مقالات

التَّصعيد في القُدس المُحتل.. مَن المستفيد، وما المآل؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لم يمر شهرٌ واحدٌ على مباشرَة الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، السِّياسي المخضرم ورئيس الوزراء لعدَّة حكومات في السَّابق، حتَّى تفجَّرت الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، لا سيِّما في القُدس الشَّريف، تزامنًا مع مساعي حكومة نتنياهو الجديدة ضمَّ الضَّفَّة الغربيَّة لنهر الأردن، بما يشمل المسجد الأقصى المبارك. تواجه الحكومة الجديدة، الَّتي من بين أعضائها عددٌ من المتطرِّفين اليهود المطلوبين في قضايا جنائيَّة، أزمة كبيرة في الشَّارع الإسرائيلي، بعد تنفيذ عدد من العمليَّات الفدائيَّة استهدفت الرَّدَّ على العدوان الإسرائيلي على مخيَّم جنين شمال غربي القُدس الخميس 26 يناير 2023م أسفر عن مقتل 10 فلسطينيين. فقد ردَّ فلسطينيون لا ينتمون إلى أيِّ من الحركات الجهاديَّة المسلَّحة، على مذبحة الاحتلال الإسرائيلي في جنين بعمليَّتين سقط فيهما عددٌ من القتلى والجرحى، وهو ما ينذر بحالة من التَّصعيد قد تكون ذريعة لضمِّ الضَّفَّة الغربيَّة، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وتهجير الفلسطينيين قسرًا.

حكومة نتنياهو المتطرِّفة ورأس أولويَّاتها

برَّرت حكومة الاحتلال الجديدة مذبحة جنين بأنَّها استهدفت تصفية قيادي كبير في حركة الجهاد الإسلامي المسلَّحة، لكنَّ مراقبين أكَّدوا أنَّ تلك المذبحة كانت إحدى خطوات التَّصعيد في الأراضي المحتلَّة، المفضي إلى ضمِّ الضَّفَّة الغربيَّة، وهو ما صرَّح به طاهر المصري، رئيس الوزراء الأردني السَّابق، في مداخلة مع برنامج “ما وراء الخبر” على قناة الجزيرة القطريَّة. ويشارك في حكومة نتنياهو، الموصومة بالتَّطرُّف، عددٌ من الأحزاب الدِّينيَّة، منها أحزاب تحالُف “الصُّهيونيَّة الدِّينيَّة” برئاسة المتطرِّف بتسلئيل سموتريتش، وحركة “نوعام”، والأحزاب الحريديَّة “شاس” و”يهوديَّة التَّوراة”، هذا إلى جانب حزب “عظمة يهوديَّة” برئاسة المتطرِّف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي في الحكومة الجديدة الَّذي يوصف بأنَّه أقوى من نتنياهو نفسه، والَّذي اقتحم المسجد الأقصى مؤخَّرًا متوعِّدًا بذبح القرابين في عيد الفصح المبل داخل ساحات المسجد. 

وكان نتنياهو قد التقى بعبد الله الثَّاني، عاهل الأردن، قُبيل مذبحة جنين، في العاصمة الأردنيَّة، عمَّان، وأكَّد عاهل الأردن خلال اللقاء على ضرورة احترام الوضع التَّاريخي للمسجد الأقصى المبارك، الخاضع لوصاية الأوقاف الأردنيَّة، بموجب معاهدة السَّلام الأردنيَّة-الإسرائيليَّة “وادي عربة” لعام 1994م. غير أنَّ بن غفير، السِّياسي اليميني المتطرِّف، تحدَّى تعهُّد نتنياهو لعاهل الأردن بالحفاظ على الوضع القائم في المسجد المبارك، بأن صرَّح في حديث للإذاعة الإسرائيليَّة بقوله “مع كلِّ الاحترام لملك الأردن، إسرائيل دولة مستقلَّة. صعدتُ إلى جبل الهيكل (يقصد المسجد الأقصى)، وسأواصل القيام بذلك”. وتضع الحكومة المتطرِّفة على رأس أولويَّاتها تشريع قتْل الفلسطينيين وتهجيرهم، وترسيخ مبدأ يهوديَّة الدَّولة، ولو بسفك الدِّماء والتَّهجير القسري. ومن المفارقات أنَّ يائير جولان، وهو عضو بالكنيست عن حزب “ميرتس” اليسارى، نشَر تغريدة عبر موقع تويتر يدعو فيها إلى العصيان المدني في مواجهة الحكومة الجديدة، الَّتي وصَفها بـ “الحكومة الفاسدة والخبيثة والشِّرِّيرة”!

تابعنا في فيسبوك

تأثير الرَّدِّ على مذبحة جنين على سياسات الحكومة المتطرِّفة

كما تشير وسائل الإعلام العبريَّة، يعيش مستوطنو مستعمرات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة حالة من الرُّعب، بعد تنفيذ عمليَّتين فدائيتين بالقُدس المُحتل بإطلاق النَّار على المستوطنين يومي الجمعة والسَّبت، ردًّا على مذبحة جنين؛ الأولى استهدفت كنيس يهودي في مستوطنة النِّبي يعقوب، سقط فيها 8 قتلى و10 جرحى؛ والثَّانية وقعت في بلدة سلوان المجاورة للمسجد الأقصى أسفرت عن إصابة اثنين من المستوطنين بجروح وُصفت بالخطيرة. وبينما نُسبت العمليَّة الأولى لشاب في الـ 21 من العُمر يُدعى خيري علقم، اتُّهم بتنفيذ الثَّانية طفل في الـ 13 من عمره يُدعى محمَّد عليوات، وهو ما نفته أسرته بأن أكَّدت أنَّه لم يكن يحمل سلاحًا وتواجد بمحض الصُّدفة في موقع العمليَّة؛ وقد سقط المنفِّذان قتيلين على يد قوَّات الاحتلال في موقعي العمليَّتين. 

وقد عقَد مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغَّر، برئاسة نتنياهو، اجتماعًا أمنيًّا طارئًا، توعَّد نتنياهو خلاله بتطبيق إجراءات عقابيَّة صارمة ضدَّ الفلسطينيين، قد تشمل اعتقال عائلات منفِّذي العمليَّتين وتهجيرهم وإغلاق منازلهم، هذا إلى جانب تقنين حمْل المستوطنين الإسرائيليين للسِّلاح للرَّدِّ الفوري على أيِّ اعتداء محتمل من قِبل الفلسطينيين، كما نقَل موقع اكسيوس الاستخباراتي الأمريكي عن مسؤول كبير في حكومة الاحتلال. وبحسب موقع سكاي نيوز عربيَّة، شنَّ مستوطنون هجمات انتقاميَّة ضدَّ فلسطينيين في بلدتي عقربا ومجدل بني فاضل جنوب شرقي نابلس، بحرق سيَّاراتهم، وهو ما ينذر باحتقان شديد في الأراضي المحتلَّة قد يسفر عن خسائر بشريَّة ومادِّيَّة كبيرة. وكان أنتوني بلينكن، وزير الخارجيَّة الأمريكي، ينوي زيارة دولة الاحتلال نهاية يناير الجاري؛ بهدف مواصلة العمل على تنفيذ حلِّ الدَّولتين وتهدئة الأجواء بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، تزامنًا مع تجديد المملكة العربيَّة السَّعوديَّة إعلانها الاستعداد لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، في حال مُنح الفلسطينيون حُكمًا ذاتيًّا في دولة على حدود 5 يونيو 1967م.

ونتساءل: مَن المستفيد من تنفيذي عمليَّتي القُدس وسلوان وإحداث حالة من الاحتقان قد تفضي إلى ضمِّ الضفَّة الغربيَّة إلى سُلطة الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف تزعم حكومة نتنياهو، الَّتي تسيطر عليها زعامات يهوديَّة متطرِّفة، استعدادها تنفيذ شرط السَّعوديَّة للتَّطبيع وهي تخطِّط في الوقت ذاته لضمِّ الضفَّة الغربيَّة المفترَض أن تشكِّل تلك الدَّولة الفلسطينيَّة؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى