منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة (140) (ج4): الدولة العثمانية 22- السُّلْطَان “الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي”

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


ولد فِي 8 ذِي الْقعدَة سنة 1074هـ = 2 يونيه سنة 1664م
عزل فِي 2 ربيع الآخر سنة 1115هـ= 15 اغسطس سنة 1703م
توفّي فِي 22 شعْبَان 1115هـ = 31 دسمبر سنة 1703م
بعد 4 أشهر من عزله، وعمره 40 سنة تَقْرِيبًا أو39 سنة
حكم 8 سنوات و 8 شهور
قام الإنكشاريون بتولية أخيه أحمد الثالث بعده
اسمه ونسبه:
السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الرَّابِع ابْن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الثالث ابْن السُّلْطَان مُرَاد الثالث ابْن السُّلْطَان سليم الثاني ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان القانوني ابْن سليم الأول فاتح مصر وَالشَّام ابْن السُّلْطَان بايزيد خَان ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد الثانبي بْن مُحَمَّد ابْن يلدرم بايزيد ابْن مُرَاد بْن أورخان ابْن عُثْمَان خَان الْغَازِي (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 121، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع 2/ 269، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310).
مولده:
ولد فِي 8 ذِي الْقعدَة سنة 1074هـ = 2 يونيه سنة 1664م (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310)
صفاته وسماته الشخصية:
وَكَانَ متصفا بالشجاعة وثبات الجأش (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308)
وفي عهده، بدأ تراجع المد الإسلامي عن ديار أوروبا الشرقية بسبب ضعف الإيمان، وضعف روح الجهاد، وتسرب أسباب الهزيمة في كيان الأمة، وقسوة الهجمات الصليبية على ديار الدولة العثمانية. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310)
سلطنته وولايته:
السلطان مصطفى الثاني (1106 – 1115هـ/1694 – 1703م) (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310)
بعد وفاة السلطان أحمد الثاني بن إبراهيم تولى الحكم ابن أخيه مصطفى الثاني بن محمد الرابع في سنة ستّ ومائة وألف 1106هـ = 1694م. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 64، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 243، بترقيم الشاملة آليا)
خلع السُّلْطَان مصطفى الثَّانِي وعزله:
لما َتعين رامي مُحَمَّد باشا الصدر الأعظم عام 1114هـ، سَار على أثر كوبريلي حُسَيْن باشا وَشرع فِي إبطال الْمَفَاسِد، ومعاقبة المرتشين ، وَمنع الْمَظَالِم، فأهاج ضِدّه أرباب الغايات، وَكثير عدادهم وأثاروا عَلَيْهِ الإنكشارية لميلهم بالطبع إِلَى الْهياج للسلب والنهب، وهتك الأعراض، فطلبوا عَزله من السُّلْطَان، فَامْتنعَ وأرسل لقمعهم فرقة من الْجنُود فانضمت إِلَى الثائرين، وقاموا بالتآمر ضد الخليفة مصطفى الثاني بن محمد الرابع فخلعوه، في عام 1115هـ = 1703م. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 266، بترقيم الشاملة آليا) فكان عزل السُّلْطَان مصطفى فِي 2 ربيع الآخر سنة 1115هـ = 15 اغسطس سنة 1703م (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311)
ثم قام الإنكشاريون بتولية أخيه أحمد الثالث. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 266، بترقيم الشاملة آليا)
وفاته:
وَبَقِي معزولا إِلَى أن توفّي فِي 22 شعْبَان 1115هـ = 31 دسمبر 1703م (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار 1/ 51)
وعمره أربعون سنة تَقْرِيبًا (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311) وقيل: 39 سنة (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310)
وتوفي بعد خلعه بأربعة أشهر. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 266، بترقيم الشاملة آليا)
بعد أن قضى في الحكم ثماني سنوات وثمانية أشهر (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 266، بترقيم الشاملة آليا) وقيل: تسع سنين. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 64)
ثمّ تولّى بعده السّلطان أحمد خان غازي فاتح المورة، جلس على تخت السّلطنة سنة خمس عشرة ومائة وألف (1115هـ)، ومدّة سلطنته سبع وعشرون سنة. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 65)
أعماله وأهم الأحداث في أيامه:

  • أعلن السُّلْطَان مصطفى بعد تَوليته بِثَلَاثَة أيام رغبته فِي قيادة الجيوش بِنَفسِهِ فَسَار إِلَى بِلَاد بولونيا مستعينا بفرسان القوزاق وانتصر على البولونيين عدَّة مَرَّات وَلَوْلَا مَا لاقاه من الدفاع أمام مَدِينَة لمبرج لتقدم كثيراً، لَكِن كَانَ هَذَا الْحصن المنيع من أكبر الْعَوَائِق لاستمرار فتوحاته،(تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308)
  • وفي رجب 1106هـ = 1695م اشتبك الأسطول العثماني مع الأسطول البندقي في معركة بحرية قرب جزر قويون، وقد غرقت خلال هذه المعركة 9 سفن للبندقية دون أن تغرق أي سفينة من السفن العثمانية. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 245، بترقيم الشاملة آليا)
  • وفي رجب 1106هـ = 1695م نجح العثمانيون في استعادة قلعة ساقيز -الواقعة في اليونان حاليًا – من البنادقة والمالطيين الذين احتلوها في سبتمبر 1694م. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 246، بترقيم الشاملة آليا)
  • وفي شوال 1106هـ = 1695م ابتدأ السلطان العثماني مصطفى الثاني حملة عسكرية مكونة من 153 ألف جندي على ألمانيا، وقد استمرت هذه الحملة لمدة 4 أشهر. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 247، بترقيم الشاملة آليا)
    وفي عام 1107هـ = 1695م انطلق السلطان مصطفى الثاني بجيشه إلى بولونيا فانتصر عليهم في عدة معارك بمساعدة القوزاق، ثم انطلق إلى بلاد المجر بعد أن حَارب الروس واضطرهم لرفع الْحصار عَن مَدِينَة آزوف بِبِلَاد القرم، الَّتِي حاصرها بطرس الأكبر، لتَكون ثغراً لبلاده على الْبَحْر الأسود، إذ كَانَت قبائل القوزاق تحول بَين هَذَا الْبعد وَبَين بِلَاده، فَرفع بطرس الْحصار عَنْهَا رغم أنفه فِي أكتوبر سنة 1695م، ثم في عهد ولاية الصدر الأعظم حسين كوبريلي سارت الجيوش بالأساطيل على البندقية واسترد بعض الجزر في بحر إيجه. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 248، بترقيم الشاملة آليا)
  • وَفِي اثناء اشْتِغَال السُّلْطَان بِبِلَاد المجر، عَاد بطرس الأكبر الروسي لفتح ميناء أزاق لأهميتها لمملكته، فَدَخلَهَا فِي خلال سنة 1696 وَلم تزل تَابِعَة للروسيا حَتَّى الْآن، فَكَانَت الدولة فِي خطر شَدِيد من جهتي روسيا والنمسا. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 309)
  • وفي رمضان 1107هـ = 1696م قام السلطان العثماني بحملته السلطانية الثانية على أوروبا، والتي خاض فيها العثمانيون حربا شرسة مع الجيش الألماني، وقد أسفرت عن انتصار العثمانيين. واستمرت هذه الحملة 6 أشهر حتى 25/ 10/ 1696م. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 250، بترقيم الشاملة آليا)
  • بعد الانتصارات البحرية التي حققها العثمانيون خرج السلطان بنفسه في ذي القعدة 1107هـ = 1696م لمحاربة النمساويين فاستولى على قلعة ليبا وانتصر عاى الجنرال فيتراني قائد جيوش النمسا في وقعة لوغوس، وَقتل من عساكره سِتَّة الآف جندي، وأخذه أسيراً، وَقَتله فِي 12 صفر سنة 1107 هـ = 22 سبتمبر سنة 1695 ثم عاد السلطان إلى الأستانة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص308، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 251، بترقيم الشاملة آليا)
    ولكن النمساويين أعادوا الكرة في السنة التالية فحاصروا قلعة طمشوار فتقدم إليهم السلطان العثماني بجنوده وردهم عن القلعة بعد أن دحرهم دحوراً فاحشاً ثم عاد السلطان إلى أدرنة. وكان الروس قد حاولوا الاستيلاء على قلعة (أزوف) فقاومهم خان القرم والعثمانيون الذين هناك فردوهم بعد أن قتلوا منهم نحواً من ثلاثين ألف جندي إلا أن بطرس الأكبر أعاد عليها الكرة بجيش كثيف العدد وكانت الدولة مشتغلة بمقاتلة النمسا وبولونيا فلم تتمكن من نجدتها فسقطت في أيديهم. وحاصر الجيش الروسي المكون من مائة ألف جندي في حزيران 1696م قلعة أزاك العثمانية القريبة من البحر الأسود لمدة ثلاثة وستين يوماً حتى استسلمت القلعة في آب (أغسطس)، ولم يتمكن العثمانيون من استرجاعها إلا بعد خمسة عشرة عاما. ثم استرجعها الروس فجأة عام 1148هـ مما تسبب في إعلان الحرب على روسيا. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 251، بترقيم الشاملة آليا)
  • حاصر بطرس الأكبر القيصر الروسي مدينة آزوف التي كانت أصلا قد استردها العثمانيون وأخضعوها للدولة العثمانية أيام ثورة القوزاق عليهم، ثم أجبر القيصر الروسي على فك الحصار عام 1107هـ ثم رجع العثمانيون عنه وانشغلوا بالحرب مع المجر فاستغل الروس هذا الانشغال فعادوا إلى آزوف ودخلوها عام 1108هـ = 1696م. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 252، بترقيم الشاملة آليا)
  • في محرم 1108هـ = 1696مخاض الجيش العثماني معركة “أولاز” الشرسة ضد الجيش الألماني، والتي أسفرت عن مقتل 16 ألف ألماني، و1500 عثماني. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 253، بترقيم الشاملة آليا)
  • لَكِن أوقف الصَّدْر الأعظم كوبريلي حُسَيْن باشا الْبُرْنُس أوجين فِي سيره، وألزمه التقهقر أمامه حَتَّى أخلى بِلَاد البوسنه، وَرجع إِلَى مَا وَرَاء نهر ساف، واسترد الاميرال البحري العثماني الملقب مزومورتو جَزِيرَة ساقز بعد أن انتصر دفعتين على مراكب البندقية، قرب جزر أندروز، أسفرت عن غرق 13 سفينة بندقية، ومقتل 5 آلاف بحار؛ في صفر1108هـ = 1696م، ثمَّ ابتدأت المخابرات للوصول إِلَى الصُّلْح فَتدخل ملك فرنسا لويس الرَّابِع عشر وأراد أن يدْخل الدولة فِي معاهدة ريسويك فَلم تقبل لعلمها أن جَمِيع الدول يَد وَاحِدَة عَلَيْهَا وَلَو أظهرت لَهَا إحداها التودد، فَذَلِك لم يكن إلا لغاية كامنة فِي النَّفس، والتاريخ الحالي شَاهد عدل. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 309، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 254، بترقيم الشاملة آليا)
  • وبعد أن استطاعت الجيوش العثمانية أن تفك الحصار الروسي عن آزوف سارت إلى المجر ولكن لم تستطع هزيمة الجيش النمساوي بقيادة أوجين دي سافوا فقد فاجأهم أثناء عبور الْجنُود العثمانية لنهر تَيْس وَعدم استعدادهم للدفاع بِالْقربِ من قَرْيَة صَغِيرَة اسْمهَا زينتا، فَقتل مِنْهُم عدداً عَظِيماً من ضمنهم الصَّدْر الأعظم الماس مُحَمَّد باشا، وغرق مِنْهُم فِي النَّهر أكثر مِمَّن قتل، وَلَوْلَا وجود السُّلْطَان على الضفة الأخرى لسقط فِي أيديهم أسيراً، وَكَانَ ذَلِك فِي 25 صفر سنة 1109هـ = 12 سبتمبر سنة 1697 ثمَّ تَبِعَهُمْ الْبُرْنُس أوجين وَدخل بِلَاد البوسنة فاتحاً. ثم تولى الصدارة العظمى حسين كوبريلي فسار نحو النمسا فتقهقرت أمامه جيوشها ودفعهم إلى ما بعد نهر السافا. وذلك في عام 1109هـ = 1697م، وترجع هذه الهزيمة إلى خيانة بعض القادة العثمانيين (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 309، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 255، 256(
  • وفي ربيع الأول 1110هـ = 1698م انتصر الأسطول العثماني على الأسطول البندقي في معركة بحرية جنوب جزيرة ميديلي في البحر المتوسط، وأسفرت هذه المعركة عن مقتل 2500 بندقي. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 258، بترقيم الشاملة آليا)
    معاهدة كارلوفتس
    بعد مخابرة طَوِيلَة تم توقيع معاهدة كارلوفتس جنوب غرب زغرب على نهر الدانوب بَين الدولة الْعثمانية وبين كل من النمسا وروسيا والبندقية وبولونيا بجهود فرنسا فِي 24 رَجَب سنة 1110هـ = 26 يناير سنة 1699م، والتي بموجبها فقدت الدولة العثمانية مدينة آزوف لروسيا وبلاد أوكرانيا وكرواتيا وإقليم بودوليا وبعض المدن لبولونيا، مثل قلنج وساحل دالماسيا وبعض الجزر للبندقية، مثل جزيرة مورة على البحر الإدرياتيكي، وبلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا. واتفقت مَعَ النمسا على مهادنة خمس وَعشْرين سنة، وأن لَا تدفع هِيَ أوْ غَيرهَا شَيْئا للدولة الْعثمانية على سَبِيل الْجِزْيَة، أوْ مُجَرّد الْهَدِيَّة، وبهذه المعاهدة فقدت الدولة جزأً لَيْسَ بِقَلِيل من أملاكها باوروبا، وزادت أطماع الدول فِي بلادها كَمَا سَيَأْتِي. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص310، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310، الموسوعة التاريخية 8/ 257)
    ويمكننا القَوْل بَأن الِاتِّفَاق قد تمّ من ذَلِك التَّارِيخ بَين جَمِيع الدول إن لم يكن صَرَاحَة فضمناً على الْوُقُوف أمام تقدم الدولة الْعثمانية أولاً، ثمَّ تَقْسِيم بلادها بَينهم شَيْئا فَشَيْئًا وَهُوَ مَا يسمونه فِي عرف السياسة بالمسالة الشرقية المبنية على الْخَوْف من انتشار الدّين الإسلامي، وحلوله مَحل الدّين المسيحي، لَيْسَ إلا، أما مَا يسترون خَلفه غاياتهم من الدفاع عَن حُقُوق الأمم المسيحية الضعيفة الخاخعة للدولة فمما لم يعد اُحْدُ يغتر بِهِ. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص310)
    وهذا مؤشر سيء في تاريخ بعض حكام الدولة العثمانية، وهو انسحابهم في المعارك تاركين المسلمين بين يدي عدو نزعت من قلبه الشفقة والرحمة، وأصبحت كل الدول التي كانت تدفع الجزية عن يد وهي صاغرة ممتنعة من دفعها وكانت الدول النصرانية تقف في وجه العثمانيين، وكانت متفقة فيما بينها للوقوف في وجه تقدم الدولة العثمانية، والعمل على تقسيمها وذلك خوفاً من انتشار المد الإسلامي، وكان تنازل العثمانيين عن أراضيها بداية الانسحاب العثماني من أوروبا، كما أنه يسجل الانتقال إلى عصر التفكك والاضمحلال السريع. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص 310، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 257)
    وَبعد إتمام هَذِه المعاهدة الَّتِي رُبمَا كَانَت أوخم عَاقِبَة، لَوْلَا استظهار كوبريلي حُسَيْن باشا على الْبُرْنُس أوجين قَائِد الجيوش النمساوية فِي بِلَاد البوسنة، وَجه هَذَا الْوَزير اهتمامه إِلَى الأمور الداخلية، والشؤون الْمَالِيَّة والأحوال العسكرية، مِمَّا لَا قوام لأي دولة إلا بانتظامها، وتقويم المعوج مِنْهَا، فأتى لكل مِنْهَا بالدواء الْكَافِي، والعلاج الشافي، وَترك كثيراً من الأموال الْمُتَأَخِّرَة على الأهالي، لَا سِيمَا المسيحيين مِنْهُم، حَتَّى لَا يجد مِنْهُم المفسدون المضلون نصراء الأجانب وسماسرتهم آذناً صاغية لدسائسهم الإيهامية، ووساوسهم الشيطانية، الَّتِي يسلمُونَ بهَا بِلَادهمْ للأجانب طَمَعاً فِي مَال أوْ جاه، لن يَكُونُوا بالغيه، وَللَّه فِي خلقه آيَات، (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311)
    لَكِن أوقف الصَّدْر الأعظم كوبريلي حُسَيْن باشا الْبُرْنُس أوجين فِي سيره، وألزمه التقهقر أمامه حَتَّى أخلى بِلَاد البوسنه، وَرجع إِلَى مَا وَرَاء نهر ساف، واسترد الاميرال البحري العثماني الملقب مزومورتو جَزِيرَة ساقز بعد أن انتصر دفعتين على مراكب البندقية، ثمَّ ابتدأت المخابرات للوصول إِلَى الصُّلْح فَتدخل ملك فرنسا لويس الرَّابِع عشر وأراد أن يدْخل الدولة فِي معاهدة ريسويك فَلم تقبل لعلمها أن جَمِيع الدول يَد وَاحِدَة عَلَيْهَا وَلَو أظهرت لَهَا إحداها التودد، فَذَلِك لم يكن إلا لغاية كامنة فِي النَّفس، والتاريخ الحالي شَاهد عدل. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص 309)

المفتي والصدر الأعظم:

  • تولى المفتي (فيض الله أفندي) تصريف أمور الدولة بعد أن تركها السلطان إثر الهزائم وعاد إلى أدرنة، وكان فيض الله أفندي معلم السلطان قبل جلوسه على كرسي السلطنة، وكان السلطان ولّاه مسند المشيخة الإسلامية، وصار يستشيره في كل الأمور، فأغاظ ذلك الصدر، لتدخل شيخ الإسلام في الأحوال السياسية، التي ليست من تعلقات وظيفته أصلاً، وكان القبودان ميزه مورتو حسين باشا مدة حياته يجتهد في التأليف بينه وبين الصدر، ويزيل النفور من قلوبهما، إلا أنه بعد وفاته استبد الشيخ في آرائه، وأظهر العظمة، فلم يتحمل الصدر ذلك وقدم استعفاءه فِي 12 ربيع الآخر سنة 1114هـ = 5 سبتمبر سنة 1702م، وأقام في ضيعة له منفرداً، حتى مات بعد سبعة عشر يوماً، ونقلت جثته إلى استانبول، ودفن في مدرسته المشهورة؛ وبعد أن استقال الصدر حسين باشا عين السلطان مَكَانَهُ فِي منصب الصدارة دَال طبان مصطفى باشا وَكَانَ جندياً مَيَّالاً للحرب الذي التزم السير على الخطة التي يرسمها له شيخ الإسلام المذكور، ولما كان هذا الصدر يميل للحرب والقتال، لم يسر على خطة سلفه من إصلاح الشؤون الداخلية، وتنظيم الْبِلَاد وإنشاء الطّرق العمومية، وَغَيرهَا من الأعمال والأشغال العمومية، وَعدم إضاعة النُّفُوس والأموال فِي الحروب، وإضافة الْبِلَاد لبعضها بِدُونِ إصلاح أوْ تنظيم، اكْتِفَاء بِمَا يُؤْخَذ من الْغَنَائِم وَقت الْحَرْب، بل أراد أن يخرق عُهْدَة كارلوفتس مَعَ حداثتها ويثير الْحَرْب على النمسا؛ في الوقت الذي كانت فيه الدولة في أشد الاحتياج للمسالمة والراحة، بعد الحروب الطويلة، لتلتفت لإصلاح أحوالها الداخلية، اختلت بذلك أحوال السياسة وارتبكت العلاقات الخارجية، حتى خيف على روابط السلم أن تنقطع، ولشعور الأهالي والجنود بمضار هَذِه السياسة على الدولة، لما وَرَاءَهَا من تَأَلُّبُ الدول عَلَيْهَا ثَانِيًا وأخذ بعض بلادها تذمروا ضد الْوَزير واشترك مَعَهم بعض الْجنُود وطلبوا من السُّلْطَان عَزله فأقاله فِي 6 رَمَضَان سنة 1114 هـ = 24 نوفمبر سنة 1702م، وَتعين مَحَله رامي مُحَمَّد باشا (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص311، الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 261)
    ولما كان الوزير المذكور من مشاهير الأبطال وقع اضطراب وشغب بسبب ذلك بين صنوف الجنود وتعين للصدار رامي محمد باشا وكان مرخصاً للدولة في صلح قارلوفجة وكان عالماً بالأمور الإدارية والأحوال السياسية وقد تمكن بمساعدة محاميه شيخ الإسلام من تحسين الأحوال وإصلاحها، إلا أن شيخ الإسلام كان يميل إلى التغلب والتحكم في كافة الأمور، والصدر يريد مراعاة حقوق مقامه، أخذ يفكر في منع تسلط الشيخ الذي لما أحس بذلك أشعل نار الفتنة، حتى استفحل أمر الهياج بين الجنود، وكان السلطان في ذلك الوقت بأدرنة لتولعه بالقنص كأبيه، ثم انتهت الفتنة بقتل شيخ الإسلام فيض الله أفندي. ولما بلغ السلطان مصطفى أنهم يريدون خلعه دخل على أخيه أحمد خان وأعلمه بالأمر وتنازل له عن كرسي السلطنة في 9 ربيع الأوّل من هذا العام. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 261، بترقيم الشاملة آليا)
  • وفي محرم 1112هـ = 1700م عقدت الدولة العثمانية معاهدة استانبول مع روسيا بعد مفاوضاتٍ استمرت 5 أشهر، وتضمنت المعاهدة 14 بندًا؛ منها أن يكون ذهاب وإياب السفير الروسي إلى استانبول عن طريق البر، وليس عن طريق البحر؛ لأن البحر الأسود بحر عثماني مغلق. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 262، بترقيم الشاملة آليا)
  • في صفر 1113هـ = 1701م توفي القائد البحري العثماني الشهير “ميزرومورتا حسين باشا” غرقاً أثناء نومه في سفينة القيادة، ويعد هذا الرجل من أهم قادة البحر الذين أنجبتهم الدولة العثمانية، وحقق انتصارات كبيرة في 8 معارك بحرية، وقد أدخل إصلاحات أساسية في القوات البحرية التركية. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 263، بترقيم الشاملة آليا)
  • في ذي الحجة 1114هـ = 1703م احتلت روسيا مصب نهر نيفا ووضعت أساس مدينة سانت بطرسبرج التي تحولت فيما بعد إلى مدينة ليننجراد، ثم عادت إلى اسمها الأول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 265، بترقيم الشاملة آليا)
    أول مطبعة بالأحرف العربية: تم في سنة 1114هـ = 1702م إنشاء أول مطبعة بالحروف العربية فقد أنشأ عبدالله الصائغ في حلب أول مطبعة تطبع بالحروف العربية، وأنشأ أيضاً مطبعة أخرى مثلها في لبنان، أما في استنبول فكانت أول مطبعة أنشأت فيها عام 1139هـ بعد موافقة المفتي بذلك. (الموسوعة التاريخية – الدرر السنية 8/ 264، بترقيم الشاملة آليا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى