سياسة

خطوط حمراء مرنة ومتعرجة!

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

“الخط الأحمر”، مصطلحا، هو الحد الذي لا يمكن تجاوزه، وهو خط وهمي يضعه طرف لتحذير الآخر- آخر بعينه أو آخر محتمل – ولتنبيه الآخر إلى ضرورة عدم تخطّيه وإلاّ سيكون عرضة للمساءلة وللعقاب نتيجة عدم الإلتزام بهذا التحذير.

هذا هو المدلول العام لمصطلح “الخط الأحمر” الذي يتم استخدامه في مجالات عدة منها ما هو مجتمعي أو أو ديني وأخلاقي ومنها ما هو سياسي -وهو الأكثر شيوعاً – وكلها تعني أخذ الحذر.

لماذا اللون الأحمر؟
اللون الأحمر هو أحد الألوان الرئيسة التي يتألف منها الطيف الضوئي ويتمتع بطول موجة يراها الناظر من بعيد، لذلك نراه في إشارات المرور ليتوقف المارة عنده، ونراه في إشارات المنع والتحذير في المحلات والأسواق، وعلى شبكات التواصل الإجتماعي، أمّا ما نراه في حلبة مصارعة الثيران فلا صحة لمقولة أن اللون الأحمر يثير هيجان الثيران ويجعلها تهاجم المصارع، فجميع الحيوانات لا تميز بين الألوان، وما يثير هيجانها في الحلبة هو حركة المصارع وليس قطعة القماش الحمراء التي يلوّح بها.

في الجانب المجتمعي تكثر الخطوط الحمراء، كلما كان المجتمع منغلقاًومتشدداً، كي يضبط حركة أبناء المجتمع ضمن دائرة الأخلاق والقيم الموروثة، سواء أكانت هذه القيم دنيوية أم دينية، وهذا ما نشأنا عليه في مجتمعاتنا، فكانت الخطوط الحمراء التي يضعها ربّ الأسرة لأبنائه ولزوجته- غالباً ما يتراجع الزوج عن الخط الأحمر الذي وضعه لزوجته في النهار إذا ما جنّ المساء وبلغ به الحنين لزوجته مبلغه، سيما إذا ما لبست له ثوباً أحمر يثير غرائزه لتجعل من خطوطه الحمراء مجرد خطوط نهارية تمحيها ليالي العاشقين-!

وكذلك الخطوط الحمراء التي تضعها الأم لابنها المدلّل الذي يستغل عاطفتها اتجاهه، فيجعلها تتراجع عما وضعته له من خطوط حمراء- وغالباً ما يفسد جموح عاطفة الأبوين أبناءهم ويجعلهم يتمادون في استغلال هذه العاطفة، ولا يعيرون انتباهاً لنواهي وتحذير الأبوين.

ما يهمنا في هذا الموضوع هو مصطلح “الخطوط الحمراء السياسية” الذي صدّع رؤوسنا على مدار أكثر من عقد من الزمن -أي منذ قيام الثورة السورية- فقد طرق المصطلح أسماعنا منذ اليوم الأول لثورتنا- لاسيما بعد الجرائم الفظيعة التي ارتكبها النظام المجرم بحق المتظاهرين العزّل في الأيام الأولى للثورة، والتي جعلت الكثير من الدول والمنظمات والهيئات الدولية العربية والدولية تستنكر وتحذر النظام من التمادي في جرائمه وتضع له خطوطاً حمراء لتمنعه من تخطيها وإلاّ عرّض نفسه للمساءلة وللعقوبات والمحاسبة- ولكن -ومع كل أسف ومع مرور الوقت- تلاشت هذه الخطوط وانمحت وباتت واهية لا قيمة لها!

لقد تبين لنا نحن السوريين أن الخطوط الحمراء في ميادين السياسة ماهي إلاّ خطوط للبازار وللمساومات السياسية المدفوعة بالمصالح، وهي ليست ثابتة ومستقيمة، بل هي مرنة ولدنة ومتعرّجة، تضيق وتتسع وتتحول بتحوّل المصالح، فإذا ما سمعت من سياسي مقولة “هذا خط أحمر” فغالباً ما تكون المقولة دعوة -موجهة لطرف بعينه أو لأطراف آخرين- للتفاوض حول مصالح معينة،و لن تقف “الخطوط الحمراء ” عائقاً أمامها ولن تكون معطّلة لها.

هكذا هي السياسة التي لم نكن نحن السوريين على دراية بها، ولم نفهمها إلاّ بعد أن وقعنا في “ورطة الثورة” -كما يحلو للبعض تسميتها -،لكنها ثورة كانت ولم تزل، وستستمر، فهي ثورة شعب مظلوم على حاكم ظالم، ولن تتوقف عند خطوط حمراء أو صفراء أو خضراء، ولن يقف قطارها إلاّ في محطته الأخيرة وليس في محطات مصالح الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى