مقالات

سلبيات لا إيجابيات.. ماالذي سيحققه أردوغان بالمصالحة مع الأسد؟

لم يعد حزب البعث بقيادة عائلة “الأسد” المالك الوحيد للسلطة في سوريا، فمع وجود ميليشيات المخدرات المدعومة من إيران، وحكم الأقلية (الأوليغارشية) الذين مكنهم “الأسد” عبر منحهم امتيازات تجارية لتمويل حربه في بداية الحرب الأهلية، وامتلكوا فيما بعد ميليشياتهم الخاصة بدعم من روسيا وإيران، والشركات العسكرية الخاصة والجماعات المسلحة السياسية الكردية التي غالباً ما تكون دمشق مستعدة للتعاون معها لتحقيق التوازن، (مع وجود كل هؤلاء) أصبحوا كلهم الآن أصحاب مصلحة في السلطة في سوريا.
ويبدو من المنطقي للوهلة الأولى أن يكون “الأسد” من بين “الأصدقاء الجدد” لأردوغان في الوقت الذي يتم فيه العمل على تحسين العلاقات مع الأعداء السابقين، مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر.

اقرأ: تركيا تضع شروطاً للقاء أردوغان بالأسد.. ماهي؟


وفي حين أن إحياء العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر وأرمينيا يعطي نتائج إيجابية لتركيا على الصعيدين الإقليمي أو المالي، فهل لدى نظام الأسد مثل هذه الإمكانية؟
خطوة مثمرة للغاية
يعد تطوير العلاقات مع اقتصادين رئيسيين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللذين يعدان من بين أكبر خمس اقتصادات في منظمة التعاون الإسلامي، خطوة مهمة للغاية ومثمرة للغاية، خاصة في الوقت الذي تأثرت فيه تركيا بشدة بموجة التضخم العالمية بسبب (كوفيد – 19)، وفي الواقع يمكن تفسير تحسين العلاقات على أنه استخدام للأرضية السياسية، التي تراجعت بمرور الوقت، لتلبية حاجة اقتصادية، إذ لا يخفى على أحد أن “أردوغان” براغماتي كبير.
وبعد أن تبدأ أنقرة في تطوير علاقاتها رفيعة المستوى مع السعودية والإمارات، ستساهم الاتفاقيات المتتالية والاستثمارات المالية في تخفيف الصورة الاقتصادية الحالية ضد أردوغان حتى موعد الانتخابات.

تابعنا في فيسبوك


خلال الأسبوع الماضي فقط، وافقت المملكة العربية السعودية، على استثمار وديعة للبنك المركزي بقيمة 5 مليارات دولار في تركيا، كما أحرزت تركيا تقدماً في الاستثمار البالغ 10 مليارات دولار الذي قُرر منذ استعادة علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة، وإلى جانب تحسين العلاقات مع هذه الدولة الخليجية القوية، تحاول تركيا أيضاً تحسين علاقاتها مع مصر على أساس تضارب المصالح.
ومع وجود العديد من التفسيرات الاستشراقية المبالغ فيها، والتي تتحدث عن العلاقات بين تركيا والإخوان المسلمين، إلا أنه من المعروف جداً أن أنقرة غيرت رأيها اتجاه التنظيم بعد الانقسام الداخلي خلال السنوات الأخيرة، لذلك أنقرة كانت واثقة تماماً من أنها لن تدفع ثمناً سياسياً بعد تحسين العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر.
وإلى جانب ذلك، تريد أنقرة استقراراً في علاقاتها مع أرمينيا من أجل ممر الطاقة والتجارة الذي سيمتد إلى الدول التركية في آسيا عبر أذربيجان، يأتي اهتمام أنقرة في علاقاتها مع إسرائيل، عبر تجسيد أطروحتها السياسية القائمة على أسس اقتصادية مثل الوطن الأزرق وطرق نقل الطاقة.
يظهر في الملخص المقتضب وغير المفصل أعلاه أن جهود الرئيس التركي “أردوغان” الأخيرة لإصلاح العلاقات مع منافسيه السابقين تستند في الواقع إلى الربح.
ليس لدى الأسد ما يعطيه لأردوغان
ولكن ما الذي سيكسبه “أردوغان” من إصلاح العلاقات مع بشار الأسد، الذي أصبح الزعيم الاسمي لدولة فاشلة ومجزأة ولم يعد له تأثير أكبر من تأثير رئيس محافظة روسية؟
يعتبر “الأسد” الآن شريكا اقتصاديا تحاول حتى الصين تجنبه بسبب ارتفاع تكاليف التعامل معه، وليس لدى “أردوغان” أي مكسب اقتصادي ليأخذه من الأسد، إذ إن نظام “الأسد” الذي يشهد انهياراً خطيراً بسبب الحرب والفساد وامتلاك موارد البلاد من قبل الجماعات المسلحة والعقوبات، ليس لديه ما يقدمه لتركيا على المدى القصير أو الطويل.
إذاً، لماذا يتحدث أردوغان وبيروقراطيوه كثيراً مؤخراً عن لقاء الأسد؟
ربما يكون أحد العوامل الدافعة وراء نهج “أردوغان” لإصلاح العلاقات مع “الأسد” هو شركاء الحكومة التركية القوميين-الأوراسيين الجدد، والذين يمكن وصف العديد منهم بأنهم موالون لروسيا، إلا أن جهود هؤلاء الشركاء الجدد وحدها، ليست قوية بما يكفي لدفع “أردوغان” لاتخاذ قرار بشأن هذه المسألة.
ربما يكون “أردوغان” ودائرته من صانعي القرار قد استسلموا للهيمنة السياسية والنفسية الموالية لـ “الأسد” التي بنتها المعارضة عبر مناهضة اللاجئين في السنوات الأخيرة، وربما أرادوا تحويل ذلك إلى فرصة للخروج من سوريا.
وربما للسبب نفسه، يعتقد بشار الأسد وبيروقراطيوه أن “أردوغان” خسر الأصوات بسبب المشاعر المعادية للاجئين في تركيا، ويعتقدون أن “أردوغان” يريد التفاوض “كخطوة سياسية” لاستعادة الأصوات، وربما لهذا السبب رفضوا الاجتماع قائلين “لماذا نمنح أردوغان نصراً انتخابياً سهلاً؟ لن يكون هناك تقارب قبل الانتخابات”.
وعلى الرغم من أن هذه النظرية تبدو معقولة جدًا للوهلة الأولى، فإنه من الصعب القول إن أردوغان خاطر بهذه المجازفة لتجاوز فترة الانتخابات، وذلك لأن أنصار أردوغان الرئيسيين ما زالوا حساسين للغاية بشأن سوريا.
بينما النظرية الأخرى التي يطرحها السياسيون الأتراك الذين يملكون ميولاً أوراسية، ويستخدمون أجندة معادية للاجئين، ويقدمون أنفسهم بكونهم قوميين هي أن “تركيا يمكنها حل مشكلة وحدات حماية الشعب من خلال التعاون مع الأسد”.
وفي حين أن كثيرين يزعمون أن “أردوغان” يريد لقاء “الأسد” بناءً على هذه النظرية المعادية لوحدات حماية الشعب، إلا أن مطلباً واضحاً للغاية في تصريحات دمشق بشأن اجتماع أردوغان – الأسد يدحض هذا الادعاء بشكل قاطع، ألا وهو: الانسحاب الكامل للجيش التركي من سوريا.
وهم «الأمن القومي» هو طرح يتجاهل واقع الميدان في سوريا، إذ إن نظام الأسد موجود في الحسكة منذ عام 2012، وموجود في وسط حلب منذ عام 2015، وموجود – بالتعاون مع وحدات حماية الشعب – في الرقة وشمال وشرق حلب منذ عام 2019، ويجري مسؤولو البعث من الدائرة المقربة لـ “الأسد” محادثات مع ممثلي وحدات حماية الشعب في حلب ودمشق، واصفين المحادثات بالإيجابية.


ومن ناحية أخرى، لا يملك نظام الأسد القوة لمقاومة وحدات حماية الشعب بدون دعم روسيا، وحتى لو كان النظام يتمتع بهذه القوة، يبدو أنه الأسهل إلى دمشق العمل ضد تركيا من خلال مواصلة تعاونها الراسخ مع وحدات حماية الشعب، وتقديم تنازلات أقل لهم، لأن “الأسد” وشركاءه الذين يتقاسم معهم السلطة لا يقبلون الحل السياسي الذي تريده تركيا عبر قرار الأمم المتحدة رقم 2254.
ولا شك أن “أردوغان” ودائرة صنع القرار لديه يدركون ذلك، إلا أنه وعلى الرغم من كل هذه الدلائل، يحاول العديد من الأشخاص في تركيا ممن يطلقون على أنفسهم محللين تكوين رأي عام حول المصالحة مع نظام الأسد.
تخطت عتبة السلام غير المشروط
لا يستطيع العديد من السياسيين والمحللين في تركيا قبول حقيقة أن الأمور وصلت إلى نقطة حيث يكاد يكون من المستحيل تجديد العلاقات مع نظام “الأسد” دون شروط في “بيئة ودية”.
الأمر الأكثر إثارة للفضول هو ما ينويه “أردوغان” من لقائه مع “الأسد”، لأن لقاء “أردوغان” مع “الأسد” لن يحل أي مشكلة في سوريا، فبالنظر إلى الحقائق المالية والسياسية والميدانية المهمة، لن يحصل “أردوغان” على أي فوائد فيما يتعلق بالأمن القومي التركي.
في المرحلة القادمة، حتى لو رأينا لقاء يجمع “أردوغان” مع “الأسد” بضغط من موسكو، فلن يغير ذلك الكثير على أرض الواقع، لأن الأسد لا يملك القوة لتغيير الأمور
وفي هذه الحالة، فإن مثل هذا الوضع من شأنه أن يضر بشكل خطير بالعلاقة بين تركيا والمعارضة، ويمكن أن يتسبب ذلك في أضرار لا يمكن إصلاحها لتركيا.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى