اقتصاد

البرازيل والخروج المشرف

د. محمد زويل

محاضر جامعي – باحث استراتيجي
عرض مقالات الكاتب

ماذا يراد للبرازيل اليوم بعد انتخابات ديقراطية أعادت لولا دي سيلفا للرئاسة مرة ثانية فيقوم الشعبويون الجدد باستبداد عجيب بالانقلاب على الديقراطية التي هي حق الشعوب الحرة أن تعيش وفق ما تختارمن حكام ونهج اقتصادي وسياسي.. لا سيما وقد رفض الجيش دعوات أنصار مؤيدي الرئيس السابق بولسونارو “الذي فر إلي الولايات المتحدة الأمريكية ” لمنع تولي الرئيس الجديد السلطة في أكبر بلد بأمريكا اللاتينية. وذلك بعيد الإنتخابات الرئاسية التي جرت في البرازيل وسط انقسام حاد ومخاوف من أن يكرر أنصار الرئيس الأمريكي السابق بولسوناريو سيناريو اقتحام دونالد ترامب مبني الكونجرس في السادس من يناير 2021 في لمنع تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.

شروط صندوق النقد الدولي  

ومن المعلوم أنه في الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة.. فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولي معتقدة أنه الحل لأزمتها الاقتصادية. وطبعا طبقت حزمة الشروط المجحفة للصندوق مما أدى إلى  تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين والغاء الدعم وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية… 

ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط.. تفاقمت الأزمة اكثر واكثر وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي، وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة… فتدهورت الأمور أكثر وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين والأكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم (الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة) حتى هدد صندوق النقد باعلان إفلاس البرازيل لو لم تسدد فوائد القروض ورفض إقراضها أي مبلغ فى نهاية 2002… وانهارت العملة (الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو)..  دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة.

دي سيلفا بطل المرحلة 

حتى جاء عام 2003 … وانتخب البرازيليين رئيسهم (لولا دا سيلفا)..  ولد فقير وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال (كان يعمل ماسح أحذية).. أول ما مسك الحكم الكل خاف منه.. رجال الأعمال قالوا هذا سوف ياخد أموالنا ويأممننا، والفقراء قالوا هذا سوف يسرق كي يعوض الحرمان.. لكنه لم يفعل ذلك… وإنما؟؟

قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس أن أفقر الجميع، بل هو إن الدولة تستغنى عن كتير من الرفاهيات لدعم الفقراء.. وقال كلمته الشهيرة (لم ينجح أبدا صندوق النقد إلا فى تدمير البلدان)… واعتمد على أهل بلده.. وضع بند في الموازنة العامة للدولة اسمه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5% من الناتج القومي للدولة.. يصرف بصورة رواتب مالية مباشرة  للأسر الفقيرة.. يعنى بدل الدعم العيني بدعم نقدي، وهذا الدعم كان يدفع ل 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلي هذا الدعم كان 735 دولارًا، طبعا السؤال من أين والبرازيل مفلسه؟!!

لأنه زاد الضرائب على الجميع (ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات).. يعني رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب، والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة؟! تخيل أنهم كانوا سعداء لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الأراضي مجانا وتسهيل التراخيص وإعطاء قروض بفوائد صغيرة مساعدتهم فى فتح أسواق جديدة (بالإضافة إلى أن الفقراء دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية  شراء منتجات رجال الاعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم).. بذلك لم يشعروا أنها جباية.. بل يدفعوا ضرائب مقابل تسهيلات أصبحوا يكسبوا أكتر منها. 

نتائح ديمقراطية البرارزيل 

بعد 3 سنين فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معاهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل، في 4 سنوات سدد كل مديونية صندوق النقد… بل إن الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية فى 2008 بعد 5 سنين فقط من حكم لولا دا سيلفا. (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر افلاس البرازيل فى 2002 ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض) 

بفضل تركيز “دا سيلفا” على 4 أمور، بعد إعلان تقشف الحكومة.. الصناعة.. التعدين.. والزراعة وطبعا التعليم.. البرازيل وصلت لسادس أغنى دولة في العالم فى آخر عام لحكمه.. وأصبحت تصنع الطائرات (أسطول طائرات الإمبريار برازيلية الصنع) … 

احترام الديمقراطية 

بعد انتهاء ولايتي حكم لولا في 2011… وبعد كل هذة الانجازات الحقيقية طلب منه الشعب أن يستمر ويعدلوا الدستور رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة “البرازيل ستنجب مليون لولا.. ولكنها تملك دستورا واحدا “وترك الحكم”. 

النهوض ليس مستحيلاً 

النهوض من التخلف ليس مستحيلاً، إنها إرادة وإدارة. ويحدث فى سنوات معدوده فقط والطريقة معروفة ومحددة تقشف الحكومة، الصناعة والزراعة، والاهتمام بالفئات الفقيرة والتعليم، لا شئ آخر، وهذا ما عملته ألمانيا واليابان فى الستينات.. وهذا ما عملته دول شرق آسيا فى الثمانينات.. وهذا ما عملته الهند في التسعينات، هذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003، وهذا ما تعمله الآن اثيوبيا ورواندا فى 2015.

أردت أن أخبركم أن البرازيل دشنت بالأمس القريب أول غواصة نووية (فقط 5 دول فى العالم بتصنع غواصات نووية روسيا – أمريكا – الصين – بريطانيا – فرنسا) … أول غواصة برازيلية كانت بالتعاون مع فرنسا.. ولكنها ستدشن الغواصة الثانية في 2020 والثالثة في 2022 بصناعة برازيلية خالصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى