مقالات

حذاء الطنبوري وبيادة “العسكوري”

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

بعد أن كسر الدولار حاجر الثلاثين جنيه مصري لأول مرة في تاريخه فقد طالب النظام الانقلابي الشعب بشد الأحزمة على البطون ، وضرورة الصبر على الإجراءات الاقتصادية، ونحب أن نؤكد هنا على أن ما حدث من انهيار للاقتصاد والجنيه المصري لم يكن ليحدث لولا فشل وفساد وحماقة النظام الانقلابي التي لم تختلف كثيراً عن حماقة “أبي القاسم الطنبوري” صاحب الحذاء المشهور، والذي ظل يلبسه لمدة سبع سنين، حتى تمزق، وكان كلما تمزق منه موضع جعل مكانه رقعة، حتى صار الناس يضربون به المثل.
فالنظام الانقلابي كلما شعر بالإفلاس طلب قرضا حتى بلغت نسبة ديون مصر إلى ناتجها المحلي الإجمالي نحو 99% (بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية) مما وضعها في أعلى مستوياتها منذ عام 2013؛ الأمر الذي عزز إضعاف العملة المحلية (الدولار 32 جنيها رسمياً وليس السوق السوداء).

وفي الوقت الذي تصف وكالات التصنيف الدولية ديون مصر “بالكارثية”، فلا يزال وزير مالية الانقلاب “محمد معيط” يدّعي قوة اقتصاد مصر رغم كل التحديات !!! ، منتقداً كل التقارير السلبية التي صدرت عن أوضاع الاقتصاد المصري .
واستكمالا لغرائب “الطنبوري” التي تشبه غرائب النظام الانقلابي في مصر إلى حد كبير فقد قالوا : أن الطنبوري دخل يوماً سوق الزجاج فأغراه أحد السماسرة بأن يشتري حمل زجاج مذهب كاسد لدى التاجر فاشتراه بستين ديناراً ، ثم دخل إلى سوق العطارين فأغراه سمسار آخر بماء ورد فاشتراه أيضا بستين ديناراً أخرى ، وملأ به الزجاج المذهب وحمله وجاء به فوضعه على رف من رفوف صدر بيته .
وفي يوم من الأيام دخل الطنبوري الحمام يغتسل فقال له بعض أصدقائه : يا أبا القاسم : لوتغير حذاءك هذا؟ فإنه في غاية الشناعة ، وأنت ذو مال بحمد الله ، فقال له أبو القاسم : الحق معك .
فخرج من الحمام ولبس ثيابه فرأى بجانب حذائه حذاءً آخر جديدا فظن أن الرجل من كرمه اشتراه له فلبسه ، ومضى إلى بيته ، ولكن الحذاء الجديد كان للقاضي ، الذي جاء في ذلك اليوم إلى الحمام و خرج ففتش عن حذائه فلم يجده ؛ فقال : من لبس حذائي و لم يترك عوضه شيئاً؟ ففتشوا فلم يجدوا سوى حذاء أبي القاسم الطنبوري !! فعرفوه ؛ لأنه كان يضرب به المثل !فأرسل القاضي خدمه إلى بيت الطنبوري ، واقتحموا بيته فوجدوا حذاء القاضي عنده ؛ فأحضره القاضي ، وضربه تأديباً له ، وحبسه مدة وغرمه بعض المال ثم أطلقه ، فخرج أبو القاسم من الحبس ، وأخذ حذاءه وهو غضبان ، ومضى إلى نهر دجلة فألقاه فيه ؛ فغاص في الماء فأتى بعض الصيادين ورمى شبكته ، فطلع فيها فلما رآه الصياد عرفه ، وظن أنه وقع منه في دجلة ، فحمله وأتى به بيت أبي القاسم فلم يجده ، فنظر فرأى نافذة إلى صدر البيت فرماه منها إلى البيت فسقط على الرف الذي فيه الزجاج فوقع وتكسر الزجاج وتندد ماء الورد !!! .

تابعنا في فيسبوك


جاء أبو القاسم ونظر إلى ذلك فعرف الأمر ؛ فلطم وجهه وصاح يبكي ويقول : وافقراه ، لقد أفقرنا هذا الحذاء الملعون !! فأراد أن يحفر له في الليل ويدفنه فيها ويرتاح منه ؛ فسمع الجيران صوت الحفر فظنوا أن أحداً ينقب عليهم ؛ فرفعوا الأمر إلى الحاكم ؛ فأرسل إليه وأحضره وقال له : كيف تستحل أن تنقب على جيرانك حائطهم؟ وقام بحبسه ، ولم يطلقه حتى غرم بعض المال ! ، ثم خرج من السجن ومضى وهو غاضب من الحذاء ، وحمله إلى كنيف الخان ورماه فيه فسد قصبة الكنيف [هي أنبوب المجاري في عصرنا الحاضر] ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة !! وبحثوا عن السبب فوجدوا حذاءً هو الذي سد الكنيف ، فتأملوه فإذا هو حذاء أبي القاسم !! فحملوه إلى الوالي ، وأخبروه بما وقع ؛ فأحضره الوالي ووبخه وحبسه ، وقال له : عليك تصليح الكنيف ! فغرم جملة من المال تأديباً له ، وأطلقه ! ، فخرج أبو القاسم والحذاء معه ، وقال وهو مغتاظ منه : والله ما عدت أفارق هذا الحذاء ، ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف ؛ فرآه كلب فظنه رمة فحمله ، وعبر به إلى سطح آخر فسقط من الكلب على رأس رجل فآلمه وجرحه جرحاً بليغاً ! فنظروا وفتشوا لمن الحذاء؟ فعرفوا أنه لأبي القاسم !! فرفعوا الأمر إلى الحاكم فألزمه بالعوض ، والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه ، فنفد عند ذلك جميع ما كان له من مال ، ولم يبق عنده شيء ، ثم إن أبا القاسم أخذ الحذاء ومضى به إلى القاضي ، وقال له : أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارءة شرعية ، على أنه ليس مني ولست منه، وأن كلا منا بريء من صاحبه ، وأنه مهما يفعل هذا الحذاء لا أؤاخذ به أنا ، وأخبره بجميع ما جرى عليه منه !! .


أعتذر عن الإطالة ، ولكن من يتأمل حال الطنبوري وحذاءه .. يجد أنه يشبه لحد كبير حال النظام الانقلابي الذي ضيع البلد ، وأدخلها في أزمات اقتصادية خانقة ، ومع ذلك ما زال يعقد صفقات لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات !! ، ولايزال يقترض ويفتح باب الاستدانة على مصراعيه ، وأصبحت العيشة لا تطاق في أرض الكنانة بعد أن أصبحت الأسعار تحرق المواطن بلهيبها فضلاً عن انهيار التعليم والصحة .
وأخيرا يأتي الرد من زعيم الانقلاب على كل هذه الكوارث بقوله : “بطلوا هري” !! .
ثم يأتي أحد كلاب الصهاينة “إيلي كوهين” ليتندَّر على المصريين مخاطباً إياهم قائلا : أعطونا قناة السويس يا مصريين ونحن نتكفل بديونكم الخارجية!! .
ولله الأمر من قبل ومن بعد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. في واقع عالمنا المُعاصِر ، وُجِدت عصاباتٌ أنشأت شركاتٍ و هذه الشركاتُ بِدوْرِها أقامت دُولاً تتبنى قوانين وضعية – أي من وضع البشر – لتنظيم العلاقات بين الناس . في هذه العملية ، كان هنالك تسلس لتفاهة الباطل أي من الشركات إلى الدُول إلى القوانينِ و إلى الأنظمةِ .
    كان من الطبيعي ، أن لا يظهر رؤوس العصابات في الصورة و أن تكون سيطرتهم خفيةً من وراء الكواليس – و خاصةً في البلدان الأقوى عسكرياً و مادياً – لأنهم رؤساء عصاباتٍ إجرامية تهتم بتعظيم ثرواتها على حساب الآخرين عندهم و خارج بلدانهم بطُرقٍ شريرة لا تقيم وزناً لدينٍ أو لضميرٍ أو لخُلُقٍ . يُسمَونهم في بلاد الغرب (éminence grise) أو (القوة خلف العرش) أو (صُنَاع الملوك أو الرؤساء) و كلَ ذلك عندهم يجري من خلال “لعبة” تسمى ديمقراطية و الأدق أنها ديموخراطية لأن المواطِن عندهم فيما تسمى الانتخابات يكون موضوعاً في قالب (choix entre les diables) أي (الاختيار بين الشياطين) ، و بما أن الصُنَاع الأثرياء المتخفين – من حيث التحكم و التوجيه – يسمحون لأشخاص بعينهم بخوض الانتخابات فإن المواطن يُقنِع نفسه بخيار (الشيطان الذي تعرفه خيرٌ من الشيطان الذي لا تعرفه) !!
    زيادة ثروات أقوى عصابات متحكمة في أقوى بلد على حساب أهل بلدهم تخضع عند تلك القلَة لمساومات حول توقيت من تكون لدى أحدها الفرصة في وقت معيَن و يجري اتفاق بينها ،ففي وقت تكون للعصابة التي تمتلك شركات صناعة الأسلحة و في وقت آخر للعصابة التي لها شركات تصنع السيارات … و هكذا. مثلاً ، في إحدى الفترات كان شرط تسليم “نيكسون” الرئاسة سنة 1969– كما أفادني عربي أمريكي حينئذ – أن يتعهد للعصابات بتمرير رفع أسعار منتجات غذائية على رأسها حليب الأطفال !
    نمو ثروات العصابات المتحكمة بالبلد الغربي الأقوى عسكرياً على حساب الآخرين خارج تلك البلد حاصلٌ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، لكن لضمان استمرار نمو النهب –و بشكل متضخم – صار الهدف تكوين إمبراطورية عالمية واسعة تسيطر عليها الشركات الكبرى العابرة للقارات أي منظومة تسمى ( Corporatocracy) تتمَ من خلالها الهيمنة على خزائن البلدان الأخرى و مقدَرات شعوبها و ثرواتها الطبيعية و أصولها لتصبَ كلها في صالح بلد المركز .
    آليات عملية الهيمنة متعددة “من ضمنها” إقامة المشاريع الكبيرة المفتقدة للجودة و تشجيع السياسات الاقتصادية الخاطئة و نقل صناعات استهلاكية لبلدان أخرى وشراء سلاح خُردة و توظيف الطراطير النواطير لنهب المال العام في بلدانهم بوسائل شتى و إيداع ذلك المال في مصارف داخل البلد الأقوى أو مصارف تابعة لهذا البلد في قارات أخرى … الخ .
    في إحدى بلدان إفريقيا ، نهب أشقاها – الذي استمر تحكمه 42 عاماً – ما يزيد عن تريليون “ألف مليار” دولار و أرسلها للخارج و ترك بلده فقيراً و في إحدى بلدان غرب آسيا ، نهبت عائلة متحكمة من طائفة أقلوية – منذ 53 عاماً- ما يزيد عن 3 تريليون دولار و أرسلتها للخارج . في كلتا الحالتين ، ذهبت الأموال المنهوبة إلى ما يسميه بعض الأوروبيين (الثقب الأسود في البلد الذي لا يشبع).
    أعلاه مثالان فقط عن (الاغتيال الاقتصادي للأمم) و هو عمل ممتد من اندونيسيا شرقاً إلى بنما غرباً و يشمل مصر ، و العمل هذا تحت إشراف قراصنة اقتصاد و خبثاء مخابرات . هؤلاء يستمرَ عملُهم حتى تتمَ عملية تخريب البلد المُستهدف بشكل كامل من دون أيَة شفقة أو رحمة بما يفوق الغابة المتوحشة التي يفترس فيها الحيوان القوي الحيوانات الضعيفة … يفوق لأن الحيوان القوي يتوقف عن الافتراس عند الشبع و هؤلاء المجرمون لا يشبعون و لا يتوقفون إلا إذا تحرر الناس من استعبادهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى