مختارات

التجديد الديني.. معالم ومنارات

بقلم: الدكتور يوسف القرضاوي|
تميَّز المنهج أو التيار الداعي إلى الوسطية والتجديد بالتركيز على جملة مبادئ أو معالم أو قواعد فكرية، في فهمه للإسلام وعرضه لأصوله ومفاهيمه، عُرِف بها، وعُرِفت به، ونُسبت إليه، وأصبحت معالم بارزة له، تجسِّد فكرته، وتوضِّح غايته، وتجلِّي منهجه، وتُحدِّد مفاهيمه.
من هذه المبادئ أو المعالم مفهوم التجديد.
تجديد الدين من داخله والاجتهاد من أهله في محله:
من تجديد الدين من داخله: تجديدُ الفهم له، وتجديدُ الإيمان به، وتجديدُ العمل به، وتجديدُ الدعوة إليه. تجديدُ العقول والأفكار، وتجديدُ القلوب والعواطف، وتجديدُ الإرادات والعزائم، وقد بيَّن لنا رسولنا الكريم في حديثه شرعية التجديد للدين حين قال: “إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدِّد لها دينها”. والتجديد الحق يشمل جانب العلم والفكر، كما يشمل جانب العمل والسلوك.
وأبرز معالم تجديد الدين الفكري هو: إحياء مبدأ الاجتهاد الذي لا تحيا الشريعة إلا به، سواء كان اجتهاداً إنشائياً أم انتقائياً، كلياً أم جزئياً، فردياً أم جماعياً. على أن يكون الاجتهاد من أهله: الذين استجمعوا شرائطه المعروفة، العلمية والأخلاقية، وفي محله: أي في غير القطعيات، التي تجسِّد وحدة الأمة العقدية والفكرية والشعورية والعملية، وهي قليلة جداً، ولكنها مهمة جداً؛ لأنها تُمثِّل (الثوابت) التي لا يجوز اختراقها بحال.
إنَّ شعار الوسطية يدعو إلى تجديد منضبط، وإلى اجتهاد معاصر قويم، واضح الأهداف، بين المناهج، يرفض موقف الذين يغلقون باب الاجتهاد، ويوجبون التقليد على كل العلماء، وموقف الذين يفتحون أبوابه لكلِّ مَنْ هَبَّ ودب، بلا قيود ولا ضوابط. أولئك الذين سخر منهم الأديب الرافعي بأنهم يريدون أن يجددوا الدين واللغة والشمس والقمر!![1]الدعوة إلى فقه جديد:
ولكي يتم التجديد للدين حقاً – كما أشار إليه الحديث النبوي – لا بد من تأكيد الدعوة إلى تجديد (الفقه القرآني والنبوي)، وهو فقه في الكون، وفقه في الدين. ففي فقه الكون قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}[الأنعام:98]. وفي فقه الدين قال تعالى: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]، وقال صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”.
وفقه الآيات، والفقه في الدين أخصُّ وأعمق من مجرَّد العلم بالآيات، والعلم بالدين. إن الفقه يعني العلم بأسرار الشيء، وإدراك الغاية. وهو يضم عدة ألوان من الفقه المنشود: فقه سنن الكون، وفقه مقاصد الشرع.. وفقه المآلات.. وفقه الموازنات.. وفقه الأولويّات.. وفقه الاختلاف أو الائتلاف.. والفقه الحضاري.. وفقه التغيير.. وفقه الواقع .[2]والواجب على علماء العصر: أن يحيطوا علماً – كلٌّ على قدر سَعَة واديه– بهذه الأنواع من الفقه، حتى إذا دَعَوْا: دَعَوْا على بصيرة، وإذا أفْتَوا: أفْتَوا ببيِّنة، وإذا علّموا: علّموا على نور، وإذا قضوا: قضوا عن علم.


هوامش :
[1] انظر: فصل: التجديد في ضوء السنة من كتابنا (من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا) نشر مكتبة وهبة ومؤسسة الرسالة، وكتاب (الاجتهاد بين الانضباط والانفراط) و(ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق) نشر دار الشروق بالقاهرة.

[2] انظر: كتابنا (أولويات الحركة الإسلامية) و(الصحوة بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم) و(الصحوة من المراهقة إلى الرشد) و(دراسات في فقه مقاصد الشريعة) نشر مكتبة وهبة ومؤسسة الرسالة.

(*) من كتاب: فقه الوسطية الإسلامية والتجديد.. معالم ومنارات، ضمن موسوعة الأعمال الكاملة لسماحة الإمام يوسف القرضاوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى