ثقافة وأدب

“لاطلع عراس الجبل واشرف على الشيفونية”.. أغاني حصاد الغوطة الشرقية

أحمد عبد الحميد|

(منجيلي يا قاطع ** أجا أيار لا تمانع)
( تموز تموز الحصيدة)

الحصيدة كما هو معروف من الأعمال المتعبة وخاصة في النهار إذ يكون زمنها في شهر حزيران وتموز. وكم كان الريفيون يصطحبون معهم أسرهم قبل شروق الشمس حتى الصباح أو بعد غروب الشمس مباشرة إلى ما بعد منتصف الليل، هذا إذا كانت الليلة مقمرة..
تنتشر في أجواء الحصاد الأغاني الفلكلورية للترفيه والتسلية ففي الغوطة الشرقية مثلا التي عرفت بسلة دمشق الغذائية وخزانها الزراعي انتشرت أغان مليئة بمواضيع الغزل والحث على العمل ومخاطبة الشباب والشكوى من الحياة والزمن ورغبة الحصادين في تحقيق الراحة والاستقرار:
غزال لاح بالضيعة
يا عيني وين الدميعة؟
حصيدتنا بتنادي
بتنادي على الربيعة
القمح لونو دهب والسنابل لميعة والحاصودة بتغني
وينن ووين السميعة
هاد الحقل يا خيي
والدنيا حدي وسيعة
يا خيي وين الشباب
يا خيي وين الجميعة؟

********************************************

(هي حصدتنا ماهي لجارتنا)
رَبُّ أسرة فلاحية يتمثّل هذا المثل الشعبي مصورا حالة أولاده الكسالى..
ماذا يفعل بالحصيدة؟
ينادي ويناجي دون مجيب:

باب الدار يا باب الدار
هذا القمح للزنار
ولسا الحصادي بالبيت
عم بيلعبوا كبار صغار
شي بيتقيل شي بفيق
شي بيقول الدنيا سرار
واحد منهن عم بقول
لسا ما غار (الغرّار) أي: (النجم)
وواحد لسا بالفرشة
يا حسرتي الدنيي نهار
واحد عم بيرفع صوته
ماني رايح مهما صار
والاب عم بيجي ويروح
ويترتر يا ولادي النار
حصيدتنا راح تهر
ونحنا لسانا بالدار

تناقلت قرى الغوطة الكثير من الأغاني واختصت كل قرية بأغان درجت أكثر من غيرها، فمثلا تناقل سكان بلدة الشيفونية والتي تعتبر من أجمل قرى الغوطة هذه الموليا التي حضرت في الحصاد والنقل والتعبئة:
لاطلع عراس الجبل واشرف على الشيفونية
وألقى خيول العرب بالمرج ملمومية
من هون للشيفونية من هون لشيفونية
يا قمحنا بالمرج وسنابل دهبية

في قرية الريحان أيضاً انتشرت هذه الأغنية كثيرا، ودارت على الألسنة:

رايح عالدار خُلاني
والسبل ما خلاني
والحاصودات تغني
كل وحدة مالتاني
يلا يا أحبابي يلا
طلع الشعر علساني
يا عيني عالسنابل
مضواية بتستناني
غنوا يا رفاقي غنوا
والدنيا بدها غناني
الحصيدة بدها تعب
ما هي كاني ولا ماني

ساعتان أو ثلاثة تبدأ الهمم بالفتور فينطلق الجمع للمسابقات الكلامية والأهازيج بصوت قوي لإشعال الحماس والنشاط ما بين أغاني الحب والنجوى والشوق وأغاني الحزن والشكوى:

عالعين يم الزلف عيني ياموليا
ياروح لاتسرحي استنيلك شويا
وتصيح يا ربي وتصيح يا ربي رميتيني بالهوى ترمي معي حبي وشعير ماعندنا برغل ولا حبة
إلا جريش الدرة نطبخ لبنية

على الطرف الآخر حصادون أنهكهم التعب بعد يوم طويل وراحوا يطلقون أهازيجهم علّها تلقى آذانا صاغية صاحب العمل:

يا معلم حلنا لما منهرب كلنا
يا معلم حلنا وعالحلة حلنا
من زخيخات العرق
حتى مخنا اندلق
منهرب عنهر النابوع
يلعن أبوها للجاروع

والجاروع في مصطلحات الريفيين: إنهاء الحصاد
فكان يقال (يا محلى الجورعة منكرع اللبن كروعة)
(وجورعة وتكميلة ما عاد نميل ولا ميلة) أي: أكملنا حصادنا ولن نعود للميل وأحناء أجسادنا.

مازال الكثير من أجدادنا وأبائنا المهجرين على أمل العودة إلى أراضيهم وزراعتها، وترديد تلك الأغاني الفلكورية، بعد الشفاء من سرطان الأسد يومئذ لا مكان للأحزان والهموم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى