقوبة له وهذا عند أبي يوسف. (موسوعة القواعد الفقهية 10/ 900)
3- لَوْ طَلَّقَ الرجل امرأته طلاقاً بائناً بغير رِضَاهَا في مرض موته قَاصِدًا حِرْمَانَهَا مِنْ الميراث، ومات وهي في العدة فَإِنَّهَا تَرِثُهُ في الاجتهاد الحنفي والمالكي والحنبلي، لدلالة مرض الموت على أن قصده حرمانها من الإرث، فيرد قصده عليه، وهذا يسمى: طلاق الضرار، أو طلاق الفارّ، رداً لعمله. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها 1/ 416، شرح القواعد الفقهية ص472)
4 – نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أفتى في المرأة التي يطلقها زوجها، فتزوج غيره قبل انقضاء عدتها، بأنها تحرم على هذا الزوج الثاني إن دخل بها حرمة مؤبدة، معاملة لها بنقيض مقصودها، بمقتضى السياسة الشرعية في المصالح المرسلة. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 417)
5 – حِرْمَانُ الْقَاتِلِ مُوَرِّثَهُ مِنْ الْإِرْثِ، فمن استعجل الميراث وقتل مُوَرِّثَهُ عمداً بغير بحَقٍّ، فإنه يعاقب بمنع الإرث، خلاف بمَا لَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ مُوَرِّثَهُ الْبَغِيَّ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ. (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 451)
6 – إذا قتل المدبَّر سيده بطل تدبيره، خلافاً للشافعية ( انظر استثناءات القاعدة).
7 – لو قتل الموصى له الموصي يحرم من الوصية عند الحنفية والحنابلة. خلافاً للشافعية كما سيأتي، وعند المالكية تفصيل في ذلك.
8 – من صارت ثيياً بالزنا بقصد ألا تجبر على الزواج، فإنها تجبر عليه، معاملة لها بنقيض قصدها.
9- الغال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين عند أحمد. (قواعد ابن رجب 2/ 404) .
10 – من اصطاد صيداً قبل أن يحل من إحرامه، لم يحل له وإن تحلل، حتى يرسله ويطلقه. (قواعد ابن رجب )
11 – المرأة إذا ملكت زوجها، فسخ نكاحها، لتنافي أحكام سيادتها عليه، مع أحكام كونها زوجاً له، فإذا كان الزوج مملوكاً لغيرها، واشترته قاصدة فسخ نكاحها، عوملت بنقيض مقصودها، وثبت النكاح. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 418)
12 – من حلف على زوجته بالطلاق ألا تخرج، فخرجت قاصدة إحناثه، قال أشهب من المالكية: لا تطلق عليه معاملة بنقيض مقصودها.
13 – لا يجوز الوصية للوارث، ولا الوصية بأكثر من الثلث، للنهي عن ذلك، وإذا حصلت تجعل ميراثاً للورثة، معاملة للموصي بنقيض مقصوده.
14 – من كانت له ماشية فخاف وجوب الزكاة فيها، فباعها قبل الحول بقليل كشهرٍ ونحوه، واشترى بها ماشية أخرى فراراً من الزكاة، فإن الزكاة تجب عليه، وتؤخذ من المبدلة، ويعامل بنقيض مقصوده. ( القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 419)
15 – من تحايل على سرقة قدر النصاب في مرات، وهو يقدر على إخراجه دفعة واحدة حتى لا يقطع، عومل بنقيض مقصوده، وأقيم عليه الحد. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 420)
16 – من خبَّب امرأة على زوجها – أي أفسدها عليه – حتى طلقها ليتزوجها، منع من زواجها، معاملة له بنقيض مقصوده.
17 – السكران بشرب الخمر عمداً يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه في المشهور من المذهب الحنبلي، بخلاف من سكر من بنج ونحوه، أو أزال عقله بأن ضرب رأسه فجنّ، فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص.
(قواعد ابن رجب 2/ 402) .
18- تخليل الخمر لا يفيد حلّه ولا طهارته على المذهب الصحيح، خلاف إذا تخلل بنفسه. (قواعد ابن رجب 2/ 402) .
استثناءات من القاعدة:
يستثنى من هذه القاعدة، ويخرج منها مسائل كثيرة عند الشافعية، وقليل عند الحنفية والمالكية والحنابلة، قال السيوطي: “الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها”. نذكر بعض استثناءات هذه القاعدة
1 – لو قتلت أم الولد سيدها عتقت قطعاً لئلا تختل قاعدة أن أم الولد تعتق بالموت.
2 – لو قتل المدبر سيده يعتق كذلك.خلافاً للحنابلة والمالكية.
3 – لو قتل الموصى له الموصي استحق الموصى به في الأصح عند الشافعية.
4 – لو أَمْسَكَ زَوْجَتَهُ مُسِيئًا عِشْرَتَهَا لِأَجْلِ إرْثِهَا وَرِثَهَا في الأصح.
5 – لو أمسك زوجته مسيئاً عشرتها لأجل الخلع، نفذ في الأصح.من قصد
6 – السفر في رمضان لأجل الفطر، جاز له الفطر، ولا يعامل بنقيض مقصوده.
7 – لو شَرِبَتْ دَوَاءً فَحَاضَتْ لَمْ تَقْضِ الصَّلَوَاتِ قطعاً، وكذا لو نفست به.
8 – لو رمى نفسه من شاهق ليصلي قاعداً، لا يجب القضاء في الأصح.
9 – لو طلق امرأته في مرض موته فراراً من إرثها نفذ الطلاق، ولا ترث في المذهب الجديد للشافعي لئلا يلزم التوريث بلا سبب ولا نسب.
10 – لو بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا عَنْهَا، صَحَّ وَلَمْ تَجِبْ الزكاة جزماً، لئلا يلزم إيجابها في مال لم يَحُلْ عليه الحول في ملكه، فتختل قاعدة الزكاة عند الشافعية. ( القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 422)
11 – لو شرب شيئاً ليمرض قبل الفجر، فأصبح مريضاً، جاز له الفطر، أو أفطر بالأكل متعمداً ليجامع، فلا كفارة. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص133)
12 – لو جبَّت ذَكر زوجها ثبت لها الخيار في الأصح.
13 – من صاغت الدنانير والدراهم حلياً للزينة سقطت زكاتها؛ لأنها فعلت ما يجوز لها. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 423)
14 – لو خلل الخمر بغير طرح شيء فيها كنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه طهرت في الأصح.
15 – من تصدق بجميع ماله لإسقاط الحج، فإنه يسقط عنه الفرض، ولا يعامل بنقيض مقصوده، لأن وقت الحج موسع.
16 – من أخر قبض دينه فرأراً من الزكاة، لا تجب عليه الزكاة؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان من عدم الزكاة حتى يقبض المال.
17 – من باع الماشية بعد الحول وقبل إخراج زكاتها، فراراً من زكاة عينها، زكى ثمنها في حينه، ولا شيء عليه؛ لأنه أدى الزكاة، وفعل ما يجوز له.
18 – المرأة ذات الزوج تتصدق بثلث مالها قاصدة الإضرار بزوجها في إمضاء صدقتها خلاف، والمشهور أنه ليس للزوج ردها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

الهدي النبوي في رمضان

طريف مشوح كاتب وباحث سوري لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف …