مختارات

جُرعة وعي

ذرى كفاح _كاتبة عراقية

يقضي معظم الناس حياتهم نائمين، وفي لهو الدنيا وزينتها يتقلّبون، حتى يصيب سهم الحظ أحدهم فيستيقظ من غفوته لبرهة وجيزة قبل انتهاء رحلة عمره. فيصعد بوعيه إلى منطقة حياد يتمكن فيها من النظر الى جسمه وروحه وكيانه، ويتحول من حالة النائم إلى حالة الناظر لحياته من زاوية مرتفعة يتمكن خلالها من التقييم ويتمتع فيها بالصفاء ووضوح الصورة. إحساس غريب كأنه يرى حياته لأول مرة، وقد يهوله ما يرى! مذابح دامية وبقايا معارك طاحنة خرج منها بجسده المعنوي مغلفاً بجراح لا يفتأ بعضها ينزف كلما مرت عليها مصابيح الذكرى.

تابعنا في فيسبوك

وهنا ينقسم البشر إلى نوعين، نوع يعود من هذه “الصحوة” إلى حياة روتينية تأسر مشاعره في سجن عميق، يقضي الدقائق والأيام في نسق رتيب متواتر يستمد منه الأمان ويقلل سقف توقعاته إلى الحد الأدنى، ليمنح نفسه شعوراً بالراحة المؤقتة غير الحقيقية، التي لا يلبث أن يزول تأثيرها عند أول منعطف للظروف.

ونوع آخر أكثر شجاعة في مواجهة نفسه والعالم؛ يستغل هذه اللحظات كنافذة تفتح على روحه، إذ أن توظيف هكذا لحظات يتطلب جبالاً من الشجاعة والوعي لاتخاذ قرار التوقف وإعادة التنظيم وانتهاز الفرصة للتغيير الحقيقي.

هذا النوع من الحظ يصيب الناس على السواء بمقادير لا تختلف من شخص إلى آخر إلّا بما يفسره عقل المتلقي للإشارة، فالبعض يراها نقمة وكدراً لا يطيق الانتظار للتخلص منه، والبعض الآخر يوظف لحظات الوعي هذه إلى فرصة لتغيير الطريق نحو سعادة حقيقية دائمة لأن التغيير معها يأتي بشكل تدريجي ثابت لا يعود الإنسان معها إلى ما كان عليه قبلها فيقف على ناصية الأمل… ويقاتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى