ثقافة وأدب

قالت العرب: “اليوم خمْر وغدًا أمْر”

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

حامل لواء الشعر ورأس الشعراء الجاهليين، غلب عليه لقب امرئ القيس وهو بن حُجر بن الحارث بن عمرو الكندي، واسمه: حُنْدُج، ومعناه: الرملة الطيبة أو كثيب من الرمل.

 كان أبوه ملكا على بني أسد وغطفان وله عليهم جزية معلومة، وكان امرؤ القيس أصغر أولاده وقد وُلد على الأرجح مع مطلع القرن السادس الميلادي.

ولكونه ابن ملك من علية القوم، نشأ امرؤ القيس مُترفًا مُرفّهًا، وبحكم العلاقة القوية التي جمعته بخاله “الزير” فقد كان يقضي معظم أوقاته في اللهو والشرب ونظم الشعر الماجن، فقد سلك في الشعر مسلكًا خالف فيه تقاليد بيئته، واتخذ لنفسه سيرة لاهية لا تليق بابن ملك!

فقد كان يتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية، ويُعدّ من أوائل الشعراء الذين أدخلوا الشعر إلى مخادع النساء.

ومع أن والده الملك هدّده مرارًا وتكرارًا ونهاه عن حياة اللهو التي كان يعيشها، فإن امرأ القيس لم يكفّ أبدًا عن نظم الشعر الماجن، ومغازلة النساء وشرب الخمر ومرافقة الصعاليك من العرب.

اليوم خمْر وغدًا أمْر

قضى امرؤ القيس شطرًا كبيرًا من حياته في الصبوة واللهو، ولم يشأ له القدر أن يتم البقية الباقية منها في مسارح الصبابة بين الغيد الحسان، وأقداح الخمر. 

بقي امرؤ القيس على حاله، ولم يتغير حتى ثار بنو أسد على والده وقتلوه.

فبينما هو ذات يوم مع رفاقه في موضع يقال له دَمُّون من أرض اليمن يشرب الخمر ويلعب بالنرد، جاءه عامر العجلي فقال له: «قُتل حجر!» فلم يلتفت إليه، وأمسك رفيقه عن اللعب، فقال له امرؤ القيس: «اضرب!» فضرب، حتى إذا فرغ قال: «ما كنت لأفسد عليك دستك!» ثم أقبل على الرسول فسأله عن أمر أبيه فأخبره، فقال: «تطاول الليل علينا دمون! إنَّا معشر يمانون! وإنَّنا لأهلها محبون!» ثم قال:

أرقت ولم يأرق لمثلي نافع *** وهاج لي الشوق الهموم الروادعُ

ثم قال:

ضيعني صغيرًا، وحمَّلني دمه كبيرًا! لا صحْوَ اليومَ، ولا سكْر غدًا! اليوم خمْر وغدًا أمْر! (فذهبت مثلًا)، ثم دفع إليه الرسول الوصية والكتاب والسلاح.

 ويروي بعض المؤرخين أن الملك قد أمر وزيره بأن يطوف على أولاده بعد موته، وأن يوصي بالخلافة لذلك الذي لا يبكي عند سماع خبر الوفاة، وفعلاً طاف الوزير على جميع أولاد حجر بن الحارث، ولم يكن أحدهم رابط الجأش سوى امرىء القيس، الذي كان جالسًا يشرب الخمر، ثم قال

خليليَّ لا في اليوم مصحًى لشارب *** ولا في غدٍ إذ ذاك ما كان يشربُ

ثم شرب سبعًا، فلما صحا، آلى أن لا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا ولا يدَّهن ولا يلهو ولا يغسل رأسه حتى يدرك ثأر أبيه، فيقتل مائة من بني أسد، ويجز نواصي مائة.

فلما جنّ عليه الليل رأى برقًا فقال:

أرقت لبرق بليل أهلّ  يضيء سناه بأعلى الجبل

أتاني حديث فكذبته  بأمر تزعزع منه القللْ

بقتل بني أسد ربهم  ألا كل شيء سواه جلل

فأين ربيعة عن ربها  وأين تميم وأين الخول

ألا يحضرون لدى بابه  كما يحضرون إذا ما أكلْ؟

ويقال إنه لما قُتل أبوه كان غلامًا قد ترعرع، وكان مقيمًا في بني حنظلة؛ فلما بلغه ذلك قال:

يا لهف هند إذ خطئن كاهلا   القاتلين الملِك الحلاحلا

تالله لا يذهب شيخي باطلا    يا خير شيخ حسبًا ونائلا

وخيرهم قد علموا فواضلا    يحملننا والأسل النواهلا

وحي صعب والوشيج الذابلا   مستشفرات بالحصى جوافلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى