تقارير

التقرير الإستراتيجي السوري (104)سوريا تُصنّف “دولة منتجة ومُصدّرة” للمخدرات

المرصد الاستراتيجي


حصاد عام 2022
الإثنين 26 ديسمبر 2022

تحوّل تصنيف سوريا مطلع عام 2022 من “دولة عبور للمخدرات” إلى “دولة منتجة ومصدّرة للمخدرات”، بحسب “مكتب منع الجريمة والمخدرات” التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وجاء ذلك التصنيف بالتزامن مع إعلان الجيش الأردني (16 يناير 2022) عن مقتل ضابط وإصابة ثلاثة أفراد من قواته بإطلاق نار قرب الحدود مع سوريا، نتيجة إطلاق: “مجموعة من المهرّبين النار على قوات حرس الحدود، وتمّ الرد بالمثل وتطبيق قواعد الاشتباك، ما دفع المهرّبين إلى الفرار داخل العمق السوري”.
وكان بيان سابق للجيش الأردني (13 يناير 2022) قد أكد إحباط 361 محاولة تسلل وتهريب مخدرات من سوريا إلى المملكة، وضبط قرابة 15,5 مليون حبة مخدر، وأكثر من 16 ألف عبوة “حشيش مخدر”، وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان دائرة الجمارك العامة الأردنية عن إحباط تهريب نحو 2,7 مليون حبة مخدر.
وكشف تحقيق أعدّته صحيفة “نيويورك تايمز” عن ازدهار تجارة المخدرات في سوريا، والتي يديرها أقارب رئيس النظام بشار الأسد، حيث بلغت قيمتها مليارات الدولارات، متجاوزة الصادرات القانونية لسوريا، مؤكداً أن قسطاً كبيراً من إنتاج حبوب الكبتاغون وتوزيعها يتم تحت إشراف الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، فيما يدير عدد من رجال النظام عمليات إنتاج المخدرات، بما في ذلك توفير خبراء خلط الأدوية، ومرافق لتصنيع المنتجات التي تخبأ فيها الأقراص، إضافة إلى ممرات الشحن في البحر المتوسط، وطرق التهريب البرية إلى الأردن ولبنان والعراق.
وفي شهر فبراير؛ أرسلت السلطات الأردنية رسالة شديدة اللهجة إلى دمشق، طالبت فيها بضبط عمليات تهريب المخدرات، مؤكدة على أن الأردن سيكون حازماً في حماية حدوده إذا لم تتصرف سلطات النظام، إلا أن دمشق لم تتخذ أية إجراءات لوقف عمليات التهريب، بل تدهور الوضع نتيجة تعزيز المهربين قدراتهم لاختراق الحدود الأردنية من جهات مختلفة، مستخدمين طرقاً وأنفاقاً سرية وطائرات بدون طيار.
ودفعت تلك التطورات بالقوات الأردنية المسلحة إلى تغيير قواعد الاشتباك على الحدود، وإعلان عزمها: “التعامل مع من يقترب من الحدود كهدف مشروع للقتل والتدمير”، ما أسفر عن مقتل 27 مهرباً للمخدرات أثناء محاولتهم التسلل عبر الحدود.
وفي 23 مايو أكد تقرير أمني غربي أن “دائرة المخابرات العامة” الأردنية وضعت مكافحة تهريب المخدرات على رأس أولوياتها في ظل تصاعد عمليات تهريب الكبتاغون من سوريا، حيث كلّف الملك عبد الله الثاني مدير دائرة المخابرات العامة، بتجنيد عملاء ينشطون في صفوف المرتبطين بتجارة المخدرات داخل الأراضي السورية، وأكد في وقت لاحق (24 يونيو) أن: “الميليشيات الشيعية في سوريا زادت عمليات تهريب السلاح والمخدرات بالتزامن مع تراجع الدور الروسي، وعودة تنظيم داعش إلى الظهور”.
وتزامنت تلك التصريحات مع إعلان السلطات الكويتية (24 يونيو) ضبط كمية كبيرة من المخدرات، كانت بحوزة أحد السوريين المقيمين فيها، حيث اعتقل جهاز “البحث والتحري” في الإدارة العامة للجمارك، وافداً سوري الجنسية، بعد أن تقدم إلى الشحن الجوي في مطار الكويت، لاستلام بضاعته، والتي عُثر بها على أكثر من 4 ملايين حبة كبتاغون، بقيمة 10 ملايين دينار كويتي (32 مليون دولار أمريكي).
وكانت الكويت قد أحبطت محاولة سابقة (5 يونيو) لتهريب سبعة ملايين حبة مخدرة، أخفيت بين أكياس بهارات وصلت من باكستان، بعدما انطلقت من سوريا، وقُدّرت قيمتها بنحو 11 مليون دينار.
وفي 20 يونيو كشفت مصادر أمنية عن انخراط الاستخبارات العسكرية اللبنانية في عملية مكافحة المخدرات في سوريا، وإيعاز رئيس الجهاز، طوني قهوجي، لعناصره أن ينسقوا مع القوات المسلحة اللبنانية، والتي قام رئيس أركانها جوزيف عون بزيارة شخصية إلى المناطق الحدودية لمتابعة مهام قواته في مكافحة أعمال التهريب عبر مدينة القصير.
وفي 20 أغسطس؛ كشف السفير السعودي في لبنان، وليد بخاري، عن ضبط السلطات السعودية 700 مليون من الحبوب المخدرة قادمة من سوريا عبر لبنان، حيث تُعدّ سوريا المصدر الأساسي للحبوب التي يتم تهريبها عبر منطقة البقاع قرب الحدود السورية-اللبنانية، والتي تعتبر ممراً لتهريب المواد المخدرة إلى السعودية.
وفي 11 سبتمبر؛ دفع تنامي أنشطة تهريب المخدرات من سوريا عبر الحدود الأردنية بالملك عبدالله الثاني لإقالة مدير الأمن العام، حسين محمد الحواتمة، بسبب “فشله في مهمة مكافحة تهريب المخدرات”، وصدر في اليوم نفسه (11 سبتمبر 2022) قرار بتعيين اللواء عبيد الله المعايطة، الذي تم تكليفه بجمع المعلومات الاستخبارية لمساعدة الأجهزة الأمنية في مكافحة عمليات تهريب الكبتاغون من سوريا، وطلب منه التعاون مع جهاز المخابرات العامة التي ينخرط رئيسها في حرب فعلية لمحاربة التهديد القادم من سوريا.
وفي 15 ديسمبر؛ أقرّ الكونغرس بمجلسيه مشروع قرار يضع إستراتيجية أمريكية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد. وتمكّن المشرِّعون من دمج المشروع بموازنة وزارة الدفاع لعام 2023، التي أقرّها مجلس الشيوخ.
ويقول المشروع الملزِم للإدارة، الذي قدّمه ديمقراطيون وجمهوريون، إن: “الاتجار بالكبتاغون المرتبط بنظام الأسد يشكل تهديداً عابراً للحدود”، ويدعو إدارة الرئيس جو بايدن إلى تطوير وتطبيق استراتيجية “لتفكيك شبكات الاتجار بها التابعة للنظام السوري”.
كما يطالب بتقديم الاستراتيجية المطلوبة أمام الكونغرس للاطلاع عليها في فترة لا تتخطى 180 يوماً من إقراره، على أن تتضمن دعم الحلفاء من دول المنطقة الذين يتلقّون كميات كبيرة من الكبتاغون خلال عمليات تهريبها.
التدهور الاقتصادي يعصف بالبلاد
أكد وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة (11 يناير 2022)، أن سوريا تحولت من بلد مصدر للنفط إلى مستورد، مشيراً إلى أن هذا القطاع -الذي كان حاملاً للاقتصاد الوطني- قد تحول الآن إلى عبء على الخزينة نتيجة استيراد كامل احتياجاته، وقدّر خسائر سوريا من الغاز بنحو ملياري متر مكعب، مبيناً أن كل احتياجات البلاد أصبحت مستوردة وتحتاج إلى قطع أجنبي، ومقدراً خسائر قطاع النفط خلال العقد الماضي بنحو 93 مليار دولار.
وفي 16 يناير 2022؛ كشفت معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية والعلاقات الدولية في حكومة النظام، رانيا أحمد (16 يناير 2022) عن تجاوز عجز الميزان التجاري السوري مبلغ 3,3 مليار يورو، فيما تحدث عضو لجنة “تجار ومصدري الخضار والفواكه” بدمشق، محمد العقاد، عن تراجع صادرات الخضار والفواكه السورية إلى دول الخليج والعراق بنسبة تزيد عن 60 بالمئة.
وأصدرت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” بالاشتراك مع “برنامج الأغذية العالمي” تقريراً (28 يناير 2022) عن “نقاط الجوع الساخنة في العالم”، حدد فيه سوريا ضمن 20 نقطة ساخنة للجوع في العالم. وصنف التقرير سوريا ضمن المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC5) وهو ما يتطلب اهتماماً أكثر إلحاحاً، حيث يتعرض السكان للجوع والموت.
وكان نائب رئيس مديرية العمليات بالأركان العامة الروسية، ستانيسلاف غادجيماغوميدوف، قد تعرّض لانتقادات لاذعة من قبل موالين للنظام بعد أن أدلى بتصريحات حول سوء الأحوال المعيشية في سوريا (15 فبراير)، مؤكداً أن مستوى معيشة السكان في سوريا يستمر في الانخفاض بسبب العقوبات الأمريكية، وأن الأوضاع كانت أفضل عندما كانت الحرب لا تزال مشتعلة في سوريا.
وفي 22 فبراير؛ تحدث تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عن تأثير الفقر والخوف على زيادة أعداد الراغبين في الهجرة من محافظة الرقة، مؤكداً أن المواطنين يلجأون إلى بيع عقاراتهم لتأمين مبلغ السفر إلى تركيا، بينما يستمر أصحاب الدخل المحدود من الأهالي بالمكافحة لأجل البقاء في ظل استمرار تدهور الوضع المعيشي في المنطقة.
وأكد التقرير مغادر نحو 3000 شخص إلى تركيا، فيما يعيش عد كبير من أبناء المدينة على أنقاض منازلهم المدمرة، نظراً لعجزهم عن إعادة بنائها، حيث يقدر مسؤولون أن نحو 30 بالمئة من المدينة ما زالت مدمرة، فيما يشكل امتلاك المال والعقارات في الرقة خطراً على حياة أصحابها، إذ شهدت المنطقة العديد من حالات الخطف للحصول على فدية.
أما في الحسكة، ففد أكد تقرير صادر، في 2 مارس 2022، عن مبادرة (REACH) مواجهة نحو 90 بالمائة من عائلات المحافظة صعوبات في تأمين احتياجاتها اليومية من الغذاء، وأن نحو 95 بالمئة من العائلات تعجز عن تأمين حاجتها من المياه، فيما تعاني 66 بالمئة من العوائل صعوبات في العثور على سكن، وتواجه نحو 70 بالمئة من عائلات النازحين مخاوف تتعلق بالسكن والأراضي والممتلكات.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد وثق نزوح نحو 45 ألف شخص خلال شهر يناير 2022، من منازلهم جرّاء تصاعد الأعمال العدائية في مدينة الحسكة التي تشهد تدهوراً في الأوضاع المعيشية وارتفاعاً كبيراً في الأسعار، بالتزامن مع نقص المواد الغذائية الأساسية.
وفي شهر يونيو؛ كشف مدير “التخطيط والتعاون الدولي” في “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل” بحكومة النظام، محمود الكوا، عن ازدياد أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في ظل ارتفاع الأسعار، فيما أكد مدير “مكتب الإحصاء المركزي” السابق، شفيق عربش أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 بالمئة، وفقاً لإحصائيات رسمية تم إجراؤها بالتعاون مع “برنامج الغذاء العالمي”.
وفي شهر أغسطس؛ سجّلت الليرة السورية انخفاضاً حاداً، بالتزامن مع معاناة مناطق سيطرة النظام من أزمة في المحروقات (البنزين والغاز والمازوت)، ما دفع بالسلطات لاتخاذ إجراءات صارمة تتضمن تقنين هذه المواد ورفع الدعم عنها وتقليص المخصصات.
وفي شهر أكتوبر؛ صرح عضو “غرفة تجارة دمشق”، فايز قسومة، أن دخل الموظفين في مناطق سيطرة النظام السوري لا يتناسب مع أبسط احتياجاتهم الأساسية، وحتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من “خبزة وبصلة”، في حين يبلغ متوسط الرواتب 150 ألف ليرة.
وبلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها في شهر ديسمبر الجاري؛ حيث تضاعفت معاناة الأهالي نتيجة انعدام مادتي البنزين والمازوت في الأسواق، وتوفرها بأسعارٍ مضاعفة بالسوق السوداء، ما انعكس على مختلف القطاعات، وأثّر سلباً على سير عمل المؤسسات الرسمية، إضافة لتدهور قيمة الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجل سعر صرف 6070 ليرة مقابل دولار واحد في 13 ديسمبر 2022.
ودفعت الأزمة حكومة النظام إلى اتخاذ عدة إجراءات للتقليل من الاستهلاك، منها: تعطيل موظفي القطاع العام، وإيقاف التكليف بساعات عمل إضافية والعمل الإضافي المقطوع لجميع العاملين ضمن مؤسساتها، فيما أوقفت وزارة التعليم العالي دوام التعليم المفتوح أيام الجمعة والسبت.
لكن تلك الإجراءات لم تكن كفيلة بمعالجة الأزمة، حيث توقف خمسون بالمئة من الأفران الخاصة بدمشق عن العمل، فيما أعلنت ثلاث شركات سفر متخصصة بنقل المسافرين بين المحافظات السورية، التوقف عن العمل أو تقليص عدد رحلاتها نتيجة عدم توفر المحروقات، وارتفعت أجور نقل البضائع ضمن محافظة دمشق بنسبة تتراوح بين 30 و40 بالمئة، فيما تعالت مناشدات الموالين للنظام بالتدخل لوضع حل للأزمة المتنامية.
تفشي الفساد والانفلات الأمني
شهدت محافظتا الرقة ودير الزور ازدياداً في حالات الانشقاق داخل صفوف الميلشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة”، خلال شهر يناير 2022، وذلك نتيجة تكرر استهداف المواقع الإيرانية في المنطقة من قبل الطائرات المسيرة وخلايا تنظيم “داعش، والزج بالعناصر السوريين بتلك الميلشيات في مناطق المواجهات، ما دفع العديد منهم لترك أسلحتهم الفردية ومغادرة مواقعهم.
ولتأمين العجز الذي تعاني منه قوات النظام؛ عمدت “الفرقة الرابعة” إلى تنفيذ عمليات “تعفيش” ضد عدد من مدن وبلدات محافظة دير الزور، ونشرت حواجز ما بين البوكمال والرقة لفرض الإتاوات وابتزاز المدنيين، واضطر أصحاب المحلات إلى إغلاقها في مدينة الميادين، نتيجة مطالبة أصحابها بدفع إتاوات بحجة أن البضاعة غير مجمركة، في حين تأخذ كل دورية جمارك في دير الزور مبلغ 300 ألف ليرة شهرياً، وتم توثيق إغلاق محلات أخرى في مدينة البوكمال للأسباب ذاتها، في حين تفرض الفرقة الرابعة على القادمين من مناطق سيطرة “قسد” دفع مبلغ أربعة آلاف ليرة رسم “التفييش”.
وتشهد العديد من مناطق سيطرة النظام بالرقة تفشي عمليات السطو والسرقة على أيدي مجموعاتٍ مسلحة ترتدي الزي العسكري، وتحوم الشبهات حول ضلوع “الفرقة الرابعة” وميلشيا “أسود العشائر” الموالية للنظام، بقيادة تركي البوحمد، والتي تضم في صفوفها عدداً من قاطعي الطرق واللصوص وأصحاب السوابق.
كما عانت محافظة اللاذقية تصاعداً ملحوظاً في مظاهر الانفلات الأمني وجرائم السطو، حيث اقتحمت مجموعة مسلحة مطعماً مشهوراً في مدينة اللاذقية في شهر يناير، وسلب عناصرها منه نحو ملونين و350 ألف ليرة بقوة السلاح، ثم قامت المجموعة نفسها بعملية سطو أخرى على محطة وقود “النصر” في قرية “سقوبين” بريف اللاذقية.
وشهدت “جبلة” حوادث سطو مشابهة، وعدداً من جرائم القتال، أبرزها مقتل شاب طعناً في رقبته بعد أن رفض تسليم جواله للسارق، وذلك بعد أيام من جريمة قتل فتاة من قبل شاب أوهمها بقدرته على تأمين طريق لتهريبها إلى أوروبا، حيث استدرجها إلى منطقة في الغابة وقتلها بأداة حادة، وسلب أموالها وهاتفها.
وطالت عمليات السرقة باللاذقية العديد من المنشآت العامة والأسلاك الكهربائية ومولدات ضخ المياه وأجهزة الطاقة الشمسية، وقيام عصابات من المسلحين بتشليح السكان المحليين، وفرض “المخابرات الجوية” وميلشيا “الدفاع الوطني” إتاوات مالية على التجار تتراوح بين 25 و50 ألف ليرة شهرياً.
وتتولى شخصيات متنفذة من آل الأسد قيادة عصابات تقوم بقطع الطرق وابتزاز المدنيين، وخاصة في الطرقات التي تغيب عنها سلطة النظام، كما هي الحال في طريق بانياس-جبلة القديم والذي يشهد تعديات وعمليات تشليح يومية، فضلاً عن عمليات التهريب ونقل المخدرات.
وكان مشروع (Syria Indicator) المستقل للصحافة الاستقصائية قد نشر تحقيقاً كشف فيه عن دور العصابات الموالية للنظام في التعديات على خطوط المياه باللاذقية وجبلة، وضلوع شخصيات نافذة من ضباط الجيش والمخابرات في سرقة المياه لسقاية مزارعهم وملء مسابح فيلاتهم، ما أدى إلى بروز ظاهرة “العطش” بين أهالي المحافظة، وسرقة الماء من خطوط الجرّ، ما كبد المحافظة خسائر بنحو 897 مليون ليرة.
في هذه الأثناء؛ تنشط عمليات التهريب عبر الخطوط البريَّة مع لبنان، والتي تقع تحت إشراف الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، حيث يتم تهرب مختلف البضائع تحت أعين مفارز الأمن العسكري في قرى؛ “بيت جن”، و”حضر”، و”عرنة”، و”قلعة جندل”، بجبل الشيخ، وتقوم عناصر تلك المفارز بتيسير عمليات التهريب وممارسة التشبيح على الأهالي بصورة منتظمة دون أي رداع.
وأسفرت تلك الممارسات عن تذمر شعبي غير مسبوق في محافظة اللاذقية، ما دفع بالنظام لاتهام عدد من الموالين “بالنّيل من هيبة الدولة والمساس بسمعة مؤسساتها”، وذلك عقب إعلان وزارة داخلية النظام توقيف شبكة مؤلفة من خمسة أشخاص في اللاذقية بجرم التعامل مع صفحات ومواقع إلكترونية مشبوهة، وتزويدها بمعلومات كاذبة عن مؤسسات حكومية وشخصيات هامة، مؤكدة قيام: “فرع الأمن الجنائي في اللاذقية برصد وتوقيف شبكة مؤلفة من مجموعة أشخاص يتعاملون مع صفحات ومواقع إلكترونية مشبوهة تدار من الخارج يقومون بتزويدها بمعلومات كاذبة عن مؤسسات حكومية بهدف الإساءة والتشهير والنيل من هيبة الدولة وتشويه سمعة شخصيات هامة”، ووجهت إليهم تهماً بحيازة السلاح وتلقي أموال من الخارج.
وأثار بيان وزارة الداخلية تعليقات غاضبة من قبل مواطنين نددوا بالاعتقالات التي استهدفت ناشطين يتابعون قضايا الفساد ويكشفونها للناس، وغضت الطرف عن رموز الفساد وكبار الضباط وقادة الميلشيات، وتجار الحرب الذين ينهبون مقدرات الدولية ويعتدون على المال العام.
وفي مؤشر على تفشي السرقة والتدهور الأمني، أكد مدير شركة كهرباء اللاذقية، جابر العاصي (13 فبراير) وجود حوالي 890 ضبطاًبقيمة مليار و300 مليون ليرة سورية، و92 ضبطًا بقيمة 150 مليون ليرة سورية منذ بداية العام الحالي، لمسروقات الأسلاك الكهربائية، مشيراً إلى أن الضبوط تشمل سرقة أمراس نحاسية وكبلات وقواطع ودارت وأحيانا محاولات لسرقة محولات في المحافظة وأطرافها.
وفي تطور لافت؛ اشتكى قائد ميلشيا “أسود الجبل” باللاذقية، بسام عيسى حسام الدين، من تعرضه للابتزاز والإهانة على يد رئيس النيابة العسكرية باللاذقية، العقيد نزار محفوض، ورئيس فرع الأمن الجنائي، العميد عدنان اليوسف، مؤكداً أن الكثيرين يعانون من عمليات الإهانة والابتزاز، وأن أحد عناصره قُتل “دون أي وجه حق أو ذنب ارتكبه” في فرع الأمن الجنائي باللاذقية.
وجاءت تلك التصريحات عقب حديث القاضية، فتون خير بيك، عن تعرضها للتهديد من قبل اللواء، غسان بلال، مدير مكتب ماهر الأسد، ووزيري الداخلية، أحمد رحمون، والعدل، أحمد السيد، وذلك بسبب خلافاتها مع شقيقتها، خلود خير بيك، المستشارة في القصر الجمهوري.
وشهدت مدينة القرداحة اشتباكات عنيفة، أسفرت عن فرار مؤسس ميلشيا “الدفاع الوطني”، سليمان بن هلال الأسد إلى لبنان، وذلك في أعقاب مواجهات مع قوى “الأمن الجنائي” بالمدينة، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى وأضرار مادية.
وعُرف عن سليمان نفوذه الواسع في اللاذقية، وتحكّمه بميلشيا مسلحة تنفذ عمليات سطو واختطاف وترهيب، فيما تشهد سائر المحافظات التابعة لسيطرة النظام حالة غير مسبوقة من الفلتان الأمني، وخاصة في درعا التي انفجرت فيها عبوة ناسفة بسيارة مساعد في المخابرات الجوية، وأسفرت عن إصابة أربع عناصر بجروح (22 يونيو).
في هذه الأثناء؛ شهدت محافظة السويداء توتراً أمنياً دفع بكبار مسؤولي الطائفة الدرزية إلى تدويل قضية دروز سوريا في المحافل الدولية (13 فبراير 2022)، وذلك في اجتماع دعا إليه الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، موفق طريف، في قرية “كفر ياسيف” الفلسطينية، طالب فيه بتجنيد الرأي العام العالمي من أجل ضمان عودة الأمن والأمان إلى سكّان الجبل عامة.
وجاءت تلك الأحداث عقب قيام جهاد بركات، صهر آل الأسد وقائد ميلشيا “مغاوير البعث” بتهديد المتظاهرين في السويداء (11 فبراير)، فيما تحدث نائب قائد قاعدة “حميميم” الروسية، اللواء أوليغ جورافليوف، عن محاولات يقوم بها “قادة عصابات مسلحة” لتنفيذ أعمال إرهابية في السويداء وثلاث محافظات أخرى هي دمشق واللاذقية ودرعا.
وكانت الأوضاع الأمنية قد تدهورت بصورة كبيرة في المحافظة مطلع شهر فبراير، ما دفع بوفد عسكري روسي مكون من ضباط بالقيادة الروسية في دمشق ومن “مركز المصالحة”، للاجتماع بالمحافظ، نمير مخلوف، ورئيس فرع أمن الدولة، سالم الحوش (10 فبراير)، للاطلاع على الإجراءات الأمنية التي اتخذها النظام، وتقديم ضمانات للسكان المتذمرين من تدهور الأوضاع المعيشية، وأسفرت الزيارة عن تعليق الاحتجاجات الشعبية إمهالاً لوساطة قام بها موفق طريف، في موسكو (15 فبراير 2022) لبحث سبل تحسين الوضع الاقتصادي في محافظة السويداء.
وشهدت محافظة السويداء حالة انفلات غير مسبوق، حيث وقعت مواجهات مسلحة بين فصائل محلية ومجموعة موالية للنظام (29 يوليو 2022)، وأسفرت عن مقتل 23 شخصاً، منهم 16 ينتمون إلى “مجموعة راجي فلحوط” المدعومة من قبل “المخابرات العسكرية”.
وتدهورت الأوضاع بصورة كبيرة في شهر ديسمبر الجاري؛ ما اضطر قوات النظام للدفع بقناصة وقوات عسكرية إلى المحافظة التي اجتاحتها مظاهرات عارمة طالبت بإسقاط بشار الأسد، وانتشرت مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت جنودا ينتشرون في شوارع المدينة، فيما طوقت قوات النظام محيط مبنى المحافظة، ناصبة قناصتها على أسطح المواقع الحكومية.
وتحدثت المصادر عن نحو 20 نقطة احتجاج في مناطق متفرقة من المدينة وريفها، إضافة إلى وجود أكثر من 7 مناطق بريف السويداء، وإعلان فصائل مسلحة حمايتها للاحتجاجات، في ظل قطع طرقات المدينة بالإطارات المشتعلة.
وتزامنت تلك الأحداث مع تنامي معاناة أهالي محافظة درعا حالة من التدهور الأمن، ومن تزايد حالات الخطف، التي تهدف إلى ابتزاز السكان، حيث تشير أصابع الاتهام إلى قيام عصابات تابعة للأجهزة الأمنية بعمليات الاختطاف.
ونشر موقع “ألمونيتور” دراسة (10 أغسطس 2022)، أشارت إلى تصاعد عمليات الاغتيال في درعا بشكل غير مسبوق، حيث يتم استهداف: قادة وأفراد بميلشيات النظام، ومهربي المخدرات، وموظفي الحكومة، والمسلحين والمدنيين المعارضين، بصورة مستمرة، وأكدت عدم وجود أية وسيلة لإبقاء الوضع الأمني تحت السيطرة في المنطقة الجنوبية خلال المستقبل المنظور بسبب تعدد الأطراف المتصارعة وعدم وجود سلطة قادرة على جمع الأسلحة والسيطرة على الوضع.
ونقلت الدراسة عن الأهالي تأكيدهم أن: “معظم الاغتيالات تتم عبر شبكة من الخلايا التابعة للنظام، أبرزها فرع المخابرات الجوية”، فضلاً عن قيام إيران بنشر عناصر الميلشيات التابعة لها في الجنوب بهدف فرض وجودها العسكري من جهة، ورعاية تجارة المخدرات عبر الحدود مع الأردن لنقلها إلى دول الخليج العربي من جهة أخرى “.
وتحدث “مكتب توثيق الانتهاكات” في درعا، عن مقتل 42 شخصاً في محافظة درعا، بينهم مدني قتل تحت التعذيب في سجون النظام، إضافة إلى 27 عملية اغتيال، أسفرت عن مقتل 23 شخصاً، وإصابة 3 آخرين بجروح متفاوتة، ونجاة 7 أشخاص، كما وثق المكتب اعتقال 32 شخصاً من قبل قوات النظام في محافظة درعا، عثر على جثث خمسة منهم في طرقات عامة بعد اعتقالهم على حواجز عسكرية، واختطاف 9 أشخاص، قتل أربعة منهم بعد اختطافهم من قبل عصابات مجهولة.
وكان المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي، زاهر حجو، قد تحدث عن تسجيل 45 حالة انتحار في مناطق سيطرة النظام السوري في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، مؤكداً أن 37 شخصاً من المنتحرين هم من الذكور، وثمانية من الإناث، وأن أغلب الحالات كانت لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 40 و50 عاماً.
ويُعزى الارتفاع الكبير في حالات الانتحار إلى تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة، وفقدان العملة المحلية قيمتها، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وأساسيات الحياة.
في هذه الأثناء؛ تستمر مظاهر الفساد والانفلات الأمني في دمشق، حيث رفعت الفرقة الرابعة قيمة الإتاوات المفروضة على السيارات التي تفرّغ القمامة في منطقة مقلب سفح قاسيون، وأقامت حاجزاً على الطريق المؤدية إلى منطقة “الكسارات” في سفح الجبل، كما أبرمت عقوداً “سرية” مع “عصابات النبش” للعمل داخل نقطة تجميع القمامة، للبحث عن البلاستك والمواد الممكن إعادة تدويرها.
وفي شهر يونيو؛ اعتبر تقرير نشرته مجلة “إيكونومست” البريطانية أن الابتزاز وتجارة المخدرات هما مصدر الدخل الأهم في سوريا، في ظل نهب رئيس النظام بشار الأسد بلده، مؤكداً أنه: “لم ينهب أحد بلده بشكل كامل كما فعل الأسد”.
وأردف التقرير أنه كان من المفترض أن تتحسن حياة أبناء بلد سوريا بعد استعادة النظام مساحات واسعة من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، إلا أنها أصبحت أسوأ، معتبراً أن السبب الرئيس لتلك المعاناة ليست: العقوبات، أو فيروس كورونا، أو انهيار النظام المصرفي في لبنان، أو الحرب في أوكرانيا، بل السبب الحقيقي لكل هذه المشاكل هو: “أكل النظام السوري لحوم أبنائه ونهب البلد”.
ولفت التقرير إلى أن الابتزاز أصبح مستشرياً في البلاد، حيث يستمر الأسد في بناء ثروته الخاصة من الغاز والبترول والكهرباء، وفي توفير الطاقة لوسطاء السلطة في لبنان والذين يدفعون بالدولار، فيما تعتبر تجارة المخدرات المصدر الأساسي لتمويل الأسد، حيث يوجد تحت حماية النظام 15 مصنعاً رئيساً، ونحو 20 مصنع صغير، لإنتاج حبوب “الكبتاغون” وغيرها من المواد المخدرة التي يتم نقلها بعربات مصفحة ومحمية بطائرات بدون طيار وأسلحة ثقيلة، ويتم شحنها عبر موانئ البحر المتوسط تحت حماية الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يتيح لبشار الأسد توفير المال اللازم لشراء ولاء طائفته، ومنح أراضي وممتلكات السنة الذين أجبروا على تركها إلى حلفائه العلويين الذين شاركوا في عمليات القمع الوحشي.
تراجع نفوذ “قسد” في الشمال الشرقي
كشفت الاحتجاجات التي وقعت بالقامشلي (28 سبتمبر) عن انهيار نفوذ “الإدارة الذاتية” الكردية، التي قمعت التظاهرات بعنف ملحوظ، فيما أكد تقرير أمني غربي (6 أكتوبر 2022) أن: “زيادة أسهم وحظوظ النظام الذي يعمل ويتفاوض بهدوء للعودة إلى المنطقة”، مشيراً إلى أن “الإدارة الذاتية” الكردية تكافح للحفاظ على سيطرتها “الواهية”، في ظل تطلع العديد من أهالي المناطق الخاضعة لسيطرتها لعودة النظام إلى المنطقة، حيث تشعر سلطات “قسد” بالقلق من ميل معظم الأهالي إلى التحاق أولادهم بالمدارس التي تديرها دمشق، وذلك ليتمكنوا من الوصول إلى التعليم الثانوي والعالي.
وعلى الرغم من القمع الذي مارسته ميلشيا “قسد” ضد الأهالي؛ إلا أن تحقيقات كشفت عن قيام مسؤولين في “الإدارة الذاتية” بتسجيل أطفالهم في المدارس التي تديرها دمشق، واستخدامهم المشافي التي يديرها النظام.
وكان إعلان “الإدارة الذاتية” عجزها عن صيانة محطات المياه في دير الزور (29 سبتمبر) قد أثار غضب الأهالي الذين عبروا عن رغبتهم بعودة مناطقهم لسلطة النظام، الذي لا يزال يسيطر على أجزاء من القامشلي والحسكة.
في هذه الأثناء؛ تراقب سلطات “قسد”، بقلق شديد، المفاوضات الجارية بين دمشق وأنقرة، ورغبة القوات التركية في شن حملة مشتركة شمال شرقي البلاد، حيث يبدو أردوغان مصمماً على وضع الشمال الشرقي ضمن بنود المصالحة المرتقبة مع بشار الأسد.
وفي إشارة أخرى إلى تدهور سلطة “قسد”؛ أصدرت الإدارة الذاتية (19 أكتوبر) قراراً يسمح بتصدير الذرة الصفراء إلى خارج مناطق سيطرتها، ومن جميع المعابر التابعة لها، مبررة ذلك بعجز “هيئة الزراعة والري لشمال شرقي سوريا” عن شراء المحصول من الفلاحين.
وكان مدير “مكتب الوقاية” في “لجنة الزراعة والري بالإدارة المدنية للرقة”، حمود الخلف، تحدث في شهر أغسطس الماضي عن تضرر محصول الذرة في المنطقة بنسبة 50 بالمائة، فيما تشهد المنطقة تصاعداً في وتيرة الاغتيالات بصفوف “قسد”، إذ لا تزال المخابرات التركية تعلن، بشكل شبه يومي، عن “تحييد” عناصر من “حزب العمال الكردستاني”، في مناطق مختلفة شمال شرقي سوريا.
وفتحت العملية التركية في حي “الشيخ مقصود” بحلب، مطلع شهر أكتوبر، باب التساؤل عن إمكانية حصول الجيش التركي على إحداثيات حول مواقع “قسد” من النظام، حيث أكدت مصادر مطلعة أن بعض الاغتيالات التي تم تنفيذها بطائرات مسيّرة تركية، استندت إلى معلومات مقدمة من مخابرات النظام، وادّعت “قوى الأمن الداخلي” الكردي (أسايش) أن النظام قد يعطي إحداثيات لتركيا لتنفيذ عمليات خاصة ضدها.
تدهور شامل في الشمال “المحرر “
انطلقت في 10 أكتوبر 2022؛ مظاهرات عارمة بمدينة الباب، على خلفية حالة الانفلات الأمني وعمليات الاغتيالات شبه اليومية، شمال غربي سوريا، حيث تم توجيه أصابع الاتهام إلى “الشرطة العسكرية” لعدم قدرتها على حماية المدنيين وعدم تحرك الأجهزة الأمنية التابعة لها والفصائل، للتدخل لإيقاف تلك العمليات، التي كان آخرها اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف “أبو غنوم”، وزوجته.
وأطلقت ثلاث جرائم قتل في غضون أقل من أسبوع، شعوراً بانعدام الأمن والاستياء من الوضع المتردي، في أوساط المدنيين، ودفعتهم إلى تنظيم الاحتجاجات وقطع الطرق ومطالبة الجهات الأمنية في المنطقة وتركيا، بضبط الأمن والقضاء على ظاهرة الفوضى والسلاح المنفلت في المدن والمناطق المدنية، والكشف عن المجرمين ومحاكمتهم.
وشهدت المنطقة حالة غليان شعبي عارم، ترافقت مع إضراب عام للأسواق والمحال التجارية، اقتربت من حالة العصيان المدني؛ إذ تم قطع الطرق وإشعال النيران، وذلك نتيجة: “المحسوبية والفصائلية وتفشي حالة الفوضى والقتل وارتكاب جرائم، مثل السرقة والاتجار بالمخدرات وتعاطيها، التي سجلت أخيراً أعلى مستوى لها، بالإضافة إلى الاقتتال الفصائلي الذي يتكرر بين الحين والآخر”.
وطرحت ورقة نشرها “ألمونيتور” (17 أكتوبر 2022) تساؤلات حول خروج القوات التي تُشكّل العود الفقري للفيلق الثالث، من عفرين دون مقاومة تذكر، أمام تقدم “هيئة تحرير الشام”، وحليفيها: فرقة “الحمزة” وفرقة “السلطان سليمان شاه”، ومعهما “أحرار الشام” (13 أكتوبر)، ما مكّن الهيئة من الاستيلاء على 26 بلدة، بينما استولت فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) على 13 قرية، وسيطرت فرقة الحمزة على المنطقة الواقعة شمال غرب عفرين، وسيطرت “أحرار الشام” على: “دوير الهوى” و”اخترين”، و”حمران” التي تعتبر الممر الرئيس لمدينة “منبج” الواقعة تحت سيطرة “قسد”
ولم تتوقف الهيئة عند عفرين؛ بل تحركت باتجاه اعزاز الحدودية التي تعتبر جزءاً من منطقة درع الفرات، التي أنشأتها تركيا عام 2016، ثم شرعت في التفاوض مع الفيلق الثالث عند “باب الهوى” الحدودي، تحت إشراف تركي، مشترطة: السماح بدخولها مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وسحب الجماعات المسلحة من شؤون الإدارة المدنية ومن نقاط التفتيش في المناطق السكنية، ونقل ملف الأمن الداخلي لقوات حكومة الإنقاذ، التي نصبتها الهيئة في إدلب.
ويُنظر إلى الفصائل المتحالفة مع الهيئة على أنها “خيول طروادة” التي تم استخدامها لتوسيع نفوذ الجولاني في المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، علماً بأن المخابرات التركية تنسق مع الهيئة منذ نشر القوات التركية على أطراف إدلب بموجب اتفاق تم التوصل إليه عام 2017، وعلى عكس تدخلها في يونيو، اقتصرت جهود تركيا هذه المرة على الوساطة، ما يشير إلى موافقة ضمنية على خطوة الهيئة.
ووفقاً للورقة؛ فقد أدى صمت أنقرة بشأن الاشتباكات التي وقعت، واقتصار دورها على الوساطة إلى إثارة تفسيرين متضاربين حول حسابات أنقرة: أحدهما يرى أن تركيا تدعم سيطرة الهيئة على المنطقة لتقوية موقفها في المفاوضات الجارية مع دمشق، مع الترجيح أن تكون الهيئة قربان أنقرة للنظام.
أما التفسير الثاني؛ فيرى أن فشل تركيا في تحويل “الجيش الوطني” إلى تحالف موحد ومنضبط، وولوغ العديد من قادته وعناصره في الفوضى والتكسب والنهب، قد دفع بأنقرة لاستخدام الهيئة كوسيلة لضبط الأمور، في الوقت الذي تسعى فيه إلى نوع من الاتفاق مع دمشق، الأمر الذي يضع تركيا في موقف قوي أثناء المفاوضات.
ونشر الموقع دراسة أخرى (17 أكتوبر) أشارت إلى أن موقف تركيا من استيلاء الهيئة على عفرين ومحيطها له أهمية كبيرة من حيث ميزان القوى في الشمال السوري، ونقلت عن مصادرها في الداخل استبعادهم أن تكون الهيئة قد تصرفت دون إشارة من أنقرة.
ورأى تقرير أمني (26 أكتوبر 2022) أن المخابرات التركية: “تلعب، بدقة، لعبة متوازنة في شمال غرب سوريا بعد أن نجحت هيئة تحرير الشام، وريثة القاعدة، في بسط سيطرتها على المنطقة”، معتبراً أن سيطرة الهيئة على مدينة عفرين (13 أكتوبر) بالتعاون مع فصائل موالية للاستخبارات التركية كان يجب أن يغضب أنقرة، التي لم تتحرك عسكرياً لوقف تقدم الهيئة، بل اكتفت بعرض وساطتها بين الأطراف المتنازعة.
واعتبر التقرير أن صمت الاستخبارات التركية يؤكد عدم رضاها عن الفصائل الموالية لها ضمن إطار “الجيش الوطني”، وذلك نظراً للصراعات القائمة بينها مقابل “هيئة تحرير الشام”، الموحّدة والمتماسكة، والتي تُحكم السيطرة على المناطق الخاضعة لها رغم تصنيفها المُحرج ” كجماعة إرهابية”.
أما على الصعيد الاقتصادي؛ فقد أجرت فرق “الدفاع المدني السوري” دراسةً ميدانية في شهر ديسمبر الجاري، شملت 929 مخيماً في محافظتي إدلب وحلب، أكدت فيها أن القطاع الإنساني: “يعاني من فجوة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية تتزايد كل شتاء في مخيمات التهجير التي تتكرر فيها حوادث غرق الخيم واقتلاع خيم أخرى بفعل الرياح أو انجرافها بسبب السيول، إضافةً إلى حوادث احتراق الخيم، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية بسبب وعورة الطرقات المؤدية”.
وأظهرت الدراسة أنّ 84% من المخيمات بحاجة لعوازل أرضية، وأن 76% منها بحاجة إلى تبحيص الأرضيات، ونسبة 71% منها بحاجة لإعادة تأهيل الطرقات، فيما تحتاج نحو 47% من المخيمات إلى شبكات صرف صحي، و17% منها بحاجة لدورات مياه.
وشهدت المخيمات، التي يقطن فيها حوالي مليون نسمة و393 ألفاً، كوارث متعددة، بين حالات غرق وحرائق وفيضانات، حيث تعرض أكثر من 68% من المخيمات لفيضانات وغرق الخيام، و61% منها تعرضت لتمزق واقتلاع الخيم نتيجة الرياح العاتية والأمطار، و50% عانت من عدم وجود وسائل تدفئة مناسبة.
فيما عانت 50% من المخيمات من تشكل مستنقعات المياه والوحل نتيجة سوء حالة الطرق والأرصفة، كما تعرضت 26% منها لصعوبات الوصول إليها لوعورة وإغلاق الطرقات، ما حال من قدرة استجابة المنظمات الإنسانية.
عودة اللاجئين في واجهة المباحثات الدولية
كشفت مصادر رسمية في أنقرة (أبريل 2022) عن خطة أعدتها الحكومية التركية لتشجيع مليون ونصف المليون سوري على العودة إلى سوريا طوعاً، وذلك من خلال تقديم مزايا تشجيعية تزيد من رغبة أكبر عدد ممكن من السوريين بالعودة قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في شهر يونيو 2023.
وتتضمن الخطة؛ بناء 5 بلدات سكنية في: الباب، واعزاز، وعفرين، وجرابلس، وإدلب، وتل أبيض، بالإضافة إلى 5 بلدات سكنية أخرى أصغر حجماً، تحتوي جميعها على خدمات: الكهرباء والماء والحدائق والمدارس والخدمات الطبية والأسواق، فضلاً عن تقديم مزايا شخصية ومساعدات للراغبين في العودة.
وكشفت مصادر أمنية عن قيام رئيس جهاز الاستخبارات التركية، حقان فيدان، بالتباحث مع نظيره في دمشق علي مملوك التفاصيل المتعلقة بعودة اللاجئين، بما في ذلك: “تحديد هوامش المرونة والبنود الرئيسية لخريطة الطريق التي يجب اتباعها”، والقيام بترتيبات أخرى تتضمن: إعادة العقارات لأصحابها، وتهيئة ظروف العمل والتوظيف، وضمان عدم إصدار أحكام بحق اللاجئين.
وفي شهر سبتمبر؛ اعتبرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، لقاء مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، مع وزير الداخلية في حكومة النظام، محمد الرحمون، (13 سبتمبر 2022) “رسالة سلبية” للاجئين، خاصة وأن الرحمون متورط بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق السوريين.
وأكدت أن: “هــذا اللقــاء يرسـل رسـالة سـلبية لملايين اللاجئين والنازحيـن خـارج سـيطرة النظـام، لأنها تحمل مضموناً تصالحياً مع النظام، وتشير إلى رغبة في التقارب بين المفوضية والنظام”.
وكانت زيارة المفوض الأممي لشؤون اللاجئين لدمشق قد تمحورت حول بحث سبل تهيئة ظروف عودة اللاجئين إلى ديارهم، بدعوى أن: “الظروف باتت مواتية لعودتهم”، فيما أكدت وزارة خارجية النظام أن المقداد وغراندي: “بحثا تعزيز البرامج الأممية في سورية، خاصة في مجال الإنعاش المبكر والكهرباء والمياه، من أجل تسهيل عودة اللاجئين”.
علماً بأن الرحمون قد أشرف على عمليات الاعتقال والاقتحام في مناطق حرستا وعربين ودوما وبرزة والقابون، وتولى عمليات التحقيق والتعذيب التي كانت تتم في الفرع الذي اعتُقل وقتل فيه عشرات آلاف السوريين تحت التعذيب، ويعتبر من أبرز المسؤولين عن المجازر التي وقعت في الغوطة الشرقية، بما في ذلك مجزرة الكيماوي في دوما، وقد تم إدراجه على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية عام 2017.
وتحدث تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (14 سبتمبر 2022) عن تبادل معلومات استخباراتية بين عمّان ودمشق في إطار التنسيق لإعادة اللاجئين السوريين بالمملكة إلى بلدهم، ووفقاً للموقع فإن نظام الأسد “حشد جهاز مخابراته للعمل على إعادتهم إلى أرض الوطن”، كما استنفرت عمّان مديرية الأمن العام للإشراف على مغادرة اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم نحو: 670,000 لاجئ، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وأعلن، رئيس مركز الهجرة والجوازات في مدينة “نصيب” بمحافظة درعا، أيهم خضور (31 أغسطس 2022)، عن: “سعادته بعودة مجموعة من اللاجئين من مخيم الأزرق الواقع في الأردن”، فيما أكد الموقع أن التنسيق بين دمشق وعمّان جارٍ للتوصل إلى إستراتيجية تهدف إلى استعراض قدرة النظام على إعادة اللاجئين.
وفي بيروت؛ كلف رئيس الوزراء بحكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، مدير الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، بتولي ملف اللاجئين السوريين، وأرسل رسالة إلى الأمم المتحدة يؤكد فيها أن “الملف بيده”، وذلك للتغطية على فشل خطة سابقة تبناها وزير المهجرين، عصام شرف الدين، تقضي بعودة 15 ألف نازح شهرياً.
ويعمل جهاز الأمن العام على ترحيل الدفعة الثالثة من اللاجئين السوريين ضمن ما أطلقت عليه الحكومة اللبنانية اسم “برنامج العودة الطوعية”، التي تضم 500 شخص، إلا أن العملية لم تتم بعد نظراً لرفض مخابرات النظام السوري منحهم الموافقات الأمنية للعودة.
ووفقاً لتقارير محلية مطلعة؛ فإن “العودة الطوعية” ترتب بصورة عملية “تسوية أمنية”، وأن المطلوبين والمتخلفين عن الالتحاق بالخدمتين العسكرية الإلزامية والاحتياطية راجعوا “مركز التسوية” في القلمون عقب عودتهم، حيث تم وضع العائدين في “مركز إيواء” في المدرسة الابتدائية ببلدة فليطة بالقلمون الغربي، حيث أقام النظام مركز التسوية للعائدين، مبيناً أنهم ممن لا يملكون منازل صالحة للسكن في المنطقة.
وتحدث العائدون عن تعرضهم للتهديد وللمضايقات لفظية من قبل عناصر النظام عند معبر “الزمراني”، وقد تعرض عدد من العائدين للاعتقال فور وصولهم إلى سوريا، منهم على سبيل المثال الشاب مجد طفيلية المنحدر من بلدة “جراجير”، والذي اعتقل أثناء مراجعته مركز التسوية بعد ثلاثة أيام من عودته من لبنان، والشاب علي بديع فياض المنحدر من بلدة “رأس العين”، الذي اعتقل فور وصوله إلى البلدة قادماً مع لبنان.
وتحدثت المصادر عن إطلاق سراح العائد من لبنان، “مجد”، بعد دفع أهله مبلغ 60 ألف دولار عبر وسيط محلي يعتبر من كبار تجار المخدرات بالمنقطة.
وحذرت مصادر مطلعة من إمكانية لجوء السلطات في كل من أنقرة وعمّان وبيروت، إلى إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، دون النظر إلى عدم توفر الظروف الاقتصادية والأمنية لضمان العودة الآمنة والطوعية.
وفي شهر نوفمبر؛ تحدثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن قيام بعض الدول باعتقال واحتجاز اللاجئين السوريين، وأغلبهم من الرجال والفتيان، وترحيلهم إلى سوريا بشكل تعسفي في الآونة الأخيرة، مؤكدة أن اللاجئين السوريين تم اعتقالهم من الشوارع ومن منازلهم وأماكن عملهم، وتعرض بعضهم للضرب والإهانة والاحتجاز في ظروف سيئة قبل ترحيلهم.
وأكدت الباحثة الحقوقية في المنظمة، “نادية هاردمان” أن السلطات التركية اقتادت لاجئين سوريين ومن بينهم أطفال إلى نقاط العبور الحدودية، وأجبرتهم على العبور تحت تهديد السلاح، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، مشيرة إلى أن أنقرة تحاول جعل الشمال السوري منطقة للتخلص من اللاجئين.
وبيّن تقرير المنظمة أن العديد من اللاجئين الذين تمت إعادتهم هم من المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، حيث تم توثيق 37 حالة للاجئين خاضعين للحماية المؤقتة رُحّلوا مع عشرات أو مئات آخرين وأُجبروا على التوقيع للعودة الطوعية دون السماح لهم بقراءة الاستمارات أو حتى توضيح ما ورد فيها.
الحرب الأوكرانية تلقي بظلالها على سوريا
تزامن الغزو الروسي لأوكرانيا (24 فبراير 2022) مع وصول طائرات عسكرية روسية، من طراز “ميغ-31كي” الحاملة لصواريخ فرط صوتية، وقاذفات “تو-22إم” إلى قاعدة “حميميم” بهدف المشاركة في مناورات روسية شرقي البحر المتوسط، ضمت: 140 قطعة بحرية و60 طائرة و15 سفينة، وعشرة آلاف جندي روسي، وذلك في رد على المناورات التي أجراها حلف شمال الأطلسي “ناتو”، بمشاركة حاملة الطائرات “هاري ترومان” الأمريكية، وحاملة الطائرات “شارل ديغول” الفرنسية، وحاملة الطائرات “كومتي إيدي كافور” من البحرية الإيطالية، وعدد من السفن الهجومية وسفن الدعم.
وكانت موسكو قد أعلنت عن إنزال ست سفن إنزال كبيرة من أسطول الشمال وأسطول بحر البلطيق إلى المركز اللوجيستي للبحرية الروسية في قاعدة طرطوس البحرية، فيما أكدت القيادة العسكرية الروسية أن: “طائرات الاستطلاع بدأت على التوازي أنشطتها في رصد مختلف أقسام ومحطات مرفأ اللاذقية بشكل كامل وعلى مدار الساعة، تزامناً مع استمرار القوات الروسية بتسيير دوريات على كامل أقسام المرفأ ومحيطه”.
ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن: “مصادر رفيعة المستوى”، قولها إن قاعدة “حميميم” أصبحت: “رأس حربة في الاشتباك بين موسكو وحلف شمال الأطلسي”، فيما أكدت صحيفة “البعث” أن زيارة شويغو إلى حميميم جاءت بعد رفض موسكو عرضاً من واشنطن بمقايضة سوريا مقابل أوكرانيا، مؤكدة أن: “سوريا باتت في عمق الجبهة الأوكرانية، بعد رفض موسكو مقايضة الجبهتين، وأبلغت واشنطن أنها متمسكة بأوكرانيا ومتمسكة بالتحالف مع سوريا والنظام السياسي الذي يقوده الرئيس الأسد”.
وتزامنت تلك التصريحات مع إجراء أول دورية جوية مشتركة مع قوات النظام فوق الأراضي السورية (26 يناير 2022)، بمشاركة مقاتلات: “سو-34″، و”سو-35″، وطائرة “أ-50” للإنذار المبكر من طرف روسيا، وطائرات: “ميغ-23″ و”ميغ-29” من جانب النظام، حيث امتد مسار الدوريات على طول هضبة الجولان، ثم على طول الحدود الجنوبية، حتى نهر الفرات وفوق المناطق الشمالية من سوريا، وقامت القوات الروسية بتشغيل أنظمة دفاع إلكترونية في قاعدة “حميميم”، ما تسبب في تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في المنطقة، وأدى إلى تعطيل حركة هبوط الطائرات في إسرائيل.
ورأى تقرير نشرته “فوربس” في منتصف شهر فبراير، بعنوان: “ما معنى الدوريات الجوية المشتركة بين روسيا والنظام السوري؟”، أن موسكو ترغب بتعزيز وجودها العسكري في سوريا بهدف جعله “شوكة في الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي”، وذلك على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وربطت بعض المصادر بين تنامي الأزمة الأوكرانية مع تغاضي الروس عن الشحنات العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث تم تكثيف شحنات الأسلحة والذخائر والصواريخ الإيرانية إلى مستودعات خاصة بالحرس الثوري في “السيدة زينب” جنوب دمشق، وسط انتشار واسع لميلشيا “فاطميون” في المنطقة، الأمر الذي اعتُبر على أنه محاولة لربط الجبهتين؛ السورية والأوكرانية.
وفي 8 مارس أكد مصدر أمني غربي أن بشار الأسد كلف وزراءه ومستشاريه للعمل بكامل طاقتهم لدعم العمليات الروسية في أوكرانيا، فيما تحولت دمشق إلى قاعدة خلفية للعمليات الروسية في أوروبا، وذلك على الرغم من أن بشار الأسد لا يعلم الكثير عن تفاصيل العمليات الروسية في بلاده، ويعاني من حرمانه من الدعم الجوي الروسي، ويشتكي من الدعم الروسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر على ثلث البلاد، إلا إنه لا يملك أي خيار آخر سوى تقديم الدعم المطلق لروسيا بهدف ضمان بقائه في الحكم، حيث صوت ممثله لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، بحماس لصالح موسكو، كما وقف كل من وزير خارجيته فيصل المقداد، ونائبه بشار الجعفري، لصالح موسكو عند التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس.
وعمدت القيادة العسكرية الروسية إلى توسيع نطاق نفوذها البحري شرقي المتوسط، من خلال نشر وحدات عسكرية روسية بشكل كامل في مرفأ اللاذقية، حيث رفعت الأعلام الروسية بعد إزالة حواجز “الفرقة الرابعة” وعناصر “أمن الدولة” المكلفين بحراسة المرفأ، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن توقيع اتفاقية تعاون بين موانئ شبه جزيرة القرم ومرفأ اللاذقية، وتأكيد مندوب شبه جزيرة القرم لدى روسيا، غيورغي مرادوف، إن موانئ القرم يمكن أن تصبح البوابات البحرية الجنوبية الرئيسية، وذلك أثناء زيارة وفد من حكومة النظام لشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها عام 2014.
وفي 12 مارس كشفت وكالة “أسوشيتد برس” عن قيام النظام السوري بحشد آلاف من عناصر الجماعات شبه العسكرية الموالية له للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، مؤكدة أن عدد “المتطوعين” في الجنوب السوري قد بلغ نحو ثلاثة آلاف من الشبان الذين قاتلوا إلى جانب قوات النظام ضمن “جمعية البستان” المنحلة، ومن “قوات الدفاع الوطني”، ومن عناصر “الميلشيات المسيحية”.
ووفقاً للوكالة؛ فإن عمليات تجنيد أخرى تمت في دير الزور تحت إشراف مجموعة “فاغنر” الروسية، حيث تم تسجيل عدد من أبناء المحافظة للذهاب إلى أوكرانيا بصفة “حراس أمن”، فيما نشرت مجموعة مغلقة في “فيسبوك”، قريبة من “الفرقة الرابعة”، إعلاناً عن “دور قتالي” في أوكرانيا، وعرضت تسليم دفعة قدرها 3000 دولار اعتماداً على خبرة مقدم الطلب.
وبثت قناة تلفزيونية تديرها وزارة الدفاع الروسية لقطات مصورة قالت إنها من سوريا، تظهر رجالاً مسلحين يرتدون زياً رسمياً، وصفتهم بأنهم متطوعون محتملون، وهم يلوحون بعلم النظام والعلم الروسي، رافعين لافتة تحمل حرف (Z) المستخدم على المدرعات الروسية بأوكرانيا.
وفي بلدة “إثريا” الخاضعة لسيطرة النظام، طلب الروس من ضباط الفيلق الخامس تجنيد شبان من “ذوي الخبرة”، للقتال في المدن التي يحددونها في أوكرانيا، فيما تمت عمليات تجنيد أخرى في الجنوب السوري، وكذلك في ريف دمشق، حيث سجل عدد من الشبان أسماءهم لدى أجهزة النظام.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” (7 مارس 2022) عن مسؤولين أمريكيين تأكديهم قيام القوات الروسية بتجنيد مقاتلين سوريين يتمتعون بخبرة في حروب المدن، وأنها عرضت عليهم عقوداً برواتب تتراوح ما بين 200 دولار و300 دولار: “للذهاب إلى أوكرانيا والعمل كحراس” لمدة ستة أشهر في كل مرة، حيث يتوقع أن تقوم قوات التنظيم بالتنسيق مع مجموعة “فاغنر” لإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا، مستغلين الأوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب.
وبحلول شهر مايو شرعت القوات الروسية في سحب قواتها من سوريا على وقع المعارك بأوكرانيا، حيث تحدث مصدر محلي (21 مايو) عن سحب نحو 30 آلية عسكرية روسية، بينها مدرعات وعربات مصفحة، إضافة إلى عدد من الجنود تتراوح أعدادهم بين 150 إلى 200 عنصر ومعداتهم القتالية، من مواقع عسكرية خاضعة للقوات الروسية في مناطق جبال التركمان والأكراد ومحيط منطقة كسب بريف اللاذقية الشرقي، باتجاه قاعدة حميميم، وذلك بالتزامن مع انسحاب جزء من القوات الروسية من معسكر جورين ومواقع أخرى في القسم الغربي من سهل الغاب 70 كيلومتراً، شمال غربي حماة، وكذلك في درعا والقنيطرة وريف دمشق، وتسليمها إلى قوات تابعة للنظام، وأخرى تابعة لميلشيا “حزب الله”.
ودفعت تلك التطورات بالعاهل الأردني، عبدالله الثاني، للتأكيد (18 مايو) على أن الوجود الروسي في الجنوب السوري كان: “مصدراً للتهدئة”، والتعبير عن قلقه من أن الفراغ الذي ستتركه روسيا هناك ستملؤه إيران ووكلاؤها، مضيفاً (في مقابلة مع معهد “هوفر” بجامعة ستانفورد) أن بلاده تواجه خطر تصعيد محتمل على حدودها مع سوريا.
وفي 9 نوفمبر كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن نشر القوات الروسية نحو 500 عنصر من قوات النظام على مقربة من جبهات القتال شرق أوكرانيا، ونقل الموقع عن مصادر استخباراتية، قولها إن العناصر المتمرّسين ينتمون بشكل أساسي إلى وحدات تدعمها وتدرّبها وتديرها روسيا وتشمل “الفرقة 25” المعروفة باسم “قوات النمر”، وعناصر من الفيلق الخامس إضافة إلى “لواء القدس” الذي يتكون في الغالب من فلسطينيين سوريين، وأنه قد تم توثيق مقتل ما لا يقل عن 50 عنصر نتيجة القصف الأوكراني.
تعثّر إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية
تواجه خطط محاولات إعادة تأهيل النظام عقبات كبيرة على الصعد السياسية والاقتصادية؛ حيث استبعد مصدر أمني غربي (4 يناير 2022) أن يرى خط الغاز العربي إلى لبنان النور في أية فترة قريبة، وذلك نتيجة التعقيدات المرتبطة بصيانة خطوط الأنابيب، وتعرقل المفاوضات بشأن استثناء المشروع من عقوبات “قانون قيصر” على سوريا.
ومثلت إشكالية استثناء خط الأنابيب من العقوبات الأمريكية المفروضة ضد سوريا المعضلة الأكبر، إذ لا يمكن تنفيذ اتفاقية نقل الغاز إلى لبنان، عبر مصر والأردن وسوريا، قبل استثناء واشنطن المشروع من عقوبات “قانون قيصر”، فيما ألقت الحكومتان المصرية واللبنانية باللوم على بعضهما البعض لعدم بذل المزيد من الجهد لحمل إدارة بايدن على التحرك بسرعة في هذا الصدد.
واستمر النظام في التصرف مع محاولات التطبيع العربية بقدر كبير من اللامسؤولية، حيث رد على مبادرة عربية تم اختيار دمشق فيها لاستضافة مؤتمر الطاقة العربي القادم عام 2024، بإبرام حزمة من مشاريع الطاقة مع إيران.
وفي 18 مارس وصل بشار الأسد إلى دولة الإمارات، في زيارة هي الأولى من نوعها لدولة عربية منذ عام 2011، وبرفقته وزير خارجيته، فيصل المقداد، ومنصور عزام “وزير شؤون رئاسة الجمهورية”، وبشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين.
ووفقاً للمصادر الرسمية؛ فإن المسؤولين الإماراتيين، بحثوا مع الأسد: “العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين، بما يحقق مصالحهما المتبادلة ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط”.
إلا أن كواليس الدبلوماسية العربية كانت تشهد تباينات كبيرة في الموقف مع أبو ظبي، فعلى الرغم من أن الضغوط الروسية قد وجدت أصداءها في دولة الإمارات؛ إلا أنها لم تحقق أية نتائج ملموسة لدى كل من الدوحة والرياض اللتان عارضتا أي تقارب غير مشروط مع النظام.
وأكد تقرير أمني غربي (23 مارس 2022) أن المبادرة الإماراتية إزاء النظام لم تسفر عن أية نتائج تذكر، مشيراً إلى شعور عدد من المسؤولين الخليجيين بالامتعاض من نزوع بشار الأسد إلى إهدار الفرص العربية السخية لإخراجه من أزماته الاقتصادية ومن عزلته الدولية، وقيامه بإفشال المبادرات التي قُدّمت له في: مسقط (مايو 2021)، وعمّان (سبتمبر 2021) وأبو ظبي (مارس 2022)، وإصراره على استفزاز الدول العربية عبر تعزيز علاقاته مع طهران، حيث تزامن تكثيف الانتشار العسكري الإيراني في سوريا مع قيام مدير مكتب الأمن الوطني (المقرب من طهران)، اللواء علي مملوك، بعد زيارات إلى طهران، واجتماعه بكل من: الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام للمجلس القومي الإيراني، علي شمخاني، للتباحث بشأن سبل قيام إيران بملء الفراغ الذي يمكن أن تتركه موسكو في سوريا، وتعزيز التنسيق الأمني بين طهران ودمشق، وتقديم مساعدات اقتصادية ونفطية وغذائية إلى دمشق.
وجاءت زيارة بشار الأسد لطهران (8 مايو 2022) لتدحض أوهام إمكانية إغراء بشار الأسد بالعودة إلى الجامعة العربية مقابل التخلي عن حليفه الإيراني، حيث أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خطيب زادة، أن: “رسالة زيارة الأسد إلى طهران هي دخول سوريا إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة إعادة الإعمار”.
وأثارت تلك الأنباء حفيظة دول عربية فاعلة، ودفعها إلى “تأجيل” البت في عودة النظام إلى الجامعة العربية، فيما أكد مسؤولون أمنيون عرب لنظرائهم الروس معارضتهم “الجازمة” لعملية التطبيع مع النظام في الوقت الحالي، معتبرين أن دمشق لا تزال غير مؤهلة لذلك.
وأشار تقرير أمني إلى زيارة قام بها ألكسندر لافرينتيف، إلى الرياض بهدف تليين الموقف السعودي إزاء الأسد، حيث حاول (بالاشتراك مع زميله في الخارجية ألكسندر كنشاك، والسفير الروسي في الرياض سيرغي كوزلوف) إقناع المسؤولين السعوديين، بمزايا إعادة بشار الأسد إلى الحظيرة العربية، إلا إنه فوجئ بمعارضة سعودية “حازمة” لعملية التطبيع في الوقت الحالي، حيث جادل المسؤولون السعوديون بأن النظام السوري لا يزال غير مؤهل للبدء في عملية التطبيع، خاصة وأن كبار مسؤوليه لا يزالون متورطين في عمليات تصنيع وتهريب أطنان من المخدرات إلى الخليج العربي، في حين يصر بشار الأسد على مواقفه الداعمة للميلشيات الإيرانية التي تمثل تهديداً لدول المجلس.
وعلى الرغم من الدبلوماسية الحثيثة التي بذلها وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، والزيارة التي قام بها إلى دمشق (25 يوليو 2022)؛ إلا أن جميع جهوده باءت بالفشل، حيث أشار موقع “إنتلجنس أونلاين” (4 يوليو) إلى تغير موقف مصر إزاء عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وذلك رغبة من القاهرة في تجنب استفزاز المملكة العربية السعودية، التي تمانع عودة النظام.
ووفقاً للتقرير؛ فإن مصر، التي كان رئيس استخباراتها، عباس كامل، يقود التحرك العربي الداعم لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية منذ عام 2020، عارضت مشاركة النظام في القمة الأخيرة للجامعة، حيث تتبنى القاهرة مواقف أكثر براغماتية من قبل، وتعمل على تحقيق مزيد من التناغم مع مواقف الرياض، والتي تعارض استعادة النظام عضويته بالجامعة في الوقت الحالي.
اندفاع تركي للتطبيع يقابله برود في دمشق
شهدت الاتصالات الأمنية بين أنقرة ودمشق زخماً كبيراً خلال العام الجاري؛ حيث تحدث مصدر أمني غربي (2 مايو 2022) عن لقاء جمع وفداً من الاستخبارات التركية (MIT) بمسؤولين في “مكتب الأمن القومي” التابع للنظام في 16 أبريل بالعاصمة الروسية موسكو، حيث تمت مناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وتزامن ذلك التسريب مع صدور تصريحات رسمية تركية حول الانفتاح على دمشق، وضرورة الحوار معها، بما في ذلك إعلان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو (منتصف أبريل) أن تركيا مستعدة للعمل مع النظام السوري، حتى وإن لم تعترف بعد بشرعيته.
وأشار التقرير إلى أن أنقرة عولت على موسكو -الغارقة إلى أذنيها في العمليات العسكرية بأوكرانيا- لإقناع نظام دمشق بالاستجابة لمطالبها، وقامت بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية الروسية المتجهة إلى سوريا (23 أبريل) كرسالة إلى الأسد بأن الحوار مع جاره الشمالي بات ضرورياً في ظل انشغال “راعيه” الروسي الذي بدأ يقلص عدد قواته في سوريا.
وكانت مصادر مقربة من “حزب العدالة والتنمية” قد أكدت (14 أبريل) استضافة موسكو اللقاء الذي عُقد على مستوى مسؤولي أجهزة استخبارات تركيا والنظام، مشيرة إلى أن اللقاء: “تناول ملفات أمنية واستخباراتية فقط”، وأنه جاء نتيجة خشية الكرملين من امتداد تداعيات أوكرانيا إلى سوريا، مؤكدة أن: “موسكو تحاول إعادة ترتيب الوضع في سوريا، لضمان عدم حدوث تأثيرات سلبية على الملف السوري ناجمة عن أوكرانيا”.
وفي 15 أغسطس 2022؛ أيد زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت باهتشلي، تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بشأن المصالحة بين المعارضة ونظام الأسد، معتبراً أن: “خطوات بلاده في سوريا قيمة ودقيقة”. وبيّن باهتشلي أن أحد أهم القضايا المطروحة على الأجندة السياسية لبلاده تتمثل برفع المحادثات مع نظام الأسد إلى مستوى الحوار السياسي، ضمن إطار إخراج “التنظيمات الإرهابية”، وأبدى أمله أن يشهد عام 2023، تطبيعاً لتركيا مع جميع جيرانها: “بما فيها سوريا”.
وكان جاووش أوغلو قد كشف خلال مؤتمر صحفي (11 أغسطس) عن رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، مؤكداً أن “دردشة قصيرة” جرت بينه وبين وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ضمن اجتماع “حركة عدم الانحياز” في أكتوبر 2021، بالعاصمة بلغراد، مضيفاً أنه يجب تحقيق مصالحة بين المعارضة ونظام الأسد، وأنه بدون ذلك لن يحدث سلام دائم.
وجاءت تلك التصريحات عقب تسريب أنباء عن عقد الاستخبارات التركية جولة من المباحثات مع استخبارات النظام في طهران (19 يوليو)، وذلك ضمن وساطة أطلقتها إيران لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، بحضور ممثلين عن المخابرات الروسية، وركزت المباحثات على مصير “قسد” وعودة اللاجئين السوريين.
وكشفت صحيفة “حرييت” عن استعداد أنقرة للبدء بحوار مع نظام دمشق، مؤكدة أن السياسة القائمة على التصالح قد تسهم في تهدئة المناطق المشتعلة، وفتح صفحة جديدة مع أرمينيا وإسرائيل وسوريا، خاصة وأن تطورات المشهد الدولي تمنح أنقرة حزمة جديدة من الفرص، لا سيما حل المسألة السورية ومشكلة “حزب العمال الكردستاني”.
وفي مقابل الحماسة التي أبدتها الدبلوماسية التركية للتقارب مع دمشق؛ استمر النظام في تعنته، حيث نقلت صحيفة “الوطن” عن مصادر في وزارة خارجية النظام قولها إن دمشق: “لا تزال حازمة في مطالبتها أردوغان باحترام القانون الدولي والاتفاقات الثنائية ومبدأ حسن الجوار”، وأنها: “لا تستطيع الدخول في أي حوار مع أردوغان ما لم يسحب قوات بلاده من سوريا وينهي دعمه للإرهابيين”.
ورأت مصادر مقربة من دمشق أن حكومة النظام لديها حافز ضئيل للمصالحة مع تركيا، خاصة وأن قضية اللاجئين تمثل مشكلة كبيرة لأردوغان، وقد يخسر أردوغان الانتخابات إذا فشل في حل هذه المشكلة، ما يفسح المجال لتولي أحزاب أكثر استعداداً للتعاون معهم.
وفي 18 سبتمبر 2022؛ تحدثت صحيفة “صباح” التركية عن جولة جديدة من المباحثات تمت بين فيدان ومملوك بدمشق، ووصفتها بأنها كانت: “بمثابة محاولة لوضع خريطة طريق للعودة الآمنة للسوريين في تركيا إلى بلادهم”، حيث تمت مناقشة القضايا ذات الأولوية للطرفين وهوامش المرونة والبنود الرئيسية لخريطة الطريق التي يجب اتباعها.
إلا أن استمرار تعنت النظام دفع بأردوغان للتقليل من شأن المباحثات مع دمشق، مؤكداً (29 سبتمبر) أن المفاوضات تجري عبر جهاز الاستخبارات، وأن “خارطة طريق” ستُحدد وفق نتائج تلك المفاوضات، وربط سائر الملفات العالقة في الشأن السوري، بما في ذلك العملية التي كان يلوح بشنها وخطته لإعادة مليون لاجئ سوري، بما سيتم التوصل إليه.
وفي 15 ديسمبر؛ كشف أردوغان، أنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ترتيب لقاء ثلاثي يجمعه مع بشار الأسد، وذلك من أجل التحالف معه في سبيل محاربة “قسد” شمال شرق سوريا.
وقال أردوغان: “اعتباراً من الآن، نريد أن نتخذ خطوة ثلاثية سورية وتركية وروسية… عرضت على بوتين عقد لقاء ثلاثي بين زعماء تركيا وروسيا وسوريا، وتلقى العرض بإيجابية، وبهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات”.
وفي مؤشر على وجود رؤية مشتركة حول المصالحة المرتقبة مع بوتين، قال أردوغان: “يجب أن تجتمع منظماتنا الاستخباراتية أولاً، ثم يجب أن يجتمع وزراء دفاعنا، ثم يجب أن يجتمع وزراء خارجيتنا… عقب ذلك يمكن اجتماع قادة البلدين، والبدء بسلسلة من المفاوضات”، مشيراً إلى أنه عرض ذلك على الرئيس الروسي وأنه: “نظر إليها بشكل إيجابي”.
مصالحة مُذلة لحماس
استقبل بشار الأسد (19 أكتوبر) وفداً من حركة حماس، برئاسة “الحية” وعدداً من مسؤولي الفصائل الفلسطينية، عقب توقيعهم اتفاق مصالحة في الجزائر يلتزمون بموجبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام. وأكدت الحركة من دمشق استئناف علاقتها مع النظام، إثر لقاء وصفته بأنه “تاريخي” مع بشار الأسد.
وقال “الحية” خلال مؤتمر صحافي: “نعتقد أنه يوم مجيد ويوم مهم، نستأنف فيه حضورنا إلى سوريا العزيزة ونستأنف فيه العمل المشترك.. مع سوريا”، فيما أفادت مصادر النظام أن الأسد استقبل: “وفداً ضمّ قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية، وجرى النقاش حول نتائج حوارات المصالحة في الجزائر”. ولم يتطرق البيان إلى حماس، لكن الرئاسة نشرت صوراً للأسد وهو يسير جانب “الحية”، ويتبادلان أطراف الحديث.
وأكد مصدر أمني غربي (22 سبتمبر 2022) أن موسكو وطهران بذلتا جهوداً استخباراتية مكثفة لتحقيق المصالحة بين حماس ودمشق بعد عقد من الخلاف، موضحاً أن حماس وضعت اللمسات الأخيرة على ترتيبات المصالحة مع بشار الأسد في موسكو، فيما شاركت طهران، في المحادثات بين الجانبين، وشجعت النظام على القبول بالمصالحة مع الحركة.
وكان إسماعيل هنية قد ذهب إلى موسكو (10 سبتمبر)، للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، بدعوة من وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حيث ناقشا ترتيبات إعادة العلاقات بين الحركة ودمشق.
كما التقى هنية السفير الإيراني في موسكو قاسم جليلي، حيث طالبت حماس بفتح مكتب للحركة في دمشق، لكن الأسد رفض طلب فتح مكتب إقليمي للحركة.
ومثلت زيارة “الحية” إلى دمشق ضربة لحركة “فتح” التي كانت تنافس حماس على التطبيع مع دمشق، حيث باءت جهود مبعوثها في سوريا، سمير الرفاعي، لتعزيز موقفها الإقليمي بالفشل الذريع، وذلك بعد لقاء بارد جمع الرفاعي (21 يونيو) بنائب وزير خارجية النظام وسفيره في موسكو بشار الجعفري.
وجاءت زيارة الحية ضمن مناورة إقليمية تتضمن اصطفاف “حماس” إلى جانب طهران، و”حزب الله” وبشار الأسد، لتفادي العزلة التي فرضت عليها نتيجة تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل.
وفي تأكيد لوجود أطراف خارجية واصطفافات إقليمية أكد الحية عدم تحفظ أي من الحلفاء أو الداعمين الإقليميين، خصوصا تركيا وقطر، على هذه الخطوة، مضيفاً: “بل هم شجعونا على ذلك وقالوا نحن نؤيدكم”.
وأكد آرون لوند، لوكالة الأنباء الفرنسية أن عودة التواصل بين نظام الأسد ودول عربية أخرى سهلت المصالحة بين دمشق و”حماس”، مشيراً إلى أن التغيرات الأخيرة في الموقف التركي “كانت مفيدة لحماس”.
وفي مقابل تصريحات الحية المندفعة والاعتذارية؛ تؤكد مصادر مطلعة أن: “دمشق ليست منفتحة في الوقت الراهن على إعادة فتح حماس لمكتبها على أراضيها”.
توسع إيراني وتصعيد إسرائيلي
في 13 يناير 2022؛ تحدث وزير الاقتصاد والتجارة الداخلية في حكومة النظام، سامر الخليل، عن لقاء أجراه مع وفد اقتصادي إيراني زار دمشق، معتبراً أنه يمثل: “خطوة مهمة لتنمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية” بين الجانبين، حيث: “تم التركيز على زيادة حجم التبادل التجاري، وتذليل أية عقبات تقف في وجه تبادل المنتجات بين البلدين، لتمر بشكل سلس وسريع، وتعزيز وسائل النقل في الاتجاهين، على مستويات النقل البحري والبري والجوي، وسرعة نقل البضائع بين البلدين”.
وجاءت تلك الزيارة بالتزامن مع تسريب مجموعة إيرانية معارضة مستندات، تتعلق بخطة إيرانية لاستغلال الفرص الاقتصادية في سوريا والعراق، عبر التغلغل في البنى التحتية الاقتصادية لهذين البلدين، وخاصة في مجالي الموارد الطبيعية والبنية التحتية السورية.
وتسعى إيران للسيطرة على الطريق البرية في سوريا والعراق، والتي تتمثل في محورين يشكلان الخط البري الواصل بين إيران والمتوسط، الشمالي منها يمر عبر كردستان العراق وصولاً إلى شمالي سوريا فحلب فالساحل السوري، في حين يمر الشريان الجنوبي عبر وسط العراق والأنبار وصولاً إلى الصحراء السورية عبر معبر البوكمال ثم حمص والساحل السوري.
وفي شهر يونيو تم الكشف عن وصول مجموعات تابعة لميلشيا “حزب الله” والفرقة الرابعة ولواء “فاطميون” إلى المنطقة الحدودية مع الأردن، وانتشارها على طول الحدود السورية-الأردنية، وتعزيز مواقعها بآليات ثقيلة من بينها دبابات ورشاشات ثقيلة، ما دفع بالعاهل الأردني للتعبير عن خشيته من الفراغ الأمني الذي يمكن أن يخلّفه انسحاب القوات الروسية من سوريا، وتحديداً من الجنوب السوري، وتحذيره من أن هذا الفراغ ستملؤه الميلشيات المرتبطة بإيران والتي تهدّد أمن الأردن.
وفي شهر سبتمبر؛ تم الكشف عن قيام الحرس الثوري الإيراني بنشر المئات من عناصر الميلشيات الموالية له على الحدود السورية-الأردنية، في إطار مشروع إيراني يهدف لإحكام السيطرة على المنطقة الجنوبية، حيث تم إرسال ثلاث وحدات من “لواء فاطميون” الأفغاني بإشراف القيادي “حكمت الله هراتي”، إلى الحدود السورية-الأردنية، بهدف إنشاء قاعدة كبيرة بدلاً من النقاط الصغيرة المنتشرة في المحافظة.
ودار الحديث في شهر يونيو عن قيام “الحرس الثوري” الإيراني بتعزيز قواته في محافظة الحسكة، مستعيناً بعناصر “حزب الله” اللبناني، وقيامه بعملية توازن دقيقة لرسم دائرة نفوذ خاصة به إلى جانب القوات الأمريكية التي تنتشر بالمنطقة، في إطار التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، والقوات الروسية المتمركزة في مطار القامشلي، والجيش التركي الذي يبسط سيطرته على مدينة “راس العين” وتخوم “تل تمر”.
وبالتزامن مع عمليات الانسحاب الروسي من المنطقة، تقوم القيادة الإيرانية بالتغلغل في صفوف ميلشيات كانت تخضع لسيطرة موسكو، أبرزها: “أنصار الأمن العسكري”، كما تعمل على كسب ود عشائر المنطقة التي تشعر بالامتعاض من الدعم الأمريكي لقوات “قسد”، وعلى رأسهم قبيلة “طي” التي قامت الوحدات الكردية بملاحقة بعض أبنائها بتهمة “دعم الإرهاب”.
وفي تطور لافت؛ استولت “كتيبة الإمام الرضى” التابعة للحرس الثوري الإيراني (22 يونيو) على منازل في بلدة “مهين” بريف حمص الشرقي، بعد طرد أصحابها منها، وتحويلها إلى مقرات عسكرية وأماكن لمبيت العناصر، وعززتها بمعدات عسكرية وأسلحة وصناديق ذخيرة، بالتزامن مع نشر حاجزين مؤقتين في بداية الطريق الواصل للمنزلين ونهايته، دون أي تدخل عسكري لقوات النظام في الحادثة.
ودفعت التعزيزات الإيرانية بتل أبيب لتكثيف التأهب على حدودها الشمالية في شهر مارس، وقصف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في منطقة مطار دمشق الدولي، كما شنت عملية نوعية أسفرت عن تدمير مئات من الطائرات بدون طيار من أنواع مختلفة على الأرض.
وبادر الحرس الثوري الإيراني من طرفه إلى قصف مركز تدريب إسرائيلي لجهاز الموساد في أربيل (13 مارس)، فيما أكدت صحيفة “هآرتس” أن الهجوم الذي نفذته إيران في أربيل يأتي ضمن حرب المسيرات المتواصلة بين طهران وتل أبيب، وذلك فيما يتوقع أنه رد على هجوم إسرائيلي أسفر عن مقتل ضابطين إيرانيين في سوريا. وردت تل أبيب على ذلك باستهداف مواقع عسكرية بالقرب من دمشق (27 أبريل) في هجوم هو الثالث من نوعه في شهر أبريل.
وفي 20 مايو استهدفت القوات الإسرائيلية مواقع تابعة لإيران في محيط مطار دمشق، بعد حملة قصف شنتها في 13 مايو، قرب مدينة الكسوة بريف دمشق الجنوبي، وفي منطقة جمرايا شمال دمشق، وفي محيط مطار دمشق، وكذلك في الساحل السوري ومنطقة مصياف بريف حماة والمنطقة الوسطى من سوريا.
كما استهدف قصف إسرائيلي (14 أغسطس 2022) مواقع عسكرية للنظام وحلفائه الإيرانيين في كل من ريف دمشق وطرطوس، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وتدمير أسلحة ومعدات.
وتعتبر هذه العملية هي الثانية من نوعها؛ حيث استهدف قصف سابق في شهر يوليو الماضي محيط بلدة “الحميدية” جنوب طرطوس، فيما أكدت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أن الضربة السابقة استهدفت مشروعاً سريّاً إيرانياً يسعى لبناء دفاعات جوية متطورة للنظام.
وتزامن الحديث عن تقليص موسكو قواتها في سوريا مع تصعيد إسرائيل عملياتها في سوريا، حيث استهدف سلاح الجو الإسرائيلي قافلة صهاريج على الحدود العراقية-السورية، قيل إنها تنقل الوقود الإيراني إلى لبنان (11 نوفمبر)، وذلك ضمن سلسلة هجمات عنيفة شنتها تل أبيب على مواقع إيرانية في سوريا.
وفي 14 نوفمبر شن سلاح الجو الإسرائيلي غارة على مطار “الشعيرات” بريف حمص، ما أدى إلى مقتل ضابطين، وسقوط نحو 17 جريحاً من قوات النظام، وتزامن القصف مع انطلاق مناورات عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل (13 نوفمبر) لمدة أسبوع تحاكي تفاصيل شن هجوم في العمق الإيراني، وتتضمن تدريب طياري سلاح الجو على التحليق بطائر “إف 16” على ارتفاع 300 قدم فوق بحيرة طبريا وصولاً إلى شرق طهران، وتنفيذ عمليات تدريبية لمهاجمة مصانع إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة وبعض الأهداف الحيوية، خصوصاً المتعلقة منها بمواقع إنتاج الأسلحة الذكية والدقيقة وقواعد الدفاع الجوي والمطارات التي تشل قدرة إيران على الرد.
وفي 19 ديسمبر شن الطيران الحربي الإسرائيلي، غارات في محيط دمشق، وهو ما يعتبر أول اختبار لمنظومات “باور 373” الإيرانية، التي نشرتها طهران في محيط دمشق مؤخراً، مدعية أنها تستطيع استهداف الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة المزودة بتقنية التخفي عن شاشات الرادار، ويبلغ مدى صواريخها 300 كيلو متراً، لكنها فشلت في صد ذلك الهجوم.
ووفقاً لمصادر عسكرية فإن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ أكثر من 30 ضربة على مواقع حيوية في سوريا منذ مطلع عام 2022، مستهدفاً المطارات الرئيسية ومواقع الدفاع الجوي التابعة للنظام.
تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف السوري
في شهر يناير 2022؛ أشار تقرير أمني غربي إلى أن قانون “تفويض الدفاع الوطني”، الذي تم تصديقه، يحتوي بالفعل على عدة أقسام تتعلق بسوريا، إلا إنها لا ترسم خطوطاً واضحة حول كيفية تنفيذها من قبل إدارة بايدن، العالقة بين المحافظة على الوجود العسكري في سوريا من جهة، وإحكام العقوبات الأمريكية على النظام من جهة ثانية.
ورأى التقرير أن القانون الذي أقره الكونغرس (15 ديسمبر 2021) لن يساعد كثيراً في توضيح سياسة بايدن التي ترغب حالياً في المحافظة على حالة الغموض إزاء نظام الأسد.
ويعكس القانون قلق أعضاء الكونغرس بشأن الجدول الزمني للوجود العسكري الأمريكي شمال شرقي سوريا إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية”، مطالباً بتحديد إستراتيجية دبلوماسية ودفاعية للولايات المتحدة إزاء سوريا في غضون 90 يوماً، خاصة وأن منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك، قد أكد (10 ديسمبر) على أن الولايات المتحدة سيكون لها وجود عسكري لمواصلة القتال ضد تنظيم “داعش”.
وطالب الكونغرس، كذلك، بوضع جدول زمني لانسحاب الحامية الأمريكية بالتنف، والتي تم استهدافها عدة مرات عام 2022.
وتحدث مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” عن تنامي الخلاف في واشنطن حول جدوى العقوبات الأميركية على النظام، إذ رأى البعض أن إلغاءها هو استسلام لخُطط روسيا وبشار الأسد، الذي لم يرضخ بعد لأي من مطالب المجتمع الدولي، وليست لديه أية نية لتغيير سلوكه، فيما يرى آخرون أن عقوبات قيصر غير مجدية وتسبّب موجات نزوح، ما يجعلها “عديمة الجدوى”.
واعتبر المقال أن سياسة بايدن إزاء سوريا قد أصابت المحللين بالحيرة، إذ إن: “الإدارة الأمريكية لم تتبع سياسة متشددة بخصوص العقوبات في صفقة خط الغاز المصري والكهرباء الأردنية المتجهين عبر سوريا إلى لبنان، في الوقت الذي كان بإمكانها الحصول على مقابل للسماح في هذه الصفقة”.
ووصف المقال سياسة بايدن تجاه سوريا بأنها “مشوشة”، مؤكداً أنها فشلت في إحداث تغيير بسلوك النظام، ويبدو أن: “الإدارة غير راغبة في تجاوز الازمة السورية، وبالتالي هي تترك الأزمة مستمرة على الرغم من آثارها على ملايين الأرواح وعلى مستقبل السياسة الأوروبية”.
وفي 14 يوليو 2022؛ أشار موقع “أنتي وار” الدفاعي إلى أن القوات الأمريكية تعتزم تدريب نحو 3,500 مقاتل كردي يتبعون لقوات سوريا الديمقراطية عام 2023، وذلك عقب إعادة تقييم عمليات التدريب والدعم التي كانت تقدمها لمختلف الفصائل في الشمال السوري، حيث قررت الإدارة الأمريكية حصر دعمها على ميلشيا “قسد” باعتبار عدم موثوقية الفصائل الأخرى.
علماً بأن الولايات المتحدة تغض طرفها عن الانتهاكات التي تقوم بها ميلشيا “قسد” بما في ذلك تجنيد الأطفال في صفوف قواتها، حيث أصبحت -وفقاً للموقع: “أكبر مجند للأطفال في المنطقة”.
وفي شهر يونيو حذر مسؤولون أمريكيون من أن “التصعيد الروسي” في سوريا، يهدد بحدوث صراع مباشر مع الولايات المتحدة، وذلك بعد أن نفذت القوات الروسية سلسلة عمليات ضد التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا خلال شهر يونيو الماضي.
وأثارت تلك العمليات قلق واشنطن من أن يؤدي أي سوء تقدير إلى نشوب صراع غير مقصود بين القوات الأمريكية والروسية، خاصة بعد استهداف مقاتلات روسية من طراز (Su-35) و(Su-24) قاعدة “التنف” (18 يونيو)، التي تُجري فيها القوات الأمريكية مهام تدريب وإرشاد مقاتلين محليين.
وعلى الرغم من عدم وقوع أية خسائر في صفوف القوات الأمريكية بذلك الهجوم؛ إلا أن مسؤولاً عسكرياً أمريكياً أبدى قلقه من “زيادة كبيرة في الاستفزازات”، خاصة بعد تحليق مقاتلتين روسيتين من طراز (Su-34) فوق موقع كانت القوات الأمريكية تشن فيه غارة شمال شرقي البلاد، للقبض على أحد عناصر تنظيم “داعش”.
وفي تعليقه على ذلك الحدث؛ أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة، الجنرال إريك كوريلا، أن الولايات المتحدة تسعى لتحاشي نشوب صراع بينها وبين روسيا في سوريا، وأضاف: “نسعى لتجنب حدوث أي سوء تقدير أو تصرفات قد تؤدي لنشوب صراع لا طائل منه، هذا هدفنا. لكن سلوكيات روسيا مؤخراً أصبحت استفزازية وتصعيدية”.
وجاء ذلك التصريح عقب تقارير وردت إلى البنتاغون، تفيد بتعزيز التعاون العسكري الروسي-الإيراني في سوريا، حيث تزامن التصعيد الروسي مع تنفيذ الحرس الثوري الإيراني نحو 59 عملية استفزازية ضد سفن حربية أمريكية في الخليج العربي خلال الأسابيع الماضية، وتعتقد قيادة (CENTCOM) بوجود رابط بين التصعيد الروسي والإيراني.
أوروبا تبحث عن موطئ قدم
تحدث تقرير أمني غربي (7 فبراير 2022) عن محاولات حثيثة بذلتها باريس للتوفيق بين رغبتها في تعزيز وجودها في سوريا من جهة، وعدم إقامة اتصال مباشر مع نظام الأسد بشكل رسمي من جهة ثانية، وذلك عبر توظيف أدواتها “الناعمة” المتمثلة في: الجمعيات الخيرية، وترميم الآثار، و”دعم مسيحيي الشرق”، معتمدة في ذلك على شراكتها مع دولة الإمارات، عبر مؤسسة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع”.
ووفقاً للتقرير؛ فإن باريس تمول مشروعين في مناطق سيطرة النظام، هما: ترميم “قلعة الحصن”، وهي قلعة تعود إلى الحقبة الصليبية تضررت أثناء سنوات الحرب، وترميم كنيسة “القديس سمعان العمودي” بالقرب من حلب.
ومن خلال هذين المشروعين، تدمج باريس بين سياستي ترميم الآثار المسيحية، ودعم مسيحيي الشرق والذين أقام لهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حفلاً في الإليزيه (1 فبراير 2022) عقب مؤتمر “المانحين للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع” (31 يناير).
وبينما يعرض “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع” نشاطاته بكثير من الفخر والاعتزاز، يميل القائمون عليه إلى الصمت بشأن أعمالهم في سوريا، ويقتصر حديثهم على الأنشطة القائمة في محافظة الرقة، الخاضعة لميلشيا “قوات سوريا الديمقراطية”.
وتحظى “قلعة الحصن” بأهمية كبيرة لدى المسيحيين الغربيين، كما تمثل نقطة جذب للجولات السياحية التي عاد تنظيمها من قبل وكالة السياحة (كليو)، وتعتبر القلعة محورية في أعمال الترميم المنفذة في سوريا منذ 2016، بواسطة مدير منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق”، تشارلز ديميير، والتي يستخدمها حزب “التجمع الوطني” لدعايته، بقيادة اليمينة المتطرفة، ماريان لي بان، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع مؤسسة أسماء الأسد، “الأمانة السورية للتنمية”، والتي جددت اليونسكو اعتمادها أواخر عام 2021.
ونظراً للإحراج الذي تسبب به نشاط منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” في دعم ميلشيات مسلحة موالية للنظام، فإن السلطات الفرنسية فضلت التعتيم على هذه العلاقة، وأظهرت دور منظمة “لفغا دي أورينت” كشريك رئيس في مشروع الترميم الذي تموله منظمة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع”، حيث قام ماكرون بتقليد مدير “لفغا دي أورينت”، باسكال غولينيش، وساماً خلال حفل الاستقبال الذي عقد في الإليزيه (1 فبراير)، علماً بأن المنظمة تتمتع بعلاقات وثيقة مع جهات تابعة للنظام في حلب، حيث تعمل على مشروع حرفي مع جمعية “الصخرة” الخيرية المحلية، والتي يتم تمويل بعض برامجها من قبل جمعية “أنقذوا مسيحيي الشرق”.
واستغل ماكرون تلك الفعالية للإعلان عن مضاعفة المبالغ المالية المرصودة لمساعدة المدارس المسيحية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن: “دعم مسيحيي الشرق هو التزام علماني لفرنسا ومهمة تاريخية ويشكل استجابة لضرورة عدم التخلّي عن النضال من أجل الثقافة والتعليم والحوار في هذه المنطقة المضطربة، متعهداً بالتعاون مع جمعية “أوفر دوريان” لمضاعفة مساهمة الدولة في صندوق دعم مدارس الشرق، والذي يدعم 174 مدرسة في المشرق العربي.
وكانت دراسة تشرها موقع “ميدل إيست أون لاين” قد ألقت الضوء على رغبة باريس في تعزيز نفوذها في العراق وسوريا، مؤكدة أن الفرنسيين يعتقدون أنه بعد عقود من الحرب والضعف والاضطراب، فإن العراق مستعد لاستقبالهم وتوفير قاعدة لهم لبناء جسور سياسية واقتصادية مع دول المنطقة.
وكشف مسؤولون فرنسيون عن تنامي اعتماد ماكرون على أجهزته الأمنية، وعلى رأسها جهاز الاستخبارات العسكرية الفرنسية (DRM)، وخاصة في العراق حيث يعمل السفير الفرنسي في بغداد، إيريك شوفيليه (والذي كان يشغل منصب مدير مركز “الدعم والأزمات” (CDC) التابع لوزارة الخارجية، وله اهتمام شخصي ومباشر بالأوضاع في سوريا، حيث عمل كسفير لبلاده في سوريا (2009-2014)، وأقام بدمشق حتى عام 2012، ثم انتقل إلى باريس (بعد إغلاق السفارة هناك) للعمل على خطة طموحة تتضمن: إنشاء قنوات حوار مفتوحة مع مختلف الجهات الإقليمية الفاعلة، والإشراف على التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة من خلال قيادة عملية الشمال الفرنسية لمحاربة “داعش”، وتعزيز علاقات فرنسا مع “مجلس سوريا الديمقراطي” (مسد)، حيث يقيم مركز الأزمات والدعم التابع لوزارة الخارجية علاقات حيوية ومباشرة مع الإدارة الكردية شمال شرقي سوريا، بإشراف إيريك شوفيليه.
واعتبرت صحيفة ” نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن فرنسا تحاول الدفاع عن “حق تاريخي” بالنفوذ في سوريا من خلال تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، والقيام بدور الوسيط لمعالجة الانقسام الكردي، ومحاولة الوساطة بين “قسد” و”المجلس الوطني الكردي”، وغيرها من المكونات الكردية في سوريا.
وفي 12 يوليو 2022؛ تحدث تقرير أمني غربي عن قيام مدير “مركز الأزمات والدعم بوزارة الخارجية الفرنسية”، ستيفان روماتيه، بمهمة غير رسمية تمثلت في زيارة مدينة القامشلي (5 يوليو) برفقة مسؤولين بالمديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي(DGSI)، تبعته زيارة أخرى، في الشهر نفسه، أجراها وفد فرنسي برئاسة وزير خارجية فرنسا الأسبق، برنار كوشنير، الذي قال في مؤتمر صحفي عقده بمدينة القامشلي: “باسم جميع أصدقائكم في فرنسا عليكم أن تعرفوا، أننا سنقف معكم، ونكون السند لكم، ولن نتخلى عنكم”.
وفي بريطانيا؛ كشف موقع (inews) عن توجه وزارة التجارة الدولية في الحكومة البريطانية تقديم تسهيلات تجارية (من جانب واحد) لعدة بلدان “نامية” من بينها سوريا، تشمل تخفيض الضرائب على البضائع القادمة من مناطق النظام.
وأضاف الموقع أن القرار، في حال تنفيذه، سيخفض التعرفة الجمركية بنحو 85 بالمئة من البضائع القادمة من مناطق سيطرة النظام إلى بريطانيا، وذلك بهدف: “خفض تكلفة الواردات بالنسبة للمستهلكين البريطانيين وتعزيز اقتصادات البلدان الفقيرة”.
ودفع ذلك القرار بمنظمة “العفو الدولية” للتحذير من عواقب السماح لأي أفراد أو شركات مرتبطة بنظام الأسد بالوصول إلى الاقتصادي البريطاني، وقال عضو المنظمة كريستيان بنديكت: “لقد حوّل الأسد سوريا إلى مسلخ بالبراميل المتفجرة والتعذيب الجماعي واختطاف الدولة، وسيكون من السخرية المطلقة أن يستفيد الأفراد والشركات المتورطة في تلك الفظائع من الترتيبات التجارية الجديدة”.
وجاءت تلك الأنباء عقب إصدار الخزانة البريطانية، قراراً برفع العقوبات المفروضة على رجل الأعمال السوري المتهم بدعم النظام، طريف الأخرس، قريب أسماء الأسد.
وقالت الخارجية البريطانية، إن هذا الإجراء جاء بعد مراجعة عادية لعقوبات المملكة المتحدة المفروضة بموجب “قواعد المجموعة الأوروبية للتعاون الإقليمي، فيما يُعدّ المرة الأولى التي تشطب فيها الحكومة البريطانية اسم شخص من قائمة العقوبات المفروضة بموجب القواعد الجديدة التي تم تبنّيها بعد “بريكست” لدعم العقوبات ضد الأفراد المرتبطين بحكومة النظام.
وفي محاولة لمنافسة النفوذ الفرنسي والتركي في المنطقة؛ تحدث تقرير أمني غربي (7 سبتمبر 2022) عن إنشاء شركة أمنية بريطانية فرعاً لها في المنطقة، مؤكداً أن العميل التقني السابق في الاستخبارات البريطانية، جيك هوكلي، قد أسس، في نهاية شهر أغسطس الماضي، شركة “وايتلييف للاستشارات”، وذلك بعد عام على استحواذ شركة “بلوفويانت” على شركة: “ماركليه أسوشيتس”، المتخصصة في مجال المخاطر الإلكترونية، والتي يعمل في فرعها البريطاني عدد من كبار الموظفين السابقين بوكالة الأمن القومي الأمريكية، وبمكتب الاتصالات الحكومية البريطانية المكلفة بتأمين وتقديم استخبارات الإشارة والمعلومات.
وكانت شركة “إنفوفيشن إف زي إي إن2” لمالكها البريطاني “باول تيلي” قد فازت بعقد قيمته 840 ألف جنيه استرليني، مقدمة من مكتب “الصراع والاستقرار والأمن” التابع لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية، مقابل تقديم خدمات الاتصالات العامة باللغتين الإنجليزية والعربية للقوات البريطانية في سوريا والعراق.
أما في ألمانيا؛ فقد كشف تقرير أمني (2 سبتمبر 2022) عن قيام شركة “غاوف” الألمانية بإعادة تأهيل محطة كبيرة للصرف الصحي في بلدة “الخفسة” بمحافظة حلب، وتأهيل محطة لضخ المياه في بلدة “عين التنور” بالقرب من حمص، وتقع هاتان المنشأتان في مناطق سيطرة النظام.
وعلى الرغم من تأكيد السلطات الألمانية على موقفها المناهض لبشار الأسد والرافض لتمويل أية مشاريع لإعادة إعمار سوريا دون تحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية ذات الصلة؛ إلا أن الشركة الألمانية حرصت على إحاطة أعمالها في سوريا بالسرية، واكتفت بالتعليق على ما أثير حول عملها في مناطق سيطرة النظام بالقول إنها تعمل لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تملك مكتباً في دمشق.
وجاءت تلك التسريبات عقب زيارة أجراها القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي لسوريا، دان ستوينيسكو، بصحبة منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لسوريا، عمران رضا (11 أغسطس)، حيث دار النقاش مع نائب وزير خارجية النظام، بشار الجعفري، حول إجراءات التنسيق المطلوبة لتنفيذ المشاريع المطلوبة في سوريا، فيما أكد ستوينيسكو على أن الاتحاد الأوروبي مستعد للمشاركة في تمويل المشاريع بسوريا، رغم رفض بعض الدول الأوروبية المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار.
وكتب ستوينيسكو، في تغريدة له: “كنت سعيداً أن أرى بنفسي كيف يقدم الاتحاد الأوروبي مثل هذا الدعم الأساسي لملايين السوريين في حلب، حان الوقت لكي يعرف السوريون المزيد عن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء سوريا”. الأمر الذي اضطره للتوضيح لاحقاً (18 أغسطس) أن الاتحاد الأوروبي لم يُطبع مع النظام السوري وأن موقفه لا يزال ثابتاً، مشيراً إلى أن زيارته الأخيرة كانت لأغراض وصفها بأنها “إنسانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى