سياسة

أمريكا تعلن انهيار الاتِّفاق النَّووي.. فهل حقًّا تفِّعل إسرائيل ‘‘خيار شمشون”؟!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


بعد ما يقرب من عامين من انطلاق مفاوضات فيينا لإحياء الاتِّفاق النَّووي لعام 2015م بين إيران والدُّول الغربيَّة، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، أعلن وزير الخارجيَّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، أنَّ إيران أجهزت على آخر أمل باقٍ لإبرام اتِّفاق جديد يرضي طرفي النَّزاع. وأضاف بلينكن في مؤتمر صحافي أنَّ الوسطاء المطَّلعين على آخر مسوَّدة لإحياء الاتِّفاق النَّووي وافقوا على مضمونها، لكنَّ الجانب الإيراني، كالعادة، آثر المماطلة، ثمَّ تذرَّع بأنَّه لا يمكنه الالتزام بكافَّة الشُّروط الأمريكيَّة، كما أنَّ المؤشِّرات تؤكِّد مواصلة تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية من النَّقاء في المفاعلات السِّرِّيَّة الإيرانيَّة، وهو ما يتعارض مع بنود الاتِّفاق النَّووي، كما تنقل صحيفة بلومبرج الأمريكيَّة. 

وبدلًا من إيلاء مزيد من الاهتمام بمحاولة دفْع إيران إلى قبول العودة إلى الاتِّفاق النَّووي في مقابل التَّخفيف من العقوبات المفروضة على النِّظام الحاكم، أكَّد وزير الخارجيَّة الأمريكي أنَّ إدارة الرَّئيس جو بايدن تركِّز على أعمال القمع الَّتي يرتكبها النِّظام الإيراني ضدَّ المحتجِّين على الأوضاع الدَّاخليَّة منذ سبتمبر 2022م، وكذلك على الدَّعم الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا. وكان بايدن قد قال مطلع نوفمبر الماضي، ردًّا على سؤاله عن مستقبل إحياء الاتِّفاق النَّووي، إنَّ الاتِّفاق “بات في حُكم الميِّت”، كما يوضح مقطع قصير نُشر نهاية ديسمبر الماضي. 

تابعنا في فيسبوك

يزيد تصريح الرَّئيس الأمريكي عن انهيار الجهود الدِّبلوماسيَّة لإحياء الاتِّفاق النَّووي من مخاوف المراقبين من اشتعال حرب إقليميَّة من جرَّاء الصِّراع الدَّائر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودولة ملالي الرَّافضة؛ بسبب إصرار دولة الاحتلال على إنهاء التَّهديد النَّووي الإيراني، وإن ادَّعى نظام الملالي أنَّ برنامجه النَّووي سلمي الأهداف. وأثار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته، الجنرال أفيف كوخافي، مزيدًا من المخاوف، بتأكيده قدرة إيران على إنتاج 4 قنابل نوويَّة، وهو ما لن تسكت عنه دولة الاحتلال، متوعِّدًا بردٍّ عنيف مهما تكلَّف الأمر، وهو ما يُعرف بـ ‘‘خيار شمشون’’.

رئيس الوزراء القطري الأسبق يحذِّر من ‘‘عمل عسكري’’ يزلزل المنطقة

أثار الشَّيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجيَّة القطري الأسبق، جدلًا واسعًا بعد أن نشَر سلسلة من التَّغريدات عبر شبكة تويتر، أشار فيها إلى احتماليَّة حدوث ‘‘تصعيد عسكري’’ في المنطقة العربيَّة؛ نتيجة لفشل الجهود الدِّبلوماسيَّة لإحياء الاتِّفاق النَّووي، إذا ما لجأت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الهجوم على المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة. وحذَّر الشَّيخ حمد بن جاسم من ‘‘العواقب الوخيمة’’ لأيِّ تصعيد عسكري في المنطقة، في ظلِّ الظُّروف الرَّاهنة، إن ‘‘لم تتوصَّل الأطراف إلى اتِّفاق نووي جديد مع إيران، وزوَّدت الولايات المتَّحدة إسرائيل بما تحتاجه من سلاح’’. واختمم رجل الدَّولة القطري حديثه بقوله ‘‘كنت متفائلًا كثيرًا تجاه احتمالات التَّوصُّل إلى اتِّفاق بين الغرب وإيران، ولكنَّني أصبحت الآن أقل تفاؤلًا لكنِّي لا أستغرب ولا أستبعد حدوث تحوُّل إيجابي يحيي الاتِّفاق النَّووي ويجنِّبنا مخاطر الفشل’’.

كوخافي يلوِّح بتفعيل ‘‘خيار شمشون’’ ردًا على إيران

أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السَّابق، الجنرال أفيف كوخافي، في تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام قُبيل مغادرة منصبه، في 16 يناير الجاري، أنَّ جيش الدِّفاع الإسرائيلي قد وضَع 3 خطط للإجهاز على المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة خلال العام الماضي، من خلال شنِّ ضربة استباقيَّة تنهي التَّهديد النَّووي الإيراني. أضاف كوخافي أنَّه قد ثبت لدى قادة الجيش قدرة إيران على إنتاج 4 قنابل نوويَّة، 3 بمستوى 20 بالمائة من تخصيب اليورانيوم، وواحدة بمستوى 60 بالمائة، مؤكِّدًا استعداد بلاده لخوض معركة واسعة النِّطاق، إذا ما اقتضت الحاجة. وصرَّح رئيس الأركان المنتهية ولايته بقوله ‘‘نحن نعمل على أمرين مهمين: الأوَّل هو تحديد موقع الصَّواريخ الإيرانيَّة لكي نقوم يوم التَّنفيذ بضرب أكبر عدد ممكن منها. والأمر الثَّاني إنشاء نظام دفاع جوِّي لتحييد هذه الصَّواريخ’’.

وسبق وأن لوَّح كبار قادة جيش الدِّفاع الإسرائيلي باستخدام ترسانتهم النَّوويَّة، المحاطة بهالة من السِّرِّيَّة الفائقة، ولو تعرَّضت دولة الاحتلال ذاتها إلى عواقب كارثيَّة، فيما أُطلق عليه “خيار شمشون’’، نسبة إلى بطل إسرائيلي خارق يروي عنه العهد القديم، أنَّ لجأ إلى تدمير مكان تجمُّع خصومه، وإن كلَّفه ذلك حياته معهم، حيث قال “لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ” (سفر القضاة: إصحاح 16، آية 30).

وقد نشَر الصُّحافي الأمريكي، سيمور هيرش، كتابًا تحت عنوان The Samson Option: Israel’s Nuclear Arsenal and American Foreign Policy، (1990م)، أو الخيار شمشون أسرار وخفايا التِّرسانة النَّوويَّة الإسرائيليَّة، كشَف فيه عن النَّشاط النَّووي الإسرائيلي السِّرِّي، الَّذي تغضُّ الولايات المتَّحدة الطَّرف عنه، وبذلك تعفي دولة الاحتلال من رقابة الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة، ومن المطالَبة الدُّوليَّة بالتَّوقيع على معاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النَّوويَّة (NPT). 

جدير بالإشارة في هذا السِّياق أنَّ الكاتب والمبشِّر الأصولي الإنجيلي الأمريكي-الإسرائيلي، جويل روزنبرغ، قد تنبَّأ لجوء دولة الاحتلال إلى ما أطلق عليه ‘‘خيار حزقيال’’، في رواية تحمل الاسم ذاته The Ezekiel Option (2006م)، ويقصد به انتظار التَّدخُّل الإلهي لردْع تحالُف دولي، يضمُّ إيران، يهاجم دولة الاحتلال، بوصفها ‘‘دولة شعب الله المختار’’، في آخر الزَّمان، بنزول الغضب الإلهي على ذلك التَّحالف قبل تدمير دولة الاحتلال، في ضوء نبوءة سفر حزقيال (إصحاح 36-39). ونتساءل: كيف يُفسَّر الصَّمت الأمريكي حيال النَّشاط النَّووي الإسرائيلي في مقابل إثارة الرَّأي العام العالمي ضدَّ النَّشاط النَّووي الإيراني؟ وهل تُقدم دولة الاحتلال الإسرائيلي فعلًا على تدمير المنشآت النَّوويَّة الإيراني بعد أكثر من 40 عامًا من تدمير المفاعل النَّووي العراقي، تمُّوز، واغتيال علم الذَّرَّة المصري المشرف عليه، الدُّكتور يحيى المشد؟


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى