مقالات

لاتستهلكوا رصيد العلاقات

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب


رسالة وصلتني من سيدة تقول: نشب شجار بيني وبين زوجي، فذهبت الى بيت أهلي، وكان من عادة زوجي أن يبادر للصلح ويأتي فيعتذر وإن كنت أنا المخطئة، وهو الآن المخطئ، وقد مرت ثلاثة أشهر، ثم تكلم مع أبي في الهاتف ولا أدري ما دار بينهما، وتركني لثلاثة أشهر أخرى، ثم جاء أبوه وحده فردني إلى بيت زوجي، رجعت فلم أرى لهفته ولا إقباله على الأولاد، وكأني أرجع إلى زوج آخر، لم يعد زوجي كما كان، صامت، بارد، وتحولت الحياة بيننا إلى حقوق وواجبات.
أنا لا أدري كيف أفعل، ولا ما أصنع فهذا هو الشهر السادس على هذه الحال بعد رجوعي. هل أخبر أهلي، لا اريد أن أهدم بيتي، لكني لا اتصور ان تستمر الحياة هكذا !؟
لك سيدتي :
في حل المشاكل أبحث عما وراء الكلام، وعما لا يقال عادة وعن الأسباب الحقيقية، وأضبط المفاهيم، وأنصح أطراف النزاع وأحدد لهم واجباتهم، وهذا عمل الناصح الفاهم. لابد أن نعلم بداية خمسة أمور:
١. أن للعلاقات الانسانية رصيد فيجب أن نستهلكه برشد.
٢. أن ليس كل شيء إذا انكسر يمكن أن يصلح.
٣. ليست كل المشاكل تنتهي بالفراق ! فالخلافات قد لاتنهي الحياة لكنها تنهي المودة.
٤. الأخلاق لايظهر جلها في حالة الوفاق، بل في الخلافات..
٥. أولى الناس بالمراعاة هم الحمو والاصهار، لأنهم القريب البعيد.

تابعنا في فيسبوك


ولك سيدتي :
فإن أكثر ما يصيب العلاقات في مقتل هو المشاكل والتراكمات، فهي كالمسامير التي تدق في نعش الحياة الزوجية، وهي كالرصيد الذي نستنفذه، قد تنتهي المشكلة ويبقى الألم، تبقى الحسرة، تبقى الذكريات المؤلمة.
نظن أننا ما زلنا اطفالا ننسى كل شيء ونرجع كأن شيئاً لم يكن، لا يا سيدتي، فذاك “زمن مضى”. القلوب لم تعد كذلك.
فلا تستهلكوا رصيدكم من المودة، ولا من الستر، ولا من الاحسان، ولا من الخير ولا من الاخرين.
من أخطاء الناس أنهم يتحفظون أمام الاخرين جدا ليظهروا بأبهى حلة وأكرم مظهر، وألطف معشر، وهم يرون الاخرين للحظات، ومع بعضهم و بسبب الخلطة والمعاشرة يظنون أن الادبيات، والتحفظ، والاحترام، لامكان لهما مع أن العلاقة التي يجب أن تكون أكمل ما ينبغي، وأرقى ما يجب هي العلاقة الزوجية لانها مسيرة حياة.
بعض المشاكل “كالطريق باتجاه واحد لا عودة فيها”، وبعض الخطوط الحمراء لايجب أن تنتهك لأنها أسرع طريق للطلاق، وأهمها تدخل الآخرين من العائلة، لأن المشكلة تنتقل من مشكلة بين زوجين لمشكلة بين عائلتين وعندها الذي انكسر لايمكن أن يصلح. ثم قد تنتهي المشكلة ظاهراً، لكن كيف ينتهي مافي القلوب ؟
نظن أن كل المشاكل تنتهي بالفراق وليس ذلك، بعضها ينتهي بالكره، والنفور، والصمت، والإهمال، والسلبية..
ربما تموت المشاعر الإيجابية لتحل مكانها أخرى، فمن مات عنده الغالي لن يأسف على فراق. “ينام الإنسان بعد خذلان مفزع فيستيقظ شخصا آخرا”.


وقد قيل: “من يشعل النار إن لم يحو موقدها، يكون أول من بالنار يحترق”
لا تشعلوا نارا لا تقدرون على السيطرة عليها، لذا تجد كثيراً من البيوت تعيش لأجل الأولاد، أولكلفة الطلاق، أولصعوبة البديل،أو لأجل أن تعيش فقط..
ثم من قال أن كل شيء كسر يمكن أن يصلح ؟ هذا في عالم الزجاج، والمادة ربما، وعند أرباب الأخلاق العظيمة، والقلوب الكبيرة وليس كل الناس كذلك، فيا أيها الزوج كن أنت منهم ان استطعت، فالتسامح والتغاضي ثلثي الأخلاق..
أيتها الزوجة يمكن لبعض الذي انكسر أن يجبر قد لايعود كما كان، لكن قد يعود أجمل وربما شيئا آخرا، فأحسني التبعل لزوجك، واتركي الكبرياء خارجاً، وافعلي ما تفعلله الفتاة التي تحب شاباً فتتفنن في إظهار الجمال، والرقة، واللطف، وتفعل لاجل اغراءه وفتنته وسعادته كل شيء، صادقة إن كنت تحبينه، وهو زوجك وأولى بذلك وقد تعود الأمور لمجاريها، بيد أنها تحتاج “بعض الوقت”، وتعلمي فن إزالة التراكمات، لأن بعض التراكمات تحيل الحياة إلى جحيم.
أيها الناس: لا يستشار في النزاعات والخلافات سوى العقلاء، فبعض الأهل يكونون أسوأ من المشكلة ذاتها، ولا يحسنون التصرف والنصح، لا تسمحوا للأبناء بنقل الصغائر بل عظائم الأمور وتحدد للابناء ليعرفوها، واعلموا أن الصهر لا يهان، لانه حام للعرض، ستهينه مرة وتحكم على بنتك أن تهان ألف مرة، الإهانة ليست ضرباً وشتيمة فحسب إلا عند العبيد، الإهانة قد تكون همسة، ونظرة، ولمسة، وسكوتاً.
والكنة لاتهان أيضاً، فهي تشارككم حياتكم، وقد تخولها إلى جحيم، وهي مبتسمة، وربما ربت أولادكم على بغضكم، فاستوصوا بالنساء خيراً.

✒️مصعب الأحمد بن أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى