أخبار عاجلة

ملامح الفكر السياسي المستند إلى الوهابية (4من 9)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


الأصول التَّاريخيَّة لتغليب القوَّة والقهر في مواجهة الشُّورى
يعيد الكاتب الإشارة إلى أنَّ الحُكم في الإسلام تأسَّس على نظريَّتين: الشُّورى، وهي نظريَّة أهل السُّنَّة، إعمالًا بمبدأ مبايعة الخلفاء الرَّاشدين بعد أن لقي النَّبي (ﷺ) ربَّه؛ والنَّص والتعيين، وهي نظريَّة الشِّيعة الإماميَّة. استبعدت الدُّولتان الأمويَّة والعبَّاسيَّة أمر الشُّورى في الحُكم، بأن آثرت التوريث في الحُكم، وتبدَّلت النظرة الفقهيَّة تجاه نظام الحُكم، فبدلًا من الإصرار على البيعة، مُنح الحاكم المتغلِّب صاحب القوَّة الشَّرعيَّة، وكان للإمام أحمد بن حنبل موقفٌ مؤيِّد لهذا الرأي. ولم يختلف موقف شيخ الإسلام أحمد بن تيميَّة عن هذا الرأي، حيث لم يرد عنه ما يأمر بوجوب الشُّورى، أو موافقة أهل الحل والعقد على شخص الحاكم قبل تقلُّده السُّلطة. لم يشترط ابن تيميَّة من الصِّفات في الحاكم سوى القوَّة والأمانة، استنادًا إلى قول الله تعالى في نبيِّه موسى (عليه السَّلام) في قول الله تعالى ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [سورة القصص: 26] ، وإلى قول الإمام أحمد بن حنبل “أمَّا الفاجر القوي، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأمَّا الصَّالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين”، نقلًا عن الكاتب، الَّذي يفترض أنَّ الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب لم يشدِّد على مبدأ الشُّورى في اختيار الحاكم، تأثُّرًا بعدم تسليط ابن حنبل ولا ابن تيميَّة الضَّوء على أهميتها (صـ133).

اقرأ: ملامح الفكر السياسي المستند إلى الوهابية (3 من 9)


تجريم الخروج على الإمام
يعيد الكاتب التأكيد على أنَّ تطبيق المذهب الوهَّابي كان من أهم منافعه منح الشَّرعيَّة للنظام الحاكم؛ على أساس أنَّ محمَّد بن عبد الوهَّاب كان يدعو إلى إطاعة الإمام، ويجرِّم الثَّورة عليه، وهو الَّذي لم يكن يدين بأيِّ التزام تجاه الدَّولة العثمانيَّة، بسبب انحرافها عن صحيح العقيدة، وردَّتها عن الإسلام، في نظره. غير أنَّ الموقف يختلف فيما يتعلَّق بالإمام المستند إلى الشَّريعة الإسلاميَّة. وقد نُقل عنه في كتاب الدُّرر السُّنيَّة في الأجوبة النجديَّة، قوله “أرى وجوب السمع والطَّاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصيَّة الله” (جــ1، صـ30 و33)، وكذلك “إنَّ من تمام الاجتماع: السمع والطَّاعة لمن تأمَّر علينا، ولو كان عبدًا حبشيًّا” (جـ1، صـ173). ويعتبر الكاتب أنَّ هذه النزعة للخضوع للحاكم هي عبارة عن ترسيخ للاستبداد، الَّذي هو سمة الحُكم الوهَّابي القائم على سفك الدَّماء، والمنتشر بواسطة السَّيف؛ والسَّبب هو أنَّ هذا الحُكم قام في بيئة رافضة له، ومشمئزَّة من اتهام نظريَّته العقائديَّة لها بالكُفر أو الردَّة وضرورة اعترافها بذلك لكي تنال الرضا وتدخل الإسلام عن حق على يديه. ويستشهد الكاتب على هذا الرأي بالحروب الوهَّابيَّة في نجد، والأحساء، وأخيرًا في الحجاز، من أجل تأسيس الدَّولة السَّعوديَّة.

تابعنا في فيسبوك


غزو كربلاء: تطهير من البدع أم مجزرة دمويَّة؟
يعيد الكاتب إلى الأذهان أحداث ما أطلق عليها “مجزرة كربلاء”، في شهر ذي القعدة من عام 1216ه، وأبريل من عام 1802م. حرصًا على النَّزاهة وعدم التحيُّز، يستشهد الكاتب بتأريخ الوهَّابي عثمان بن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، في روايته عن مهاجمة كربلاء، وتحديدًا ما يُعتقد أنَّه قبر الحسين، مشيرًا إلى أنَّ جُند حملة عبد العزيز بن محمَّد بن سعود “أخذوا ما في القبة وما حولها، وأخذوا النَّصيبة الَّتي وضعوها على القبر، وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من الأموال والسِّلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر”، ثم قسَّموا الغنائم بينهم (صـ257-258). يتَّضح أنَّ أكثر ما ركَّزت عليه الرُّواية جانب جمع الغنائم، مع تجاهُل تام للسَّبب الحقيقي للغزو، وهو القضاء على مظاهر الشِّرك والبدع المنتشرة في كربلاء آنذاك. والسؤال: هل هذه هي الرُّواية الوحيدة لمؤرِّخ وهَّابي عن هذا الغزو؟ والسؤال الأهم: ألم يذكر ابن بشر مبرر هذا الغزو؟ الإجابة، بالطَّبع ذَكَر، فقد قال عن الدافع وراء تأسيس الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب مذهبه التجديدي هو إنكاره ما كان يرى من “البدع المضلَّة”، واستحان النَّاس لها، وعدم انتهائهم عمَّا نهى الدِّين (صـ34).
وكان مبدأ الشَّيخ لمَّا جهر بدعوته “الدَّعوة والإنكار، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر”، وهو المبدأ الَّذي دعا بها أهل مكَّة إلى العودة إلى صحيح الدِّين، مستنكرًا البدع المنتشرة فيها، وبخاصَّة التوسُّل بالأموات (صـ37). إذا كان الشَّيخ استخدم هذا المبدأ في دعوته الإصلاحيَّة في الحرم المكِّي، فما الحال مع كربلاء بما تأويه من مراقد تُنسب إلى أئمة وأولياء، تُقام فيها طقوس من البدع؟ ليس في هذا تبريرٌ لجمع الغنائم الماديَّة، بل هو إبراز لكون هدف الغزو تطهير المدينة من مظاهر دخيلة على الإسلام. يُذكر أنَّ الحملة الوهَّابيَّة على مكَّة المكرَّمة هدمت القبب المعظِّمة لمحل ميلاد النَّبي (ﷺ) وأبي بكر وعليٍّ والسيدة خديجة، على اعتبار أنَّها من مظاهر الابتداع. ويورد الكاتب (2011م) نصَّ كلمة وجَّهها عبد الله، ابن الشَّيخ إلى أهل مكَّة توضح مفهومه عن الشِّرك (صـ147-148):
وقَف الشَّيخ عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب في مكَّة قائلًا: “إنَّ مَن قال يا رسول الله، أو يا ابن عبَّاس، أو يا عبد القادر أو غيرهم من المخلوقين، طالبًا بذلك دفْع شرٍّ أو جلْب خير من كلِّ ما لا يقدر عليه إلَّا الله تعالى من شفاء المريض والنَّصر على العدوِّ، والحفْظ من المكروه ونحو ذلك: إنَّه مشرك شركًا أكبر، يُهدر دمه ويبيح ماله، وإن كان يعتقد أنَّ الفاعل المؤثِّر في تصريف الكون هو الله وَحده، لكنَّه قصَد المخلوقين بالدُّعاء متشفِّعًا بهم ومتقرِّبًا بهم لتُقضى حاجته من الله بسرِّهم وشفاعتهم له فها أيَّام البرزخ”.
وكان دخول الحملة الوهَّابيَّة مكَّة المكرَّمة عام 1218ه، بعد أن لقي الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب ربَّه بـ 12 سنة. ونقلًا عن كتاب الدرر السُّنِّيَّة والأجوبة النجديَّة (جـ1، صـ316)، يورد الكاتب بيان علماء مكَّة المكرَّمة للتَّبرُّؤ من الشِّرك، الالتزام بالدِّين الجديد الَّذي فرضته الحملة الوهَّابيَّة، “تحت تهديد السِّلاح بالطَّبع”، على حد وصف الكاتب، وهو بيان شهد عليه عشرة من علماء مكَّة، على رأسهم عبد الملك بن عبد المنعم القلعي والحنفي، مفتي مكَّة المكرَّمة، محمد بن صالح بن إبراهيم، مفتي الشافعيَّة بمكَّة، ومحمد بن محمد عربي البناتي، مفتي المالكيَّة بمكَّة (صـ149):
نحن علماء مكَّة الواضعون خطوطنا في هذا الرَّقيم: إنَّ هذا الدِّين الَّذي قام به الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله، ودعا إليه إمام المسلمين سعود بن عبد العزيز، من توحيد الله وفي الشِّرك الَّذي ذكَره في هذا الكتاب، أنَّه هو الحقُّ الَّذي لا شكَّ فيه ولا ريب، وأنَّ ما وقَع في مكَّة والمدينة سابقًا وفي مصر والشَّام وغيرهما من البلدان، إلى الآن، من أنواع الشِّرك المذكورة في هذا الكتاب، أنَّه: الكفر المبيح للدَّم والمال، والموجِب للخلود في النَّار. ومَن لم يدخل في هذا الدِّين ويعمل به ويوالي أهله ويعادي أعداءه فهو عندنا كافر بالله واليوم الآخر. وواجب على إمام المسلمين، والمسلمين، جهاده وقتله حتَّى يتوب إلى الله ممَّا هو عليه، ويعمل بهذا الدِّين.
ولم يختلف موقف علماء المدينة المنوَّرة عن أقرانهم في مكَّة في إصدار بيان للالتزام بمذهب الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب، وقد وقَّع غالب بن مساعد، شريف مكَّة، على بيان مشابه.

ويورد الكاتب نص بيان علماء المدينة (صـ150):
وأصدر علماء المدينة المنوَّرة كذلك بيانًا مشابهًا، جاء فيه: “نشهد بأنَّ هذا الَّذي قام به الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب، ودعانا إليه إمام المسلمين سعود من توحيد الله ونفي الشِّرك، وهو الدِّين الحقِّ الَّذي لا شكَّ فيه ولا ريب. وأنَّ ما وقَع في مكَّة والمدينة سابقًا وفي مصر والشَّام وغيرهما من البلدان، إلى الآن، من أنواع الشِّرك المذكورة في هذا الكتاب، أنَّه: الكفر المبيح للدَّم والمال…وكلُّ مَن خالَف ما في هذا الكتاب من أهل مصر والشَّام والعراق وكلُّ مَن كان دينهم الَّذي هم عليه الآن فهو كافر مشرك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

ملابسات موقعتي الجمل وصفِّين من منظور رافضي (ج7)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن أكاديمي مصري. يزداد شعور عبد الرَّحمن …