سياسة

“السيسي” هو الخطر الوجودي على مصر

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

مع الذكرى الثانية عشرة لثورة 2011 لا تزال مصر في غرفة الإنعاش بين الحياة والموت، بعد أن تراجع ثقلها السكاني والاستراتيجي والثقافي إلخ.. على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وغاب تأثيرها في واقع بؤس الانقلاب وتداعياته على كافة مناحي الحياة، ويبدو أن مصر لن تخرج من غرفة الإنعاش في المدى المنظور، هذا ما تؤكده الوقائع والأحداث.
وإنّ نظرة سريعة على ممارسات السيسي وعصابته تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السيسي”شخصيًا” هو الخطر الوجودي على مصر، وأن الخلاص منه هو باب الأمل الوحيد، لاستئناف عودة مصر إلى حجمها وقدرها ووزنها الوجودي بين الأمم.
أولًا: ارتباط السيسي قائد الانقلاب بالحركة الصهيونية، فـثمة علاقة حَمِيمِيّة بين السيسي وأي رئيس وزراء للكيان الصهيوني الاستيطاني بتيامين نتنياهو أو غيره، يؤكد ذلك حرص السيسي الدائم على لقاء ممثلو الحركة الصهيونية في البيت الأبيض أيًا كان- بايدن ومن قبله ترامب-، وإيمانويل ماكرون مندوب المؤسسات المالية العملاقة ذات الأنياب والمخالب، في قصر الرئاسة الفرنسية (الإليزيه)، وجميعهم يعمل في دوائر تُقَدِّم المصالح الصهيونية الاستيطانية على مصالح العالم العربي والإسلامي، ويضعون الأولويات الصهيونية في صدارة مهامهم الوظيفية والسياسية. وبهذا أغرق السيسي مصر في مستنقع صهيو أمريكي فرنسي، واختار له طريق التبديد والمغالاة في الديون وطلب القروض، وإنشاء “صناديق مالية” تتبعه شخصيًا، مثال؛ صندوق “تحيا مصر” جعله وعاء لأموال التمكين التي تبقيه في الحكم مدى الحياة، و”الصندوق السيادي” وعاء آخر لإيدِاع حصيلة بيع القصور والمباني والمواقع لدول الخليج دون قيود قانونية أو حكومية، لعبت فيه دولة الامارات “رائدة التطبيع” دور الرئيس لحركة البيع.

تابعنا في فيسبوك


استمرار السيسي وعصابته فى تشريع سلسلة إنشاء الصناديق لكل المرافق والموانئ والمواقع ووو إلخ، وتصفية ما تبقى من أصول عامة للدولة، وتسليم مالية مصر لـ”صندوق النقد الدولي”، الذي أخذ بدوره يباشر خطة التخلص من الجهاز الحكومي، وبيع ممتلكاته وثرواته الطائلة، وتحرير سعر الصرف للجنيه المصري ليصل ل30 جنيهًا مقابل الدولار حتى الآن، ورفع الدعم عن كل المنتجات الأساسية وتبعها ارتفاع غير مسبوق فى الأسعار، حتى أضحت الدولة مجرد شركة بعيدة عن السياسة، وتحكمها علاقات التجارة والمال وعقد الصفقات، ومعها انتقلت الأصول والثروات والأملاك العامة إلى الملكية الخاصة، ولحساب زمرة من الفاسدين، فزاد الفساد، وشاع النهب، وتعمقت التبعية، وشقت الصهيونية طريقها بين رجال السياسة والمال والأعمال والأمن.
ثانيًا: محاصرة ثورة يناير وشيطنتها. إن قوى الثورة المضادة التي يتزعمها ( ابن زايد وابن سلمان والسيسي ونتنياهو مرورًا بواشنطن ) حاصرت ثورة يناير بإحكام، واستخدمت كل إمكاناتها من سلاح ومال وإعلام ونفوذ في بث الفتن والفُرقة والتآمر، والتحريض على العنف والفوضى، وإلصاق ذلك بالثوار والثورة وقواها الحية العريضة، فتم شيطنة الثورة رغم رقيها وسلميتها، وتجريم ثوار أسقطوا نظامًا مستبدًا وفاسدًا وتابعًا، ثوار حافظوا على الدولة، وسعوا لتطهيرها مما علق بها من فساد وأمراض وعلل.
لقد استأسدت الثورة المضادة على شباب أعزل، وأعملت فيهم ملاحقة وتنكيلًا واعتقالًا، وجندت عناصرها وأبواقها للترغيب والترهيب والاختراق، واعتمدت تزييف الحقائق وحجبها عن الناس الذين أعطوا الثورة ما لم يكن متوقعًا من جهود وإمكانات وصلت حد التضحية بالنفس، ووَصَمَت الملايين التي تجمعت بميدان التحرير وميادين وشوارع العواصم والمدن في أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وَصَمَتها بكل الرذائل والموبقات بطريقة غاشمة وجاهلة، ومتجردة من القيم الإنسانية والاجتماعية، فامتلأت المعتقلات والسجون بالشباب والرجال والنساء والشيوخ، ومازالت هذه العصابة المجرمة بقيادة السيسي تمارس أبشع صور القهر والبطش والظلم دون هوادة أو انقطاع، حتى أنها تراقب سيدات مصر اللائي يعبرن عن رأيهن ويشكين الحال عبر وسائل التواصل فى بيوتهن بالتهديد والوعيد والاعتقال.

ثالثًا: أعمال المقاولات وحياة الترف، انشغل السيسي وعصابته بمتابعة أعمال المقاولات، وبناء قصور ومنتجعات للمترفين من رجال المال والأعمال والرئاسة، ورجال الحكم، وقيادات الجيش والشرطة، ليعيشوا في عالم الفخامة والأبهة، في الملبس والزينة والمجوهرات، والمقتنيات والعطور وأغلى الملابس. أما قائد الانقلاب فبات شغله الشاغل الحصول على المال والاقتراض، وتركيزه على مشروعات تبدو معدة خصيصًا لتبديد الأصول العامة للدولة وإفلاسها تمهيدًا لفرض الوصاية عليها كما فعل الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر.

وبالتالي شهدت مصر سبع سنوات تدنى فيها مستوى معيشة الطبقات الوسطى وما دونها وازداد الفقير فقرًا، وصارت أعباء الحياة لا تحتمل، وتدهورت الطبقات الوسطى والعاملة، وهبطت لمستوى الكفاف، الذي وصفه المجرم السيسي بـ أمة “العَوزَ”، وهو نزول لخط الفقر وتحته، وزادت أعباء الديون عن طاقة المجتمع والدولة على سدادها، لتتحول مصر من شبه دولة إلى مزرعة!.
رابعًا: نظام يعتمد على الجهالة والوعيد والدعايات الصفراء والسوداء، لإرساء أسوأ سياسة قمعية في دولة بوليسية.
السيسي يتصور القوة في القمع والتنكيل وقطع الألسنة، وهي أبرز شواهد الضعف، وفى نفس الوقت يعتمد سياسة الخداع والتسويف والنصب حتى أضحت مصر أكبر بلد عربي يتعرض إلى أكبر عملية خداع ونصب وتلاعب تمارسها هذه العصابة الحاكمة.

تلك الممارسات كنا نظن أنها ولت الأدبار، لنكتشف أنها نجحت في تغيير هيئتها وجلدها وعادت أكثر خداعًا وتلاعبًا مع المواطن المصري. انظر إلى تصريحات السيسي: “إنتم فقرا قوي”، وفي ذات الوقت يجبر الناس على دفع الجبايات بالإكراه “حتدفعوا يعني حتدفعوا”، “أنا ما عنديش علشان أديك لو عندي حديك” وكأنه يقوم بالصرف عليه من ماله الخاص ومن ثروته وثروة آبائه وأجداده. السيسي وعصابته يروجون أن الخطر الحقيقي على مصر هو خطر الداخل، لصرف أنظار الشعب عما يدبر له من مؤامرات في الخارج، بعلاقات السيسي المدمرة مع أنظمة الثورة المضادة، حتى بات الشعب المصري العريق في نظر السيسي وعصابته هو أهل الشر وأعداء الدولة المصرية، ونسي أن هذا الشعب هو الذي قدم له في ثمانية أيام فقط 64 مليار جنيه بقيمتها قبل التعويم، دون أن يقدم أباطرة المال والمرابين والفجار له شيئًا.
الخلاصة:

  • إن عامة الشعب المصري لا يحتاج لتذكيره بأزماته فهو يعيشها في كل لحظة وحين، واكتسى بها كما يكسو اللحم العظم. لقد وعى المواطن بأن نخب الحكم عبارة عن شلة عصابة تعمل لصالحها على حساب مصالح غالبية الشعب، ووجود أقلية حاكمة مهيمنة ومنفصلة عن المجتمع في مقابل أغلبية مجتمعية مهمشة معدومة؛ هنا يتشكل وعي عام مشترك يدفع الناس إلى حراك ثوري شامل.
  • إنَّ مصر واحدة من أهم أعمدة النطام الدولي، ترتكز فيها مصالح إقليمية ودولية في غاية الحساسية، كما أنها تجاور إسرائيل، لذلك فإن معركة التغيير فيها تحتاج إلى أفكار ثورية خلاقة تعمل على إثارة المجتمع، كما تحتاج معركة التغيير إلى إدارة ثورية منظمة تثق فيها وتحتضنها حاضنة شعبية واعية.
  • إن الذين يستطيعون تحويل الأفكار إلى عمل نادرون، أولئك هم الأبطال المؤسسون الذين يؤسسون الدول ويصنعون النهوض ويقبضون على لحظة الزمن حتى يحولونها إلى صالحهم، أولئك الذين يستطيعون استثارة الهمم وحشد الأتباع وصناعة الطليعة وامتلاك الشوكة وخوض حروب التدافع والمغالبة.
  • إن مسارات العمل الثوري من أجل التغيير يلزمها الكفاءات الصادقة الفاعلة والمؤثرة والمؤمنة برسالة التغيير المجتهدة في رصد الإمكانات والأدوات وامتلاك النواقص، وهو واجب الوقت من أجل إقرار الحق وإنقاذ مصر وشعبها من خطر السيسي الوجودي.
  • لقد أضحى استمرار السيسي على رأس الدولة خطرًا وجوديًا حقيقيًا على مصر، وبات إسقاطه والإطاحة به ونظامه ضرورة حتمية، وذلك يتحقق بالالتفاف والتكاتف من كافة القوى الحيَّة في المجتمع حول هذا الهدف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى