مقالات

لن نستسلم.. نموت أو ننتصر

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


لقد أثار لقاء وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات التركيّة مع نظرائهما من النظام السوري برعاية روسيّة موجة عارمة من الغضب وتسبّب بحالة من الذهول عند البعض و بالإحباط عند البعض الآخر وزاد في الطين بلّة التلاعب بالتصريحات الرسميّة التركيّة التي صدرت عقب الاجتماع من تأويلٍ أو اجتزاء بما يخدم مصالح أصحابها وقد صمتت المعارضة السوريّة صمت أهل القبور عمّا يحدث رغم مطالبة جماهير الثورة لها ببيان ما يجري ليأتي الرد الثوريّ على ما كل يجري من قبل أهل الثورة وحاضنتها في الساحات من خلال المظاهرات التي شهدتها المدن والقرى المحرّرة اليوم الجمعة .
بدايةً يجب أن نوضِّح بأنّ الثورة لا تُقاس بالشِبرِ ولا بالمِترِ ولا بالعُدّة ولا بالعدد و لا بكثرة الحلفاء وعديد الأصدقاء الثورة نورٌ لا يحدّه حيّز و جذوة من نار لا تنطفئ أبداً تنتقل من يدٍ لأخرى لذا فإنّ الحيّز مهما اتسع أو ضاق يبقى بالنسبة للأحرار سجن و إنّ العُدّة و العدد مهما بلغا من القوة والكثرة يبقيان أمر نسبيّ و إنّ التحالفات و الصداقات تحكمها المصالح و المنافع و من طبيعتها التبدّل و التغيّر وعليه فإنّ الحيّز والعدّة و العدد والكمّ و التحالفات والصداقات هي أمورٌ متغيّرات و حيث أنّه لا يُبنى على متغيّرٍ حُكم و أنّ الأحكام تُبنى على الثوابت اليقينيّة والثابت الوحيد في هذا الصراع ’’ الدوليّ ’’ هو ثورتنا و مبادئها ومن حملها من أبنائها بصدق و أمانة وإخلاص وهو المعوّل عليه في الحكم بالنصر أو الهزيمة.

اقرأ: رفضاً للمصالحة مع الأسد وتأكيداً على مبادئ الثورة.. مظاهرات شعبية تعم الشمال السوري


وبالتالي فإن خسارةُ مساحة من الأرض، أو قِلّة في المال والعتاد، أو نكوص بعض الأبناء، أو خذلان الحلفاء، أو غدر الأصدقاء لا تجري في حسابات النصر والهزيمة، فكثير منها ما كان عبئاً ثقيلا على الثورة وأبنائها الحقيقيّين، وزوال هذا العبء هو خير وانفع لهما لأنّه يحرّرهما من كثير من القيود التي أرهقتهما.
أمّا بالنسبة لردود الأفعال فقد وجدنا أن هناك من يستغلّ ما يحدث، لإسقاط الرئيس أردوغان، وهناك من يريد إسقاط تركيا، وآخرون يريدون إسقاط المعارضة أو إعادة هيكلتها، وهناك من يريد المصالحة مع نظام أسد، وكانت الغلبةُ الغالِبة لمن يريد إسقاط النظام، وهم أولياء الدمّ وأصحاب الحقوق، وحُماة الثورة.
لهم سيادتهم وسياستهم ولنا ثورتنا ومبادئنا: العلاقات الدوليّة بين الأنظمة هي شأن سياديّ داخليّ ليس لأحدٍ التدخّل به، لأن هذه العلاقات تحكمها قواعد القانون الدوليّ من جهة والمصالح والمنافع المشتركة من جهةٍ أخرى، وتأتي الاجتماعات التركيّة الرسميّة مع النظام السوريّ في هذا السياق وعلينا كسوريين أحرار أن نحترم هذه القرارات السياديّة.


وعلى المُجتمع الدوليّ أن يوقن بأن هذه المعارضة التي يتبنّاها لا تمتلك الشرعيّة التّامّة، ولا التفويض الشرعيّ لتمثيل كل أطياف الثورة فهي لا تمثِّل إلّا نفسها و بألّا يُعوِّل عليها في شيء و أن يضع في حسبانه موقف وردّة فعل كل من لم يفوّضها أو من لا تمثِّله وهم ’’ الأكثريّة العظمى ’’ عند اتخاذ القرارات المصيريّة.
وكما للدول سيادتها للثورة أيضاً ’’ سيادتها ’’ فسيادة الدول تتجلّى باستقلال قرارها السياسيّ، وسيادة الثورة وبما أنّها قرار الشعب تتجلّى في استقلال هذا الشعب، وكما للدول الحقّ في البحث عن المصالح والمنافع والدفاع عنها، فللثورة وأهلها الحقّ بالتمسّك بثوابتها ومبادئها، ولهم الحقّ بالدفاع المشروع عنها بكل الوسائل المشروعة.
وعليه فإنّ ما يهمّنا بيانه نحن أبناء الثورة في معرض الاجتماعات البينيّة بين السلطات التركيّة وبين النظام هو التأكيد على مبدأ سيادة واستقلال قرار الدولة التركيّة فيما يخصّ علاقتها مع النظام، والتأكيد على حقِّنا في الدفاع عن ثورتنا وحقوقنا وحماية أنفسنا وأعراضِنا.
وعلينا أن نؤكِّدَ بأنّ النظام السوري نظام خبيث قذِر غدّار لا يؤمن جانبه، وهو يعلم تمام العلم كما حلفاؤه الروس و الإيرانيّون بأن الهدف الرئيسي لتركيا من هذه اللقاءات هو دفع النظام لمواجهة قسد ومسد وبالتالي المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة و حلفائها وبأنّهم أيضاً سيستغّلون هذه اللقاءات لصالحهم عبر عملائهم المنتشرين في تركيا و المناطق المحرّرة للتحريض ضد تركيا و ربّما القيام بأعمال تخريبيّة و اتهام الثوار و الحاضنة الشعبيّة بها لدفعهم للصدام و المواجهة مع تركيا سواءًا كانت في تركيا أو في المناطق المحرّرة ممّا يوجب علينا الحذر في التعاطي مع الأمور ومعرفة كيفيّة إدارة هذه اللعبة بحيث ألّا نضع أنفسنا بين فكّي كمّاشة النظام وحلفائه من جهة وبين تركيا من جهة أخرى و أن نؤكِّد بأنّ ما يهمّنا هو حقوقنا و ثورتنا وحماية حقِّنا بالمحافظة عليها والدفاع عنها .
’’ من تعدّد ولاؤه، أضاع نسبه ’’: أطلق البعض شعار ’’ لن نُصالح ’’ وهو شعارٌ في غير محلّة لأنّ عبارة ’’ لن نُصالح ’’ تعني أن هناك مشروع صلح بين طرفين متخاصمين، والصلح بالمفهوم القانوني والسياسي هو اتفاق بعد تفاوضٍ يُصَبُّ في صيغة عقد وربّما اتفاقيّة، والعقد الصحيح يتطلّب الأهليّة وسلامة الإرادة، وهو ما تفتقَده المعارضة السوريّة التي تصدَّرت المشهد، فلا هي تتمتّع بالشرعيّة الحقيقيّة الكامِلة، ولا هي تتمتّع بالاستقلال وحريّة إرادتها لارتباطها الخارجي المُتعدّد الولاء.


كما أطلق البعض شعار ’’ سنعيدها سيرتها الأولى، و يقوم برفع لافتات تُطالِب بتنفيذ القرار ’’ 2254 ’’ وهذا الأمر لا يستقيم مع مسار الأحداث التي نشهدها اليوم فسيرتها الأولى كانت قبل صدور القرار ’’ 2254 ’’ بخمس سنوات أي في عام 2011 هذا من جهة ومن جهة أخرى التحركات الدوليّة ومن ضمنها التحرّكات التركيّة تستند من وجهة نظرهم إلى ’’ القرار 2254 ’’ وعليه فإن المطالبة بتنفيذه ممن يعارض الموقف التركيّ لا حجّة مقبولة له لأنّه أسقطها بنفسه لمّا طالب بتنفيذه و كلنا يعلم أنّ هذا القرار هو أخطر قرار على الثورة السوريّة لأنّه قرار قابل للتأويل و التفسير الكيفي من الدول و لأنّه يتضمّن مفاهيم ودلالات غير منضبِطة أو غير محدّدة .
وأخيرا علينا كأحرار أن نؤكّد للعالم كلّه وللحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، بإنّنا ثوّار وأحرار أصحاب حقوق وأولياء دماء، نملك الأهليّة الكاملة للأداء والوجوب، ونملك حريّة الإرادة، وأن كلمتنا هي الفصل فيما يتعلّق بمصيرنا، ومصير ثورتنا، وحماية حقوقنا، وبأنّنا ماضون في ثورتنا، حتى لو تخلّى عنّا الأشقاء أو غدر بنا الصدقاء، أو نكث بنا الحلفاء، ونقول لمن يريد منّا أن نُعلن استسلامنا أو يحاول فرضه علينا، كما قال من قبل شيخ المجاهدين سيدي عمر المختار: لن نستسلم نموت أو ننتصِر.
المحامي عبد الناصر حوشان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى