ثقافة وأدب

ماذا كنت تكتب خلف الصور الفوتوغرافية؟.. فلسفة الكتّاب العرب

أحمد عبد الحميد|

كتير منا ينشر صوره الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة انستغرام البرنامج الأشهر لنشر الصور، قد تشارك أصدقاءك تلك الصور أو تنشر صورهم الخاصة أيضًا وتعلق عليها تعليقًا يناسب حالة الصورة من تاريخ التصوير ومعلومات عن الصور أو وصف كاريكاتيري ربما..
لكن ماذا عن الصور القديمة الورقية..
لابد أنك كنت تكتب خلفها في تلك المساحة البيضاء نفس ماتكتبه أسفل الصور الرقمية..
لاتخلو الكتابة على تلك الصور من تجسيد حالة الصورة، فمنهم من يعلق خلفها تعليقاً هزلياً، ومنهم من يعلق تعليقاً حميمياً محباً، ومنهم من يلعن الزمان الذي جمعه بشخصيات تلك الصور، ومنهم من يتحسر ومنهم ومنهم..

من طريف مايروى، ماكتبه الشاعر السوري المهجري إلياس قنصل على صورة لصديقه الدمشقي جورج صيدح يداعبه:

صيدح في صورة
راغبةٍ لو لم تَكُنْهُ
قيل صفها قلت:
يكفي أنها أقبح منه

فرد صيدح:
عيّروا رسمي وقالوا
فيه قولا لم تَشُنْهُ
إن يكن أقبح مني
فأنا أجمل منه
روعة الشاعر سرٌّ
قلت للرسام صنه
واستغنى بالفن في
تجميل غيري واعنه
رُبَّ رسم قنصلي
جاحظي إن تزنه
لا تدع في رسمه ما
يشبه المنقول منه

ولا يخلو التعليق على الصورة من طرافة اللبناني طانيوس عبده:

هذه صورتي تراها فقل ما
شئت فيها فإنها لا تراكا
لا يرعك انقباض وجهي فقد
كان بشوشاً من قبل أن يلقاكا

وعلى نفس الغرار العَرار شاعر الأردن الذي أهدى صورة لصديقه الأديب يعقوب العودات (البدوي الملثم) كتب عليها بيتين توضح عمق الصداقة بين القامتين الأردنتين:

لا تقولوا ما لصاحبنا
عابسُ الدهر وهو يبتسم
ذلكم مسٌ يلم به
كلما يشجيه ذكركم

كان المصور أحمد حسين مشهورا جدا في شارع سليمان باشا في القاهرة كان مشهورا بجودة تصويره وخياله الواسع وتصوير الوجوه الاجتماعية البارزة، وكان من بين من صور الشاعر بيرم التونسي صاحب أغنية (أنا في انتظارك) التي غنتها أم كلثوم، فأعجبت التونسي الصورةُ وكتب عليها باللهجة المصرية:

يا رب عفوك دبّرني
احمد حسين دا محيّرني
يا رب أنت تكبّرني
وهو ليه بيصغّرني

من بيرم إلى توأم روحه سيد الدرويش، يقال أنه أهدى صورة إلى أحد أصدقائه وقبل أن يهديها كتب عليها:

صديقي إن عفا رسمي
وهز الموت بنياني
فناج الروح واذكرني
نزيل العالم الثاني

وكثيرا ما كانت الصور تلتقط لأحد الشعراء مع أحد الأصدقاء، ولابد أن يتناول قلمه ليلعق عليها، ومنهم إبراهيم طوقان الشاعر الفلسطيني كتب على ظهر صورة له مع صديق عمره إبراهيم مطر:

لعمرك إن جار الزمان وفرقا
وهذا زمان غدره ليس يتقى
فيا رسم كن ضد الزمان وغدره. بضمك جسمينا فإن لك البقا
ستجمعنا هذه الوريقة إن قضت
علينا النوى في الأرض أن نتفرقا

ومن الشعراء من سلك منهجاً آخر في الكتابة على الصورة كالإشارة إلى الحظ العاثر والبؤس والشقاء في الدنيا، ومنهم أحمد الصافي النجفي العراقي الذي قتلته الحرب الأهلية اللبنانية:

أسير وظل البؤس يمشي بجانبي. كأني حليف للشقاء وذو رَحِمِ
تعلق بي حبا فهذا خياله
يلوح على شكلي ويبدو على رسمي

ومنهم من نظر إلى صورته فأحزنته كثيرا تقاطيع الوجه المحفورة والعينين الغائرتين فعبّر بكل آسى كشحرور الوادي أسعد الخوري الفغالي:

يا ناظري في حياتي
بالرسم سلم علي
فالذكر بعد مماتي
يرد روحي إلي

خليل مردم بك الشاعر والوزير السوري قدم صورة لصديقه هدية ولكن قبل أن يعطيه الصورة قرأ هذا البيت ودوّنه خلف الصورة:

زودتك الروح وذكر الود إذ أزفت. ساعات خيرك فاقبل رسم جثماني

تجاوز الأمر إلى التنبىء بالموت خلف الصور الورقية، كالشاعر العراقي “عبد القادر رشيد الناصري” يقول:

ما لي أحس دبيب الموت في جسدي
ووخزة الألم القتال في بصري

أختم بالروائي التونسي أحمد خير الدين زاره (عبدالسلام علي نور) المصور الكاريكاتوري ومندوب مجلة المستمع العربي للإذاعة البريطانية وأخذ له صورة بيده نشرت في آخر عدد بالمجلة وطلب منه أن يكتب اسمه خلف الصورة، فكتب هذين البيتين:

من خيالي ترى خوالج نفسي
قد تجلت بفضل ريشة نورِ
أنت في صفحة تصوِّر ذاتي
وأنا قد رسمتكم في ضميري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى