مقالات

هل تُشعل احتجاجات الأردن شرارة موجة جديدة من ‘‘الرَّبيع العربي’’؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لعلَّ من أشدِّ تداعيات انهيار دولة الخلافة الإسلاميَّة مطلع عشرينات القرن الماشي وقعًا تقسيم الشَّام إلى أربعة دويلات، قُسِّمت بين النُّفوذين البريطاني والفرنسي، في إطار اتِّفاقيَّة سايكس-بيكو الخائنة. خضع الأردن إلى النُّفوذ البريطاني، الَّذي أسَّس فيه إمارة أطلق عليها ‘‘إمارة شرق الأردن’’، وولَّى عليها عبد الله، أحد أبناء الحسين بن عليّ، شريف مكَّة المتمرِّد على الشَّرعيَّة المتمثِّلة حينها في دولة الخلافة العثمانيَّة. يعاني الأردن منذ تأسيسه من مشكلات اقتصاديَّة؛ ترجع إلى شُّحِّ الموارد الطَّبيعيَّة وعدم استغلال الثَّروات المتاحة؛ ولذلك يعتمد النِّظام الحاكم منذ عقود على المساعدات الخارجيَّة. وبرغم وعود الوفرة الاقتصاديَّة الَّتي قُطعت عند إبرام العاهل الرَّاحل، الحسين بن طلال، معاهدة التَّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، المعروفة باسم معاهدة وادي عربة، في أكتوبر 1994م، تعاني البلاد من أزمة اقتصاديَّة خانقة أدَّت إلى ارتفاع الدَّين العام خلال النِّصف الأوَّل من 2022م من 29 مليار دولار إلى 41 مليارًا.

ومع ارتفاع تكاليف المعيشة في الأردن، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بأسعار المحروقات، تتنامى حالة السَّخط الشَّعبي حيال الأوضاع المعيشيَّة؛ حتَّى خرجت مظاهرات احتجاجيَّة في شتَّى محافظات البلاد منذ مطلع ديسمبر الجاري، في اعتراض على استئثار الطَّبقة الحاكمة بالثَّروة في مقابل انتشار الفقر بين عامَّة الشَّعب. استخدمت الشُّرطة الأردنيَّة العنف مع المحتجِّين المطالبين بإسقاط النِّظام، وبمحاكمة الفاسدين، بما يشمل الأسرة الحاكمة، معلنين الإضراب عن العمل في مختلف القطاعات، فيما سُمِّي ‘‘إضراب الكرامة’’، في خطوة تنذر بتحقُّق ما تحذِّر منه مختلف المراكز البحثيَّة الغربيَّة، وعلى رأسها معهد واشنطن لسياسات الشَّرق الأدنى، من تكرار ‘‘ثورات الرَّبيع العربي’’ بصورة أوسع نطاقًا وأكثر فوضى ممَّا حدث عام 2011م وما تلاه!

ملابسات انطلاق احتجاجات الأردن

شهد الشَّارع الأردني العديد من الاحتجاجات الشَّعبيَّة خلال العامين الماضيين؛ بسبب تكرار ارتفاع أسعار الوقود وانعكاس ذلك على أسعار كافَّة السِّلع والخدمات. فقد رفعت لجنة تسعير المشتقَّات النَّفطيَّة في الأردن في نوفمبر الماضي أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 40 – 46 بالمائة، ما أثار اعتراض نوَّاب برلمانيين، ليعلِّق رئيس الحكومة بأنَّ البلاد “لا تملك ترف دعْم المحروقات كما حصل في السَّنة الماضية”. غير أنَّ المتضرِّرين من المواطنين، وفي مقدِّمتهم سائقو الشَّاحنات، قرَّروا الإضراب عن العمل، وانضمَّ إليهم بعض أصحاب المحال التُّجاريَّة في المحافظات الجنوبيَّة في الأردن. 

أقدمت الحكومة الأردنيَّة على تقييد استخدام الإنترنت؛ لمنع استخدام وسائل التَّواصل في نشْر دعوات الإضراب والاحتجاج. ومع ذلك، نجح نشطاء شبكة تويتر في إطلاق عدَّة وسوم لدعم الاحتجاج، منها ‘‘#إضراب_النَّقل_العام’’، و ‘‘عصيان_مدني’’، و “‘إضراب_الكرامة’’. وقد أدَّى الاشتباك بين قوَّات الأمن الأردنيَّة وأفراد الشَّعب إلى مقتل نائب مدير شرطة محافظة معان الجنوبيَّة، عبد الرَّزَّاق الدَّلابيح، بعد إصابته بعيار ناري. واستمرارًا للمواجهة المسلَّحة بين الشُّرطة والمواطنين، قُتل ثلاثة من عناصر الشُّرطة الأردنيَّة خلال عمليَّة استهدفت تصفية المشتبه به في مقتل مدير شرطة معان، وجاء في بيان الشُّرطة “العمليَّة أسفرت عن مقتل ثلاثة من عناصرها ومقتل أحد المشتبه فيهم بقتل ضابط الشُّرطة في محافظة معان أثناء أعمال الشَّغب الَّتي شهدتها المحافظة”. ومن المفارقات أنَّ الاحتجاجات تتزامن مع استضافة الأردن مؤتمر “بغداد للتَّعاون والشَّراكة” الثُّلاثاء 20 ديسمبر، وقد أعلن الجيش الأردني عن نشْر “قوَّات وآليَّات عسكريَّة على الطَّريق من مطار الملكة علياء الدُّولي وحتَّى منطقة البحر الميِّت”؛ لتأمين المؤتمر الَّذي سيشهد مشاركة دوليَّة واسعة.

توقُّعات بانطلاق “انتفاضات أكثر شراسة”” في المنطقة العربيَّة

ضمن سلسلة تحمل العنوان Reform, Protest, Change، أو الإصلاح والاحتجاج والتَّغيير، نشَر معهد واشنطن لسياسات الشَّرق الأدنى في 14 ديسمبر 2022م مقالًا تحت عنوان ” Reexamining U.S. Aid to the Middle East: Ideas for Advancing Both Governance and Democracy”، أو إعادة تقييم المعونة الأمريكيَّة للشَّرق الأوسط: أفكار لتعزيز كلا الحوكمة والدِّيموقراطيَّة، تناوَل مآل تردِّي الأوضاع المعيشيَّة في المنطقة، ومآل “الاحتجاجات المحتدمة” من جرَّاء “التَّحدِّيات الاقتصاديَّة المحتدمة”. يشير المقال إلى “فشل مليارات الدُّولارات في تحسين النَّتائج بشأن مجموعة من الإجراءات الَّتي اتُّخذت منذ انتفاضات الرَّبيع العربي”، ما يستدعي إعادة النَّظر في أولويَّات الإنفاق، وتوجيه المعونة الأمريكيَّة إلى الهيئات الحكوميَّة المحليَّة، والإعلام المستقل، وجهود مكافحة الفساد. ويستنتج المقال أنَّ عدم توجيه الدَّعم إلى تلك الأمور بعينها من شأنه أن يفضي إلى “انتفاضات أشدِّ شراسة” في المستقبل.

ونتساءل: هل تكون احتجاجات الأردن الشَّرارة الأولى لموجة جديدة من انتفاضات الرَّبيع العربي؟ وإذا كانت تلك الانتفاضات مفتعلة لإشاعة الفوضى في المنطقة العربيَّة لخدمة المصالح الاستعماريَّة، فهل تفضي الانتفاضة الشَّعبيَّة في الأردن إلى توطين الفلسطينيين فيه بعد تهجيرهم قسريًّا من مدنهم وقراهم؟ وهل يؤدِّي سقوط النِّظام الحاكم في الأردن إلى انتقال الوصاية على المسجد الأقصى المبارك إلى السَّعوديَّة، ثمَّ تمكين الاحتلال الإسرائيلي من تقسيمه مكانيًّا ببناء ‘‘هيكل أورشليم’’ الثَّالث؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى