مقالات

الخطأ التسلسلي

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

لو فكرت في كل قرار اتخذته منذ استيقاظك يومياً حتى النوم، ستدرك أنك قد ارتكبت الكثير من الأخطاء. بعضها بسيط ليس له أي تداعيات، لكن البعض الآخر يمكن أن يكون له آثار وعواقب وخيمة على سبيل المثال..
الهجوم النووي الذي شنه عدو الإنسانية الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليابان عام 1945 بموجب الأمر الذي أصدره رئيسها هاري ترومان كان اسم القنبلة التي القيت على مدينة هيروشيما المليئة بالسكان الأبرياء ” الولد الصغير “، ثم تلاها إطلاق قنبلة اخرى اسمها “الرجل البدين” على مدينة ناكازاكي. ذلك القرار الخطأ كان له عواقب مدمرة وتأثيره سيستمر مدى الحياة، بل سيلاحق حتى عوائل المشتركين في تنفيذه.

لكل إنسان نصيبُ من الأخطاء

قد نحب المرأة الخطأ أو نتزوج السيدة الفاشلة أو هي ترتبط بالرجل السيء ونتعلم وتتعلم ونعمل وتعمل الخير لكننا في النهاية نندم نخون ونغدر ونندم نأخذ ونعطي ونضحي ونندم ندفع الثمن غاليا، لكن احيانا ندفعه مع الفوائد لأننا تأخرنا عن الفهم والتصحيح!. وربما نرتكب سلوكا متهورا ونعيش ما تبقى من حياتنا أسرى لتلك المأساة. قد نلجأ لآخرين نثق بهم ونحدثهم عن أسرارنا، ثم نكتشف أنهم كانوا غير مؤهلين لتحمل المسؤولية وسببوا لنا جروحا بليغة وخسارات فادحة تبقينا نلعنهم إلى ما لا نهاية. وبعض الأخطاء ترثها ذريتنا قد يحاسبون عليها، فالأنثى أو الرجل سيئو السمعة سيرث أولادهم نظرات الاحتقار التي يستمتع بعض الناس بتوزيعها جهارا نهارا ..

لن تكون الأشياء الجميلة التي تمر في حياتنا كالأحلام التي لانكاد نلمسها حتى تتلاشى وعندما نحاول الاستمتاع بذكرياتها نجدها قد تسربت من أقبية الذاكرة وعادت صفحة بيضاء كأن شيئا لم يكن .. بل إن بعضها تسلسلية تكبر مع الأيام لن تتمكن من السيطرة عليها، لأنها مثل المرض المعدي الذي ينتقل لتجد نفسك فجأة كأنك قاتلٌ تسلسليٌ ارتكب جُرماً فضيعاً رغم أن هذا النوع من المجرمين عادة يقتل ثلاثة أشخاص أو أكثر لإشباع رغبات نفسية قد تمتد زمنياً لأكثر من شهر. وقد يكون بين الضحايا شيءٌ مُشترك مثل المظهر أو الجنس أو العِرق. لكن خطأك هنا قد يصل فيه عدد الضحايا إلى أكثر بكثير من ضحايا القتلة المُتسلسلين، لأنه قد يمتد إلى أجيال مثل: قرارات الحروب بشكل عام، وقهر الأفراد والمجتمعات، وانتهاك الحرمات وموت الأحلام والأمل كما جرى للعراق واليمن وسوريا ولبنان وما ذاقه الشعب الإيراني نفسه من ويلات نظامه الدموي. نظام ادعى الإسلام وهو أكثر من شوه صورته بل إن الكثيرين انتقلوا الى الإلحاد لأنهم صدقوا أن هؤلاء يحملون رسالة آل البيت.
منهم من ينتمي إلى حزب أو جيش تدفعه اللذة أو الشهوة أو حُب الظهور نتيجة لذل تربى عليه أو بيئة كان غذاؤها النحيب والطعن واللعن طوال اليوم، كأنهم في ساحة معركة وليسو في بيوت يعيش فيها البشر . مدارس يتخرج منها المجرمون المحترفون الذين يلعقون مع دماء ضحاياهم نشوة الانتقام من العذاب الذي انغمسوا فيه منذ نعومة اظفارهم، وعلى جثة كل ضحية يكتبون حكاية المأساة التي عاشوا فيها وفرحة الانتصار التي يعتقدون أن هذه الضحية قد كانت السبب فيما عانوه..

لذا تريث قبل أن تتخذ قرارك، وإن قررت حاول أن تؤخر التنفيذ قدر الإمكان، عسى أن تغير مسارك

تريثي قبل أن تقولي نعم، تريثوا قبل أن تعتقدوا أن السعادة أصبحت بين أيديكم، لأن دخان الوهم يمكن أن يتلاشى في لحظات ثم تكتشف أنك كنت تمسك الهواء في يديك وإن ما فعلته كان كالماء الذي تسلل من بين أصابعك وأنت لاتدري. كثيرٌ منا لم يكن يدري أن أعظم معلم في الحياة هو الفشل. فهو الشيء الوحيد القادر على أن يُعلمنا دروساً لن ننساها أبداً.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فتح المسلمون بلاد الأندلس في عهد دولة الخلافة الأموية عام 711 بالتاريخ الميلادي و استمرت كولاية تابعة للخلافة حتى عام 756 ثم إن عبد الرحمن الداخل “صقر قريش” أنشأ إمارة قرطبة الأموية في ذلك العام و كانت مستقلة عن الدولة العباسية و استمرت الإمارة حتى عام 929 عندما قام عبد الرحمن الثالث بتحويلها لخلافة أموية و هذه استمرت حتى عام 1031 حين سقطت ليحلَ مكانها عصر ملوك الطوائف الأول شديد الشبه بعصرنا الحالي حيث تجزأت إلى حوالي 22 مملكة في شبه الجزيرة تلك و كل مملكة منها تتكون من مدينة أو مدينتين مع القلاع والضواحي -التي كانت قرى – و استمر هذا العصر التعيس البائس إلى عام 1085 “أي مدة 54 سنة” . دويلات الطوائف الأولى هذه زرعت أوبئة من الفسق و جراثيم من الفجور و صاحب ذلك تنازع بين الدويلات و تآمر مع الفرنجة ضد بعضهم و خيانات و سقوط لبلدات مما أدى بالفرنجة لطلب المزيد من التنازلات فاستعان ملك منهم بدولة المرابطين التي أنقذتهم إلى حين . ثم كانت فترة ثانية لملوك الطوائف من 1144 إلى 1172 “أي مدة 28 سنة” ازداد فيها هؤلاء لهواً و فُحشاً و انحرافاً و تنازعاً أدى إلى مزيد ضياع و تهديدات من الفرنجة فاستعانوا بدولة الموحدين التي أنقذت ما تبقى حتى عام 1212 حين انهارت مقاومة هذه الدولة و صمودها أمام متاع و شهوات هذه الحياة الفانية ليكون بعد هذه الدولة الفترة الثالثة لملوك الطوائف من 1212 إلى 1238 “أي 26 سنة” و في هذه الفترة سقطت جميع مناطق الأندلس باستثناء إمارة بني الأحمر في غرناطة.
    في نموذج الأندلس ، يرى العاقل الحكيم (( الخطأ التسلسلي أو بالأحرى الخطيئة التسلسلية)) : إن الفساد الذي أنهى ملوك الطوائف الأوائل زراعته سنة 1085م قد أثمر الزقوم بعد أربعة قرون حين سقطت غرناطة سنة 1492م . قلائل أولئك الناس ” و من ضمنهم المسلمين” الذين يفكَرون في أبعاد وامتدادات ما يقترفونه من آثام . كانت الأندلس مليئة بالخونة وقصار النظر وضيقي الأفق والأنانيين في عصر الطوائف الأول ، استهانوا بأفعالهم الدنيئة حين ارتكبوها لكنها كانت مِثل شرارةٍ صغيرةٍ نشرت حريقاً في غابة كبيرة. كانوا لا يُدرِكون أن حماقات اليوم قد تكون باعثة على مآسي الغد و ما بعده ، وانطبق عليهم قول الشاعر المتنبي: لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ ** ما يبلغُ الجاهلُ من نفسِه. لم يستجيب أولئك القوم لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن كل مُسلِمٍ على ثغرةٍ من ثغور الأمة عليه حراسته بأمانة فلا يُؤتيَن من قِبلِه. أعمتهم مُتعةُ اللحظة عن تصور مصيبة المستقبل، وزيَن لهم الشيطان سوء أعمالهم. اندثروا وزال عنهم كل ما كانوا يحرصون عليه وكأن القوم ما كانوا. تصوَر أخي – رعاك الله – أن الأندلس كانت إسلامية – بمن فيهم سكانها الأصليين – حوالي ثمانية قرون ثم كان فقدانها للفرنجة “أي الفرنسيين و من ناصرهم من الأوروبيين الذين زعموا أنهم أسبان ” منذ حوالي خمسة قرون .
    إياك ثم إياك أخي المسلم من الاستهانة بمعصية حيث ربَما كلمة لا تًلقي لها بالاً قد تَغضِب الله عليك فيلقيك الزبانية في نارِ جهنم سبعين خريفاً . ما تظنَهُ معصيةً بسيطةً قد تكون لها تداعياتٍ سلبيةٍ هائِلةٍ على الناس يعلمُها الله و لا تعلمها أنت و ستعرف نتائجها كلها في يوم القيامة . أوصيك أخي بالمداومة على الاستغفار يومياً كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه و سلَم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى