مقالات

خلاصات عن مداولات مؤتمر الاستئناف الحضاري ومشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

عقد منتدى كوالا لامبور للفكر والحضارة مؤتمره السادس في مدينة اسطنبول، حاضرة الخلافة العثمانية التي تنتظر من يعيد لها أمجادها الغابرة، ما بين 11-13 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تحت عنوان عريض: “الاستئناف الحضاري ومشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية: الجذور والواقع والمستقبل”. وشارك حشد من النخب العلمية والفكرية والسياسية في مداولاته ونقاشاته الساخنة حينا والعاصفة حينا، وصلت إلى درجة عدم تحمل النقد اللاذع لتجربة الإخوان في مصر الذي تقدم به خيري عمر فحُذفت كلمته من صفحة المنتدى. 

التساؤل الموضوعي: ما الجديد الذي جاء به المؤتمر السادس عما سبقه من المؤتمرات الخمسة؟

لست في صدد تقديم “الجديد” في مداولات المؤتمر وجلساته، وطبيعي أن يكون هناك إيجابيات وسلبيات، تحتاج حيزا واسعا للوقوف عندها. فقد اتفق معظم المتحدثين، من محاضرين ومعقبين ومن مشاركات بعض الحضور، على أن الحركة الإسلامية (يستخدم هذا اللفظ بالعموم مع التنويه إلى أنهم يقصدون حركة الإخوان المسلمين تحديداً دون غيرها، ولعل هذا يعكس نظرة القيّمين على المؤتمر أن حركة الإخوان المسلمين هي كبرى الحركات الإسلامية وهي العباءة التي  خرجت منها الحركات الأخرى، وهذا قول يحتاج إلى تمحيص مستقل) قد حققت نجاحات بارزة لا تُنكر أهمها الحفاظ على الهوية الإسلامية في وجه المد العلماني الذي فرضه الغرب (المستعمر) على المنطقة.

 ولكن الدعوة إلى المراجعة النقدية لمسار الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) أثارت زوبعة من التعقيبات والردود الساخطة التي استنكرت “جلد الذات” و إغفال “الإنجازات” .. ما اضطر الدكتور عصام البشير إلى الرد بأنه أمضى حياته في مشاركة مسيرة الحركة  بآلامها وآمالها، وأنه حين يدعو ، في محاضرته المعنونة الحركات الإسلامية و الاستئناف الحضاري مسيرة قرن: التقييم والمراجعات، إلى مراجعة فلا يأتي هذا من قبيل “جلد الذات” وإنما من قبيل التواصي بالحق والتواصي بالصبر والنصيحة، وقد صحح القرآن الكريم الخلل فيما جرى مع الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة أحد بقوله:( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) ولم يكن النقد القرآني “جلدا للذات” بل تصحيحا للسلوك!

 وبيّن أنه قصد لفت النظر الى ضرورة التفريق بين كمال الرسالة الإسلامية كما نزل بها الوحي الرباني وبين الكسب البشري من خلال السعي الذي  تقوم به الحركة الإسلامية والذي هو جهد بشري عرضة للقصور والخطأ، مستشهدا بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده إلى أبى موسى الأشعري حين ولاه القضاء:” ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”.

أما الدكتور عمرو دراج فقد رأى في تعقيبه أنه خطأ استراتيجي كبير حين تنتصر الثورة فتقبل الحركة الإسلامية  بالعمل تحت سقف الدولة العميقة للنظام السابق وبما تمليه القوى الدولية الخارجية! واعترض على المنادين بشعارات الديمقراطية منوها إلى أن الديمقراطية تتصادم مع كثير من الثوابت الإسلامية، فضلا عن أن أهلها  في الغرب يضجون من عيوبها وأزماتها!

في مشاركته ركز الدكتور طارق الهاشمي على التساؤل التالي: فلنقل فرضا أن الحركة الإسلامية قامت بمعالجة كل الثغرات في عملها( وهذا ما ينبغي أن يكون)  فهل سيؤدي هذا إلى النجاح المنشود؟ وكيف نتعامل مع الحقيقة الكبرى أن هناك موقف دولي ضد إقامة الدولة الإسلامية؟

و طرح النائب من تونس عامر العريّض التساؤل: من هي أو ما هي الحركة الإسلامية؟ الجواب عند البعض سيكون: القاعدة، وعند البعض الآخر تنظيم الدولة وعند غيرهم حماس وعند غيرهم حزب العدالة والتنمية في تركيا…وهكذا نخرج بأجوبة متناقضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مع ما فيها من تناقضات وفرْق كالفرْق بين السماء والأرض.

بينما رأى ابراهيم الديك في مشاركته أن التنظيمات الإسلامية  أصبحت عقبة أمام التغيير المنشود، وصارت عبارة “جلد الذات” ستارا لمنع النقاش في تقييم الأداء مع أن التنظيمات قدمت تضحيات جسيمة لا تخفى ولكن هذا لا يخوّلها أن تستبد بالقرار وتفرض رأيها على الآخرين.

و في خضم جلسات المؤتمر تكرر هذا المشهد بشكل عجيب: فالدكتور طارق السويدان، في محاضرته المعنونة: تطورات العالم العربي بعد الربيع العربي وأثرها على مستقبل المشروع الحضاري، رأى أن الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) حققت 90 % من أهدافها، وهذا هو عين النجاح. فالفشل، كما عرفه، يقع حين لا تتحقق الأهداف، وحين نظر في أهداف الحركة وجد أن 90% منها لم تكن أهدافا سياسية تستهدف السلطة والحكم، وقد تحقق معظمها. وهذه نقطة اعترض عليها د عمرو دراج في تعقيبه فقد رأى أن الاخوان المسلمين، وإن نجحوا في الحفاظ على الهوية الإسلامية، إلا إنهم ،في فترة الحكم في مصر، لم يكن لديهم مشروعا (رؤية) للتغيير الجذري، وإنما قبلوا العمل تحت سقف الدولة العميقة للنظام السابق، وذهب إلى القول إن الشعب سبق الحركة الإسلامية (الإخوان) في السعي للتغيير الجذري وليس الترقيعي الإصلاحي.

أما الدكتور عبدالحميد الجلاصي، فقد ذهب، في تعقيبه على كلمة د السويدان، إلى أن إعادة النظر و مراجعة المسار ليس “جلدا للذات”، و أن الحساسية المفرطة تجاه النقد تحت هذا العنوان غير مبررة، بل يجب المصارحة والمكاشفة و مراجعة السير لإدراك مواطن التعثر والخلل، فقد حكمت الحركة الإسلامية في السودان لمدة 30 سنة مع امتلاكها للقوة الصلبة (القوة العسكرية) ولم ينفعها ذلك، بينما في مصر ظن الإخوان أن صندوق الانتخابات يعطيهم مفاتيح السلطة، فلم يُجد عنهم نفعا في مواجهة القوة الصلبة للجيش..كما اعترض د أشرف عبدالغفار في مشاركته على إعلان د السويدان للنجاح، وذكر أن قيادة الإخوان في مصر كانوا بعيدين عن الثورة ويرونها أنها وهم وتخالف نهج جسن البنا، و ذكر أن القيادة، بعد معركة الجمل، طلبت من المناصرين الانسحاب وعدم المشاركة، وبعد الإطاحة بمبارك رفضوا الإصغاء لنصائح زملائهم في السودان، وسأل د السويدان: تقول إن هناك خططا استراتيجية مهمة وضعها خبراء للاخوان المسلمين، فهل وجدت طريقها إلى التطبيق العملي أم انها حُفظت في الأدراج؟ وما النفع منها في هذه الحال!

وهكذا تكرر هذا المشهد بين الداعين إلى ضرورة إجراء المراجعات وبين الداعين لعدم “جلد الذات”،وسط دعوة كثيرين إلى ضرورة قيام الحركة الإسلامية ( الإخوان المسلمون) بصياغة المشروع السياسي الذي يبين طبيعة الدولة و تفاصيل نظام الحكم، وكيفية التعامل مع القوى الدولية مع الدولة الجديدة. وهذا ما دعا إليه د عطية عدلان، أي إلى تحديد من هو العدو/ الخصم وكيفية التعامل معه، وإلى ضرورة بلورة المشروع الإسلامي و كيفية تحقيقه، فالوقائع أثبتت أن الأمة بلغت مرحلة الغليان وانها جاهزة للتفاعل مع الحرمة الإسلامية متى وُجدت الرؤية (الحضارية) والقيادة السياسية الواعية العملية، كل هذا في ظل إفلاس المذاهب الوضعية على المسرح العالمي، ولا بديل لها إلا المشروع الحضاري الإسلامي.

هذه خلاصات على عجالة عن كثير من مداولات المؤتمر ولنا عودة لاحقا بعون الله نقف فيها عند أهم المسائل التي أثيرت، و لا شك أن المؤتمر ، بمن حضره من وجوه وفعاليات بارزة، كان حدثا مهما في المشهد الفكري السياسي يحتاج إلى مزيد من نقاش…

 ولا استطيع القول إن المؤتمر، وهو السادس من نوعه، قد قدم أجوبة شافية، كما تمنى معظم المشاركين في النقاشاتـ، بل لعله سلط إضاءات على أزمة المشروع الإسلامي السياسي عند الحركة الإسلامية ( الاخوان المسلمين).

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى