اقتصاد

انهيار وشيك للبترودولار بعد الاتِّجاه العربي لعملات دول البريكس

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تشهد المنطقة العربيَّة، منذ تولِّي الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، منصبه في يناير 2021م، إعادة تشكيل للتَّحالفات الإقليميَّة بما يخدم مصالح دول المنطقة، بالتَّحالف مع دول مجموعة البريكس-الدُّول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصِّين وجنوب أفريقيا-ولو على حساب علاقاتها الاستراتيجيَّة التَّاريخيَّة مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. وتأتي المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، أكبر منتج للنَّفط في العالم، في مقدِّمة الدُّول العربيَّة المنقلبة على علاقاتها طويلة الأمد مع الولايات المتَّحدة، سواءً بسبب الخلافات السِّياسيَّة أو تحقيقًا للمنفعة الاقتصاديَّة، من خلال الامتناع عن الامتثال لإرادة جو بايدن بزيادة الإنتاج اليومي للنَّفط، بل والإقدام على تخفيض الإنتاج، دون مراعاة للمساعي الأمريكيَّة لتخفيض أسعار المحروقات، الآخذة في الارتفاع منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في 24 فبراير 2022م.

استضافت السَّعوديَّة يومي 8 و9 ديسمبر من العام المنصرم الرَّئيس الصِّيني، تشي جين بينغ، وشهدت تلك الزِّيارة إبرام “اتِّفاقيَّة الشَّراكة الاستراتيجيَّة الشاملة بين المملكة والصِّين”، الَّتي تنصُّ على تعزيز التَّعاون في شتَّى المجالات، الأمر الَّذي قد يتطلَّب التَّعامل في التَّبادل التُّجاري، وبخاصَّة في تسويق النَّفط، العملة الرَّسميَّة الصِّينيَّة، اليوان. من جانبها، علَّقت الولايات المتَّحدة على تلك الزِّيارة بتصريح دبلوماسي ادَّعى عدم إلزام البيض الأبيض حلفاءه بالامتناع عن التَّعاون مع شركاء آخرين. غير أنَّ الشَّراكة الصِّينيَّة-السَّعوديَّة تُعدُّ انقلابًا صريحًا على نظام البترودولار، وهو نظام مُطبَّق منذ سبعينات القرن العشرين، يقوم على حصْر تسويق النَّفط في الدُّولار الأمريكي. وإلى جانب السَّعوديَّة، فقد أقدمت جمهوريَّة مصر العربيَّة على التَّعامل مع روسيا في التَّبادل التُّجاري بالعملة الرَّسميَّة الرُّوسيَّة، الرُّوبل الرُّوسي، كما تدرس الإمارات العربيَّة المتَّحدة حاليًا التَّعامل مع الهند بالعملة الرَّسميَّة للأخيرة، الرُّوبيَّة، في التَّعاملات غير النَّفطيَّة. ويمثِّل هذا الاتِّجاه العربي إلى عملات دول البريكس انقلابًا مدوِّيًا على الهيمنة الأمريكيَّة على التِّجارة العالميَّة يثير التَّساؤلات حول ردِّ الفعل الأمريكي تجاه دول المنطقة، إذا ما اتَّسعت دائرة الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة مستقبلًا لتشمل المنطقة العربيَّة، بدايةً من دول الخليج.

تابعنا في فيسبوك

السَّعوديَّة تنقلب على البترودولار برغم التَّودُّد الأمريكي

منذ توتُّر العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة، وبخاصَّة بعد اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة ورفْض الإدارة السَّعوديَّة الحاليَّة الانصياع لرغبة إدارة جو بايدن بزيادة إنتاج النَّفط، يزداد الحديث عن قُرب انهيار نظام البترودولار، الَّذي نصَّ على تقديم الدَّعم الأمريكي غير المشروط للسَّعوديَّة، في مقابل تقديم الأخيرة النَّفط للجانب الأمريكي بما يتوافق مع مصالحه. فقد صرَّح وزير الماليَّة السَّعودي، محمَّد الجدعان، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بقوله “لا توجد مشاكل في مناقشة كيفيَّة تسوية الاتِّفاقيَّات التُّجاريَّة سواءً كانت بالدُّولار الأمريكي، أو اليورو، أو الرِّيال السَّعودي”. 

أثار ذلك التَّصريح جدلًا واسعًا حول نيَّة المملكة النَّفطيَّة الاستغناء عن العملة الأمريكيَّة تعاملاتها النَّفطيَّة مع الدُّول الأخرى، بدايةً من الصِّين، الَّتي صرَّح رئيسها خلال زيارته للمملكة بقوله “إنَّ الصِّين ستبذل جهودًا لشراء مزيد من النَّفط من الشَّرق الأوسط وتريد أيضًا تسوية هذه التِّجارة باليوان”. جدير بالذِّكر أنَّ السَّعوديَّة هي أكبر مورِّد للنَّفط إلى الصِّين خلال عام 2022م، وجاءت روسيا في المرتبة الثَّانية، برغم ارتفاع مستوى تصدير النَّفط الرُّوسي إلى الصِّين 8 بالمائة مقارنةً بالعام السَّابق. وتسعى الولايات المتَّحدة إلى إعادة علاقاتها بالسَّعوديَّة إلى سابق عهدها، وقد دعت مؤسَّسة ناشونال انترست الأمريكيَّة إدارة جو بايدن إلى تحسين علاقاته بالمملكة النَّفطيَّة، خشية اتِّساع نفوذ دول المعسكر الشَّرقي في المنطقة العربيَّة. من جانبها، علَّقت سفير السَّعوديَّة في واشنطن، ريما بنت بدر آل سعود، على توتُّر علاقات بلادها بأمريكا بقولها ” “نعم كانت هناك لحظة صراع وخلاف، لكنَّ هذا لا ينتقص من حقيقة أنَّنا حليفان استراتيجيَّان وأنَّنا أصدقاء، وهذه العلاقة مهمِّة للعالم”.

دول أخرى في طريقها للانقلاب على الدُّولار

استكمالًا لمساعي إعادة تشكيل التَّحالفات الإقليميَّة بالتَّعاون مع دول البريكس، أعلنت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة أنَّها تعمل على تطبيق آليَّة للاستغناء عن الدُّولار الأمريكي تعاملاتها غير النَّفطيَّة مع الهند، بالاتِّجاه إلى التَّعامل بالرُّوبيَّة، العملة الهنديَّة الرَّسميَّة. وقد أوضح وزير الدَّولة الإماراتي للتِّجارة الخارجيَّة، ثاني الزَّيودي، في تصريح على هامش منتدى دافوس بأنَّ بلاده تدرس الأمر حاليًا، وقد يشمل ذلك التَّعامل بالدِّرهم الإماراتي، مع اتِّساع شركات الإمارات مع عدد من الاقتصادات النَّاشئة، منها الهند وإندونيسيا وتركيا وإسرائيل وأوكرانيا. في حين صرَّحت نائبة رئيس الحكومة الرُّوسيَّة، فيكتوريا أبرامشينكو، لوكالة سبوتنيك الإخباريَّة الرُّوسيَّة بأنَّ بلادها تعمل على إيجاد آليَّة لتصدير الحبوب الغذائيَّة إلى مصر، المستورد الأكبر لها، باستخدام العملات المحلِّيَّة؛ الأمر الَّذي سيعفي مصر من جزء من تكلفة الاستيراد بعد الاستغناء عن الدُّولار الأمريكي، في ظلِّ الارتفاع المطَّرد لقيمته أمام الجنيه المصري. 

يأتي ذلك بالتَّزامن مع إعلان البرازيل، إحدى دول البريكس، استعدادها إطلاق عملة مشتركة مع الأرجنتين، سعيًا إلى إنهاء تحكُّم الدُّولار الأمريكي في التَّعاملات التِّجاريَّة بين دول أمريكا اللاتينيَّة. وكما نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانيَّة، قال وزير الاقتصاد الأرجنتيني، سيرجيو ماسا، إنَّ البرازيل والأرجنتين، أكبر اقتصادين في أمريكا اللاتينيَّة، قد تُصدران “قرارًا بالبدء في دراسة المعايير اللازمة لإنشاء عملة مشتركة، ويشمل ذلك كل الأمور من المسائل النَّقديَّة إلى حجم الاقتصاد ودور البنوك المركزيَّة”. ونتساءل: كسف ستردُّ الولايات المتَّحدة على انقلاب دول المنطقة العربيَّة على عملتها بما يضرُّ باقتصادها؟ وهل في إعادة تشكيل التَّحالفات الإقليميَّة ما يتَّفق مع نبوءات العهد القديم بشأن القوى المتحالفة ضدَّ دولة الاحتلال الإسرائيلي في آخر الزَّمان في معركة هرمجدون المقدَّسة عند أهل الكتاب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى