ثقافة وأدب

قالت العرب: ‌تَعَلَّمُوا ‌الْعَرَبِيَّة

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

وهذا القول لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه. والقول المشهور فيه زيادة على النحو الآتي: (تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة) وهذه الزيادة ضعيفة الإسناد، والثابت الصحيح منها هو (تعلموا العربية).

وقد رُوي الأثر المذكور كلامًا للإمام الشافعي رحمه الله، قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعيّ يقول: ” تعلّموا العربيّة، فإنّها تثبّت العقل، وتزيد في المروءة”.

وسواء صحّ الأثر-بتمامه- عن عمر رضي الله عنه أم لم يصحّ ؛ فإن فضل اللغة العربية وأهميتها ومنزلتها مما لا يخفى على أحد ، وقد اختارها الله تعالى وأنزل بها خاتمة كتبه ، وجعلها لسان خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.

أخرج أبو بكرِ بنُ الأنباريِّ في كتاب الوقف والابتداء بسنده عن عمرَ بنِ الخطابِ، رضي الله عنه قال: لا يُقْرِىءُ القرآنَ إلا عالمٌ باللغةِ.

والذي دفع أمير المؤمنين عمر أن يقول هذه المقالة ما روي أن أعرابيًّا قدم إلى المدينة المنورة في خلافة أمير المؤمنين عمر فقال: من يقرئني مما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فأقرأه رجل سورة “براءة” فقال:

﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ بالجرّ فقال الأعرابي: «أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن بريء من رسوله فأنا أبرأ منه»!

فبلغ عمر رضي الله عنه مقالة الأعرابي فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يُقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال: ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ بالجرّ، فقلت: أو قد بريء الله تعالى من رسوله؟! إن يكن برئ من رسوله فأنا أبرأ منه.

فقال له عمر رضي الله عنه: ليس هكذا يا أعرابي فقال كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما بريء الله ورسوله منه، فأمر عمر رضي الله عنه ألا يُقرِئ القرآنَ إلا عالمٌ باللغة.

ولأجل كل ذلك قال الإمام السيوطيُّ: “إنَّ العلوم كلَّها مفتقرةٌ إلى علم النحو”.

وقال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: “وإنّما يعرِفُ فضْلَ القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها”.

قال الثّعالبي في كتابه فقه اللغة وسرُّ العربية: “إنّ مَن أحَبَّ اللهَ أحبَّ رسولهُ، ومن أحبَّ النّبي أحَبَّ العَربَ، ومَن أحبَّ العربَ أحبَّ اللُّغة العربيّةَ التي بها نزلَ أفضلَ الكُتبِ على أفضلَ العجمِ والعربِ، ومَن أحبَّ العربيّةَ عُنيَ بها وثابرَ عليها، وصرفَ هِمَّتهُ إليها”.

وقال الشافعي رحمه الله: ” من تعلم اللّغة رقّ طبعه”.

قالت المستشرقة الألمانية الدكتورة آنا ماري شيمل: واللغة العربية لغةٌ موسيقية للغاية، ولا أستطيع أن أقول إلا أنها لا بدّ أن تكون لغة الجنة.

قال الفارابي يمدح العربية: “بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا”.

ولسان القوم هو وسيلة الخطاب بينهم، ولغتهم هي وعاء منسكهم وشعيرتهم ودينهم، وكل قوم يفاخرون بلسانهم، ويدعون إلى لغتهم.

والله تعالى قد امتنّ علينا بالبيان فقال:﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 – 4].

ونحن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية، نُذكّر أنّ اللغة العربية هي من أرسخ اللغات ثباتًا وبيانًا، لم تتغير بلاغتها وفصاحتها منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا، حفظها الله لنا بحفظ القرآن على مر الزمان إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومَنْ عليها.

قال جلَّ مِن قائلٍ سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

﴿ إنَّا جعلناهُ قرآنًا عربيًّا لعلّكم تعقلون ﴾ [الزّخرف:3]

فهل نعقل ونقدّر هذا الشرف العظيم!

ومع تعرضها لموجات من التغريب والغزو الثقافي، فما زالت لغتنا العربية حيّة حتى يومنا هذا، ويرجع الفضل إلى القرآن الكريم الذي حافظ على أصل اللغة الأمّ.

ولكنّ تأثير موجات التغريب والغزو الثقافي قد أدّى إلى انزواء اللغة العربية وشيوع الأخطاء اللغوية والإملائية بين المُتخصّصين، وفي دواوين الشعر، والكتب الأدبية، والصحف والمجلات، والعاملين في القنوات الفضائية.

فضلًا عن انتشار كثير من المصطلحات الأجنبية وإحلالها مكان العربية في الجامعات بحجة أنها جاءت ملتصقة بتلك العلوم ولايمكن تعريبها!

وهذا الأمر خلق جيلًا لا يعرف من العربية إلا القدر القليل من مصطلحاتها، وأنّ اعتزاز كثير من المجتمعات العربية بلهجاتها العاميّة والافتخار بها وتداولها في القنوات الإعلامية والمحافل المجتمعية ومواقع التواصل الاجتماعي، عزّز من إحلال هذه اللهجات على حساب اللغة العربية الفصحى. 

وقد تعددت الآراء في تشخيص أسباب تراجع اللغة العربية، وفي تحديد طرائق النهوض بها لإيقاف هذا التراجع؛ إذ يُحَمِّل بعضُهم التعليمَ ووسائلَه المسؤوليةَ الرئيسة في هذا التراجع، في حين يُحمِّل آخرون الإعلامَ الوِزْرَ، بينما يعزو آخرون التراجع إلى تخلُّف الأمة الحضاري والعلمي، وتراجعها عن دورها الرسالي في الحياة.

من أجل ذلك يجب أن تستيقظ الأمة قبل فوات الأوان وقبل أن ينشأ جيل لا يعرف من العربية إلا حروفها ثم يستبدل بالقيم والعادات العربية والإسلامية قيمًا وعاداتٍ لا تمت للأمة بصلة.

لذلك يجب على المؤسسات التعليمية التي تُعنى باللغة العربية ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية أن تقوم بحملات توعية في المدارس والجامعات والقنوات التلفازية لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية وعقد دورات لسدّ الضعف عند بعض الطلاب الذين يحتاجون إلى ذلك. 

وإن النهوض بلغتنا العربية يتطلب نهوضًا حضاريًّا شاملاً للأمة، يَرْفدُه تقدم علمي بالكيفية التي يضمن لها معاودة دورها الرساليِّ في العطاء والإشعاع مجددًا، بما يعزز نشر اللغة العربية بين الشعوب، ويتطلب الأمر – فضلًا عن ذلك – اتخاذ المعالجات الأخرى المساعِدة للحفاظ على اللغة العربية، ووقف تراجعها في الاستخدام، والحد من مَسْخ أصالتها، وتوظيف الجهد بصيغة عمل جماعي على المستوى القومي، يُسهم فيه كل من يَعْنيهم الأمر من العلماء، والكُتَّاب، والهيئات، والحكومات.

لغةٌ إذا وقعتْ على أسماعِنا

كانتْ لنا بردًا على الأكبادِ

ستظل رابطةً تؤلِّفُ بيننا

فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضادِ

أبشروا فإن اللغة العربية لا تموت

لابد أن اللغة العربية باقية ما بقي الليل والنهار وأنه مهما حاول الأعداء أن يقضوا عليها أو ينالوا من مكانتها أو يزهدوا فيها أهلها فلن يصلوا إلى أهدافهم ولن يقضوا عليها،لأنها لغة القران الكريم والله تعالى قد أخبرنا بحفظ كتابه ولم يكل حفظه إلينا؛ لعلمه سبحانه بضعفنا، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ ‌نَزَّلْنَا ‌الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى