مقالات

الوفاء وحفظ العهد نبع المحبة والإخاء

أسعد مبارك_ كاتب عراقي|

قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا). سورة الإسراء (الآية 34).

الوفاء صفة إنسانية جميلة يبلغها الإنسان بمشاعره وإحساسه، فهي صفة يشعر المرء بها دون أن يدركها إدراكاً مادياً، خلق الوفاء من أبرز كنوز الأخلاق الإسلامية ومن صفات النفوس الحرة الأبية، والقلوب الصافية النقية، وحفظ العهد والوعد واعتراف بالجميل، وعدم نسيانه من الوفاء لهم بذلك..

فالوفاء مع جميع الأشخاص (الوالدين، الزوجة، الأرحام، الأصدقاء وسائر الخلق حتى الوطن)..

فالوفاء شمعة في طريق الأمل ترسم ابتسامة رضا بريشة الحب على ورق أيامنا وليالينا..

لو نتحدث عن الوفاء في العلاقات، فما أجمل أن يكون الحب والوفاء والإخلاص في العلاقات، فلحظات العمر عندها يصبح للعشرة معنى ولسنوات الفرح والألم والرخاء والشدة لها طعم الانتصار والجمال..

من أبرز الوفاء: هو وفاء النبي محمد -صل الله عليه وسلم- لزوجته خديجة -رضي الله عنها- حتى بعد مماتها، فغارت زوجته عائشة -رضي الله عنها-، مع ذلك كان وفياً لحبه لها، فهو سيد الأوفياء -صل الله عليه وسلم-.

عندما هاجر الرسول صل الله عليه وسلم وصحابته الكرام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، بنى وأسس الدولة على أسس ودعائم قوية، كان من بينها وأهمها، الإخاء الكامل والحب الصادق في الله، الذي ساهم في الترابط والتلاحم بين الأفراد بعضهم البعض، وكان لذلك أبلغ الأثر في قوة وتماسك وبناء المجتمع الجديد.
ففي ظل هذه الأخوة والمحبة الصادقة المتبادلة بين المهاجرين والأنصار، أصبح الجميع يدا واحدة وقلبا واحدا، ولم يكن الحب والإخاء بينهم مجرد شعارات وألفاظ وكلمات مجردة تطلقها الألسنة، بل كان عقدا نافذا ساهم في إذابة العصبيات، فكان الجميع يتسابقون لتنفيذ بنود هذا العقد، فالحب والإخاء هما الدعامة الأساسية لبناء المجتمع والأمة، وضمان لقوتها ووحدتها ونهضتها وتقدمها، ولهذا فقد أكد القرآن الكريم والسنة النبوية على الأخوة بين أبناء الأمة الواحدة، قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) «سورة آل عمران: آية 103».
وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) «سورة الحجرات: آية 10» وفي المؤاخاة والحب بين المهاجرين والأنصار، امتزجت الكثير من عواطف ومشاعر الترابط والتآلف والإيثار والمودة والمواساة والمؤانسة والبذل والعطاء بسخاء وسلامة الصدر وطهارة القلب، وكان لكل هذه القيم والأخلاق الإنسانية والاجتماعية النبيلة والكريمة أثرها الفعلي في بنية المجتمع الجديد.
فقد عد رسول الله صل الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
أي اجتمعا وتفرقا على الحب في الله، فالذي جمع وربط بينهما ليس عوارض ومصالح مادية دنيوية، وإنما المحبة في الله حتى الموت.
لقد بنى الرسول صل الله عليه وسلم، دولته على الإخاء والحب الإيماني الصادق في الله، فقد ركز في دعوته في نفوس الرعيل الأول من أصحابه الكرام على دعوتهم إلى الإيمان، وجمع وتأليف قلوبهم على الحب والإخاء الكامل، فاجتمعت بذلك قوة العقيدة مع قوة الوحدة، كدعائم أساسية قوية للدولة لقد كانت سياسة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، التي اتبعها رسول الله صل الله عليه وسلم، سببا في تأصيل مشاعر المحبة والمودة والتآلف والإيثار في نفوسهم وقلوبهم، فأصبحوا يدا وقلبا واحدا، إن مجتمعاتنا ودولنا وأمتنا في أشد الحاجة إلى مثل هذا الإخاء الكامل والحب الصادق في الله، الذي حدث بين المهاجرين والأنصار، فلنغتنم بركة شهر رمضان الكريم لكي نتخلق بمثل هذه القيم والأخلاقيات الإنسانية والاجتماعية الرفيعة، مع نبذ التنافر والتناحر والتباغض والأخذ بأسس وأسباب الوحدة والاتحاد، حتى تستأنف أمتنا حياتها عزيزة قوية متماسكة، قادرة على الصمود ومواجهة الأزمات والتحديات وتحقيق التقدم والنهضة والريادة بين الأمم، كما كانت من قبل.

فكيف يكون الوفاء بعهدنا..!!

الوفاء بالعهد إنك باقٍ على ذلك العهد أي أنك أصبحت بالنسبة له تلك السماء التي لا يصلها أحد غيره، إنه قدم كل ما فيه لك أنت فقط، إنه اكتفى بك أنت عن سائر الخلق، إنك وحدك رفيق دربه وفي دعائه وملكٍ لقلبه، لا أحد سيبقى قريبا له من بعدك، فلا وفاء بلا حب وإخلاص، فهكذا يأتي الوفاء بأنك تتمنى سعادته، وإن كان بعيداً عنك، تضحك معه ولو كانت لديك أحزان، أن تكون سنداً له وغيثاً يمطر عليه كل ما مرت عليه سحابة غيم في حياته، هكذا يكون الوفاء بعهدنا..

وهناك وفاء لأشخاص لا يستحقون النسيان منا وتركوا أثراً جميلاً وعطراً يبقي عبقة أمداً طويلاً، بأن تكّنُ له الحب والوفاء فلولا الحب لما وجِد الوفاء، حتى بعد فراق الأحبة يبقي الوفاء..

الوفاء يعني نتذّكر الأشخاص والذكريات الجميلة، هنا يكون الوفاء، وإن ابتعدنا لكن بقناعة من داخلنا، فعندما نتذّكر لحظات الحب نحترم تلِك اللحظات، التي جمعتنا.

ونتمنى الخير لبعض دائماً، وليس من الضرورة لكل قصة لها نهاية سعيدة قد تكون نهايتها فراقا.. لكن فراقا بأرقى المعاني وبقاء تلك الذكرى الجميلة، التي عشناها معهم، فإننا لم نؤذ الفراق باللوم والحسرة، إنما بكلمة وفاء على ذاك العهد والوعد ختمناها، إنك عهدته ووعدته بأنك تحافظ على كل شيء كذكرى جميلة، فما أجمل الوفاء فعلاً..

في زمن قل الوفاء مع الأهل والأقارب والأصدقاء، فالبشر بلا وفاء وإخلاص كجسد بلا قلب..

في زمننا الآن نسأل أين الصدق بالوعود؟! وأين الوفاء بالعهد؟!

لا تجعلوا مر السنين يؤثر عليكم، في وفائكم وإخلاصكم وحبكم لمَنْ تكنون لهم الحب والوفاء الصادق..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تقعُ أشياءٌ مُتعددة ٌ ضمن الأخلاقِ الفاضلةِ أو مكارم الأخلاقِ ، فمثلاً هنالك (الإحسانُ إلى الخلقِ) فيأتيك من يقول مقولةً اشتهرت على ألسنةِ كثيرٍ من الناسِ – و ما هي بحديث نبوي شريف – ألا وهي “اتق شر من أحسنت إليه” فهذه المقولة تحتاج إلى ضبْطٍ و إلا فإن اتخاذها كقاعدة سلوكية فيه إقفالٌ لبابٍ من أبواب الخير بمخالفتها أمر الله سبحانه و تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى…) و مِن بديهيات الحياة أن الإحسان ينفعُ مع الكِرام “إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ ** وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا” أما اللئام فيمكن تجربة المدافعة بالحسنى معهم – لعل و عسى أن يتحولوا للأفضل- قبل أن ننفض أيدينا منهم .
    من المؤسف أننا رأينا تراجعاً خطيراً لِخُلُقٍ كريمٍ في مجتمعاتنا الحالية وهو خُلُقُ ((الوفاء)) المرتبط بخُلُق (( الإحسان)). معلومٌ أن الوالدين قد أحسنا لطفلهم أو لطفلتهم أثناء صِغرِهم فحين يصلان إلى سنَ التكليف يكون واجباً عليهما تعلَم آيات كريمة مشهورة مثل (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…) و (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا…). إن قاعدة العدل الربَانية (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) سارية المفعول في الدنيا و الآخرة . في هذا العصر ، ينتشر وهمُ المعرفة لدى الأجيال الشابة فيظن أكثرهم أنهم يعرفون و يفهمون و هم لا يمتلكون سوى معرفةٍ سطحيةٍ و فهمٍ مفتقدٍ للعُمْق . تكون نتيجة الوهم وخيمة من حيث التطاول على الوالدين و قلة احترامهم و سوء الأدب معهم تحت شعار السينما المصرية (بابا و ماما دقَة قديمة) و بالتالي يستنتجون – بسفاهة – ضرورة التمرد عليهم و عدم الوفاء لهم بشيء أي يجري تجاوز أمر الله بالعدل و بالإحسان معهم و هو مسلكٌ سيقودهم حتماً إلى الهاوية .
    يوجد سوءُ فهمٍ لدى الأجيال الشابة للحديث النبوي الشريف (جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟. قال: أمك. قال: ثم من؟. قال: أمك. قال: ثم من؟. قال: أبوك) حيث يتصور بعضهم أن أحدهم يكفيه حُسن الصحبةِ مع الأم أما الأب فلا قيمة له . في الحديث الشريف الذي رواه أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالدُ أوسطُ أبواب الجَنَّة) ، ثم قال: فإنْ شئتَ فأضِعْ ذلك الباب أو إحفظْه. معنى ذلك و بما أن الجنة لها 7 أبواب فإن الباب الرابع هو باب الوالد – 3 أبواب عن يمينه و 3 عن شماله – فلو أغضب ولدٌ أو بنتٌ الأب فإنهما سيجدان باباً مُوصداً إلى الجنة .
    الوفاء مع الناس يأتي بعد الوفاء مع الوالدين ، و من ذلك الوفاء لمن علَمونا في المدارس أو الجامعات و كذلك الوفاء مع الأقارب و الجيران بل و مع أصحاب الأقارب . من الأحاديث الشريفة -التي هزتني من الأعماق و تركت في نفسي أثراً إيجابياً بالغاً منذ مطلع الشباب و حتى صرت رجلاً عجوزاً كبير السنَ- هذا الحديث الذي روته أمَنا أم المؤمنين السيَدة عائشة رضي الله عنها و عن أبيها :
    (جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ . فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ ، كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت : بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ ؟! فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حُسنَ العهدِ من الإيمانِ) .
    يا إلهي ما أروع هذا الحديث الذي يصفع أولئك الذين يعتبرون العجائز بلا قيمة أو استحقاق وفاء و عِبئاً يتمنون رحيله سريعاً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى