بحوث ودراسات

ملامح الفكر السياسي المستند إلى الوهابية (من 2 إلى 9)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


أعداء السَّلفيَّة الوهَّابيَّة في العراق: الشِّيعة والدِّيموقراطيَّة وأمريكا
يواصل الكاتب وصفه النزعة التكفيريَّة، غير المنسجمة مع تطوُّر مفاهيم الحياة واختلافها عن زمن ظهور الإسلام، بأن اعتبر أنَّ السَّلفيين أشدُّ مَن عارض الغزو الأمريكي للعراق في 2003م، والاحتلال الناتج عنه، وكذلك دعوة أمريكا “لإقامة نظام ديموقراطي، وسيطرة الشِّيعة على ذلك النِّظام” (صـ31). يندِّد الكاتب بتعاوُن المملكة العربيَّة السَّعوديَّة مع أمريكا في الغزو، من خلال تقديم قواعد للطيران وممرات أرضيَّة، على حدِّ قوله، واصفًا النِّظام الحاكم في السَّعوديَّة بـ ‘‘الوهَّابي’’، برغم أنَّه شدَّد في رسالته العلميَّة الشَّرعيَّة الدُّستوريَّة في الأنظمة السِّياسة الإسلاميَّة المعاصرة (2012م) على أنَّ السَّعوديَّة لم تعد تعمل وفق الشَّريعة الإسلاميَّة، وأنَّها لا ترتبط بالفكر الوهَّابي إلَّا في حدود استمداد الشَّرعيَّة الدِّينيَّة، بلا أيِّ إشارة إلى دور الشِّيعة في تسهيل الاحتلال الأمريكي. وينتقد الكاتب السَّلفيَّ، ممن انصبَّ انتقامهم على الشِّيعة في العراق، “بينما لم تتحدث عن النِّظام الصدامي، الَّذي هرب من المواجهة العسكريَّة وترك الشَّعب الأعزل لقمة سائغة بيد الاحتلال” (صـ31). وأخذ مشايخ السَّلفيَّة يستدعون من التَّاريخ الإسلامي حالات تواطؤ الشِّيعة مع قوَّات الاحتلال الأجنبي ضدَّ السُّنَّة، كما حدث أيام الغزوين الصليبي والمغولي. ويتأسَّف الكاتب على هذا الاتِّهام بشدَّة، مدَّعيًا التَّعرُّض هو وأصحاب عقيدته للظُّلم والافتراء، ويدعم هذا بزعمه أنَّ نظام صدَّام حسين انهار سريعًا، وأثبت جُبنه باللجوء إلى مخابئ سريَّة، متجاهلًا أمن الشَّعب العراقي. وعن ذلك، تردُّ شبكة أخبار العراق في مقال نشرته في 13 أغسطس من عام 2018م، تكشف فيه عن دور الشِّيعة في إسقاط نظام صدَّام حسين.

اقرأ: ملامح الفكر السياسي المستند إلى الوهابية (1 من 9)

مظلوميَّة الشِّيعة أكذوبة فضحها الشِّيعة أنفسهم
في بدايَّة الغزو الامريكي للعراق عام 2003 حقق شيعة العراق شعارهم الطائفي الَّذي رفعوه خلال صفحة الغدر والخيانة أو ما سمي لاحقا بالانتفاضة الشَّعبانيَّة، وهو (نريد حاكم جعفري)، حققوه من خلال قوى الاستكبار العالمي وفقا لوصف الخميني المقبور وخلفه الخامنئي، وأسرع الشُّعراء والملحنين الشِّيعة في عطائهم الطَّائفي فأنتجوا لنا أغنيَّة (علي وياك علي) وهم يقصدون المرجع الشِّيعي علي السِّستاني الَّذي اشترته قوى الاستكبار العالمي كما ورد في مذكِّرات بريمر بثمن ليس بخسُا، ولم ينكر السِّستاني عمليَّة الشِّراء في حين اعترض على الكثير من التَّصريحات كالَّتي أدلى بها الرَّئيس المصري السَّابق حسني مبارك حول ولاء الشِّيعة لإيران وليس أوطانهم، والرد على تصريح العاهل الأردني حول الهلال الشِّيعي وتبين ان الهلال لم يرضِ (قيس الخزعلي) زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقِّ، فوسعه الى البدر الشِّيعي، مع ان الهلال نفسه بدأ بالأفول…
فهل انتهت المظلومَّيَّة؟
على العكس فقد زادت مظلوميَّة الشِّيعة، وزادت مظلوميَّة كل الشَّعب العراقي، ولم يرفع زعماء الشِّيعة مظلوميَّة أتباعهم، زاد الفقر والبطالة والجوع والمرض والذل وخنقت الحريات، وانتهكت الحقوق، وانتفت الخدمات وتفاقمت مشكلة المياه والكهرباء، وتبخَّرت الوعود بالرفاه والرخاء دون أن تترك ورائها شيئا يستحق الذِّكر.
فهل المظلوميَّة الحاليَّة سببها أهل السنة؟ ولماذا يترحم أهل الجنوب على الرَّئيس صدام حسين الَّذي اتَّهموه بالطائفيَّة والقوى عليه تبعات مظلوميَّة الشِّيعة؟
وقد نشرت جريدة اليوم السَّابع المصريَّة في 29 يناير 2018م، مقالًا يفصِّل تعاوُن أمريكا مع الشِّيعة في التغيير السِّياسي في العراق، بدعوى تأسيس نظام ديموقراطي يصلح الاستبداد الَّذي كرَّسه نظام حزب البعث على مدار عقود. يستند كاتب المقال إلى نتائج دراسة تحت عنوان “العلاقات الأمريكيَّة الإسرائيليَّة في فترة الرَّئيس السَّابق أوباما تجاه الشَّرق الأوسط 2009-2016” أجرتها الباحثة أمينة محمَّد خليل، التَّابعة للمركز الدِّيموقراطي العربي، في إطار دراسة موسَّعة تحت عنوان “أثر قضيَّة الملف النَّووي الإيراني على العلاقات الأمريكيَّة الإسرائيليَّة”.

تابعنا في فيسبوك

الشِّيعة.. حصان طروادة الَّذي ركبه الأمريكان لاحتلال الخليج والعراق
شكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحول في المنطقة العربيَّة، حيث تم اعتماد نظام سياسي يقوم على تقسيم الحكم بين الأكراد والشِّيعة والسنة، وأصبح الانقسام العرقي والطائفي في المحافظات العراقيَّة أمرًا لا يمكن تجاهله على أرض الواقع.
ومنذ ذلك الحين ارتبط المشروع الأمريكي في الشَّرق الأوسط بترجيح كفة المنظمات الشِّيعية المرتبطة بإيران، والدَّعوة إلى زيادة تمثيلها في أنظمة الإدارة والحكم، وذلك بعد أن قام الأمريكان بالدور الأكبر في تدمير القدرات العسكريَّة العراقيَّة، الَّتي كانت تمثل آلة الردع في وجه إيران ومشروعها التوسعي.
وفى المرحلة الممتدة ما بين عامي 2003 و2007 تبنت الإدارة الأمريكيَّة سياسة «دعم الديمقراطيَّة» في الشَّرق الأوسط، باعتبارها إحدى أهم ركائز أمنها القومي، وبادرت إلى تنفيذ دورات تدريبيَّة ومحاضرات تثقيفيَّة وجلسات حواريَّة تستهدف المعارضة الشِّيعية المرتبطة بإيران في دول الخليج العربيَّة.
وبعد خمس سنوات من النَّشاط المكثف لبرامج دعم الديمقراطيَّة، لاحظ الباحث الأمريكي ماكسميلان أن الأحزاب السنيَّة الَّتي تعاملت بحذر وريبة مع هذه البرامج قد ضعف دورها، بينما انتعش نشاط المنظمات الشِّيعية الَّتي تجاوبت مع برامج دعم الديمقراطيَّة، وكانت المستفيد الأكبر منها، حيث نظمت زيارات رسميَّة لزعماء الجماعات المتطرفة مع مسؤولين أمريكيين وأعضاء في الكونجرس، وتم ربطهم بالصحافة الغربيَّة والمنظمات الحقوقيَّة الرَّسمية والأهليَّة.
وبحلول عام 2007 تحدثت مجلة «ميدل إيست بوليسي» عن انتشار مشاعر القلق في البلدان العربيَّة من تنامى الجماعات المتطرفة المتعاطفة مع إيران، وتردد الحديث عن خطورة المدِّ الإيراني على لسان قادة كل من الأردن، ومصر، والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة، والبحرين.
وبرغم ما أشيع عن انتهاز الجماعات الشِّيعية الطائفيَّة في العراق فرصة الغزو الأمريكي في تصفيَّة حساباتها مع أهل السُّنَّة، يذكر الكاتب عن تعاوُن عنصري الأمَّة العراقيَّة في جماعات مشتركة في مواجهة قوَّات الاحتلال؛ لاشتراك الطَّرفين في “الخوف من عودة النِّظام البعثي الديكتاتوري”، مما يعني أنَّ السَّعي إلى تحقيق الدِّيموقراطيَّة كان سبب انقلاب الشِّيعة على صدَّام حسين ونظامه، وليس أدلُّ على هذا أكثر من فتوى السِّستاني، الَّتي طالبت بانتخابات نزيهة لاختيار الإدارة الحاكمة، الَّتي استلزمت “رضوخ المحتل” (صـ32-33). وعلى مدار السَّنوات التَّالية للاحتلال الأمريكي للعراق إلى يومنا هذا، لم تزل مساعي إحلال الدِّيموقراطيَّة في العراق فاشلة، وعن ذلك نشر موقع روسيا اليوم في 12 ديسمبر 2018م مقالًا للكاتب غيورغي أساتريان، المحاضر في جامعة موسكو الحكوميَّة للعلوم الإنسانيَّة:

لماذا يرفض العراق الدِّيمقراطيَّة على الطَّريقة الأمريكيَّة
أصيب عمل البرلمان العراقي بالشَّلل، ولم يتم إقرار التَّشكيلة الوزاريَّة. لم يتمكن رجل الدِّين الشِّيعي ذو النفوذ، مقتدى الصدر، ولا هادي العامري، الَّذي لا يقل أهميَّة عنه، من الاتفاق على تقسيم الحقائب الوزاريَّة. وشكلت حقيبة الدَّاخليَّة حجر العثرة.. مضت ستة أشهر، وجهاز الدَّولة في البلاد عاجز عن العمل. فيما بدا وكأن الولايات المتَّحدة فعلت كل شيء لزرع ديمقراطيَّة فعالة في البلاد…
كما يجب ألَّا ننسى أن الأحزاب السِّياسيَّة في العراق لها طبيعة خاصة. نعم، هناك شبان في ربطات عنق يحضرون اجتماعات دوليَّة لا معنى لها في أوروبا، إلا أن الحزب السِّياسي في العراق شيء آخر. الحديث يدور عن جماعات معسكَرة، لديها مقاتليها. جماعة الصدر والعامري، مثال حي على الأحزاب في العراق الحديث.


وهكذا، فقد تعرضت الحالة السِّياسيَّة في العراق لتغيرات جديَّة. بعد الغزو الأمريكي للبلاد في العام 2003، باتت مفهوم السِّياسة الداخليَّة يتمثل في الصِّراع بين السُّنَّة والشِّيعة. فالسُّنَّة فقدوا السُّلطة، فيما الشِّيعة عززوا سلطتهم فجأة واكتسبوا مواقع هامة في هياكل القوَّة والاقتصاد.
المشكلة الرَّئيسيَّة، الآن، هي من ستكون القوة السِّياسيَّة الأولى. الطامحون إلى ذلك، أحزاب شيعيَّة على وجه الحصر. وهكذا، نرى موجة أخرى من عدم الاستقرار في العراق. لكنها هذه المرة لا تنجم عن تهديد خارجي أو إرهاب، إنما عن الصِّراع السِّياسي الداخلي بين الأحزاب الشِّيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى