دين ودنيا

أخطاء في فهم المحن والابتلاءات


بقلم: الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله

الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية لحماية الأرض من الفساد وحفظ الدين وتحقيق مراد الله في خلقه. وهي خلافة الله في الأرض وعمارتها وفقاً لمنهجه. وفي الصراع بين الحق والباطل تحصل محن وابتلاءات لا مفر منها. (   أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)  )سورة العنكبوت 2-3. 

وهنا يصحح الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله، بعض هذه الأخطاء في فهم حكمة الله من المحن والابتلاءات. في عشر نقاط أساسية.

أولاً: من الخطأ أن يظن البعض أن المحن ليست أمراً طبيعياً على طريق الدعوة أو أنها نتيجة أخطاء وقعت فيها قيادة الجماعة، ثم يُثار مثل هذا الفهم الخاطئ في الصفوف فيحدث بلبلة مما يضر بالسير على الطريق. وقد رأينا عكس هذا الفهم هو الصحيح، وأن تعرُضنا للمحن دليل على أننا نسلك سبيل أصحاب الدعوات، ولو أننا لم نتعرض للمحن للزم التساؤل عن حدوث خطأ أو انحراف. وهل من المقبول أن يقال إن الرسول ﷺ والمؤمنين معه والرسل الذين تعرضوا للأذى كان ذلك نتيجة أخطاء صدرت منهم؟ ولكن حقيقة الأمر أن أعداء الله يحاربون دعاة الحق خشية أن يزهق هذا الحق باطلهم. والآيات والأحاديث خير دليل علي أن المحن والابتلاءات أمر طبيعي على طريق الدعوة.

تابعنا في فيسبوك

ثانياً: أن تُحدث المحن اهتزازًا في الثقة بالطريق بأن يقال لو أننا على الحق لنصرنا الله ولما مكن أعداء الله منا يفعلون بنا ما يفعلون، وقد يثير ذلك المشككون ويتأثر بهم البعض وهذا فهم خاطئ كما أوضحنا في البند السابق. وقد قال أحد المسؤولين عن زبانية التعذيب لنا مثل هذا المعنى في محنة 1965: إن الحكومة والرئيس عبد الناصر على الحق وأنتم على الباطل لأنكم لو كنتم على حق لنصركم الله ولَمَا حدث لكم ما أنتم فيه.

ثالثاً: ومن الانحراف أن يظن البعض أنه كان من الممكن تفادي المحن بشيء من الحكمة والسياسة أو ما يسمونه (الدبلوماسية) مع الأعداء، ولكن المسؤولين ليس عندهم شيء من ذلك فلهذا حدث ما حدث. وهذا أيضاً فهم منحرف خاطئ، إذ لن يتوقف الأعداء عن حربهم لأصحاب الدعوة بقصد القضاء عليهم وعلى دعوتهم إلا إذا تخلوا عنها أو على الأقل تنازلوا عن بعض جوانبها وخاصة التي تؤذي الأعداء أو تنال منهم ومن مكانتهم واعتقادهم.

رابعاً: أن تؤدي المحن إلى القعود في الطريق وعدم مواصلة السير، فالأصل هو الثبات وأن نوطد أنفسنا على الصبر والتحمل واستمداد العون والثبات من الله، وإلا لو تصورنا أن الغالبية العظمى اتخذت هذا الموقف ولم يثبتوا لتعرضت الحركة إلى مخاطر ولأدى ذلك إن تثبيط همم الأجيال التالية، بعكس الأصل وهو الثبات واجتياز المحن والشدائد فإنه يبعث العزيمة في نفوس هذه الأجيال. ومما يعين على الثبات المقارنة بين عذاب الله وفتنة الناس فنجد الفارق كبيراً جداً فتحمل فتنة الناس نجاة من عذاب الله. 

خامساً: يحدث أن يضعف أثناء المحن بعض من كانوا في مواقع مسؤولية قبل المحن، فيظن البعض أن ذلك دليل على سوء اختيار القيادات وأن الأمور تسير هكذا بدون دقة أو بمجاملات أو غير ذلك وهذا فهم خاطئ غير صحيح. فإن قدراتنا كبشر لا تمكننا من أن نعرف أن فلاناً إذا تعرض لمحنة سيثبت أو لا يثبت وبالتالي يختار مسؤولاً أو لا يختار، ولكن يحدث الاجتهاد في الاختيار بما لا يظهر والقلوب والغيب عند الله.

سادساً: من الخطأ أن نعطل حكمة الله في المحن وهي التمحيص وتمييز الرجال، ويكون ذلك بأن نقدم للقيادة أو مواقع المسؤولية بعض من ضعفوا ولم يثبتوا أثناء المحن، وقد يعاودهم الضعف عند التعرض لشدة أو محنة أخرى فيكون ضررهم وهم في مواقع مسؤولية كبيرة.

سابعاً: كذلك من الخطأ ألا نعذر من لم يتحمل الأذى لشدته وبدا منه ضعف دون أن يتحول أو ينقلب على عقبيه. فلا يصح أن يوصد الباب في وجهه أو يحال بينه وبين العمل للدعوة فقد ضعف حاطب بن أبي بلتعة وقد وجدنا المولي يخاطبه فى سورة الممتحنة بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..‏) فكان هذا تعليماً وتوجيهاً للصف المسلم ولكن يأخذ المكان المناسب ولا يحمل تكاليف أكثر من طاقته، ولا توكل إليه ثغرات لها أهميتها.

ثامناً: ومن الخطأ إزاء المحن أن يصبح همنا هو كيف يوقف الإيذاء والتعذيب عن الأفراد بأي صورة ولو على حساب الدعوة والعمل الإسلامي، كأن نذل أنفسنا لأحد من الظالمين أو نبرم اتفاقات فيها تنازل عن شيء من أصول الدعوة أو الأهداف أو ما شابه ذلك مما فيه مخالفة للشرع والأصول التي قام عليها العمل الإسلامي. ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة فقد رأى أصحابه يعذبون وعرضوا عليه الملك والمال ورأينا رده في مثل هذه المواقف فالدعوة ونجاحها هو الأصل والقصد وليس الأشخاص.

تاسعاًً: وثمة نقطة هامة وفهم خاطئ يقع فيه البعض بأن يظنوا أن المحن ضربات قاصمة أو قاضية أو مقعدة أو أنها بمثابة هدم لكل ما يتم بناؤه بما يثبط الهمم في بذل أي جهد مادامت النتيجة هكذا هدم لما يقوم من بناء. إذ لا يعقل أن تؤدي المحن إلى هذه النتائج والتصورات الخاطئة والضارة بالدعوة والدعاة وهي سنة الله في الدعوات إن الله قدرها لتنفع لا لتضر، لتبنى وتصقل لا لتهدم، ليتقوى بها الدعاة ليواصلوا المسيرة في عزم وقوة لا ليقعدوا ويتوقفوا. إنها تنقي النفوس والنوايا من الشوائب والأغراض الدنيوية. إنها تطهر الصف من نقط الضعف وتميز بين المؤمنين والمنافقين وبين الصادقين والكاذبين، ليقوم البناء عالياً بعد ذلك على دعائم قوية ثابتة.

عاشراً: قد يظن البعض أن استشهاد الشهداء خسارة لحقت بالجماعة بفقدها هذه العناصر الطيبة، لكن الحقيقة أن الجماعة ربحت بشهادتهم التي تعتبر زاداً و وقوداً يشعل جذوة الإيمان في قلوب المئات والألوف من الشباب الجدد ويعوض الله بهم الصف أضعافاً مضاعفة كما أن السجن وإن كان تضييقاً وتعطيلاً للطاقات ولكنه مدرسة نافعة لأصحاب الدعوات وفرصة لإعداد العناصر الممحصة المتجردة الصابرة، التي تضرب المثل والقدوة في الثبات على الحق رغم الشدائد وطول الزمن. (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)). البقرة 

ختاماً، يتبين لنا أن سنة الله جارية في الصراع بين الحق والباطل، ولا بد لأهل الحق من تقديم التضحيات الغالية ليفوزوا بإحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة. 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأستاذ مصطفي مشهور أوضح السنن الربانية في حكمة البلاء وما فيه من خير

اترك رداً على حمدي عبدالجواد جاد حسن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى