فنجان سياسي

شنتة سفر على ثرى دمشق… مجرد ذكريات


فراس العبيد/
“نحن مع مرور الوقت، العيوب هي التي تشكلنا، لا المزايا”.. من رواية (مسيرة الفيل) لـ جوزيه ساراماجو، ترجمة أحمد عبد اللطيف.
اكتشفت متأخرًا أنني مزعج بذلك القدر الذي تملني فيه النساء، فيحتفظن فقط بما اكتب لهنَّ من “قصائد” أو “خواطر”… ليرحلنّ بعيدًا ويتركنّ لي خلفهن “مجرد ذكريات”، وبين “مرحبًا ووداعًا” تتحول حروفي إلى “مقصلة”… حين أدعوهنّ للانتفاض وتغيير ظروفهن، في حواراتٍ ساخنة… ليختم اللقاء بالمشاجرة كالعادة ثم عزلةٍ ثم مصالحةٍ وهدنة ثم اشتباك.
بعضهنّ اقتنعنّ بأنّ طريق التغيير في “الحوارات الساخنة”، فيما اختارت اﻷخيرات “الجدل”، على مسرحٍ لا يصفق فيه الجمهور إلا للعرض اﻷقوى.
تلك اﻷمسية التشرينية، التي بدأ فيها الحوار، منتصف تموز، ولا تزال تحاول أن تجد لها متسعًا في ربيع آذار، دار الحوار من مقتطفاتٍ متناثرة شكّلت لوحة لصراعٍ بيننا… وجدت نفسي مضطرًا للانسحاب إلى حضن امرأة أخرى، أنا الذي اعتاد على احتضان النساء صيفًا وشتاءً…
تمشي بعيدًا دون التفاتةٍ… طقطقة مرتفعة على الرصيف.. تستدير بمعطفها تهمس؛ “لقد تزوجت للمرة الأولى في العشرينيات، الزواج الأول السيئ الذي تزوجه الكثيرون جدًا، الزواج الأول السيئ مثل معسكر التدريب، لكن بعد ذلك قررت ألا أتزوج زواجًا ثانيًا سيئًا أو ثالثًا أو رابعًا”.
اقتربت منها قليلًا… نفثت دخان سجائري في وجهها.. تلك رواية (الحيوان المحتضر) لـ فيليب روث… مهزومةٌ أنت سيدتي… مستسلمة للفشل.
ﻻ يهم المسمى… المهم أن تعيّ الفكرة، لن أعيدها وكفى تفهم قصدي.
أخذت بعنقها ضممتها إلى صدري… تنفست ونبضات فؤادها يخالط غيوم تلك اﻷمسية.. مشيت بها على رصيف… “على ثرى دمشق”… في حكاياتٍ دونتها يد الشهيد “أيمن شربجي” رحمه الله…
ما تلبث أن تجهش بالبكاء… تلقي الكتاب على الرصيف… كادت تمزق وريقاته… تسرع الخطى بعيدًا… تصرخ؛
ـ “كم من الكتب أحببناها وشغفنا بها، ثم أعدناها ذات يوم إلى مؤلفيها”.
ما أجمل تلك اﻻستعارات التي تختصرين فيها حدثًا، (أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية) لـ “عبد الفتاح كيليطو”… لكنني ﻻ أريد أن تدخلي قط لتلك الرواية… أريد صياغةً أخرى… بحبرٍ ونبضٍ جديد… تكلمي بكل اللغات والوسائل وليس فقط بالعربية.
أدارت المذياع على “أنغام”… أرجعتني إلى عيوبي التي شكلتني… فمن حاراتٍ عتيقةٍ وقصائد عشقيةٍ بدأت رحلتي… مع الحروف والنساء والعشق… والسيف والبندقية، كل تلك التناقضات اجتمعت بداخلي، لم يبق منها إﻻ “رصاصةً في جيبي” تنتظر إطلاقها، بل أطلقها وألون بها لوحةً دمشقيةً فراتية:
لسه ناوي عالرحيل
تفتكر ملهوش بديل
اعمل ايه ؟
اعمل ايه في الواحدة وانت مش هنا ؟
ومنين اجيب صبر لسنة ؟
اعمل ايه ؟
مية سؤال مهزوم بيترجى الجواب
مش بتقصد عيني ياحبيبي العتاب ..
سيبك انت من دموع العين وقولي خدت ايه
شنطة سفر أو ايه فاضلي ؟
خدت من صبري وطريقي منتهاه
خدت صورتي ؟؟؟
شوف كدا لتكون نسيت عمري وصباه
ولا احساسي بكياني بالحياه
اما حيرتي والعذاب ملكي انا
هم اصحابي بغيابك طول سنة
يا حبيبي يا حبيبي ..
قد عمري قولتهالك
وانت جنبي ببقى لسا مشتقالك
مأنت عارف اه و سامع انة الليل والشوراع
كل حبة رمل بتقولك حرام حرام
اتحرم حضن الخطاوي فين انا
كل حاجة رافضه بعدك
لو ضروري تسبني خد مني الحنين
أكملت استماع اﻷغنية… لكنها لم تعد تعنيني لم “أكن فقدت صوابي… كنت فقط أعرف معنى الرغبة اﻻندفاع نحو أمر يعرف كلانا يقيناً أنه سيحدث… كنت فقط أبدل حروف الترجمة لرواية من (موسيقى سوداء وقصص أخرى) لـ وليام فوكنر، كنت عاشقًا فارسًا..ومغرورًا… وكم يروق لي الغرور والتبختر فوق حصانٍ في معركة… حين انتظر النهاية… ليس انتحارًا بل انتصارًا… وحياةً وجسرًا… أنا الذي عشق الجسور في روايات أحلام مستغانمي.
ابتعدت عني… خسرتها… ﻻ على العكس، لقد ربحت باقي النساء اللواتي انتظر أن أدفن بين أضلعهنّ متناثرًا منتصرًا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى